2801 ـ أَيْنَ كِسْرى وَقَيْصَرٌ وَتَبَّعٌ وَحِمْيَرٌ؟
(كسرى) بكسر الكاف وفتحها لقب جمع من ملوك الفرس، وهو معرب (خسرو) ويطلق عليهم الأكاسرة، وكان آخرهم يزدجرد بن شهريار ومن انتقل المُلك إِلى الإسلام، و (قيصر) لقب ملوك الروم ومنهم انتقل المُلك إِلى أهل الإسلام، واُطلق عليهم نفس اللقب بعد ذلك أيضاً. و (تبّع) لقب ملوك اليمن، وكان (حمير) الأب لقبيلة في اليمن ومنها كان ملوك اليمن في البداية.
2802 ـ أَيْنَ مَنِ ادَّخَرَ وَاعْتَقَدَ وَجَمَعَ المَالَ عَلَى المَالِ فَأَكْثَرَ؟
2803 ـ أَيْنَ مَنْ حَصَّنَ وَاَكَّدَ وَزَخْرَفَ وَنَجَّدَ؟
أين من بنى الحصار وأحكم وزخرف ونجّد، وهذا تأكيد ويمكن أن يكون المراد من (زخرف) طلى بالذهب كما هو الأصل في معناه، وعليه فانّ ذكر (نجّد) بعده ذكر للعام بعد الخاص.
2804 ـ أَيْنَ مَنْ جَمَعَ فَأَكْثَرَ وَاحْتَقَبَ وَاعْتَقَدَ وَنَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ؟
2805 ـ أَيْنَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ اَطْوَلَ أَعْماراً وأَعْظَمَ آثارَاً؟
2806 ـ أَيْنَ مَنْ كَانَ اَعَدَّ عَديدَاً وَاَكْنَفَ جُنُودَاً وَاَعَظَمَ آثارَاً؟
(أعد عديداً) يعني عدداً من المعاونين والجنود، وقد يكون معنى العبارة: أين الّذين كانوا أكثر عدداً وأقوى نصرة كجنود، وأعظم آثاراً أي كان عددهم أكبر، إذ كلّما كبر عددهم كان تعدادهم أكثر (وأكنف جنوداً) أي كانت جنودهم تفوق نصرة قياساً إِلى الجيوش الاُخرى، وفي بعض(1) النسخ ورد (أكثف) بالثاء المثلثة، وعليه تحمل العبارة على المعنى الثاني ومعنى (أكثف جنوداً): أكثر وأعظم وأثقل جيشاً.
2807 ـ أَيْنَ المُلوُكُ وَالأَكَاسِرَةُ؟
2808 ـ أَيْنَ بَنُو الأَصْفَرِ وَالفَرَاعِنَةُ؟
أي بنو الأصفر الّذين كانوا ملوك الروم، وكان جدهم الأصفر بن روم، وقال البعض انّ جيشاً من الحبشة تغلب على الروم وحملت نساؤهم منهم فولدن أولاداً صفراً وبما انّ الملوك كانوا ـ منهم لأنّ عموم سكنة تلك الديار كانوا كذلك ـ اُطلق عليهم بنو الأصفر، وكان الفراعنة ملوك مصر.
2809 ـ أَيْنَ الَّذِينَ مَلَكُوا مِنَ الدُّنيا أَقَاصِيها؟
2810 ـ أَيْنَ الَّذِينَ اسْتَذَلُّوا الأعْداءَ وَمَلَكُوا نَوَاصِيها؟
... امتلاك النواصي كناية عن التسلّط.
2811 ـ أَيْنَ الَّذينَ دَانَتَ لَهُمُ الاُمَم؟
2812 ـ أَيْنَ الَّذِينَ بَلَغُوا مِنَ الدُّنيا أَقَاصِيَ الهِمَمِ؟
«أقاصي الهمم» أي غاية همم الناس الّتي لاهمّة فوقها.
2813 ـ أَيْنَ تَخْتَدِعْكُمُ كَواذِبُ الآمالِ؟
أي الآمال الكاذبة الّتي تخدعكم وتشغلكم بالسعي من أجلها، فأين تذهب بكم، أي أين توصلكم عواقب أُموركم، وكذبها ناشئ من عدم إمكان تحقّقها.
2814 ـ أَيْنَ يَغُرُّكُمْ سَرابُ الآلِ؟
الآل هو السراب أيضاً، والغرض هو التأكيد أو انّه يختص بما يرى في أوّل النهار، وعليه يكون من قبيل إضافة العام للخاص والمراد منه هو الآمال الواهية والباطلة، والاختصاص بـ (الآل) بناءً على التفسير الثاني هو إشارة إِلى انّ تلك الآمال تخدع الإنسان منذ مقتبل عمره كالسراب الّذي يظهر أوّل النهار.
2815 ـ أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ المَذَاهِبُ؟
أين تأخذكم المذاهب، أي السبل الّتي تسيرون فيها أو الأديان المختلفة الّتي لديكم.
2816 ـ أَيْنَ تَتِيهُ بِكُمُ الغَيَاهِبُ وَتَخْتَدِعُكُمْ الكَواذِبُ؟
أي أين تتيه بكم غياهب الضلالة والجهالة، وتختدعكم الكواذب أي الآمال الكاذبة الّتي لا تتحقق ويكون وعودها كذب، أو الأئمّة الكاذبون الّذين كانوا يعتقدون بهم.
2817 ـ أَيْنَ تَتِيْهُونَ وَمِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ وَعَلاَمَ تَعْمَهُونَ وَبَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ وَهُمْ اَزِمَّةُ الصِّدْقِ وَأَلسِنَةُ الحَقِّ؟
أي أين تذهبون، ومن أين يأتي إليكم الناس، وأنّى تؤفكون أي من الطريق ] المستقيم[ والدين الحقّ، وإِلى أين تذهبون؟ ولماذا تضلون ولا داعي للضلال لأنّ فيكم عترة نبيّكم، أي أبناؤه وآله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهم أعنة الصدق وألسنة الحقّ، أي انّ عنان الصدق في أيديهم، وما يقولونه هو الحقّ كلّه فكأنّهم ألسنة الحقّ ومع ذلك لا وجه للتحيّر والتردّد والرجوع عن الرأي الحقّ والضلال ويجب اتّباعهم والوصول إِلى السعادة الأبدية والسرمدية.
2818 ـ أَيْنَ تَضِلُّ عُقُولُكُمْ وَتَزِيغُ نُفُوسُكُمْ أَتَسْتَبْدِلُونَ الكِذْبَ بِالصِّدْقِ وَتَعْتَاضُونَ الباطِلَ بِالحَقِّ؟
أي تختارون الكذب والكاذب على الصدق والصادق، والباطل بدل الحقّ.
2819 ـ أَيْنَ القُلُوبُ الّتي وُهِبَتْ لِلَّهِ وَعُوقِدَتْ عَلى طَاعَةِ اللهِ؟
المراد من (القلب) هو العقل، أو العفو الخاص بناءً على كونه مخلا للادراك والتلقي كما هو مذهب المتكلمين كما ذكر آنفاً، وقوله: (وُهبت لله) أي أعطيت لأصحابها لكي يلزموها على طاعة الله والامتثال لأوامره، و (عوقدت على طاعة الله) بمثابة تأكيد ما سبق أي عقد معهم عهد على أن يطيعوا الله، أي يلزموا صاحبهم على ذلك، فانّ خلقهم حيثما كان لهذا الأمر فكأنّه تعاقدوا وتعاهدوا على ذلك، والمراد من هذا الاستفهام توبيخ المخاطبين، وذمهم على انّ قلوبكم ليست كذلك، ولم تؤدّوا حقّها الّذي من أجلها خُلقت ولا تفون بعهد ولا ميثاق، وقس على هذا سائر العبائر.
2820 ـ أَيْنَ الَّذِينَ أَخْلَصُوا أَعْمالَهُمْ لِلَّهِ وَطَهَّرُوا قُلُوبَهُمْ بِمَواضِعِ ذِكْرِ اللهِ
(2)؟أي طهّروها من الأفكار الواهية لكي تكون مواطن لذكر الله، وتشتغل به دائماً.
2821 ـ أَيْنَ المُوقِنُونَ الّذينَ خَلَعُوا سَرَابِيلَ الهَوَى وَقَطَعُوا عَنْهُمْ عَلاَئِقَ الدُّنيا؟
2822 ـ أَيْنَ العُقُولُ المُسْتَصبِحَةُ
(3) لِمَصَابِيحِ الهُدى؟أين العقول الّتي أشعلت مصابيح الهدى، أي طريق الهدى أو الوصول للمطلوب؟
2823 ـ أَيْنَ الأبْصارُ اللاّمِحَةُ مَنارَ التَّقْوى؟
2824 ـ أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا اَنَّهُمْ هُمُ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْم دُونَنَا كِذْبَاً وَبَغياً عَلَيْنا وَحَسَداً لَنا أَنْ رَفَعَنَا اللهُ سُبْحانَهُ وَوَضَعَهُمْ وَاَعْطانا وَحَرَمَهُمْ وَاَدْخَلَنا وَاَخْرَجَهُمْ بِنا يُسْتَعْطَىَ الهُدى وَيُسْتَجَلى العَمَى الأبْهَمْ؟
المقصود هم الّذين ادّعوا الإمامة والخلافة وغصبوا حقّ الإمام(عليه السلام) وأبنائه. والغرض من الاستفهام (أين الّذين...) هو أنّهم رحلوا في وقت قصير، وأدركوا جزاءهم، وعليه فانّ دولة الدنيا ليست أهلا لأن يدعي الإنسان هذه الدعاوى الكاذبة من أجلها ويلقي بنفسه في الشقاء الأبدي والسرمدي.
و (راسخ) يعني الثابت والصامد، ثمّ انّهم وإنْ لم يدّعوا تفوقهم على أميرالمؤمنين(عليه السلام) في العلم بل ولم يدّعوا أيضاً المساواة معه في ذلك بل كانوا يقرّون بأعلميته في أغلب الأوقات، كما كان عمر يسأل الإمام(عليه السلام) في كلّ مسألة تشكل عليه ويقول مراراً: «لولا عليّ لهلك عمر»(4) ولكن بما انّ الإمام والخليفة يجب أن يكون راسخاً في العلم أي يكون ثابتاً فيه ولا يتغير رأيه نظراً إِلى كون علمه لدنيّاً، ولا يكون من قبيل الفكر والاجتهاد القابل للتغيير والتبديل، ويكون الأفضل بين الرعية، إذن تكون دعوى الإمامة وغصبها من أهل البيت (صلوات الله عليهم) بمثابة انّهم ادّعوا بأنّنا الراسخون في العلم وليس هؤلاء، فأميرالمؤمنين(عليه السلام) نسب إليهم هذه الدعوى للإشارة بلزوم هذا المعنى للإمام والخليفة.
(أن رفعنا..) أي من أجل الحسد علينا في هذه الاُمور، أو لسخطهم على وجود هذه المزايا فينا ادّعوا هذه الدعاوى الباطلة كي لا تظهر للناس فضائلنا الّتي فضّلنا الله تعالى بها على هؤلاء وعلى غيرهم ولكي تبقى خافية.
(وأعطانا) أي العلوم والمراتب العالية وحرمهم منها (وأدخلنا) أي في القرب منه والمنزلة لديه، ونسبة العلاقة مع رسوله وخلافته(صلى الله عليه وآله وسلم).
(الهدى) يعني وجدان الطريق المستقيم، أو الوصول إِلى الحقّ (بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى) يعني كلّ من رام الهداية وطلبها فعليه أن يطلبها بسببنا ومنّا، وليس بسببهم ومنهم، وهكذا استجلاء عمى الجهالة والضلالة، وهذه من الاُمور الّتي خصهم الله تعالى بها دون غيرهم، وكان أعداؤهم يحسدونهم عليها ولا يرتضونها لهم.
2825 ـ أَيَسُرُّكَ أَنْ تَلْقَى اللهَ غَدَاً فِي القِيامَةِ وَهُوَ عَلَيْكَ
(5) رَاض غَيْرُ غَضْبانَ، كُنْ فِي الدُّنيا زاهِداً وَفِي الآخِرَةِ رَاغِبَاً، وَعَلَيْكَ بِالتَّقْوى وَالصِّدْقِ فَهُما جماعُ الدِّينِ، وَالزَمْ أَهْلَ الحَقِّ وَاعْمَلْ عَمَلَهُمْ تَكُنْ مِنْهُمْ.المراد إذا سرّك ما قلته، ورغبت فيه فكن في الدنيا هكذا وفي الآخرة كذا حتّى تصل إِلى ذلك المطلوب، (الزم أهل الحقّ) أي كن معهم ولا تتركهم.
2826 ـ أَيَسُرُّكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ حِزْبِ اللهِ الغَالِبينَ، اِتَّقِ اللهَ سُبْحَانَهُ وَأَحْسِنْ فِي كُلِّ اُمْورِكَ فَاِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.
المراد: إذا أسرك هذا المعنى فاخش الله، وأحسن في كلّ الاُمور كي يحصل لك هذا المعنى.2827 ـ أَوَلَسْتُمْ تَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنيا يُمْسونَ وَيُصْبِحُونَ عَلَى أَحْوال شَتَّى فَمَيِّتٌ يُبْكى وَحَيٌّ يُعَزَّى وَصَرِيعٌ مُبْتَلَىً وَعَائِدٌ يَعُودُ وَآخَرُ بِنَفْسِهِ يَجُوْدُ وَطَالِبٌ لِلدُّنْيا وَالمَوَتُ يَطْلُبُهُ وَغَافِلٌ لَيْسَ بِمَغْفُول عَنْهُ وَعَلى اَكْثَرُ الماضِينَ مَا يَمضْي الباقُونَ.
هذا الاستفهام إنكاري، والمراد انّكم ترون الناس هكذا، فإذاً تكون الرغبة في الدنيا الحرص عليها دليل على قلّة العقل. (على أثر الماضين ما يمضي الباقون) يعني كما رحل الماضون ولم يبق منهم ذكر وأثر، فانّ الباقين سواء أكانوا موجودين أو الّذين سيوجدون سيرحلون كذلك، وعليه لا تليق الدنيا للتعلق بها من أيّ أحد.
ما ورد من حِكم الإمام أميرالمؤمنين
عليّ بن أبيطالب(عليه السلام) في حرف الألف
على وزن (أفعل) ويطلق عليه بألف التعظيم،
حيث قال:
2828 ـ أَعْقَلَكُمْ أطْوَعُكُمْ.
«أطوعكم» أي لأوامر الله تعالى.
2829 ـ أَعْلَمُكُمْ أَخْوَفُكُمْ.
«أخوفكم» أي من الله تعالى.
2830 ـ أَحْزَمُكُمْ أَزْهَدُكُمْ.
أكثركم تدبراً هو أكثركم زهداً، أي أشدكم تركاً للدنيا ورغبة عنها.
2831 ـ أَحْياكُمْ أَحْلَمُكُمْ.
2832 ـ أَغْناكُمْ أَقْنَعُكُمْ.
2833 ـ أَشْقَاكُمْ أَحْرَصُكُمْ.
أكثركم شقاء هو الأحرص منكم; لأنّ الحرص الكثير يستدعي التعب والألم في الدنيا، والعذاب العقاب في الآخرة، وهذا غاية الشقاء.
2834 ـ أَبُّرُكُمْ أَتْقَاكُمْ.
2835 ـ أَعَفَّكُمْ أَحْيَاكُمْ.
أي كلّ من كان حياؤه من الله ومن عباده أشد كان أعف، و (العفيف) كما ذكر قبل هذا هو من يصون نفسه من كلّ ما لا يحلَّ له.
2836 ـ أَنْجَحُكُمْ أَصْدَقُكُمْ.
أنجحكم بالسعادة الدنيوية والأخروية هو الأصدق منكم.
2837 ـ أَكْيَسُكُمْ أَوْرَعُكُمْ.
2838 ـ أَسْمَحُكُمْ أَرْبَحُكُمْ.
2839 ـ أَخْسَرُكُمْ أظْلَمُكُمْ.
2840 ـ أَخْوَفُكُمْ أَعْرَفُكُمْ.
أخوفكم هو أعرفكم بالمعارف الإلهية.
2841 ـ أَغْنَى الغِنى العَقْلُ.
أي انّ العقل هو الغنى الّذي ليس فوقه غنى، فمن كان عاقلا كان له كلّ شيء، واستغنى عن الآخرين.
2842 ـ أَعْظَمُ المَصَائِبِ الجَهْلُ.
أشد المصائب هو الجهل لأنّه سبب لأنواع المصائب الدنيوية الاخروية.
2843 ـ أَصْدَقُ شَىْء الأَجَلُ.
أصدق شيء هو الموت لأنّه لا يوجد شيء أصدق منه.
2844 ـ أَكْذَبُ شَىْء الأَمَلُ.
أكذب شيء هو الأمل، يعني لا يوجد شيء أكذب من الأمل، والمراد: انّه قلّما يصدق الأمل، أو المراد: أكذب شيء هو الأمل لأنّ أكثر وعوده كاذبة ولا تصدق.
2845 ـ أَحْسَنُ شَيْء الخُلْقُ.
2846 ـ أَقْبَحُ شَيْء الخُرْقُ.
أقبح شيء هو الخرق أي الغلظة وسوء الخلق أو الحماقة والبلادة.
2847 ـ أَفْقَرُ الفَقْرِ الحُمْقُ.
أفقر الفقر هو الحماقة، أي ضعف العقل لأنّ صاحبه وإنْ ملك شيئاً فانّه سرعان ما يفقر نفسه ويحوجها في الدنيا، وكون ضعف العقل السبب الأعظم للفقر والفاقة في الآخرة أمر واضح.
2848 ـ أَجَلُّ شَىْء الصِّدْقُ.
2849 ـ أَفْضَلُ شَىْء الرِّفْقُ.
أفضل شيء هو الرفق أي اللين واللطف والمحبة مع الناس.
2850 ـ أَكْيَسُ الكَيْسِ التَّقْوى.
2851 ـ أَهْلَكُ شَىْء الهَوَى.
2852 ـ أَوْحَشُ الوَحْشَةِ العُجْبُ.
أي لا توجد صفة تستدعي وحشة الناس من هذا الإنسان أشد من العجب، و (الوحشة) تكون مقابل الأنس والاطمئنان، وواضح انّ صاحب العجب لا يقدّر الآخرين في نظره، ولا يراعيهم كما ينبغي، وهذا يستدعي نفور الناس منه، والابتعاد عنه وعدم الأنس معه والاطمئنان به، و (الوحشة) وردت بمعنى الهم والحزن أيضاً، وعليه قد يكون المراد: لا صفة أشد منها تستدعي الحزن في تلك النشأة، بل يمكن على المعنى الأوّل أن يكون المراد وحشة صاحبه في القبر، وفي تلك النشأة.
2853 ـ أَقْبَحُ الخَلاَئِقِ الكِذْبُ.
2854 ـ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ التَّوْبَةِ تَرْكُ الذَّنْبِ.
2855 ـ أَقْبَحُ البَذْلِ السَّرَفُ.
2856 ـ أَدْوَأُ الدَّاءِ الصَّلَفُ.
(الصلف) هو أن يدّعي الإنسان ـ تكبراً ـ الكياسة والحذاقة أكثر ممّا هو عليه، ولا يبعد استعماله في مطلق التشدق في كلّ مجال أيضاً، وجاء بمعنى من يعد كثيراً دون أن يفيَ، وجاء أيضاً بمعنى: أن يكون ثقيلا على الناس ولا يكون محظوظاً عندهم، وكلّ هذه المعاني محتملة هنا. لا يخفى أن معالجة ذلك في الدنيا على المعنيين الأولين واضحة، وهكذا على المعنى الآخر; لأنّ الثقل على الناس لا يكون إلاّ بسبب الصفات الذميمة أو الأفعال القبيحة، ومالجتها إذن تكون باجتثاثها من النفس.
2857 ـ أَشْرَفُ الخَلاَئِقِ الوَفَاءُ.
أي الوفاء بالعهود والوعود والمواثيق.
2858 ـ أَعْظَمُ البَلاَءِ انقِطاعُ الرَّجَاءِ.
قد يكون المراد هو انقطاع الرجاء من الله تعالى بأن يقوم بأعمال يقطع بها باب رجائه ذلك، وقد يكون المراد: انّ قطع الرجاء من الله هو أعظم البلاء والمعاصي، بل انّ على الإنسان مهما كان مذنباً ومسيئاً أن لا يقطع رجاءه من الله تعالى فانّه أعظم من كلّ الذنوب، كما يستفاد من الأحاديث الاُخرى، وقد يكون المراد قطع الرجاء الّذي يحصل عند الموت ومشاهدة أحوال الآخرة، إذ لا أمل بقبول التوبة بعد ذلك وهو من أعظم البلاء. إذن على الإنسان أن لا يؤخر التوبة والانابة من ذنوبه كي يبغته الموت فينقطع رجاءه من قبول التوبة إن كان هناك أملٌ بالعفو. ولعل المراد هو قطع رجاء الناس من هذا الإنسان ومن خيره وإحسانه فيمن يتوقع الناس خيرهم واحسانهم كالملوك. وكون ذلك (أعظم البلاء) فهو مضافاً إِلى قبحه وخسرانه الأخروي يكون منشأً للضر الدنيوي أيضاً، بل ربّما تسرّع الناس لطرده والقضاء عليه أو اسقاطه من موقعه.
2859 ـ أَعْقَلُ النَّاسِ مَنْ أَطَاعَ العُقَلاَءَ.
2860 ـ أَغْنَى النَّاسِ القَانِعُ.
أغنى الناس هو من كان قانعاً; لأنّ مثل هذا الإنسان لا يحتاج الآخرين، والحال انّ الأغنياء لا يكونون كذلك.
2861 ـ أَفْقَرُ النَّاسِ الطّامِعُ.
2862 ـ أَفْضَلُ العَقْلِ الرَّشَادُ.
أفضل العقل الوصول للحقّ أو اصابته، أي العقل الّذي يستدعي ذلك، ولا ثمرة يعتدّ بها للعقل الّذي يصرف في الاُمور الاُخرى.
2863 ـ أَحْسَنُ القَوْلِ السَّدَادُ.
2864 ـ أَكْرَمُ الحَسَبِ الخُلْقُ.
الحسب ـ كما ذكر مراراً ـ هو ما يستدعي امتياز الإنسان وفخره به.
2865 ـ أَكْبَرُ البِرِّ الرِّفْقُ.
2866 ـ أَفْضَلُ الدِّينِ اليَقِينُ.
أفضل الدين اليقين أي بأحوال المبدأ والمعاد، إذ من الواضح انّ أصل الدين هو الاعتقاد واليقين بهما، والأعمال بناءً على المشهور كما ذكر مراراً تُعدّ من الفروع، والاخلال بها وإنْ استدعى الفسق إلاّ انّه لا يضر بأصل الدين، وعلى تقدير اعتبارها في أصل الدين فمن الواضح انّ العقائد تكون أهم منها.
2867 ـ أَفْضَلُ السَّعَادَةِ استِقَامَةُ الدِّينِ.
2868 ـ أَفْضَلُ الايمَانِ الإحْسَانُ.
أفضل الإيمان أي أعمال المؤمن الاحسان.
2869 ـ أَقْبَحُ الشِّيمِ العُدْوانُ.
2870 ـ أَفْضَلُ العِبَادَةِ الزَّهَادَةُ.
2871 ـ أَفْضَلُ العِبادَةِ غَلَبَةُ العَادَةِ.
أي العبادة الّتي اعتادها الإنسان في الغالب وعمل بها في وقتها غالباً، وليس الّتي يعمل بها أحياناً ولم يتعوّد عليها. وقد يكون المراد من غلبة العادة هو التسلط على الخلق والسجية، والقدرة على ترك العادة، حتّى يتمكن من ازالة الخصال السيئة الّتي تكون فيه أو عدم العمل بمقتضاها.
2872 ـ أَضَرُّ شَىْء الشِّرْكُ.
أضر شيء هو الشرك، أي جعل شريك لله تعالى، والظاهر أن المراد منه هنا هو مطلق الكفر بناءً على عدم وجود من ينكر وجود الله تعالى ومبدأ الموجودات بنحو مطلق وعليه فانّ الكفر منحصر في جعل شريك له أو الاعتقاد بإله غير الله سبحانه، وهذا أيضاً يكون في حقيقة شرك، فانّ الله سبحانه موجود فمن يعتقد بألوهية إله آخر فقد اعتبره في الحقيقة شريكاً لله.
2873 ـ أَيْسَرُ الرِّياءِ الشِّرْكُ
(6)(الرياء) كما ذكر مراراً يطلق على العبادة الّتي تؤدّى لغير الله تعالى أو تشرك معه، والمراد انّ الرياء وإنْ كان سهلا وقليلا هو بمنزلة الشرك بالله تعالى، لأنّه في الحقيقة قد جعل غير الله الّذي رائى له شريكاً لله تعالى.
2874 ـ أَقْبَحُ شَىْء الإفكُ.
2875 ـ أَسْعَدُ النَّاسِ العَاقِلُ.
2876 ـ أَفْضَلُ المُلُوكِ العَادِلُ.
أفضل الملوك العادل، أي الّذي لا يظلم ويكون عادلا.
2877 ـ أَهْلَكُ شَىْء الطَّمَعُ.
2878 ـ أَمْلَكُ شَىْء الوَرَعُ.
أملك شيء هو الورع لأنّه يجعل صاحبه مالكاً للسعادة الدنيوية والأخروية فكأنّ الورع مالك لها، وقد يكون المراد من (أملك) هو الأقوى ملوكية وسلطنة، والمراد انّ الورع أعظم ملوكية، فجعلها(عليه السلام) لذلك على نحو المبالغة.
2879 ـ أَفْضَلُ النِّعَمِ العَقْلُ.
2880 ـ أَسْوَءُ السُّقْمِ الجَهْلُ.
أسوء مرض هو الجهل وهو مرض روحي أسوء من الأمراض الجسمية، وأسوء من سائر الأمراض الروحية أيضاً، وفي بعض النسخ ورد (القسم) بدلا عن (السقم) فيكون المعنى: أسوء القِسَم هو الجهل أي انّه أسوء شيء يكون قسمة الإنسان ونصيبه.
2881 ـ أَسْنَى المَوَاهِبِ العَدْلُ.
انّ أعلى أو أجلى المواهب، أي الصفات الّتي تعطى لهذا الإنسان هو العدل، و (العدل) كما ذكر مكرراً يستعمل تارة مقابل الفسق، والمراد منه هو أن لا يرتكب الإنسان المعصية الكبيرة ولا يصرّ على الصغيرة، ويستعمل تارة أُخرى في الملوك والحكّام، والمراد منه هو أن لا يمارسوا الظلم والجور وينتصفوا للمظلوم من الظالم، وكلّ منهما محتمل في هذا القول.
2882 ـ أَضَرُّ شَىْء الحُمْقُ.
2883 ـ أَسْوَءُ شَىْء الخُرْقُ.
2884 ـ أَفْضَلُ العُدَدِ الإسْتِظْهارُ.
أي أن يحتاط الإنسان في اطاعة الله والامتثال لأمره تعالى، ويكون مستظهراً بذلك.
2885 ـ أَفْضَلُ التَّوَسُّلِ الإسْتِغْفارُ.
أفضل التوسل أي التوسل بالله تعالى وجعله وسيلة هو طلب الغفران منه، وورد في بعض النسخ (التوصل) والنتيجة واحدة، لأنّ التوصّل يعني تحقّق الوصل.
2886 ـ أَفْضَلُ السَّخَاءِ الإيْثَارُ.
أفضل السخاء هو الايثار بالشيء رغم الحاجة إليه.
2887 ـ أَنْفَعُ شَىْء الوَرَعُ.
2888 ـ أَضَرَّ شَىْء الطَّمَعُ.
2889 ـ أَفْضَلُ الذُّخْرِ الهُدى.
أفضل ذخيرة هو الهدى أي معرفة الطريق أو بلوغ الحقّ.
2890 ـ أَوْقَى جُنَّة التَّقوى.
أي الخوف من الله أو التوقّي لأنّها تحفظ الإنسان من البلاء الاُخروي ومن البلاء الدنيوي في أغلب الأوقات، فأيّ وقاية تكون كهذه؟!
2891 ـ أَسْعَدُ النَّاسِ العَاقِلُ.
أسعد الناس هو العاقل لأنّ العاقل لا يفعل ما يسبب له الخسران الأخروي، وهذا هو السعادة التامة بل يكون العقل في أغلب الأحيان سبباً للسعادة الدنيوية أيضاً.
2892 ـ أَشْقَى النَّاسِ الجَاهِلُ.
أشقى الناس الجاهل لأنّ الجهل يستدعي الشقاء الأخروي وهذا غاية الشقاء، ويكون أحياناً سبباً للخسران الدنيوي أيضاً.
2893 ـ أَحْسَنُ اللِّباسِ الوَرَعُ.
أفضل اللباس الورع لأنّ اللباس لا يتجاوز نفعه دفع الحرّ والبرد، أو يكون سبباً للزينة في الجملة وسيندرس ويخلق في مدة وجيزة، والتقوى لباس يدفع الآفات الأخروية كافة، والكثير من الآفات الدنيوية أيضاً، ويكون سبباً لجمال الإنسان وزينته في الدنيا والآخرة، ولا يخلق ولا يندرس أبداً، بل كلّما بقي أصبح أكثر جدة وجمالا.
2894 ـ أَقْبَحُ الشِّيَمِ الطَّمَعُ.
وذلك انّه سبب للذل والهوان في الدنيا والآخرة.
2895 ـ أَفْضَلُ الصَّبْرِ التَّصَبُّرُ.
أفضل الصبر هو الزام النفس بالصبر، أي صبر من يصعب عليه الصبر، ورغم ذلك يلزم نفسه بالصبر ويصبر.
2896 ـ أَقْبَحُ الخُلْقِ التَّكَبُّرُ.
أقبح الخصال التكبر لأنّه يستدعي سخط الله وعداء العباد، ولا يترتب عليه فائدة أبداً.
2897 ـ أَشْجَعُ النَّاسِ أَسْخَاهُمْ.
أي انّ شجاعة الجود والسخاء أكمل شجاعة، وقد يكون كذلك في الواقع حيث يكون أشجع الناس أجودهم أو على العكس.
2898 ـ أَعْقَلُ النَّاسِ أَحْيَاهُمْ.
أعقل الناس أكثرهم حياء، لأنّ الحياء من الله عز وجل يصد عن جميع المعاصي والذنوب، والحياء من الخُلق يمنع من الكثير منها أيضاً، وعليه من كان أكثر عقلا كان أكثر حياءً.
2899 ـ أَعْظَمُ الشَّرَفِ التَّواضُعُ.
أي التواضع لله تعالى، ومع العباد أيضاً.
2900 ـ أَفْضَلُ الذُّخْرِ الصَنَائِعُ.
أفضل ما يُدّخر هو الإحسان الّذي يصفه الإنسان مع باقي الناس، ويكون ذخيرته للآخرة بل للدنيا أيضاً.
الهوامش:
(1) عبارة (وفي بعض... الخ) موجودة في نسخة مكتبة سبهسالار فقط.
(2) في نسخة مكتبة مدرسة سبهسالار كتب (نظر الله) بدلا عن (ذكر الله) وتختلف ترجمته، فما ترجم في نسخة سبهسالار هو: «أين الّذين أخلصوا أعمالهم لله وطهورا قلوبهم لمواضع نظر الله، أي طهروها من الأفكار الواهية من أجل أن تكون مواضع النظر إِلى الله تعالى أي الفكر والتأمل في المعارف الإلهية، أو انّهم طهروها من الصفات و الملكات الذميمة كي تكون مواضع للنظر والعناية الإلهية، وعليه من الواضح انّ المراد من (القلوب) هي النفوس وكذلك لو أُريد الاحتمال الأوّل، وقد يكون المراد هو العضو الخاص بناءً على أن يكون محلا للفكر والادراك كما هو مذهب المتكلمين».
(3) في نسخة مكتبة مدرسة سبهسالار كتب (المستصحبة) بدلا من (المستجمة) كنسخة بدل.
(4) تذكرة الخواص: 147، فرائد السمطين 1: 347 ح 270.
(5) هكذا في الأصل، وقد صرّحت كتب اللغة انّ (رضى عنه) و (رضى عليه) قد استعمل كلاهما، والكتب الأدبية من قبيل السيوطي والمغني اعتبرت هذا البيت شاهداً على هذا الاستعمال:
إذا رضيت عليَّ بنو قشير *** لعمر الله أعجبني رضاها
ومن أراد التفصيل فليراجع موارده.
(6) في نسخة مكتبة مدرسة سبهسالار كتب (شرك) بدلا عن (الشرك).