2601 ـ اِحْذَرْ الشَّرَهَ فَكَمْ(1) أكْلَة مَنَعَتْ أَكَلاَت.

يمكن أن لا تقرأ (أكلة) بفتح الهمزة بل بضمها، فيكون المعنى: كم لُقمة تمنع من لُقمات، ومصداق هذا الكلام الاعجازي ظاهر في الاُمراء والحكّام، إذ انّ كلّ واحد منهم إذا كان حريصاً وتفوق على الرعية، بمجرد ما استقر أمره وثبت سريره للملك سرعان ما زال عنه وعُزل عن مقامه وواجه الأتعاب وعناء المداراة ] للغير [وكلّ من لا يحرص فانّ دولته تكون باقية وهو وإن حاز القليل ولكن بالقياس إِلى امتداد ملكه سيكسب أضعاف ما كسبه الحريص.

2602 ـ اِحْذَرْ الهَزْلَ وَاللَّعِبَ وَكَثْرَةَ المَزْحَ وَالضِّحْكِ وَالتُّرهاتِ.

الهزل هو القول أو الفعل الّذي لا يكون بعنوان الجد بل بعنوان اللعب، فذكر اللعب بعده يكون للتأكيد.

2603 ـ اِحْذَرْ اللَّئِيمَ إِذَا أَكْرَمْتَهُ وَالرَّذْلَ إِذَا قَدَّمْتَهُ، والسِّفْلَةَ إِذَا رَفَعْتَهُ.

اللئيم والرذيل والسفلة متقاربة المعنى، وتطلق على الدنيء والخبيث والبخيل، فالهدف من التكرار هو التأكيد، و المراد هو أن المنحطين الأراذل يجب أن لا يُعزّزوا ويكرّموا ويُرفَعوا، لأنّ هؤلاء لا يستوعبون ذلك، وإذا نالوا ذلك قاموا باضرار الناس وأذاهم دائماً، فعلى من قام باكرام هكذا إنسان أن يحذر منه ومن تبعة عمله.

2604 ـ اِحْذَرْ الكَرِيمَ اِذَا أَهَنْتَهُ، والحَلِيمَ اِذَا جَرَحْتَهُ(2) وَالشُّجَاعَ اِذَا أَوْجَعْتَهُ.

الحذر من هؤلاء باعتبار انّهم يصعب عليهم الصبر على المهانة والخفة فيسعون قدر الإمكان للانتقام، فيلزم الحذر من ذلك، وهذا الأمر واضح في غير الحليم، وفي الحليم باعتبار أنّ الحليم وإن كان يتصف بالحلم ويتجاوز عن الناس، ولكن إذا تجاوزوا الحد في أذاه فانّه ينهض ويشتد سخطه أكثر من غير الحليم، كما اشتهر ] عند الناس[ قول: «نعوذ بالله من غضب الحليم» وحينما يعجز عن الانتقام فانّه يشكو إِلى الله تعالى وهو المنتقم الحقيقي، ويجب الحذر منه بشدة.

2605 ـ اِحْذَرْ مُجَالَسَةَ الجَاهِلِ كَمَا تَأْمَنُ مِنْ مُصَاحَبَةِ العَاقِلِ.

بقرينة المقابلة مع (العاقل) لا يبعد أن يكون المراد من (الجاهل) هو المقابل لـ (العاقل) لا (العالم).

2606 ـ اِحْذَرْ فُحْشَ القَوْلِ وَالكِذْبِ فَاِنَّهُما يُزْريان بِالقائِلِ.

2607 ـ اِحْذَرْ الدُّنيَا فَاِنَّها شَبَكَةُ الشَّيْطَانِ وَمَفْسَدَةُ الاِيمانِ.

2608 ـ اِحْذَرْ الْكِبْرَ فَاِنَّهُ رَأْسُ الطُّغْيانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّحمنِ.

... وذلك كما لم يسجد الشيطان لآدم(عليه السلام) تكبراً وجعل نفسه ملعون الأزل والأبد.

2609 ـ الحَذَرَ الحَذَرَ اَيُّها المُسْتَمِعُ، وَالجِدَّ الجِدَّ أَيُّها العَاقِلُ وَلاَ يُنْبَئُكَ مِثْلُ خَبِير.

المراد هو الحذر من عصيان الله تعالى والسعي لاطاعته وعبوديته وتكرار اللفظ جاء للتأكيد، والمراد من (الخبير) هو الإمام نفسه (صلوات الله وسلامه عليه) أي لا يخبرك خبير آخر مثلي، فعليك أن تسمع قولي ولا تتعداه، ولا يخفى انّ قوله (الحذر الحذر) وهكذا (الجد الجد) يمكن قراءتهما بالنصب ويمكن قراءتهما بالرفع فيكون المعنى: (الحذر مطلوب، الحذر مطلوب)، (يجب الجد، يجب الجد).

2610 ـ الحَذَرَ الحَذَرَ أَيُّهَا المَغْروُرُ وَاللهِ لَقَدْ سَتَرَ حَتَّى كَأنَّهُ قَدْ غَفَرَ.

... هذا الكلام إشارة إِلى أحد أوجه اغترار الناس، وانّ غرورهم هذا ناتج من كيفية معاملة الله تعالى الرحمية لهم، وقد يكون المراد انّ الله تعالى حيث يعاملك بهذه الرحمة، فاحذر أنت أيضاً كي لا تنخدع بالدنيا ولا تعصي الله تعالى.

2611 ـ اِحْذَرْ أَنْ يَخْدَعَكَ(3) الغُرُوُرِ بِالْحائِلِ اليَسِيرِ أَوْ يَسْتَزِلَّكَ السُّروُرِ بِالزَّائِلِ الحَقِيرِ.

(احذر أن يخدعك) أي أن تنخدع بالدنيا وهي أيسر حائل ومانع بينك وبين الآخرة وتزول في أقصر فرصة، ولابدّ من رجوعك إِلى الآخرة، فاحذر من أن تنخدع بها وتنشغل بها ويمنعك ذلك من العمل للآخرة. والمراد من (الحائل اليسير) هي الدنيا نفسها، والمراد: إحذر من أن تستلزك الفرحة بالدنيا الزائلة الحقيرة وتشغلك بنفسها وتبعدك عن الآخرة.

2612 ـ اِحْذَرْ المَوْتَ وَأَحْسِنْ لَهُ الاِسْتِعْدَادَ تَسْعَدْ بِمُنْقَلَبِكَ.

المراد من الحذر من الموت هو الحذر منه بدون الاستعداد له، ومن (أحسن الاستعداد) الإشارة إِلى ذلك أيضاً، وإلاّ لم يتيسر الحذر من الموت.

2613 ـ اِحْذَرْ قِلَّةَ الزَّادِ وَاَكْثِرْ مِنَ الاِسْتِعْدادِ لِرِحْلَتِكَ.

«الاستعداد لرحلتك» أي لسفر الآخرة، وفي(4) بعض النسخ ورد (تسعد برحلتك) بدلا عن (لرحلتك) فيكون المعنى أكثر من الاستعداد والتهيؤ كي تفلح بسفرتك، أي ترحل مفلحاً.

2614 ـ اِحْذَروا صَوْلَةَ الكَرِيمِ اِذا جَاعَ وَاَشَرَ اللَّئِيمِ اِذا شَبِعَ.

قد مرَّ كراراً انّ الكريم هو الجواد، وكذلك يطلق على ذي الشأن الرفيع أيضاً، واللئيم يقابله بكلا المعنيين، وهنا يحتمل إرادة كلّ منهما أيضاً.

2615 ـ اِحْذَرْ سَطْوَةَ الكَرِيمِ اِذا وُضِعَ وَسَوْرَةَ اللَّئِيمِ اِذَا رُفِعَ.

2616 ـ اِحْذَرُوا نِفارَ النِّعَمِ فَما كُلُّ شَارِد بِمَرْدُود .

أي لا تفعلوا ما يذهب دولتكم ونعمكم كالظلم والجور أو تغيير الوضع في العطاء والاحسان وأمثاله من أعمال الخير الّتي اعتدتم عليها، فما كلّ شارد بمردود، فقد تذهب دولتكم ولا ترجع أبداً كما هو الغالب.

2617 ـ اِحْذَرُوا ضِياعَ(5) الاَعْمَارِ فِيما لاَ يَبْقَى لَكُمْ فَفَائِتُها لاَ يَعُودُ .

المراد من (ما لا يبقى) هو جميع الاُمور الدنيوية الّتي لا يبقى منها شيء، ومن (فائتها لا يعود) هو بيان علة وجوب الحذر من ضياع الأعمال، لأنّه ما دام لم يعد فالضائع منه إذا لم يعد ممّا يضيع خرج من ملك هذا الإنسان وتعذر تداركه.

2618 ـ اِحْذَرُوا نَارَاً حَرُّها شَدِيدٌ وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ وحُلِيُّها جَدِيدٌ.

.. وحليها حديد أي السلاسل وما شاكلها، وواضح انّها إذا حميت ماذا تصنع بالجسم، نعوذ بالله منها.

2619 ـ اِحْذَرُوا نَارَاً لَجَبُها عَتِيدٌ، وَلَهَبُها شَدِيدٌ، وَعَذَابُها أَبَداً جَدِيدٌ .

احذروا ناراً لجبها أي صوتها أو اضطراب أمواجها أو الجبلة أي جلبها لمن يدنو إليها عتيد، ولهبها شديد وعذابها يتجدد كلّ آن، كما قال القرآن الكريم (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ)(6).

2620 ـ اِحْذَرُوا الذُّنُوبَ المُورِطَةَ وَالعُيُوبَ المُسْخِطَةَ.

إحذروا الذنوب المهلكة، والعيوب الّتي تأتي بالسخط، والمراد الهلاك الأخروي والدنيوي أحياناً، والمراد من (العيوب) هو الذنوب أيضاً حيث انّها تستدعي غضب الله عز وجل .

2621 ـ اِحْذَرُوا مِنَ اللهِ كُنْهَ ما حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَاخْشَوْهُمْ خَشْيَةً تَحْجُزُكُمْ عَمَّا يُسْخِطُهُ .

2622 ـ اِحْذَرُوِا عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفيفَاً وَنَفَثَ فِي الآذَانِ نَجِيَّاً .

2623 ـ اِحْذَرُوا هَوَىً هَوى بِالاَنْفُسِ هَوَّياً وَأَبْعَدَهَا عَنْهُ قَرَارَةَ الفَوْزِ قَصِيَّاً.

«أبعدها عنه قرارة الفوز قصياً» أي أبعد الأنفس عن مقر الفلاح قصيّاً، وقد يكون المعنى: أبعدها عن الفلاح، وهو محل القرار والاستقرار بعيداً، والمراد انّ الهوى واتّباعه أبعد النفوس من مقرّ الفوز بالسعادة أو من السعادة الّتي تُعدّ موطن القرار والاطمئنان قصيّاً.

2624 ـ اِحْذَرُوا عَدُوَّ اللهِ اِبْلِيسَ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدِائِهِ أَوْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِخَيْلِهِ وَرِجْلِهِ فَقَدْ فَوَّقَ لَكُمْ سَهْمَ الوَعِيدِ وَرَمَاكُمْ مِنْ مَكَان قَرِيب.

أي احذروا أن يدفعكم نحو المعاصي والذنوب بخيله ورجله التابعين له، فقد وضع في قوسه سهم الوعيد أي تخويفكم من نفسه، ورماكم من قريب فأصابكم بسهمه، وأخافكم من نفسه، وجعلكم أتباعاً له، فاحذروه واحذروا مكره، واتركوا اتّباعه.

2625 ـ اِحْذَرُوا الشُّحَّ فَاِنَّهُ يَكْسِبُ المَقْتَ وَيَشِينُ المَحَاسِنَ وَيَشِيعُ العُيُوبَ.

المراد انّه يكسب مقت الله عز وجل أو مقت الناس، أو مقتهما معاً.

2626 ـ اِحْذَرُوا أَهْلَ النِّفَاقِ فَاِنَّهُمْ الضَّالُّونَ المُضِلُّونَ الزَّالُّونَ المُزِلُّونَ، قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ وَصِحافُهُمْ(•) نَقِيَّةٌ.

احذروا أهل النفاق، أي الّذين لا يتطابق باطنهم مع ظاهرهم، والمراد هو النفاق مع الله تعالى أو مع العباد، فهم الضالون المضلون والزّالّون المزلّون، وقلوبهم مريضة أو قليلة التعقّل، وصفحات وجوههم نظيفة.

2627 ـ اِحْذَرُوا مَنَافِخَ الكِبْرِ وَغَلَبَةَ الحَمِيَّةِ وَتَعَصُّبَ الجَاهِلِيَّةِ.

«احذروا منافخ الكبر» أي أسباب نفوذ التكبر في هذا الإنسان ومن غلبة الحمية وتعصب الجاهلية، (الحمية) تعني الغيرة والعار، والمراد هو العار من عدة أُمور لا بأس بها شرعاً، ولا ينبغي الشعور بالعار منها، و (تعصب الجاهلية) يعني التعصب للأقرباء والأصدقاء في حالة عدم وقوف الحقّ إِلى جانبهم، كتعصب الجاهلية أي الجاهلية الّتي كانت بين العرب قبل الإسلام، وقد يكون المراد من (الجاهلية) هو مطلق الجاهلين حيث يغلب فيهم التعصب.

2628 ـ اِحْذَرُوا يَوْماً تُفْحَصُ فِيهِ الاَعْمالُ، وَتَكْثُرُ فِيهِ الزِّلْزالُ، وَتَسِيْبُ فِيهِ الاَطْفالُ.

والمراد هو يوم القيامة، وقد أُشير إِلى ذلك في القرآن الكريم حيث قال: (يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّـقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)(8) قال بعض العلماء انّه زلزال سيحدث قبل طلوع الشمس من المغرب، وهو من علامات القيامة الّتي تقع قبلها، وورد (الزلزال) بمعنى البلاء أيضاً، وقد يكون ذلك هو المراد من هذا الكلام، ومشيب الأطفال في ذلك اليوم قد ذكر في القرآن الكريم أيضاً: (يَوْماً يَجْعَلُ الوِلْدَانَ شِيباً)(9) وقال المفسرون: انّ ذلك يكون لشدة أهوال ذلك اليوم.

2629 ـ اِحْذَرُوا سُوءَ الاَعْمالِ وَغُروُرَ الآمالِ وَنَقَاَدَ الأَمَلِ وَهُجُومَ الأَجَلِ.

المراد من (نفاد الأمل) هو حلول أجل الموت أيضاً حيث تقطع فيه كلّ الآمال، والمراد من الحذر منه هو الحذر من حلوله قبل التهيؤ والاستعداد له وإعداد الزاد لطريقه.

ما ورد من حِكَم أميرالمؤمنين عليّ بن

أبي طالب (عليه السلام)في حرف الألف بلفظ (إيّاك)، وهذا داخل في باب الأمر والحذر أيضاً لأنّ (إيّاك) يعني الأمر بالحذر أيضاً، والفرق في اللفظ فقط، قال الإمام(عليه السلام):

2630 ـ اِيّاكَ وَفِعْلَ القَبِيحِ فَاِنَّهُ يُقَبِّحُ ذِكْرَكَ وَيُكَثِّرُ وِزْرَكَ.

... (يقبح ذكرك) يعني يستدعي ذكر الناس إياك بالقبح.

2631 ـ اِيّاكَ وَالغِيبَةَ فَاِنَّها تُمقَتُّكَ اِلى اللهِ وَالنَّاسِ وَتُحْبِطُ أَجْرَكَ.

... «تحبط أجرك» أي أجر الأعمال الصالحة الّتي عملتها.

2632 ـ اِيّاكَ والحِرْصَ فَاِنَّهُ شَيْنُ الدِّينِ وَبِئْسَ القَرِينُ.

2633 ـ اِيّاكَ وَالشَّكِّ فَاِنَّهُ يُفسِدُ الدِّينَ وَيَبُطِلُ اليَقِينَ.

ذكر سابقاً انّ الشكّ في شيء هو تسساوي احتمال الوجود والعدم لدى الإنسان، وقد يستعمل في حالة الجزم بطرف ما واحتمال الطرف الآخر أيضاً، وإنْ كان أحد الطرفين راجحاً ومظنوناً لديه.

ولا يخفى انّ (الشكّ) بالمعنى الأوّل في الاُصول والفروع يؤدي إِلى الفساد في الدين، حيث ينبغي الجزم في الاُصول، والجزم أو الظن في الفروع، إذن لا يصح البقاء على الشكّ إلا أنْ يعجز الإنسان عن الوصول إِلى الجزم أو الظن في القضية نظراً لتعارض الأدلة فحينئذ يتوقف على الشكّ ولا يحكم بشيء، أمّا الشكّ بالمعنى الثاني ففي الاُصول يستدعي فسادها ولا يضر بالفروع، وأمّا انّ الشكّ يبطل اليقين فهو صحيح بالمعنيين إذ لابدّ من الجزم في اليقين، أو الجزم الّذي لا يحتمل الخطأ والزوال، وعلى كلّ حال فانّه لا يجتمع مع الشكّ بأيّ معنى من المعنيين المذكورين، غاية ما هنالك انّ هذا المعنى ظاهر ولا يمكن بيانه، فيجب أن لا يحمل (اليقين) هنا على المعنى المتعارف، بل يكون المراد منه هو العلم الصحيح الصادق، وأنّ يكون الشكّ بالمعنى الثاني في أصول الدين يبطل العلم الصحيح الصادق، بمجرد احتمال الخلاف لا يكون ذلك العلم صحيحاً فيجب إذن أن لا تسمحوا للشكّ بأن يتطرق إليه.

2634 ـ اِيّاكَ وَالغَضَبَ فَاوَّلُهُ جُنُونٌ وَآخِرُهُ نَدَمٌ.

أي إياك متابعة الغضب والعمل بمقتضاه من الانتقام وايذاء من غضبت عليه.

2635 ـ اِيّاكَ وَالعَجَلَ فَاِنَّهُ عُنْوانُ الفَوْتِ وَالنَّدَمِ.

اجتنب العجل فانّه عنوان الفوت أي علامة الفوت أو بدايته، أي فوت الأمر الّذي استعجل فيه قوياً تاماً، أو عدم تحققه بالنحو المطلوب، وعلى أيّ حال فانّه سبب للندم.

2636 ـ اِيّاكَ وَالهَذَّر فَمَنْ كَثُرَ كَلاَمُهُ كَثُرَتْ آثَامُهُ.

اجتنب الإكثار في الكلام لأنّ المكثر تكثر ذنوبه، فقلما يخلو الكلام الكثير من الغيبة والكذب والباطل وما شاكله.

2637 ـ اِيّاكَ وَالظُّلْمَ فَمَنْ ظَلَمَ كَرُهَت أيّامُهُ.

2638 ـ اِيّاكَ وَالبِطْنَةَ فَمَنْ لَزِمَها كَثُرَتْ أَسْقَامُهُ وَفَسَدَتْ أَحْلاَمُهُ.

اجتنب الاكثار من الأكل، فمن لزمه أي لم يفارقه وكان كذلك في أغلب الأحيان كثرت أمراضه، وفسدت مناماته أي لا اعتبار لأحلامه ولا يترتب أثر عليها.

2639 ـ اِيّاكَ وَمُصَاحَبَةَ الفُسَّاقِ فَاِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ يَلحَقُ(10).

اجتنب مرافقة الفاسقين فانّ الشرير يلحق بالشرير، فمن يرافق الأشرار كان ذلك علامة على سوئه.

2640 ـ اِيّاكَ وَمُعاشَرَةَ الأَشْرَارِ فَاِنَّهُمْ كَالنَّارِ مُباشَرَتُها تُحْرِقُ.

.. لا يخفى انّ احتراق الجسم إمّا لأنّ سوء هؤلاء الأشرار لابدّ وأن يصل بالتالي إِلى من يعاشرهم، وامّا انّ ذلك يستدعي أن يكون سيّئاً مثلهم، وهذا أسوء أنواع الاحتراق.

2641 ـ اِيّاكَ أَنْ تَرضَى عَنْنَفْسِكَ فَيَكْثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْكَ.

وذلك لأنّ الراضي عن نفسه يسخط عليه الله تعالى والملائكة والأنبياء والمرسلون وجميع المقربين، فعلى المؤمن أن لا يكون بدون خوف، وأن يحتمل التقصير في نفسه دائماً.

2642 ـ اِيّاكَ وَالظُّلْمَ فَاِنَّهُ يَزُولُ عَمَّنْ تَظْلِمُهُ وَيَبْقَى عَلَيْكَ.

2643 ـ اِيّاكَ اَنْ تُخْدَعَ عَنْ صَدِيِقِكَ أَوْ تُغْلَبَ عَنْ عَدُوِّكَ.

أي يلزم أن تكون حذراً من صديقك أيضاً كي لا تنخدع به أبداً، وتعمل ما يستدعي الاضرار بك وخسرانك في الدنيا والآخرة، أو ان المراد: إحذر الانخداع بكلام إنسان فتهجر صديقك، «أو تُغلب عن عدوّك»، أي تقوم بعمل يؤدّي إِلى تغلّب عدوّك عليك، بل عليك العمل بصورة لا يتغلّب فيها عليك.

2644 ـ اِيّاكَ وَمُصَادَقَةَ الأَحْمَقِ فَاِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّكَ.

2645 ـ اِيّاكَ وَمُصَادَقَةَ البَخِيلِ فَاِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ ما تَكُونُ اِليْهِ.

أي يتركك في هكذا وقت كي لا يساعدك، وورد في بعض النسخ «بك» بدلا من «عنك» فيكون المعنى: يدعك وكلاهما واحد.

2646 ـ اِيّاكَ أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى اللَّئِيمِ فَاِنَّهُ يَخْذُلُ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ.

2647 ـ اِيّاكَ وَمُصاحَبَةَ الأَشْرارِ فَاِنَّهُمْ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ بِالسَّلاَمَةِ مِنْهُمْ.

أي يمنّون عليك بابقائك على السلامة وعدم ايصال شرّ إليك، ويرون انّه أمر جسيم، فلا يُحتمل وصل نفع منهم إليك، فأيّ داع لمصاحبة هكذا مجموعة.

2648 ـ اِيّاكَ وَمُعَاشَرَةَ مُتَتَبِّعِي عُيُوبِ النَّاسِ فَاِنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ مُصَاحِبُهُمْ مِنْهُمْ.

.. أي انّ هؤلاء يتتبعون عيوب صاحبهم أيضاً ولا يتركونه سالماً بل لكونهم يرافقونه يطلعون بسهولة على عيوبه، فيلزم الاحتراز من مرافقتهم، وفي بعض النسخ ورد (متتبعي الذنوب) بدلا عن (متتبعي عيوب الناس) فيكون المعنى: إبتعد عن مرافقة طالبي المعاصي، أي الّذين يرغبون فيها ويرتكبونها، لأنّه لا يسلم منهم من يصاحبهم، أي لا يمكن أن لا يلوثوا مصاحبهم بها أيضاً.

2649 ـ اِيّاكَ وَمُصَادَقَةَ الكَذَّابِ فَاِنَّهُ يُقَرِّبُ عَلَيْكَ البَعِيْدَ وَيُبَعِّدُ عَلَيْكَ القَرِيبَ.

.. أي يصور لك الأمر البعيد عنك والّذي يصعب جداً الوصول إليه بانّه قريب ويدفعك للسعي إليه، ويصور الأمر القريب منك والّذي يسهل الحصول عليه بانّه بعيد عنك، ويمنعك من السعي إليه.

2650 ـ اِيّاكَ وَالتَّحَلِّي بِالْبُخْلِ فَاِنَّهُ يُزْرِي بِكَ عِنْدَ القَرِيبِ وَيُمَقِّتُكَ اِلى النَّسِيبِ.

لفظ (التحلي) هنا للاستهزاء، والمراد: انّ البخل يعيب صاحبه عند الأصدقاء ويثير مقت الأقرباء فضلا عن سائر الناس، وفي(11) بعض النسخ ورد (غريب) بالغين وليس بالقاف، فيعني انّه يعيبك لدى الغريب، وهذا أظهر.

2651 ـ اِيّاكَ وَالكِبْرَ فَاِنَّهُ اَعْظَمُ الذُّنُوبِ وَاَلاَْمُ العُيُوبِ وَهُوَ حِلْيَةُ اِبْلِيسَ.

قد لا يكون (ألأم العيوب): بمعنى أسوء العيوب، بل بمعنى أكثرها إيلاماً من سائر العيوب أي انّ الذنوب تسبب الآلام والأوجاع، ويؤيّده كتابة (ألأم) بالألف، وبناءً على المعنى الأوّل يكون المتعارف كتابته بالواو (ألوم).

2652 ـ اِيّاكَ وَالحَسَدُ فَاِنَّهُ شَرُّ شِيمَة وَأَقَبحُ سَجِيَّة وَخَلِيقَةُ اِبْلِيسَ.

الحسد كما مرّ ذكره هو أن يتمنى الإنسان زوال النعمة من الغير من قبيل المال والمقام والعلم وما شاكله، سواء أراده لنفسه أو لا، وهذا مذموم وحرام، ولكن إذا تمنى مثل ذلك لنفسه فانّه ليس حسداً بل يقال له (غبطة)، وإذا كانت تلك النعمة الّتي تمنى لنفسه مثلها لها رجحان ديني كالعلم فانّ غبطته محمودة ومقبولة، لذا يقول الإمام جعفر الصادق (صلوات الله عليه وآله) في رواية الفضيل بن عياض: انّ المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط.

2653 ـ اِيّاكَ والخُرْقَ فَاِنَّهُ شَيْنُ الأخْلاقِ.

2654 ـ اِيّاكَ وَالسَّفَهَ فَاِنَّهُ يُوحِشُ الرِّفَاقَ.

السفه يعني ضعف الحلم ونقيضه والجهل، وأنسبها لهذا القول هو المعنى الثاني، لأنّ من لا حلم له أصلا فانّ أصحابه سرعان ما يستوحشون منه، في حين لا يكون ضعف الحلم والجهل سبباً لنفورهم.

2655 ـ اِيّاكَ وَالتَّسُّرعَ اِلى العُقُوبَةِ فَاِنَّهُ مَمْقَتَةٌ عِنْدَ اللهِ وَمُقَرِّبٌ مِنَ الغِيَرِ.

إجتنب الإسراع في معاقبة من أذنب بحقك، فانّ ذلك موطن العداء أو آلة العداء لدى الله تعالى، أي انّه تعالى يمقت هذه الخصلة، أو انّها تكون سبباً لمقت الله تعالى، وانّه يقرّب وقوع الحوادث الّتي تغيّر الحكومات والنعم.

2656 ـ اِيّاكَ وَالبَغيَ فَاِنَّهُ يُعَجِّلُ الصَّرْعَةَ وَيُحِلُّ بِالعامِلِ بِهِ العِبَرَ.

إجتنب البغي أي الظلم أو الطغيان أو الكذب، فانّه يسرع في السقوط ويلقي بفاعله في الهموم أو العبرات، أي يسرع في إسقاط صاحبه في أنواع البلاء والهلاك، وبالتالي يسقطه في الهموم أو العبرات.

2657 ـ اِيّاكَ وَالشُّحَّ فَاِنَّهُ جِلْبابُ المَسْكَنَةِ وَزِمَامٌ يُقَادُ بِهِ اِلى كُلِّ دِناءَة.

(جلباب المسكنة) يعني يرافقه الفقر ولا ينفصل عنه، فمن وجد فيه كان ذلك سبباً لفقره، وقد يكون المراد هو الفقر والمسكنة في الآخرة، وواضح انّه البخل يكون سبباً لذلك، وقد يكون أيضاً لانتهاج البخيل نهج الفقراء، ولذا عبّر عن البخل بانّه جلباب المسكنة و (زمام يقاد به إِلى كلّ دناءة) انّه سبب لقياد صاحبه إِلى كلّ دناءة وذلّة.

2658 ـ اِيّاكَ وَانْتِهاكَ المَحَارِمِ فَاِنَّها شِيمَةُ الفُسَّاقِ وَاُولِي الفُجُورِ وَالغَوَايَةِ.

(الفجور) هو التمادي في المعاصي، وتخصيص الأمر باجتناب الفجور المذكور - مع وجوب اجتناب مطلق اتيان الحرام - هو لشدة قبح ذلك، وهو ديدن أهل الفسق والضلال، وإلاّ فانّه يندر أنّه لا يرتكب الإنسان من غير المعصومين صلوات الله عليهم حراماً.

2659 ـ اِيّاكَ وَالعَجَلَ فَاِنَّهُ مَقْرُونٌ بِالعِثارِ.

أي إجتنب الاسراع في الأعمال وإنجازها بدون تأمل، وتدبر في عواقبها، فقلّما لا يؤدي ذلك إِلى العثار.

2660 ـ اِيّاكَ والشَّرَهَ فَاِنَّهُ يُفْسِدُ الوَرَعَ وَيُدْخِلُ النَّارَ.

2661 ـ اِيّاكَ وَالجَفَاءُ فَاِنَّهُ يُفْسِدُ الاِخَاءَ وَيُمَقِّتُ اِلَى اللهِ وَالنَّاسِ.

أي حيثما ترك الإنسان الصلة والإحسان مع اخوته بطلت أخوتهم وفسدت، و (يمقّت إِلى الله والناس) يعني انّ الله يجعل الناس أعداءه.

2662 ـ اِيّاكَ وَالنَّمِيمَةَ فَاِنَّها تَزْرَعُ الضَّغِينَةَ وَتُبَعِّدُ عَنِ اللهِ وَالنَّاسِ.

2663 ـ اِيّاكَ وَالغَدْرُ فَاِنَّهُ اَقْبَحُ الخِيانَةِ وَاِنَّ الغَدُورَ لَمُهانٌ عِنْدَ اللهِ.

2664 ـ اِيّاكَ وَالظُّلْمَ فَاِنَّهُ اَكْبَرُ المَعَاصِي وَاِنَّ الظَّالِمَ لَمُعْاقَبٌ يَوْمَ القِيامَةِ بِظُلْمِهِ.

2665 ـ اِيّاكَ وَالإسَاءَةَ فَاِنَّها خُلُقُ اللِّئَامِ وَاِنَّ المُسِيءَ لَمُتَرَدٍّ فِي جَهَنَّمَ بِاِسَاءَتِهِ.

2666 ـ اِيّاكَ وَالخِيَانَةَ فَاِنَّهَا شَرُّ مَعْصِيَة وَاِنَّ الخَائِنَ لَمُعَذَّبٌ بِالنَّارِ عَلَى خِيانَتِهِ.

2667 ـ اِيّاكَ وَالشَّرَهَ فَاِنَّهُ رَأسُ كُلِّ دَنِيَّة وَأُسُّ كُلِّ رَذِيلَة.

الدنية والرذيلة تطلقان على الصفات والخصال الأخلاقية التي تحط من مقام الإنسان وتسبّب نقصانه..

2668 ـ اِيّاكَ وَحُبَّ الدُّنيا فَاِنَّها أَصْلُ كُلِّ خَطِيئَة وَمَعْدِنُ كُلِّ بَلِيَّة.

المراد من كون الدنيا كذا وكذا هو أنّ حبها والسعي لأجلها يكون كذا وكذا، وقد يكون الضمير عائداً إِلى حب الدنيا لا الدنيا وحدها، بناءً على جواز التذكير والتأنيث في المصادر، فلا حاجة حينئذ إِلى التأويل.

2669 ـ اِيّاكَ والجَوْرَ فَاِنَّ الجَائِرَ لا يَرِيحُ رَائِحَةَ الجَنَّةِ.

2670 ـ اِيّاكَ وَطَاعَةَ الهَوَى فَاِنَّهُ يَقُودُ اِلى كُلِّ مِحْنَة.

2671 ـ اِيّاكَ وَالإعْجَابَ وَحُبَّ الإطِّرَاءِ فَاِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطانِ.

إجتنب العجب بالنفس وحب المبالغة في مدح الناس إياك فانّ ذلك من أوثق فرص الشيطان لصيد الإنسان واضلاله.

2672 ـ اِيّاكَ والمَنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإنَّ الإمْتِنانِ يُكَدِّرُ الإحْسانَ.

2673 ـ اِيّاكَ وَمَذمُومَ اللِّجَاجِ فَاِنَّهُ يُثِيرُ الحُرُوبَ.

المراد من (اللجاج) كما ذكر مراراً هو العداء مع الناس أو الإصرار على الباطل، و (مذموم اللجاج) من قبيل إضافة الصفة إِلى الموصوف، أي اللجاج المذموم.

2674 ـ اِيّاكَ وَمُسْتَهْجَنَ الكَلاَمِ فَاِنَّهُ يُوعِزُ القَلْبَ .

عليك اجتناب الكلام القبيح فانّه يشغل القلوب سخطاً أو يثير الأحقاد فيها.

2675 ـ اِيّاكَ وَالإصْرارُ فَاِنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ وَأَعْظَمِ الجَرَائِمِ.

هذا تأكيد، والمراد من (الاصرار) هو الاصرار على المعصية أي تكرارها، أو ارتكاب المعصية والعزم على تكرارها وإن لم يتم التكرار، كما ذكر ذلك مراراً.

2676 ـ اِيّاكَ والمُجاهَرَةَ بِالفُجُوِرِ فَاِنّها مِنْ أَشَدِّ المَآثِمِ.

2677 ـ اِيّاكَ وَالثقِّةُ بِنَفْسِكَ فَاِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ مَصَائِدِ الشَّيْطَانِ.

المراد من (الثقة بالنفس) هو أن يعتقد بصلاحها ويطمئن منها فيكلها إِلى حالها، وواضح انّ مثل هذا الإنسان سرعان ما يقع في فخ الشيطان ويكون فريسته، فعلى الإنسان أن يراقب نفسه دائماً ويحرسها، ومع ذلك ليكن استناده في صونها على الله تعالى، ويتوسل إليه في ذلك.

2678 ـ اِيّاكَ أَنْ تُعْجِبَ بِنَفْسِكَ فَيَظْهَرَ عَلَيْكَ النَّقْصُ وَالشَّنَآنُ.

ان عجبت بنفسك توضحت لك دناءة درجتك وعداوة الله وعباده اياك، و(عليك) يعني يظهر عليك الاضرار بك، أو يظهر ويُتبين لك، و (ظهور عداء الناس له وعليه) واضح و (ظهور عداء الله) يكون باعتبار الذم الوارد في الشرع تجاه العجب، والدال على انّ ذلك يكون سبباً لعداء الله.

2679 ـ اِيّاكَ وَكَثْرَةَ الكَلاَمِ فَاِنَّهُ يُكْثِرُ الزَّلَلَ وَيُورِثُ المَلَلَ.

«يورث الملل» أي ملل الناس أو ملله إذا ظهر الزلل.

2680 ـ اِيّاكَ وَاِدْمَانَ الشِّبْعِ فَاِنَّهُ يُهَيِّجُ الأسْقَامِ وَيُثِيرُ العِلَلَ.

2681 ـ اِيّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الكَلاَمِ مُضْحِكَاً وَإنْ حَكَيْتَهُ عَنْ غَيْرِكَ.

هذا النهي يكون لما يستدعيه الكلام المضحك المثير للضحك الكثير ـ وإن كان حكاية عن الغير ـ من الخفة وزوال هيبة المتكلم.

2682 ـ اِيّاكَ اَنْ تَسْتَكْبِرَ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِكَ مَا تَسْتَصْغِرُهُ مِنْ نَفْسِكَ أَوْ تَسْتَكْثِرَ مِنْ طَاعَتِكَ مَا تَستَقِلَّهُ مِنْ غَيْرِكَ.

2683 ـ اِيّاكَ وَالاِتِكَالَ عَلَى المُنى فَاِنَّها بَضَائِعُ النَّوْكَى.

المراد هو الاتكال في الاُمور الدنيوية والأخروية على مجرد الأمل والاُمنيات دون أن يقوم بالطاعة والعبادة في الاُمور الأخروية ليكون مستحقاً لها، وهكذا بالنسبة للاُمور الدنيوية فانّه من دون أن يقوم بعمل يكون وسيلة للوصول إليها، أو المراد هو الاستناد إِلى الاُمنيات في الاُمور الدنيوية والاهتمام والسعي البالغ من أجلها المانع من السعي في الاُمور الاُخرويّة.

2684 ـ اِيّاكَ وَالثِّقَةَ بِالآمالِ فَاِنَّها مِنْ شِيَمِ الحَمْقَى.

هذا القول تأكيد للقول السابق، والمراد هو أحد المعنيين المذكورين في شرحه.

2685 ـ اِيّاكَ أَنْ تَغْفَلَ عَن حَقِّ أَخِيكَ اتِّكَالا عَلَى وَاجِبِ حَقِّكَ عَلَيْهِ، فَاِنَّ لاَِخِيكَ عَلَيْكَ مِنَ الحَقِّ مِثْلَ الَّذِي لَكَ عَلَيْهِ.

اجتنب ترك أداء حقّ أخيك عليك من الصلة والإحسان استناداً إِلى انّ حقك واجب عليه أيضاً فتركه، وبما انّ حقك ثابت عليه فتقوم بالانتقام منه وتترك حقه، لأنّ حقّ أخيك واجب عليك فإذا تركته بسبب تركه حقك فانّك تكون قد أسأت أيضاً، كما أساء بتركه حقك.

2686 ـ اِيّاكَ أَنْ تُخْرِجَ صَدِيقَكَ اِخْراجاً يُخْرِجُهُ عَنْ مَوَدَّتِكَ وَاسْتَبِقْ لَهُ مِنْ أُنْسِكَ مَوْضِعَاً يَثِقُ بِالرُّجُوعِ اِلَيْهِ.

أي إذا تألّمت من صديقك لسبب ما فلا تخرجه من صداقتك اخراجاً بيأس فيك بالكلّية ويخرج من مودّتك أي يترك مودّتك، بل أبقِ له من العلاقة وعدم مقاطعته ما يسمح له الوثوق برجوعك إليه وصداقتك كي لا يترك مودّتك.

2687 ـ اِيّاكَ أَنْ تُهْمِلَ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالا عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَلَيْسَ لَكَ بِأخ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ.

أي لا تكن مهملا في أداء حقّ أخيك، ولا تتركه استناداً على ما بينكما من صداقة ومودة ظناً انّه لا يتوقع أداء حقه، لأنّ من ضيّعت حقه ليس أخاك أي لا تبقى إخوّته وسرعان ما تزول.

2688 ـ اِيّاكَ أَنْ تُوحِشَ مُوادَّكَ وَحْشَةَ تُفْضِي بِهِ اِلى اخْتِيارِهِ البُعْدَ عَنْكَ وَاِيثارِ الفُرْقَةِ.

هذا القول موافق للعبارة (إياك أن تخرج) المذكورة في القول السابق، و المراد هو ما تم شرحه هناك.

2689 ـ اِيّاكَ وَالتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَاِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ اِلَى السُّقْمِ وَالبَرِيئَةَ اِلَى الرَّيْبِ.

أي احترز الشعور بالغيرة في غير محلها بأن تكون تعصباً، كأن يأخذ إنسان حقك فتصمم على استرجاع حقك منه غيرة وتعصباً أو تؤذيه، إذ انّ هذا الأمر يؤدي إِلى سقم النفس السليمة، وذلك انّ من ذهب وراء التعصب والغيرة قلّما سلم من هذه الآفة، وسوف يصبح ملازماً للتعب والنصب دائماً. والمراد من (السقم) قد يكون هو المشقة والتعب المذكور، أو المرض الّذي يعرض في أغلب الأحيان بسبب التعب والغصة والغم، أو المرض الروحي والهلاك الأخروي المترتب على هذا التعصب والغيرة حيث يسوق النفس المطمئنة نحو القلق والاضطراب، يعني هذه الغيرة تجعل النفس المطمئنة من القلق والاضطراب دائمة القلق والاضطراب لتتدارك ما أصابها.

2690 ـ اِيّاكَ أَنْ تَتَخَيَّرَ لِنَفْسِكَ فَاِنَّ اَكْثَرَ النُّجْحِ فِيما لاَ يُحْتَسَبُ.

إياك من أن تنتخب شخصاً أو عملا لنفسك وفيك أمل كبير واستناد كامل إليه، فانّ نيل المقصود في أغلب الأحيان يكون في شيء لا يعير له الإنسان أهمية، وعليه يجب التوكل الكامل على الله تعالى، وقطع الآمال من الغير حتّى يوفقه الله من أي طريق شاء، وإذا سعى امتثالا للأمر به، فعليه أن لا يعتمد عليه تماماً، ولا يعقد عليه أملا كبيراً بل ليكن أمله الأوّل هو الاعتماد على الله تعالى.

2691 ـ اِيّاكَ وَصُحْبَةَ مَنْ أَلْهاكَ وَأَغْراكَ فَاِنَّهُ يَخْذُلُكَ وَيُوبِقُكَ.

احترز صحبة من يغفلك ويجعلك حريصاً فانّه يخذلك ويهلكك أي يغفلك عن الآخرة، ويجعلك حريصاً على طلب الدنيا.

2692 ـ اِيّاكَ أَنْ يَفْقُدَكَ رَبُّكَ عِنْدَ طَاعَتِهِ أَوْ يَرَاكَ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ فَيَمْقَتَكَ.

في بعض(12) النسخ ورد (فلا يجدك) بعد (طاعته) وقبل (يراك) ولا يخفى انّ (يفقدك) له معنى (لا يجدك) أيضاً. فمن غير المناسب تفريع (فلا يجدك) عليه، والظاهر استناداً إِلى ذلك يكون (يفقدك) قد كتب سهواً من الناسخين، والصحيح هو (يتفقّدك) أو (يستفقدك) ومعناه: حذار من أن يطلبك الله ثمّ لا يجدك عند طاعته.

2693 ـ اِيّاكَ والنِّفَاقَ فَاِنَّ ذَا الوَجْهَيْنِ لا يَكُونُ وَجِيهَاً عِنْدَ اللهِ.

2694 ـ اِيّاكَ والتَجَبُّرَ عَلَى عِبادِ اللهِ فَاِنَّ كُلَّ مُتَجَبِّر يَقْصِمُهُ اللهُ.

2695 ـ اِيّاكَ وَالمَلَقَ فَاِنَّ المَلَقَ لَيْسَ مِنْ خَلاَئِقِ الاِيمانِ.

أي انّ الملق ليس من خصال ذي الإيمان، و المراد من (التملّق) هو الحديث عن المودة والاخلاص باللسان دون القلب.

2696 ـ اِيّاكَ وَالفُرْقَةَ فَاِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطانِ.

المراد هو ذم الانعزال ومفارقة الناس كلياً، و (الشاذ من الناس) يعني الخارج عنهم وعن الحضور فيهم، و (للشيطان) باعتبار انّ الشيطان يخدعه ويضلّه.

2697 ـ اِيّاكَ وَمَحاضِرَ الفُسُوقِ فَاِنَّها مُسْخِطَةٌ لِلرَّحْمنِ مُصْلِيَةٌ لِلنِّيرانِ.

2698 ـ اِيّاكَ وَمَقَاعِدَ الاَسْوَاقِ فِانَّها مَعَارِضُ الفِتَنِ وَمَحاضِرُ الشَّيْطانِ.

2699 ـ اِيّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ المَوْتَ وَأَنْتَ آبِقٌ عَنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنيا.

2700 ـ اِيّاكَ أَنْ تَبِيعَ حَظَّكَ مِنْ رَبِّكَ وَزُلْفَتَكَ لَدَيْهِ بِحَقِير مِنْ حُطامِ الدُّنيا.

(الحطام) يطلق على النبات اليابس المتكسر، والمراد: انّ من لا يسعى للآخرة ونيل القرب والمنزلة لدى الله تعالى بل يسعى من أجل الدنيا، فانّ ما يكسبه منها هو شيء قليل كالنبات اليابس المتكسر، فهو في الحقيقة قد باع ماله عند الله وقربه ومنزلته بهذا الشيء.

 

الهوامش:

(1) في نسخة مكتبة سبهسالار ورد (فكم من أكلة) باضافة من.

(2) قال في هامش نسخة مسجد سبهسالار: ورد في بعض النسخ (أحرجته) بدلا عن (جرحته) أي حيثما اضطررته وألجأته.

(3) كتب الشارح(رحمه الله) بقلمه على كلمة (يخدعك) (خ ل ـ يختدعك) يعني في بعض النسخ بدل (يخدعك) وهو من باب الثلاثي المجرد ذكر (يختدعك) وهو من باب الافتعال، وصرحت كتب اللغة: (خادعه واختدعه وتخدّعه) بمعنى خدعه أيضاً.

(4) عبارة (وفي بعض.. الخ) موجودة في نسخة مكتبة سبهسالار فقط.

(5) كتب الشارح(رحمه الله) كلمة (ضياع) مع الفتحة على الضاد والكسرة تحتها و (معاً) فوقها، أي قراءتها بالفتح والكسر صحيحة.

(6) النساء: 56.

(7) كتب في هامش النسخة الأصلية: (خ ل ـ صفاحهم) أي هذه الكلمة كتبت في بعض النسخ بدلا عن صحافهم.

(8) الحجّ: 1.

(9) المزمّل: 17.

(10) في هامش نسخة مكتبة سبهسالار كتب (ملحَق) (صيغة اسم المفعول من باب الأفعال) كبدل.

(11) العبارة (في بعض... الخ) توجد في نسخة مدرسة سبهسالار فقط.

(12) عبارة (في بعض... الخ) توجد في نسخة مكتبة سبهسالار فقط وهي لا تشابه أقوال الشارح(رحمه الله) والله أعلم بحقيقة الحال.