2501 ـ أكْذِبُوا آمالَكُمْ وَاغْتَنِمُوا آجَالَكُمْ بِأَحْسَنِ اَعْمَالِكُمْ وَبادِرُوا مُبَادَرَةَ اُولي النُّهَى والأَلْبابِ.

2502 ـ اِسْتَحيُوا مِنَ الفِرارِ فاِنَّهُ عَارٌ فِي الاَعْقَابِ وَنَارٌ يَوْمَ الحِسابِ.

«استحيوا من الفرار» أي في الجهاد «فانّه عارٌ في الأعقاب» أي لأولاد هذا الفارّ الّذين يأتون في عقبه، «ونارٌ يوم الحساب» أي انّه سبب للنار.

2503 ـ اُذْكُرُوا عِنْدَ المَعَاصِي ذَهَابَ اللَّذَّاتِ وَبَقَاءَ التَّبِعاتِ.

المقصود(1) اذكروا ذلك حتّى يمنعكم من ارتكاب المعاصي.

2504 ـ اُهجُروا الشَّهَواتِ فَاِنَّهَا تَقُودُكُمْ اِلَى رُكُوبِ الذُّنُوبِ والتَهَجُّمِ عَلَى السَّيِّئاتِ.

2505 ـ اِتَّقُوا اللهَ الَّذِي اِنْ قُلْتُمْ سَمِعَ وَاِنْ اَضْمَرْتُمْ عَلِمَ.

2506 ـ اِحْتَرِسُوا مِنْ سَوْرَةِ الغَضَبِ وَاَعِدُّوا لَه ما تُجاهِدُونَهُ بِهِ مِنَ الكَظْمِ وَالحِلْمِ.

2507 ـ اِتَّقُوا ظُنُونَ المُؤْمِنِينَ فَاِنَّ اللهَ سُبْحانَهُ أَجْرَى الحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ.

المراد: لا تفعلوا السيئات وإن أخفيتم ذلك كلّه، فانّ المؤمنين سيظنون بها ويتطلعون إليها بفراستهم وبذلك ستفضحون.

2508 ـ اِسْتَجِيبُوا لاَِنْبِياءِ اللهِ وَسَلِّمُوا لاَِمْرِهِمْ وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِمْ تَدْخُلُوا فِي شَفَاعَتِهِمْ.

2509 ـ اِتَّقُوا دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإنَّهُ يَسْأَلُ اللهَ حَقَّهُ وَاللهُ سُبْحَانَهُ أكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْئَلَ حَقَّاً اِلاَّ اَجَابَ.

2510 ـ اِجْعَلُوا كُلَّ رَجَائِكُمْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَلاَ تَرْجُوا أَحَداً سِواهُ فَإنَّهُ ما رَجَا أَحَدٌ غَيْرَ اللهِ تَعَالى إلاَّ خَابَ.

2511 ـ اَفِيضُوا فِي ذِكْرِ اللهِ فَإنَّهُ أَحْسَنُ الذِّكْرِ.

2512 ـ اَقْمِعُوا نَوَاجِمَ الفَخْرِ وَاقْدَعُوا لَوامِعَ الكِبْرِ.

اقمعوا أو حقروا واغلبوا نواجم الفخر والاعتزاز بالنفس أو طوالع وظواهر الفخر، أي كلّ فخر يبدو منكم أو اُصول الفخر وأساسه، «واقدعوا لوامع الكبر» أي لا تسمحوا للتكبر والطغيان أن يبرزا فيكم، وفي بعض النسخ ورد (طوالع) بدلا عن (لوامع) فيعني طلائع وظواهر التكبر. وانّ اطلاق النجم على الفخر والاعتزاز بالنفس هو لما فيه من ظهور كالنجم، أو لما يفترضه صاحبه من رفعة وعلوّ لنفسه. وفي(2) بعض النسخ ورد (اقرعوا) بدلا عن (اقدعوا).

2513 ـ اِرْغَبُوا فِيما وَعَدَ اللهُ المُتَّقِينَ فَإنَّ أَصْدَقَ الوَعْدِ مِيعَادُهُ.

المراد من (إرغبوا..) هو طلب ذلك والتماسه بانْ يتّقوا الله كي تشملهم تلك الوعود أيضاً.

2514 ـ اِسْتَحِقُّوا مِنَ اللهِ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصْدِقِ مِيعَادِهِ وَالحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ.

المراد انّ الله تعالى قد أعد الجنّة لمن طلب الفلاح بأن يجعل نفسه مصداقاً لوعده، ويصدق فيه وعد الله ويتنجز، وذلك باطاعته وامتثال أمره، أو بأن يدعو الله ويسأل بأن ينجز له ما وعده للصالحين، وليحذر يوم رجوعه وذلك باجتنابه الاُمور الّتي تضره في ذلك اليوم، فحقّقوا لأنفسكم ما أعدّه لكم، وذلك بأن تجعلوا أنفسكم أهلا لذلك الطلب والحذر ليكون ذلك معدّاً لكم أيضاً.

ويظهر ممّا قررناه أن قوله: (بالتنجز... الخ) يمكن أن يكون متعلقاً بـ (أعدّ) أي أَعَدَّ بسبب التنجز والحذر. ويمكن أن يكون متعلقاً بـ (استحقوا) أي كونوا أهلا لهذا التنجز والحذر بسبب تحصيلهما، وفي بعض النسخ ورد (إيعاده) بدلا عن (ميعاده) فيعني: من هول تخويفه ووعيده بالعذاب على عصيانه.

2515 ـ اِتَّعِظُوا بِالعِبَرِ وَاعْتَبِرُوا بِالْغِيَرِ وَانْتَفِعُوا بِالنُّذُرِ.

... «واعتبروا بالغير» أي بتغيّر الأحوال أو المصائب، «وانتفعوا بالنذر» أي انذار الله تعالى من المعاصي، يعني اجتنبوها كي تنتفعوا.

2516 ـ اِمْتَاحُوا(3) مِنْ صَفْوِ عَيْن قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ الكَدَرِ.

خذوا الماء من عين صافية من الكدر، المراد: تعلموا العلوم من الأئمّة(عليهم السلام)فانّهم لا يسهون ولا يخطؤون في علومهم، وهم بمثابة العين الصافية وغير الملوثة.

2517 ـ اِسْعَوْا فِي فِكَاكِ رِقَابِكُمْ قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ رَهائِنْها.

أي قبل أن تغلق أنفسكم الّتي هي في رهان أعمالكم، أي قبل أن توقف للانتقام منها، ولا تتحرر نظراً لانتهاء أمد العمل، وقد شبّه ذلك بالرهينة الّتي يتصرف فيها المرتهن فيربطها لنفسه في مكان حفظاً لها.

2518 ـ أَحْسِنُوا جُوارَ(4) نِعَمِ الدِّينِ وَالدُّنيَا بِالشُّكْرِ لِمَنْ دَلَّ(5) عَلَيْها.

أي انّ شكر الدال على النعمة هو حسن جوار تلك النعمة، ومتى ما كان مشكوراً كان صاحب النعمة مشكوراً أيضاً بطريق أولى.

2519 ـ اِسْتَتِمُّوا نِعَمِ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ وَالمُحَافَظَةِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ.

... «ما استحفظكم من كتابه» القرآن المجيد، والمراد من المحافظة عليه هو العمل بأحكامه وتعظيمه وتوقيره وصونه من كلّ ما لا يليق به، وما يسيء الأدب إليه.

2520 ـ اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاسْعَوا فِي مَرْضَاتِهِ، وَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمْ مِن أَلِيمِ عَذَابِهِ.

(حقّ تقاته) هو الخوف الّذي يدفع نحو طاعة الله ويمنع من عصيانه، و (اسعوا في مرضاته) يعني ما يستدعي رضا الله.

2521 ـ اِتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وَكُونُوا مِنْ خِيارِهِنَّ عَلَى حَذَرِ.

... «وكونوا من خيارهن على حذر» أي احذروا من إيقاعهن اياكم في مصيبة دنيوية أو أخروية.

2522 ـ اِتَّقُوا الَبغْيَ فَإنَّهُ يَجْلِبُ النِّقَمَ وَيَسْلُبُ النِّعَمِ وَيُوجِبُ الغِيَرَ.

إحذروا البغي فانّه يأتي بسخط الله تعالى، ويسلب النعم ويستدعي المصائب أو تغيّر الدول، والبغي يعني الظلم والطغيان والتمرد والعدول عن الحقّ والكذب، وكلّها محتملة هنا والأوّل أظهر.

2523 ـ اِتَّقُوا مَعَاصِيَ الخَلَواتِ فَاِنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الحَاكِمُ.

لا يخفى انّ في جميع المعاصي سواء أكانت في الخلوات أو غيرها يكون الحاكم ـ وهو الله تعالى ـ هو الشاهد عليها، وعليه فالمراد هو: اتّقوا المعاصي في الخلوات أيضاً، فلا تتساهلوا فيها ظنّاً منكم بعدم اطلاع أحد عليها، فانّ الحاكم هو الشاهد عليها وكفى به شاهداً، أو نقول: بما انّ الشاهد عليها هو الله تعالى، ولا شاهد آخر عليها، ولذا لا يخاف منها ولا يحذر ولم يكترث باطلاع الله عليها، وعليه فانّ الله تعالى يولي اهتماماً كثيراً في العذاب عليها فيجب الخوف منها بنحو أشد.

2524 ـ أبْعُدُوا عَنِ الظُّلْمِ فَاِنَّهُ أَعْظَمُ الجَرَائِمِ وَأَكْبَرُ المَآثِمِ.

2525 ـ اَحْيُوا المَعْرُوفَ بِاِمَاتَتِهِ فَإنَّ المِنَّةَ تَهْدِمُ الصَّنِعَةِ.

المراد من (إماتته) هو عدم المن، وذلك بالتساهل في مقداره حين الإعطاء، وترك تعظيمه ثمّ عدم ذكره.

2526 ـ اِغْلِبُوا الجَزَعَ بِالصَّبْرِ فَاِنَّ الجَزَعَ يُحْبِطُ الأجْرَ وَيُعظِّمُ الفَجِيعَةَ.

2527 ـ اِلْتَوُوا فِي اَطْرَافِ الرِّماحِ فَاِنَّهُ أَمْوَرُ لِلاَسِنَّةِ(6).

التفوا حول جوانب الرماح فانّه أمضى للأسنة، أو التفوا حول أطراف الرماح لأنّ ذلك يجعل الأسنة أشد وقعاً أي امسكوا بالرمح تحت الابط ولفوا عليه الذراع و استعملوا السنان; لأنّ استعمال الرمح بهذا النحو يجعله أقوى طعناً لأنّه يعتضد بثلاث قوى، أوّلا انّه تحت الابط وثانياً الذراع وثالثاً اليد، عكس الوضع المألوف فانّه ليس بهذا النحو، ويحتمل أن يعني لفّ شيء على الرمح ليقيه ويحفظه من الآفات، ويحتمل أن يكون الالتواء بمعنى الاختيار والانتخاب أي اختاروا لأطراف الرماح أي احصلوا على أطراف جيدة وهي الفولاذ الجيد المعالج جيداً، أو يعني التواء رأس الرمح وأسفله ويحتمل أن يكون الالتواء في الأطراف كناية عن التواء نفسه بأن يميل إِلى طرف عند استعمالها كي تزيغ عنه الأسنة بسرعة.

ويكون (أمور) بمعنى الزائغ، وفي بعض النسخ ورد (على) بدلا عن (في) كما هو في كتاب الكافي، ويمكن أن تكون الفقرة الشريفة كناية عن اعداد الرمح أي أديموا ومارسوا في أطراف الرماح فانّه أوقع لدى الحاجة قياساً إِلى من لم يمارس ويفتقد المهارة لأنّه حينئذ لا يتمكن من الوقع، ويحتمل أن يكون المعنى: عند استعمال الرمح لابدّ من تحريكه كي يكون أمضى، لأنّ تحريكه حينئذ يقضي على الأعداء بنحو أسرع ولا يمهلهم شيئاً، والله ورسوله وأخو رسوله أعلم.

2528 ـ اَقْبِلُوا عَلى مَنْ اَقْبَلَتْ عَلَيْهِ الدُّنيَا فَاِنَّهُ اَجْدَرُ بِالغِنى.

أي انّ من أقبلت الدنيا عليه يكون غنياً غالباً، فإذا أردتم الاقبال على إنسان أقبلوا على هكذا إنسان، لا على من لا يُعلم اقبال الدنيا عليه أو ادبارها، أو من أدبرت الدنيا عليه.

2529 ـ اِتَّقُوا الحِرْصَ فَاِنَّ صَاحِبَهُ رَهِينُ ذُلٍّ وَعَنَاء.

2530 ـ اُطْلُبُوا العِلْمَ تُعْرَفُوا بِهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ.

أي اطلبوه بحيث تُعرفوا عند الناس بهذا الوصف أي اهتموا به تماماً، ويمكن أن يكون المراد من (تعرفوا به) هو أن الناس يعزونهم ويكرمونهم ولا يسيئون معاملتهم، و (اعملوا به تكونوا من أهله) يعني انّكم لا تكونون من أهل العلم ولا تحظون بما ورد من الفضائل والامتياز لأهل العلم حتّى تعملوا به، ويمكن أن يكون المراد بانّكم بمجرد ما شرعتم بطلب العلم سيعرفكم الناس بهذه الصفة ويعتبرونكم من أهل العلم، ولكن ما لم تعملوا به فانّكم لا تكونون من أهله في الحقيقة.

2531 ـ اِفْعَلُوا الخَيْرَ ما اسْتَطَعْتُمْ فَخَيْرٌ مِنَ الخَيْرِ فَاعِلُهُ.

2532 ـ اِجْتَنِبُوا الشَّرَّ فَاِنَّ شَرَّاً من الشَّرِّ فَاعِلُهُ.

2533 ـ اِعْمَلُوا فِي غَيْرِ رِيَاء وَلاَ سُمْعَة فَاِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللهِ يَكِلْهُ اللهُ سُبْحَـانَهُ اِلى مَنْ عَمِلَ لَهُ.

المراد من (الرياء) هو أن يعمل الإنسان عملا بهدف أن يراه الآخرون، ومن (السمعة) هو أن يعمل عملا بهدف سماع الغير، وهما أمران سيئان في العبادات، وقصد كلّ منهما يوجب بطلان العبادة، فاللازم هو عدم قصد اطّلاع غير الله تعالى عليه.

2534 ـ اِغْتَنِمُوا الشُّكْرَ فَأَدْنَى نَفْعِهِ الزِّيادَةُ.

أي زيادة النعمة الّتي هي المنافع الدنيوية، ومن الواضح عدم قياس سائر المنافع والّتي هي المنافع الاخروية بها.

2535 ـ اِسْتَدِيْمُوا الذِّكْرَ فَاِنَّهُ يُنِيرُ القَلْبَ وَهُوَ اَفْضَلُ العِبَادَةِ.

2536 ـ اُطْلُبُوا الخَيَر فِي أَخْفَافِ الاِبِل طَارِدَةً وَوَارِدَةً.

أي حينما يأتي البعير بحمله، ويضعه عند الإنسان كان ذلك محل الخير والمنفعة، فاحتفظوا بالبعير طلباً لذلك الخير، ويمكن أن لا يكون (طاردة) بمعنى ملقي العمل بل بمعنى الماشية، أي اطلبوا الخير في أرجل الإبل وهي تغادركم، وعند ورودها عليكم، وعلى كلّ تقدير فما ورد في الأحاديث الاُخرى من ذم الإبل وانّ إقبالها إدبار وإدبارها إدبار يمكن حمله على تلك الإبل الّتي تحفظ بهدف الانتاج لغيره لا لنقل الحمولات، كي لا يتنافى مع ما ذكر. وقد يكون المراد هنا: أطلبوا الخير من الله تعالى بالدعاء حينما تبرك الإبل وتلقى أثقالها، أن يجلب لكم الخير أو بالتصدق ممّا جاءت به الإبل، وهكذا إذا كان معنى (طاردة) هو (الذاهبة) وذلك بالدعاء حين رواحها أيضاً وعليه لا يتنافى ذلك مع كون الاحتفاظ بالإبل لا فائدة فيه، كما هو ظاهر ذلك الحديث.

2537 ـ اَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَكَمْ مِنْ حَريص خَائِب وَمُجْمِل لَمْ يَخِبْ.

2538 ـ اِحْتَرِسُوا مِنْ سَوْرَة الاِطْرَاءِ وَالمَدْحِ فَاِنَّ لَهُما رِيحاً خَبِيثَةً فِي القَلْبِ.

(السورة) تعني الحدة والشدّة والأثر والعلامة والعلو، وكلّ منها يكون مناسباً هنا، وبناءً على الأوّل يكون المراد من سورة الاطراء والمدح هو الاكثار منهما والمبالغة والاستغراق فيهما، أو الحدة الّتي تحصل في نفس الممدوح بسبب ذلك، وبناءً على الثاني فانّ المراد من (أثره وعلامته) هو العجب والفخر الحاصلين في النفس بسبب ذلك، وبناءً على الثالث يكون المراد هو التكبر والاستعلاء الحاصلين في النفس بسبب ذلك، و المراد هو صون أنفسكم من سورة ذلك، ولا تسمحوا لشخص أن يبالغ في الثناء عليكم أو مدحكم فانّ لهما ريحاً خبيثةً في القلب نظراً للأثر الكبير الّذي هو ايجاد العجب والفخر فيه.

2539 ـ اِعْمَلُوا وَالعَمَلُ يَنْفَعُ، وَالدُّعَاءُ يُسْمَعُ، وَالتَّوْبَةُ تُرْفَعُ.

أي اعملوا عملا صالحاً فانّ العمل الصالح ينفع وهكذا باقي الفقرات، أو اعملوا حينما ينفع العمل ويسمع الدعاء وترفع التوبة، أي قبل الموت وحلول أحوال تلك النشأة فانّ العمل حينئذ لا ينفع، والدعاء لا يسمع، والتوبة لا ترفع، وعلى كلّ تقدير فانّ رفع التوبة كناية عن قبولها، كأنّ كلّ ما يقبل يرفع حتّى يصل إِلى الله كي يقبله، أو ترفع نحو السماء.

2540 ـ اُصْدُقُوا فِي أَقْوَالِكُمْ وَاَخْلِصُوا في أَعْمالِكُمْ وَتَزَكُّوا بِالْوَرَعِ.

2541 ـ اِلْزَمُوا الصَّبْرَ فَاِنَّهُ دِعَامَةُ الاِيمانِ وَمِلاَكُ الاُمُورِ.

2542 ـ أَحْسِنُوا تِلاَوَةَ القُرْآنِ فَاِنَّهُ اَنْفَعُ القَصَصِ وَاسْتَشْفُوا بِهِ فَاِنَّه شِفَاءُ الصُّدُورِ.

ورد في بعض النسخ أحسن بدلا من أنفع فلا يكون حينئذ بمعنى أنفع بل أفضل، واطلبوا به الشفاء فانّه شفاء الصدور، و المراد من (تحسين تلاوة القرآن) هو تلاوته تلاوة صحيحة مع التأمل والتدبر والمواظبة عليه.

2543 ـ اِتَّبِعُوا النُّورَ الَّذِي لاَ يُطْفَأُ، وَالوَجْهِ الَّذِي لاَ يَبْلَى، وَاسْتَسْلِمُوا وَسَلمُوا لاَِمْرِهِ، فَاِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَعَ التَّسْلِيمِ.

المراد من (النور) و (الوجه) هو القرآن بقرينة القول السابق، وقد يكون المراد هو الله تعالى، وعلى كلّ تقدير فانّ اطلاق (النور) و (الوجه) عليه يكون على سبيل المجاز.

2544 ـ اِسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ وَاعِظ مُتَّعِظ وَاقْبَلُوا نَصِيحَةَ نَاصِح مُتَيَقِّظ وَقِفُوا عِنْدَمَا اَفَادَكُمْ مِنَ التَّعليمِ.

2545 ـ اِقْتَدُوا بِهُدَى نَبِيِّكُمْ فَاِنَّهُ أَصْدَقُ الهُدَى واسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فَاِنَّهَا أَهْدَى السُّنَنِ.

2546 ـ اِتَّقُوا اللهَ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ، وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ، وَعَلِمَ فَوَجِلَ(7)، وَحَاذَرَ فَبَادَرَ، وَعَمِلَ فَأَحْسَنَ.

أي يكون قد سمع أوامر الله ونواهيه فتواضع باطاعتها والانقياد لها، ويكون قد اقترف المعصية ثمّ اعترف بذلك واعترف بتقصيره، ويكون عالماً بأحكامه وخائفاً من ارتكاب خلافها، أو يخاف من حيث لا يدري هل أدّاها بالنحو المطلوب أم لا؟ ويبتعد عمّا نهى عنه فيكون مبادراً في هذا الحذر من دون تأخير فيه.

2547 ـ اِتَّقُوا اللهَ تَقِيَّةَ مَنْ دُعِيَ فَاَجَابَ، وَتَابَ فَأَنَابَ، وَحُذِّرَ فَحَذَرَ، وَعَبَرَ فَاعْتَبَرَ وَخَافَ فَاَمِنَ.

أي اتقوا الله تقية من دعاه الله تعالى لأوامره ونواهيه فاستجاب بالتسليم والانقياد لها، وتاب أي رجع من الذنب فأناب، أي توجه إِلى الله تعالى، وحذّر أي من المعاصي فحذر واجتنبها، وعَبَرَ أي اجتاز الأشياء فاعتبر بكلّ ما يمكن الاعتبار به، وقد يقرأ (عُبّر) بضم العين وتشديد الباء فيكون المعنى: قُدّمت له العبرة فاعتبر، وفي بعض النسخ (عُيّر) بضم العين وتشديد الياء، فيكون المعنى: عوتب فاعتبر وترك ما أوجب العتب، و (خاف فأمن) يعني خاف من الله وعصيانه فتركه وشعر بالأمان.

2548 ـ اِقْنَعُوا بِالقَلِيلِ مِنْ دُنياكُمْ لِسَلاَمَةِ دِينِكُمْ فَاِنَّ المُؤْمِنَ البُلْغَةُ اليَسِيرَةُ مِنَ الدُّنْيا تُقْنِعُهُ.

البُلغة: بضم الباء وسكون اللام وفتح الغين هو ما يكفي للمعيشة.

2549 ـ اَقِيلُوا ذَوِي المُروُءاتِ عَثَراتِهِم فَمَا يَعْثَرُ(8) مِنْهُمْ عاثِرٌ اِلاَّ وَيَدُ اللهِ تَرْفَعُهُ.

«ذوي المروءات» يعني أصحاب الإنسانية أو الفتوة...، «ويد الله ترفعه» أي انّ الله تعالى يرفعه ممّا زل فيه وسقط، أي ينقذه إذا تعرض لبلاء، ويعفو عنه إذا ارتكب ذنباً بسبب ما فيه من مروءة، وحينما يعامله الله تعالى بهذا النحو فجدير بكم أن تعاملوهم كذلك أيضاً وتقيلوهم عثراتهم.

2550 ـ اُهْرُبُوا مِنَ الدُّنيا وَاصْرِفُوا قُلُوُبَكُمْ عَنْها فَاِنَّها سِجْنُ المُؤْمِنِ، حَظُّهُ مِنها قَلِيلٌ، وَعَقْلُهُ بها عَلِيلٌ وَنَاظِرُهُ فِيها كَليلٌ.

فرّوا من الدنيا واصرفوا قلوبكم منها فانّ الدنيا سجن المؤمن ونصيبه منها قليل وعقله بها أي في أمورها عليل وناظره وهو عقله وشعوره فيها أي في شؤونها كليل، والمراد انّ موقف المؤمن من الدنيا هو هذا، فإذا أردتم أن تكونوا مؤمنين ففروا من الدنيا واصرفوا قلوبكم منها أي لا ترغبوا فيها بل لتكن مكروهة لديكم.

2551 ـ اِعْقِلُوا الخَبَرَ اِذا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ دِرايَة لاَ عَقْلَ رِوايَة فَاِنَّ رُواةَ العِلْمِ كَثيرٌ وَرُعاتَهُ قَلِيلٌ.

«اعقلوا الخبر» أي الحديث... «ورعاته قليل» أي رعاة الحديث بفهمه والتعرف على مقاصده وفهم مطالبه قليلون، وعليه يمكن أن يكون دليلا لما قبله، وقد يكون المراد من (رعاته) هو ظاهره، أي الّذين يراعونه بالعمل به، وعليه ينبغي تأويل ما سبقه، وحمل قوله «عقل دراية» على ما يوجب العمل، بناءً على انّ من لم يعمل فكأنّه لم يفهمه ] ولم يعقله[.

2552 ـ اِلْجَاؤا اِلَى التَّقْوى فَاِنَّهُ جُنَّةٌ مَنِيعَةٌ، مَنْ لَجَأَ اِلَيْها حَصَّنَتْهُ وَمَنِ اعْتَصَمَ بِها عَصَمَتْهُ.

... «المنيع» يعني المانع والحاجز، يمنع من أراد أن يأخذ شيئاً أو يخرج شيئاً من مكان مّا.

2553 ـ اِعْتَصِمُوا بِتَقْوَى اللهِ فَاِنَّ لَها حَبْلا وَثِيقَاً عُرْوَتُهُ وَمَعْقِلا مَنِيعَاً ذُرْوَتُهُ.

شبّه التقوى بشيء قد وثق به حبل فمن أراد أن يلجأ إِلى ذلك الشيء تمسك بذلك الحبل الّذي له عروة محكمة، وشبّه مرة أخرى بجبل أو ما يشاكله ممّا له ملجأ وثيق ومنيع أي يمنع من لاذ به من التعرض.

2554 ـ اِسْتَعِيُذُوا بِاللهِ مِنْ سَكْرَةِ الغِنَى فَاِنَّ لَهُ سَكْرَةً بَعِيَدة الاِفَاقَةِ.

أي حينما تكونون أغنياء إلجؤوا إِلى الله من سكر ذلك الغنى، أو استيعذوا بالله من أن يُقبل عليكم مثل هذا الغنى.

2555 ـ اِسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ لَواقِح الكِبْرِ كَما تَسْتَعِيذُونَ بِهِ مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْر، وَاسْتَعِدُّوا لِمُجاهَدَتِهِ حَسَبَ الطَّاقَةِ.

«لواقح الكبر» أي الصفات الحاملة للتكبر الّتي يتولّد منها التكبر، «واستعدوا لمجاهدته» أي مجاهدة التكبر ودفعه عن النفس.

2556 ـ اِئْتَمِرُوا بِالمْعَرْوُفِ وَأْمْروا بِهِ، وَتَنَاهَوا عَنِ المُنْكَرِ وَانْهُوْا عَنْهُ.

أي حينما تؤمرون بالمعروف فأطيعوا واعملوا به، وأمروا أنتم الآخرين به أيضاً، وحينما تنهون عن المنكر فانتهوا وانهوا عنه أيضاً، والمراد من (المعروف) هو ما أوجبه الله تعالى واستحسنه، والمراد من «المنكر» ما حرّمه وكرهه، وقد يكون المعروف شاملا للمستحبات أيضاً، والمنكر شاملا للمكروهات أيضاً وغاية ما هنالك أن يكون الأمر بالائتمار به وأمر الناس بالعمل به على سبيل الاستحباب وهكذا الاحتراز من المكروهات ونهي الناس عنها.

2557 ـ اَعْرِضُوا عَنْ كُلِّ عَمَل بِكُمْ غِنىً عَنْهُ، وَاشْغَلُوا اَنْفُسَكُمْ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ بِما لاَبُدَّ لَكُمْ مِنْهُ.

أي ذروا أي عمل غير ضروري لكم، ويمكنكم الاستغناء عنه، كالكثير من الأعمال الدنيوية، واشغلوا أنفسكم بما هو ضروري لكم من اُمور الآخرة.

2558 ـ اِقْمَعُوا هَذِهِ النُّفُوسَ فَاِنَّها طُلَعَةٌ اِن تُطِيعُوها تَزِغْ بِكُمْ اِلى شَرِّ غَايَة.

أي انّ النفس الإنسانية متربصة له تراقب أحواله، فإذا لاحظت انّكم تطيعوها فانّها ستغتنم ذلك وتزغ بكم عن مواقعكم وتجذبكم إِلى أهوائها وتوصلكم إِلى شرّ عاقبة.

2559 ـ اِغْلِبُوا أَهْواءَكُمْ، وَحارِبُوها فَاِنَّها اِنْ تُقَيِّدْكُمْ تُورِدْكُمْ مِنَ الهَلَكَةِ أَبْعَدَ غَايَة.

أي انّ الأهواء إذا تسلطت عليكم كبلتكم بقيودها فانّها توردكم أبعد غاية من الهلكة، فحاربوها إذن وادفعوها عنكم كي تأمنوا ضررها.

2560 ـ اُنْظُرُوا اِلَى الدُّنيا نَظَرَ الزَّاهِدِينَ فِيهَا الصَّارِفِينَ عَنْها فَاِنَّها وَاللهِ عَمَّا قَلِيل تُزِيلُ الثّاوِيَ السَّاكِنَ وَتَفْجَعُ المُتْرَفَ الآمِنَ.

أي انّها بعد برهة قصيرة تغني المقيم الساكن فيها و «تفجع المترف» أي المتنعّم فيها دائماً دون انقطاع و (الآمن) يعني الّذي يأمن نزول البلاء والمصيبة عليه لأنّه ما رآها في حياته قط، والمراد هو انّ غاية ما في الدنيا أن يكون الإنسان فيها كذلك، ومثل هذا الإنسان بعد فترة وجيزة سيتألم بالموت وما يعقبه، وعليه لا يرغب فيها من كان يملك شيئاً من العقل.

2561 ـ اِتَّقُوا غُروُرَ الدُّنْيا فَاِنَّها تَسْتَرجِعُ أَبَداً مَا خَدَعَتْ بِهِ مِنَ المَحَاسِنِ وَتَزْعَجُ المُطْمئِنَّ اِلَيْها وَالقَاطِنَ.

(استرجاع الدنيا ما خدعت به) واضح، فانّ نعم الدنيا تزول بالموت إنْ لم تذهب بالطرق الاُخرى، وعليه فكأنّ الدنيا تسترجع ما أعطته.

2562 ـ اِتَّقُوا خُدَاعَ الآمالِ فَكَمْ مِنْ مُؤَمِّل لَمْ يُدْرِكْهُ وَبَاني بِناء لَمْ يَسْكُنُهُ، وَجَامِعِ مَال لَمْ يَأكُلْهُ، وَلَعَلَّهُ مِنْ بَاطِل جَمَعَهُ وَمِنْ حَقٍّ مَنَعَهُ، أَصَابَهُ حَرَاماً واحْتَمَلَ بِهَ آثَاماً.

2563 ـ اِعْرِفُوا الحَقَّ لِمَنْ عَرَفَهُ لَكُمْ صَغِيراً كَانَ أَوْ كَبِيراً، وَضِيعَاً كَانَ أوْ رَفِيعَاً.

المراد: من دان لكم بالحقّ فدينوا له بالحقّ أيضاً، سواء أكان صغيراً أو كبيراً، دانياً كان أو رفيعاً.

2564 ـ اِحْتَرِسُوا مِنْ سَوْرَةِ الجِمْدِ وَالحِقْدِ وَالغَضَبِ وَالحَسَدِ وَأَعِدُّوا لِكُلِّ شَىْء مِنْ ذَلِكَ عُدَّةً تُجَاهِدُونَهُ بِها مِنَ الفِكْرِ فِي العَاقِبَةِ وَمَنْعِ الرَّذِيلَةِ وَطَلَبِ الفَضِيلَةِ وَصَلاَحِ الآخِرَةِ وَلُزُومِ الحِلْمِ.

... «الجِمْد» بكسر الجيم بمعنى البخل، وورد في بعض النسخ (الحَمد) بالحاء المفتوحة غير المنقوطة فانّه يعنى الثناء، فيكون المراد: احترسوا من السورة الّتي تحصل لديكم بسبب الثناء و المدح من قبل الناس بسبب العجب الحاصل من ذلك، وظني انّ (الجحد) بالجيم لا الحاء كما ورد في النسخ، وباقي الكلام واضح ولا يحتاج إِلى شرح.

2565 ـ اِعْجِبُوا لِهَذا الاِنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْم وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْم وَيَسْمَعُ بِعَظْم وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْم.

المراد: اعجبوا من هذه الاُمور واعرفوا من خلالها كمال قدرة الله تعالى.

2566 ـ اِضْرِبُوا بَعْضَ الرَّأْيَ بِبَعْض يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الصَّوَابُ.

ـ أي ـ إذا تشاورتم فيما بينكم في كلّ مجال وقمتم بمقايسة كلّ رأي مع الرأي الآخر كي يظهر منه الرأي الصائب من خلال ظهور رجحان أحدها، أو يتوضح رجحان الرأي المركب من عدة آراء بأن يكون فيه جزء من رأي كلّ فرد.

2567 ـ اَجْمِلُوا فِي الخِطَابِ تَسْمَعُوا جَمِيلَ الجَوَابِ.

أي إذا أردتم طلب شيء فأحسنوا الخطاب أي تكلّموا بتأدّب كي تسمعوا الجواب الجميل.

2568 ـ اِمْخِضُوا(9) الرَّأْيَ مَخْضَ السِّقَاءَ يُنْتِجْ سَدِيدَ الآرَاءِ.

أي إذا أهمكم أيّ أمر فقوموا بمخض الرأي كما تمخض السقاء أي قلبّوه إِلى كلّ الجوانب لكي تلاحظوا أطراف الرأي فيظهر لكم الرأي الصحيح، وقد يكون المراد مطابقاً للفقرة الاُولى وهو: حيثما تشاورتم في أمر فقلبّوا الآراء كتقليب السقاء، أي اضربوا الآراء بعضها ببعض كي يبرز منها الرأي الحصين.

2569 ـ اِتَّهِمُوا عُقُولَكُم فَاِنَّهُ مِنَ الثِّقَةِ بِهَا يَكُونُ الخَطَاءُ.

أي اتهموا عقولكم بانّها تخطأ كي لا تعتمدوا عليها فقط، وشاوروا عدداً من أصدقائكم العقلاء حيث انّ أكثر الأخطاء تنشأ من استناد الإنسان في أعماله إِلى عقله ورأيه فقط دون التشاور مع الغير فيكون بعضها صائباً وبعضها خاطئاً.

2570 ـ اِعْمَلُوا وَأَنْتُمْ فِي آوِنَةِ البَقَاءِ، وَالصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ وَالتَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ، وَالمُدْبِرُ يُدعَى، وَالمُسِيءُ يُرجَى قَبْلَ أَنْ يَخْمُدُ العَمَلُ، وَيَنْقَطِعَ المَهَلُ، وَتَنْقَضِيَ المُدَّةُ، وَيُسَدَّ بَابُ التَّوْبَةِ.

أي أطيعوا واعبدوا ما دمتم في مدة البقاء في الدنيا قبل حلول أوان الموت وظهور علاماته، وفي زمن لا زالت صحيفة أعمالكم مفتوحة أي انّ المَلكين لم يغلقا بعدُ صحيفة أعمالكم بل يكتبون ما تفعلون، وباب التوبة مفتوحة أمامكم، وتقبل من كلّ تائب، ويكون هذان قبل حلول الموت ومشاهدة بعض الأحوال والأوضاع من تلك النشأة، وحينئذ تغلق الصحيفة لعدم فائدة العمل حينها ولا يكتب فيها شيئاً، كما انّ التوبة لا تقبل حينئذ.

و «المدبر يدعى» يعني أن المدبر عن الله تعالى يدعى للتوجه إليه، أو يعني انّه إذا أقبل فانّه يدعى أي انّ الله تعالى يدعوه نحوه ويعفو عن ذنبه.

و «المسيء يرجى» أي يؤجل في الحكم عليه بالعذاب والعقاب لبقاء وقت التوبة، وقد يتوب فيغفر له قبل الوقت المذكور. ثمّ ورد في باقي الفقرات ما هو تأكيد لما سبق حيث قال(عليه السلام): (قبل أن يخمد العمل) أي لا يمكن العمل بعد ذلك، وحتّى لو أمكن فانّه لا اعتبار له وذلك ـ كما قلنا ـ حينما يشاهد بعض أحوال الآخرة ] أي عند الاحتضار[.

«وينقطع المهل» أي لا مجال للعمل «وتنقضي المدة ويسدّ باب التوبة» وهذا كلّه قبل حلول الوقت المذكور، أعاننا الله عز وجل وجميع المؤمنين في ذلك الوقت.

2571 ـ اِتَّقُوا بَاطِلَ الأَمَلِ فَرُبَّ مُسْتَقْبِلِ يَوْم لَيْسَ بِمُسْتَدْبِرِهِ وَمَغْبُوط فِي أَوَّلِ لَيْلَة قَامَتْ بَوَاكِيهِ فِي آخِرِهِ.

(مستقبل يوم ليس بمستدبره) هو من لا يبقى بعد ذلك اليوم لكي يستدبره، والمراد انّ شأن الحياة هو هذا، فالاتكال على الآمال الباطلة ـ كأكثر الاُمنيات الدنيوية ـ مع وجود هذه الأحوال، ينبع عن قلة العقل.

2572 ـ اِسْتَعِدُّوا لِيَوْم تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ، وَتَتَدلَّهُ لِهَوْلِهِ العُقُولَ وَتَتَبَلَّدُ البَصَائِرُ.

المراد هو يوم القيامة أو يوم الوفاة، وقد يكون معنى (تشخص فيه الأبصار) ترتفع فيه العيون أي انّ الإنسان يتوجه فيه إِلى العالم الأعلى بأمل أن يصله من ذلك العالم ما يبحث على سكونه وأمله.

2573 ـ اِعْمَلُوا لِيَوْم تُذْخَرُ لَهُ الذَّخَائِرُ وَتُبْلَى فِيهِ السَّرائِرُ.

... أي انّ الله تعالى سيخبر عن أسرار الناس وبواطنهم.

2574 ـ اُذْكُرُوا هَادِمَ اللَّذَّاتِ، وَمُنَغِّصُ الشَّهَواتِ وَدَاعِيَ الشَّتَاتِ.

أي اذكروا الموت، أو الله تعالى لاتصافه بهذه الأوصاف باعتبار انّه هو المميت.

2575 ـ اُذْكُرُوا مُفَرِّقَ الجَمَاعَاتِ وَمُبَاعِدَ الأُمْنِيّاتِ وَمُدْنِيَ المَنِيَّاتِ وَالمُؤْذِنَ بِالْبَيْنِ وَالشِّتَاتِ.

المراد هو الله تعالى حيث يفرق بين الجماعات بالموت تارة، وبأسباب أُخرى تارة، ومباعد الاُمنيات من الناس بالموت أو غيره، كما انّه مدني المنيات للناس والمؤذن لهم بالشتات والتباعد بسبب الموت.

2576 ـ اُرْفُضُوا هَذِهِ الدُّنيَا التَّارِكَةَ لَكُمْ، وَاِنْ لَمْ تُحِبُّوا تَرْكَهَآ وَالْمُبْلِيَةَ أَجْسَادَكُمْ عَلَى مَحَبَّتِكُمْ لِتَجْدِيدِها.

أي رغم انّكم كنتم تحبون تزيين الدنيا وتجديدها دائماً، فانّها ستكافئكم بابلاء أجسادكم.

 

ما ورد من حِكم أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في حرف الألف بلفظ (إحذروا) وهو داخل في فعل الأمر، لانّ احذروا من أفراد الأمر، ونظراً لوجود حِكم كثيرة بهذا اللفظ جمعناه بنحو مستقل، وفي بعض النسخ ورد بلفظ (إحذر) وهو أفضل، لأنّ في بعض العبارات ورد بلفظ (إحذر) فالأولى هو (احذر) وليكون شاملا لـ (احذروا) أيضاً، قال الإمام(عليه السلام):

2577 ـ اِحْذَرُوا اللِّسَانَ فَاِنَّهُ سَهْمٌ يُخطي.

احذروا أي ابتعدوا اللسان فانّه السهم الّذي يخطي.

2578 ـ اِحْذَرُوا الشَّرَهَ فَاِنَّهُ خُلُقٌ مُردِي.

«خلق مردي» أي ملق في المهالك والفتن.

2579 ـ اِحْذَرُوا التَّفْرِيطَ فَاِنَّهُ يُوجِبُ المَلاَمَةَ.

احذرا التقصير فانّه يستدعي الملامة، أي يكون سبباً للّوم والعتاب، والمراد هو التقصير في الطاعات والعبادات وغيرها من الاُمور الضرورية انجازها، وإنْ كانت من الاُمور الدنيوية.

2580 ـ اِحْذَرُوا العَجَلَةَ فَاِنَّها تُثْمِرُ النَّدَامَةَ.

2581 ـ اِحْذَرُوا الجُبْنَ فَاِنَّهُ عَارٌ وَمَنْقَصَةٌ.

احذروا الخوف فانّه عار ومنقصة، أي يسبب النقص وتدنّي درجة من يتصف به أو النقصان والاضرار به.

2582 ـ اِحْذَرُوا البُخْلَ فَاِنَّهُ لُؤْمٌ وَمَسَبَّةٌ.

أي انّ البخل يستدعي سبّ الناس للمتصف به.

2583 ـ اِحْذَرُوا الغَفْلَة فَاِنَّها مِنْ فَسَادِ الحِسِّ.

وذلك لأنّ الواضح انّ سليم الحواس يكون عارفاً بأحواله دائماً، ولا يغفل عمّا يستدعي صلاحها، ويبادر بتحصيله.

2584 ـ اِحْذَرُوا الحَسَدَ فَاِنَّهُ يُزْرِي بِالنَّفْسِ.

2585 ـ اِحْذَرُوا الأَمَلَ المَغْلُوبَ وَالنَّعِيمَ المَسْلُوبَ.

أي احذروا الأمل بالاُمور الدنيوية المغلوبة طبعاً والّتي تزول عن الإنسان، وهكذا النعم الّتي تسلب أخيراً منه، أي احذروا من تحصيلها والاهتمام بها.

2586 ـ اِحْذَرُوا الزَّائِلَ الشَهِيَّ وَالفَانِيَ المَحبُوبَ.

أي احذروا السعي في كسب ما تشتهونه وتحبونه من الاُمور الدنيوية الّتي تزول وتفنى، فاللازم أن يكون السعي والاهتمام بما يبقى وهي النعم الأخروية.

2587 ـ اِحْذَرُوا الغَضَبَ فَاِنَّهُ نَارٌ مُحْرِقَةٌ.

وذلك لأنّه يدفع لارتكاب أعمال تلقي صاحبها في النار.

2588 ـ اِحْذَرُوا الاَمَانِيَّ فَاِنَّها مَنايَا مُحَقَّقَةٌ.

أي انّها منايا حقاً لانّها تلقي الإنسان في الهلاك الأخروي والدنيوي، وتجعله في شقاء وتعب دائم.

2589 ـ اِحْذَرْ كُلَّ عَمَل اِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ اسْتَحيْى مِنْهُ وَأَنْكَرَهُ .

أي انّ هذه العلامة تدلّ على سوء ذلك العمل فعليه يجب الحذر منه، وورد في بعض النسخ «عامله» مكان «صاحبه».

2590 ـ اِحْذَرْ كُلَّ أَمْر إِذا ظَهَرَ أزْرِى بِفَاعِلِهِ وَحَقَّرَهُ.

2591 ـ اِحْذَرْ الشَّرِيرَ عِنْدَ اِقْبَالِ الدَّوْلَةِ لِئَلاَّ يُزِيلَها عَنْكَ، وَعِنْدَ اِدْبارِها لِئَلاَّ يُعِينَ عَلَيْكَ.

المراد: لا تسمح للشرير الخبيث من الدنو منك، لا في بداية الدولة لأنّك لا تأمنه من فعل ما يزيلها عنك، ولا في ادبار الدولة عنك فانّه بخبثه واطلاعه على أحوالك قد يقول ما يستدعي ضررك وخسارتك، كما هو الملاحظ من بعض أصحاب رجال الحكومة حيث يشرعون بمؤاخذة الحاكم المعزول وتجميع الأدلة عليه.

2592 ـ اِحْذَرْ الأَحْمَقَ فَاِنَّ مُداراتَهُ تُعَنِّيكَ، وَمُوافَقَتَهُ تُرْدِيكَ، وَمُخَالَفَتَهُ تُؤْذِيكَ، وَمُصَاحَبَتَهُ وَبَالٌ عَلَيْكَ.

المراد من (المداراة) هو المحاباة وليس الموافقة أو المعارضة، وواضح انّ هذا الأمر صعب على صاحبه، فانّ ملاحظة أمور غير لائقة ثمّ المحاباة عليها يستدعي كامل التعب أما ما ورد في ترجمة «تعنّيك» أي توقعك في العناء والتعب، فمبني على قرائتها بالنون المشددة والياء، ويمكن قرائتهما بالياء معاً ] أي تعييكَ [ ، وعليه فيكون المعنى: يعجزك. «وموافقته ترديك» لأنّه يقوم بأعمال تؤدي إِلى الهلاك الدنيوي والأخروي. و (مخالفته تؤذيك) امّا باعتبار انّ أذاه سيصل إِلى الإنسان بسبب مخالفته أو باعتبار انّ الحسيب يصعب عليه مخالفة صديقه ويتأذّى من ذلك، و (مصاحبته وبال عليك) امّا باعتبار ما ذكر من مفاسد المداراة والموافقة والمخالفة، فهي بمثابة النتيجة للكلام السابق، أو انّ المراد هو: انّ مصاحبة الأحمق مع غض النظر عن المفاسد المذكورة تكون وبالا، أي صعبة وثقيلة.

2593 ـ اِحْذَرْ مِنْ(10) كُلِّ عَمَل يُعْمَلُ فِي السِّرِّ، وَيُسْتَحيْى مِنْهُ فِي العَلاَنِيةِ.

وذلك لأنّ هذا دليل على سوء ذلك العمل.

2594 ـ اِحْذَرْ كُلَّ أَمْر يُفْسِدُ الآجِلَةَ وَيُصْلِحُ الدَّانِيَةَ.

المراد من الوصف الثاني ليس ذكر محذور آخر لذلك، بل المراد هو أنّه وإنْ أصلح الدنيا إلاّ انّه بسبب إفساده للآخرة يجب الحذر منه.

2595 ـ اِحْذَرْ كُلَّ عَمَل يَرْضَاهُ عَامِلُهُ لِنَفْسِهِ وَيَكْرَهُهُ لِعَامَّةِ المُسْلِمِينَ. وذلك لأنّ هذا يدل على سوء ذلك العمل كما هو واضح.

2596 ـ اِحْذَرْ كُلَّ قَوْل وَفِعْل يُؤَدِّي اِلى فَسَاد الآخِرَةِ وَالدِّينِ.

2597 ـ اِحْذَرْ مُصَاحَبَةَ كُلِّ مَنْ يُقْبَلُ رَأْيُهُ وَيْنكَرُ عَمَلْهُ فَاِنَّ الصَّاحِبَ مُعْتَبَرٌ بِصَاحِبِهِ.

أي انّ الناس يعتبرون صاحب كلّ إنسان مماثلا له في الشأن، إذنْ إذا صاحب إنسان مثل هذا الإنسان الّذي ينكر الناس عمله فانّهم يعتبرون عمله شيئاً أيضاً، ولا يخفى انّ الوصف الأوّل ليس وصفاً يسبب السوء بل سوؤه ناشئ من الوصف الثاني، والمراد انّ الإنسان مهما كان ذا رأي وتدبر وتقبّل الناس آراءه وأفكاره، فانّ عليك أن لا تصاحبه ثمّ كي لا تتهم.

2598 ـ اِحْذَرْ مُجَالَسَةَ قَرِينِ السُّوءِ فَاِنَّهُ يُهْلِكُ مُقَارِنَهُ وَيُرْدِي مُصَاحِبَهُ.

«يردي مصاحبه» أي يهلك صاحبه أو يلقيه في المهالك الدنيوية والأخروية، أو يسقط درجته، وورد (صاحبه) بدلا عن (مصاحبه) في بعض النسخ، وكلاهما بمعنى واحد.

2599 ـ اِحْذَرْ مَنَازِلَ الغَفْلَةِ وَالجَفَاءِ وَقِلَّةَ الأعْوانِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ.

«الجفاء» عكس الاحسان، والمراد: لا تقم ولا تسكن في مكان أهاليه غافلون وجاهلون بالأحكام الشرعية والمحاسن، أو في غفلة من اصلاح حالهم ولا يكونون من أهل الحسان، ويقلّ فيهم المعين على طاعة الله.

2600 ـ اِحْذَرْ مُصَاحَبَةَ الفُسَّاقِ وَالفُجَّارِ وَالمُجاهِرِينَ بَمَعَاصِي اللهِ.

(الفاسق) كما ذكر قبل هذا هو مرتكب الكبيرة، أو المصرّ على الصغيرة ولا يتوب، و (الفاجر) يعني الفاسق أيضاً ويؤكده، ويطلق على الزاني تارةً وعلى الكاذب تارة اُخرى، وعليه فانّ ذكره يكون للاهتمام الشديد في الحذر منه، كما انّ ذكر (المجاهرين بمعاصي الله) هو لهذا المعنى أيضاً لوجوب الحذر من مصاحبة الفساق والفجار مطلقاً سواء ارتكبوا المعاصي علناً أو سراً، وذكر المجاهرين بها هو للمزيد من الاهتمام في الاحتراز منهم.

 

 

الهوامش:

(1) عبارة (المقصود... الخ) موجودة في نسخة مكتبة مدرسة سبهسالار فقط.

(2) عبارة (في بعض... الخ) موجودة في نسخة مكتبة سبهسالار فقط.

(3) في هامش هذا الكتاب ونسخة مسجد سبهسالار كتب (امتحوا) كبدل له.

(4) وضع الشارح(رحمه الله) الضمة على جيم (جوار) والكسرة تحتها وكتب فوقها (معاً) أي يجوز قراءة الوجهين.

(5) كتب في الهامش (دلكم) كبدل لها.

(6) تختلف عبارة نسخة مكتبة مدرسة سبهسالار عن هذه العبارة وننقلها هنا بعينها:

التفوا حول رؤوس الرماح فانّ ذلك أنفذ للأسنة، والسنان هو الرأس الآخر للرمح ويصنع من الفولاذ، ويمكن أن يكون المراد: حين الطعن بالرماح انحنوا إِلى جانب رأس الرمح أو اجعلوا رأس الرمح تحت الابط وكأنّكم ملتفون حوله، وعلى أيّ حال فانّ هذا الأمر يجعل السنان أمضى نفوذاً فيمن يصيبه، ويمكن أن يكون (أَمْوَرَ) بمعنى أقوى حركة في العرض، والمراد كما يظهر من كلام بعض الشارحين لكتاب نهج البلاغة هو: في الوقت الّذي يقبل السنان نحوكم التفّوا به أي ميلوا إِلى جانب لأنّ ذلك سيجعل السنان يتحرك من موضع الطعن ويزيغ ولا يضركم، وإنْ لم تفعوا ذلك فانّه أينما أصاب ينفذ ويقتل.

وهذا المقطع المبارك منقول في كتاب الكافي أيضاً، وجاء فيه (على) بدلا عن (في) وعليه يمكن أن يكون المراد أحد الوجهين المذكورين.

وقال بعض العلماء المحققين وهو مولانا الآخوند خليل القزويني(رحمه الله) في شرحه: «انّ التعدي بـ (على) هو ليتضمّن معنى الاقبال والهجوم وما شاكل، وا لمراد على ما يظنه الجاهلون انّ الالتفاف من جانب إِلى جانب هو العمدة في أسنة الأعداء، وليس كذلك بل المراد اهجموا على الأعداء والتفافكم هو الهجوم عليهم فانّه أقوى رداً للأسنة، وكلّ من كان له أدنى شعور يظهر له بُعد هذا الأمر تماماً وهو كاف للرد عليه وغني عن البيان».

ويبدو انّ عبارة النص وهذه العبارة من الشارح(رحمه الله) إلاّ انّه كتب هذه العبارة بعد عبارة المتن وبعد ما عثر على شرح الملاّ خليل على الكافي، ولكنه غفل عن ضمه إِلى أصل النسخة، والله أعلم بحقيقة الحال.

(7) كتب الشارح(رحمه الله) (وجل) بفتح الجيم.

(8) كتب الشارح(رحمه الله) ثاء (يعثر) بالضم والفتحة والكسرة وكتب عليه (معاً) أي قراءة الثلاثة صحيحة، وقد صرّحت كتب اللغة بذلك.

(9) وضع الشارح(رحمه الله) الكسرة والفتحة على خاء (امخضوا) وكتب فوقه (معاً) أي تصح قراءة الوجهين.

(10) قيل في كتب اللغة (حذر الرجل من الرجل: تحرّز منه) فوجود من في هذا المورد صحيح أيضاً، وعدمه في العبارة التالية صحيح أيضاً.