3301 ـ أَشْرَفُ الهِمَمِ رِعَايَةُ الذِّمامِ.

3302 ـ أَفْضَلُ الشِّيَمِ صِلَةُ الأَرْحامِ.

أي الاتصال بهم والاحسان إليهم وعدم الانقطاع عنهم، والعبارة في بعض النسخ بهذا النحو: أشرف الهمم رعاية الذمم، وأفضل الشيم صلة الرحم.

3303 ـ أَبْلَغُ البَلاَغَةِ مَا سَهُلَ فِي الصَّوابِ مَجَازُهُ وَحَسُنَ إيجازُهُ.

يعني أن يكون الكلام سهلا في فهم معناه الصحيح دون أن يكون مطولا بل مختصراً اختصاراً حسناً، لا يخلّ بشيء من فوائده.

3304 ـ أَشَّدُ النَّاسِ نَدَامَةً وَأَكْثَرهُمُ مَلامَةً العِجَلُ النَّزِقُ الَّذِي لاَ يُدْرِكُهُ عَقْلُهُ إلاَّ بَعْدَ فَوْتِ أَمْرِهِ.

أي الّذي حينما يغضب يعجل في الانتقام ويثور ويطيش ويكون خفيفاً، ولا يعود عقله وفهمه إلاّ بعد انفلات الأمر من يده ولا يمكنه استدراكه.

3305 ـ أَشَدُّ النَّاسِ نِفاقَاً مَنْ أَمَرَ بِالطَّاعَةِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا وَنَهى عَنِ المَعْصِيَةِ وَلَمْ يَنْتِهِ عَنْها.

3306 ـ أَسْعَدُ النَّاسِ بِالدُّنيا التَّارِكُ لَها وَأَسْعَدَهُمْ بِالآخِرَةِ العَامِلُ لَها.

«أسعدهم بالآخرة» واضح، أمّا «أسعدهم بالدنيا» باعتبار انّ ترك الدنيا يستدعي الخلاص من الكثير من الغم والحزن والمشقة والتعب، وهذا كمال السعادة في الدنيا، أو لأنّ ترك الدنيا وعدم الرغبة فيها يستدعي إقبال الدنيا على صاحبها فيكون سعيداً بها.

3307 ـ أَفْضَلُ(1) المُروُءَةِ الحَيَاءُ وَثَمَرَتُهُ العِفَّةُ.

أفضل المروءة أي الفتوة أو الإنسانية هو الحياء، وثمرته العفة، أي الاحتراز من غير الحلال كما تكرر ذكره.

3308 ـ أَفْضَلُ الذَّخائِرِ عِلْمٌ يُعْمَلُ بِهِ وَمَعْرُوفٌ لا يُمَنُّ به.

3309 ـ أَعْقَلُ النَّاسِ مَنْ لا يَتَجاوَزُ الصَّمْتَ فِي عُقُوبَةِ الجُهَّالِ.

أي إذا قاموا بشتمه أو هذروا اكتفى بالسكوت في الرد عليهم وعدم الكلام، أو انّه لا يتكلم معهم أساساً عقاباً لجهلهم.

3310 ـ أَفْضَلُ المُروُءَةِ مُواساةُ الإخوانِ بِالأَمْوالِ وَمُساواتُهُمْ فِي الأحْوالِ.

أفضل المروءة أي الفتوة أو الإنسانية هو مواساة الإخوان بالأموال والتساوي معهم في الأحوال، و (المواساة) كما تكرر ذكره هو بذل المال إليهم من مؤونته، أو اشراكهم سواسية في أمواله، والمراد من «مساواتهم في الأحوال» هو أن يتعامل معهم بالطريقة ذاتها الّتي يتعاملون بها معه، كما يجعل أوضاعه كأوضاعهم ولا يجعل لنفسه وضعاً لا يقدرون عليه، فانّه يستدعي انكسارهم النفسي.

3311 ـ أَفْضَلُ الدِّينِ قَصْرُ الأَمَلِ وَأَفْضَلُ(2) العِبادَةِ إخْلاصُ العَمَلِ.

3312 ـ أَفْضَلُ الإيمانِ الإخْلاصُ وَالإحْسَانُ، وَأَقْبَحُ الشِّيَمِ التَّجافِيَ وَالعُدْوانِ.

أفضل الإيمان هو الإخلاص لله تعالى والاحسان، وأقبح الخصال هو التجافي والعدوان، والمراد من (التجافي) هو هجر الأقرباء والاخوان وعدم صلتهم، أو القساوة مع الناس وعدم التلطّف معهم.

3313 ـ أَفْضَلُ الإيمانِ حُسْنُ الإيقانِ وَأَفْضَلُ الشَّرَفِ بَذْلُ الإحْسانِ.

أفضل الإيمان هو حسن الإيقان بالمبدأ والمعاد، وأفضل الشرف هو بذل الإحسان.

3314 ـ أَهْلَكُ شَىْء الشَّكُ وَالإرْتِيابُ وَأَمْلَكُ شَىْء الوَرَعُ والإجْتِنابُ.

«الورع والاجتناب» أي من المعاصي، والمراد من الشك هو الشك في الاُمور الّتي يجب الايقان بها من المبدأ والمعاد و (الإرتياب) للتأكيد وبمعنى الشك أيضاً، كما جاء بمعنى سوء الظن أيضاً، وعليه يكون المراد هو سوء الظن بالله تعالى بانّ ما قسمه قد وقع فيه الحيف والتحيّز والعياذ بالله، أو سوء الظن بالناس وسوء التعامل معهم لمجرد الارتياب.

3315 ـ أَكْرَمُ حَسَب حُسْنُ الأَدَبِ.

(الحسب) كما تكرّر ذكره هو ما يعدّ من مفاخر الإنسان أو الكرم أو علو الشأن.

3316 ـ أَفْضَلُ سَبَب كَفُّ الغَضَبِ وَالتَنَزُّهُ عَنْ مَذَلَّةِ الطَّلَبِ.

(السبب) كما تكرر ذكره هو الحبل، وكلّ ما يتمسك به للوصول إِلى شيء آخر، والمراد انّ أفضل شيء يتمسك به الإنسان للتقرب إِلى الله تعالى هو كف الغضب أي منعه وصدّه عن النفوذ إِلى النفس، أو كفها عن إرادة الانتقام ممّن غضب عليه.

3317 ـ أَشْرَفُ الأَقْوالِ الصِّدْقُ.

3318 ـ أَفْضَلُ الأَعْمالِ لُزُومُ الحَقِّ.

3319 ـ أَفْضَلُ الخَلْقِ أَقْضاهُمْ بِالحَقِّ وَأَحَبَّهُمْ إلى اللهِ سُبْحانَهُ أقْوَلُهُمْ لِلصِّدْقِ.

3320 ـ أَحْسَنُ الأَفْعالِ ما وَافَقَ الحَقَّ وَأَفْضَلُ المَقَالِ ما طَابَقَ الصِّدْقَ. 3321 ـ أَدْرَكُ النَّاسِ لِحاجَتِهِ ذُو العَقْلِ المُتَرَفِّقُ.

3322 ـ أَفْضَلُ النَّاسِ أَعْمَلُهُمْ بِالرِّفْقِ وَأَكْيَسُهُمْ أَصْبَرُهُمْ عَلى الحَقِّ.

3323 ـ أَحْسَنُ الصّدْقِ الوَفَاءُ بِالعَهْدِ وَأَفْضَلُ الجُودِ بَذْلُ الجَهْدِ.

«أفضل الجود بذل الجهد» أي صرف الطاقة والقدرة في الطاعات والعبادات وفعل الخيرات.

3324 ـ أَشْرَفُ الشِّيَمِ رِعَايَةُ الُودِّ وَأَحْسَنُ الهِمَمِ إنجازُ الوَعْدِ.

3325 ـ أَوَّلُ ما يَجِبُ عَلَيْكُمْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ شُكْرَ أَيادِيهِ وَابْتِغاءُ مَراضِيهِ.

3326 ـ أَقَلُّ ما يَلْزَمُكُمْ لِلَّهِ تَعَالى أَنْ لا تَسْتَعِينُوا بِنِعَمِهِ عَلى مَعاصِيهِ.

3327 ـ أَوَّلُ ما تُنْكِرُونَ مِنَ الجِهادِ جِهادُ أَنْفِسكُمْ.

الغرض هو الانكار عليهم وتبيين أهمية جهاد النفس وانّه أساس الجهاد والحال انّكم أوّل ما تنكرون من الجهاد هو جهاد النفس.

3328 ـ آخِرُ مَا تَفْقِدُونَ مُجاهَدَةُ أَهْوائِكُمْ وَطَاعَةُ اُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ.

«اُولي الأمر منكم» أي أئمّتكم صلوات الله عليهم أجمعين، والغرض هو الانكار عليهم أيضاً وتبيين انّ أوجب ما فرض عليكم هو مجاهدة الهوى وطاعة الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين والحال انّكم تفقدونها ولا تجدونها، ولفظ (آخر) امّا إشارة إِلى انّكم تفقدون ذلك حتّى آخر أعماركم، وكلّما فقدتموه ولم تجدوه كانا ] أي مجاهدة الهوى وطاعة اُولي الأمر[ مع هذا آخر المفقودات، ولا يوجد شيء فقدتموه ولم تجدوه إلاّ وكان فقدانهما بعده(3) وامّا إشارة إِلى رعاية الترتيب بين المفقودات في الفضل والشرف، أي إذا أحصيت مفقوداتكم صعوداً من الأدنى إِلى الأعلى كان آخرها هذين الأمرين، ولفظ (أوّل) في العبارة السابقة في الأمر الأوّل هو باعتبار انّ الانكار عليه يكون أكثر من أيّ انكار آخر، فلا تعارض بينهما.

3329 ـ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ النَّجاحِ المُسْتَهْتَرُ بِاللَّهْوِ وَالمَزاحِ.

3330 ـ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ الصَّلاحِ الكَذُوبُ وَذُو الوَجْهِ الوَقاحِ.

3331 ـ أَوْلى العِلْمِ بِكَ ما لا يُتَقَبَّلُ العَمَلُ إلاّ بِهِ.

أولى العلم بالتعلّم هو ما لا يُتقبل العمل إلاّ به، المراد من (ما) ] الموصولة[ هو المعارف الإلهية الّتي لا يُتقبل أي عمل إلاّ بها. 3332 ـ أَوْجَبُ العِلْمِ عَلَيْكَ ما أَنْتَ مَسْؤُولٌ عَنِ العَمَلِ بِهِ.

المراد من (ما) ] الموصولة[ هو علم الفقه وهو واضح، وهكذا ما تعلق من علم الكلام والفلسفة بأحوال المبدأ والمعاد، لأنّها وإن لم تتعلق بالعمل ظاهراً ولكن بالتالي يتوقف العلم بوجوب جميع الأعمال عليها، وعليه فسوف يكون السؤال عن العمل به بنحو أتم وأكمل، ولا يخفى أن العلوم الّتي يتوقف عليها معرفة تلك العلوم الواجبة كاُصول الفقه بالنسبة لعلم الفقه تكون واجبة أيضاً، أمّا غيرها فلاتجب بل سيكون معرفتها موجباً للفضل والكمال.

3333 ـ أَلْزَمُ العِلْمِ بِكَ ما دَلَّكَ عَلى صَلاحِ دِينِكَ وَأَبانَ لَكَ عَنْ فَسادِهِ.

قد يكون المراد من «أبان لك عن فساده» انّه يُظهر لك الفاسد منه، أي انّ ألزمِ العلم لك هو ما دلّك على الدين الصحيح وأبان لك الفاسد، وميّز لك بينهما.

3334 ـ أَحْمَدُ العِلْمِ عَاقِبَةً ما زَادَ فِي عَمَلِكَ فِي العَاجِلِ وَأَزْلَفَكَ فِي الآجِلِ.

«ازلفك في الآجل» أي برحمة الله تعالى وقربه الحضوة لديه، وهذا هو العلم المتعلق بالمعارف الإلهية أو الأحكام الشرعية، مع العمل بمقتضاه.

3335 ـ أَعْجَزُ النَّاسِ آمَنُهُمْ لِوُقُوعِ الحَوادِثِ وَهُجُومِ الأَجَلِ.

أي كلّ من كان تصديقه بهما أكثر واعتقاده بها أقوى يُتراءى للناس انّه أعجز الناس، لأنّ مثل هذا الإنسان لا يؤذي أحداً خوفاً من أن يصاب ببلاء أو حادث سوء عقوبة لذلك، وهكذا خوفاً من حلول الموت فجأة والخسران عند ذلك، بل لا يكون مشغولا بأمر دنيوي ذي بال فيظن الناس انّه أعجز الناس، ولا يخفى انّ الإيمان إذا كان بالله تعالى فالشائع استعماله مع الباء، وإذا كان بغير الله كان الشائع استعماله باللام أيضاً كما هو في هذا القول، وورد في القرآن المجيد: (يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)(4)،(وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)(5)وفي سورة طه:(آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكُمْ)(6) وقد يكون معنى القول: انّ العاجز من الناس أكثرهم أماناً من وقوع الحوادث وحلول الموت فجأة، أي انّ خوفه منهما أقل لأنّ مثل هذا الإنسان لا يفعل ـ في الغالب ـ ما يستحق به البلاء وا لوقوع في الحوادث، كما انّ الناس لا يعبؤون بهكذا إنسان، وكما هو الظاهر انّ الموت وعقباته تكون أهون عليه، وعليه فالهدف هو بيان الثمرة والفائدة للعجز كي يرضى بذلك العجزة، والمعنى الأوّل أظهر.

3336 ـ أَفْضَلُ النَّاسِ عَقْلا أَحْسَنُهُمْ تَقْدِيرَاً لِمَعاشِهِ وَأَشَدَّهُمْ اهْتِماماً بإِصْلاحِ مَعادِهِ.

3337 ـ أَحْزَمُ النَّاسِ رَأيَاً مَنْ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَلَمْ يُؤَخِّرْ عَمَلَ يَوْمِهِ لِغَدِهِ(7).

المراد هو العمل الأخروي، وقد يشمل الشؤون الدنيوية الضرورية أيضاً، وقد ورد في بعض الأحاديث: (اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً»(8).

ولا يخفى انّ الغاية من ذلك هي الاهتمام بالعمل للآخرة، فمن الواضح أن من يعلم انّه سيموت غداً سيهتم بالتوبة والانابة، وكلّ ما يتيسر له من أعمال وأفعال الخير، وأمّا بالنسبة للعمل لأجل الدنيا فقد يكون المراد: لا تشعر بالحرج من تأخير العمل وتأجيله كمن يعتقد بانّه يعيش أبداً ويقول: إن لم أنجز العمل في هذا اليوم فانّه أمر سهل وسوف أنجزه غداً، وهكذا في يوم غد، وقد يكون المراد هو الحث على الاهتمام بالشؤون الضرورية فيها أيضاً، فمن يعتقد بانّه سيعيش أبداً كان احتياجه للدنيا أكبر، فيسعى بنحو أشد لترسيخ الشؤون الضرورية فيها عكس من يعلم انّ الدنيا عدة أيام فانّه يقول انّ هذه الأيام ستمضي بأيّ نحو كان فلا تليق للاهتمام بشؤونها، والله تعالى يعلم.

3338 ـ أَفْقَرُ النَّاسِ مَنْ قَتَّرَ عَلى نَفْسِهِ مَعَ الغِنى والسَّعَةِ وَخَلَّفَهُ لِغَيْرِهِ.

كونه أفقر الناس ناشئ من تقشفه على نفسه في الدنيا فسيكون في الآخرة فقيراً أيضاً عكس الفقراء الآخرين، فانّهم مع تحملهم لصعوبات الفقر فسوف يعوَّض عنها في الآخرة ويكونون أغنياء، كما انّ فقر هذا الإنسان لا علاج له ما دام كذلك ولا أمل لزواله عكس سائر أنواع الفقر الاُخرى الّتي يمكن زوالها باقبال السعة والغنى.

3339 ـ أَحْمَقُ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ عَلى غَيْرِهِ رَذِيلَةً وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْها.

3340 ـ أَرْجَى النَّاسِ صَلاحاً مَنْ إذا وَقَفَ عَلى مَساوِيِهِ شَارَعَ إِلى التَّحوُّلِ عَنْها.

3341 ـ أَنْصَفُ النَّاسِ مَنْ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاكِم عَلَيْهِ.

3342 ـ أَجْوَرُ النَّاسِ مَنْ عَدَّ جَوْرَهُ عَدْلا مِنْهُ.

3343 ـ أَوْلَى النَّاسِ بالإصْطِناعِ مَنْ إِذا مُطِلَ صَبَرَ وَإذا مُنِعَ عَذَرَ وَإذا اُعْطِيَ شَكَرَ.

3344 ـ أَبْلَغُ مَا تُسْتَمَدُّ بِهِ النِّعْمَةُ الشُّكْرُ وَأَعْظَمُ مَا تُمَحَّصُ بِهِ المِحْنَةُ الصَّبْرُ.

انّ أنفذ شيء تستمد به النعمة أي لبقائها أو ازديادها هو الشكر، أي شكر المنعم عليه، وأكبر ما تخفّف به المحنة والمشقة هو الصبر، إذ مع الصبر تخف المشقة وأتعاب القلق والجزع والحزن من شماتة الناس، كما انّ الصبر يدفع أو يهوّن وقوع المصيبة التالية كما تكرر ذكره، وعليه فانّه يخفف المحنة من ذلك الطريق أيضاً.

3345 ـ أَحَقُّ النَّاسِ بِزِيادَةِ النَّعْمَةِ أَشْكَرُهُمْ لِما أُعْطِيَ مِنها.

3346 ـ أَعْقَلُ المُلُوكِ مَنْ سَاسَ نَفْسَهُ لِلْرَعِيَّةِ بِمَا يَسْقُطُ عَنْهُ حُجَّتُها وَسَاسَ الرَّعِيَّةِ بِما تَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُهُ عَلَيْها.

أي بأن يسلك معهم بنحو لا يبقى لهم حجة وذريعة للاعتراض، وهكذا يؤدب الرعية ويأمرها وينهاها بما يثبت له الحجة عليها، ولا يخفى أنّ الأمرين يتمان إذا لم يظلمهم ويمنع عنهم ظلم الآخرين ولا يتكبر عليهم، ويتعامل مع كلّ فرد حسب مقامه وما يليق بمستواه، ويحسن إليهم خاصة الفقراء والمساكين الّذين هم في الحقيقة بمثابة العيال على الملوك، وهكذا الّذين لا سبيل آخر لهم للمعيشة ويعيشون دائماً على ما ينعم به الملوك، لأنّه إذا تعامل معهم هكذا فسوف لن يبقى لهم حجة وكلام عليه بانّك لماذا تعاملت معنا هكذا وتثبت له الحجة عليهم أي يثبت حقوقه عليهم وكونهم يعيشون في دولته بأمان ورفاه فعليهم إطاعته وامتثال أمره والدعاء له وذكره بالخير.

3347 ـ أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ سُبْحانَهُ العَامِلُ فِيما أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ بِالشُّكْرِ وَأَبْغَضُهُمْ اِلَيْهِ العَامِلُ فِي نِعَمِهِ بِكُفْرِها.

3348 ـ أَبْلَغُ ما تَسْتَجِلْبُ بِهِ النِّقْمَةُ البَغْيُ وَكُفْرُ النِّعْمَةِ.

المراد من (البغي) هنا هو الاستعلاء الّذي يكشف عن كفران النعمة، ويمكن أن يكون بمعنى الظلم وهو خصلة أخرى ككفران النعمة يكون أنفذ في جلب العقاب، ويمكن قراءة (تستجلب) بصيغة المخاطب المعلوم فيكون المعنى: أنفذ ما تجلب العقاب به.

3349 ـ أَبْلَغُ مَا تُسْتَدَرُّ بِهِ الرَّحْمَةُ أَنْ تُضْمَرَ لِجَمِيعِ النَّاسِ الرَّحْمَةُ.

قد يقرأ (تستدر) و (تضمر) بصيغة المخاطب المعلوم فيكون المعنى: انّ أنفذ ما تجلب الرحمة به هو أن تشعر بالرحمة لجميع الناس.

3350 ـ أَفْضَلُ حَظّ الرَّجُلِ عَقُلُهُ إِنْ ذَلَّ أَعَزَّهُ وَاِنْ سَقَطَ رَفَعَهُ وَإِنْ ضَلَّ أَرْشَدَهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ سَدَّدَهُ.

أي انّ أفضل حظ ونصيب يعطيه الله تعالى للإنسان هو العقل الّذي أعطاه، لأنّه إذا ذلّ فانّ العقل يعزّه، أي يرشده إِلى ما يعزّزه، وهكذا إذا وقع في مهلكة فانّ العقل ينقذه منها، وإذا ضلّ فانّ العقل يهديه إِلى الطريق السوي، وإذا تكلّم فانّ العقل يقوّمه ويصونه من الخطأ فيه، وواضح عدم وجود أيّ نعمة اُخرى تترتب عليها مثل هذه الآثار.

3351 ـ أَعْقَلُ النَّاسِ مَنْ غَلَبَ جِدُّهُ هَزْلَهُ وَاسْتَظْهَرَ عَلَى هَواهُ بِعَقْلِهِ.

(الجد) يقابل اللهو واللعب، والمراد من غلبة الجد على اللعب هو انّ انشغاله الجاد باُمور تهمّه يمنعه من الانشغال باللهو واللعب، والمراد من الاستظهار بالعقل على الهوى هو أن يتغلب بعقله على هواه، ولا يكون تابعاً لهواه بل يغلبه.

3352 ـ أَعْقَلُ النَّاسِ مَنْ ذَلَّ لِلْحَقِّ فَأَعْطاهُ مِنْ نَفْسِهِ وَعَزَّ بِالحَقِّ فَلَمْ يُهِنْ إقامَتَهُ وَحُسْنَ العَمَلِ بِهِ.

المراد من الذل للحقّ هو أن لا يهجره بل يتبعه، والمراد من إعطاء الحقّ من نفسه انّه إذا كان الحقّ مع غيره في الأمر المتنازع فيه أن ينصفه ويصدق بأحقّيته ويفي له، «وعزّ بالحقّ» يعني أعزّ نفسه باتباع الحقّ «فلم يُهن» بيان لطريق الاعتزاز بالحقّ أي انّ الاعتزاز بالحق يكون بهذا النحو، وهو أن يكون تابعاً للحقّ والإقامة عليه مع حسن العمل به، فكلّ من كان كذلك سيكون عزيزاً، وقد يكون معنى (عز بالحقّ) هو أن يعز الحقّ، وعليه يمكن أن تكون باقي فقرات العبارة بياناً لذلك.

3353 ـ أَفْضَلُ الفَضَائِلِ صِلَةُ الهاجِرِ وَاِيناسُ النَّافِرِ وَالأَخَذُ بِيَدِ العَاثِرِ.

«الأخذ بيد العاثر» أي اعانة من عثر وزلّ ووقع في المهالك بمساعدته للنهوض والتخلّص من تلك المهالك.

3354 ـ أَعْظَمُ الجَهْلِ مُعاداةُ القَادِرِ وَمُصادَقَةُ الفَاجِرِ وَالثِّقَةُ بِالغَادِرِ.

والمراد من القادر هو الّذي يقدر على الايذاء والاضرار بالإنسان.

3355 ـ أَبْغَضُ الخَلاَئِقِ إِلى اللهِ تَعَالَى الجَاهِلُ لاَِنّهُ حَرَمَهُ(9) ما مَنَّ بِهِ عَلى خَلْقِهِ وَهُوَ العَقْلُ.

المراد من (الجاهل) بقرينة آخر القول هو من فقد العقل، والمراد من كونه أبغض الخلائق إِلى الله تعالى هو أنّه لا يخصّه بالعناية والاهتمام، وإلاّ لأعطاه العقل وهو أعظم النعم ولم يحرمه منه، دون البغض الّذي يستدعي عذابه وعقابه لأنّه مع فقدان العقل لا تقصير له ومؤاخذته تكون غير معقولة. وقد يكون المراد من (الجاهل) هو من لم يكسب العلم مع القدرة على ذلك، وعدم وجود قصور في عقله، والمراد من (العقل) هو العلم لا القوّة ليكون آلته، والمراد من (حرمان الله إياه) هو أن الله حرمه بسبب تقصيره وعدم السعي لتحصيله، أو بسبب بعض الذنوب الّتي استحق بها الحرمان من العلم، وعليه يمكن حمل البغض الإلهي له على معناه الظاهر، ويمكن استناداً إِلى هذا المعنى أن لا يكون الضمير في (لأنّه) عائداً إِلى الله تعالى بل إِلى الجاهل، ويكون المعنى: انّ الجاهل حرم نفسه ممّا أنعم الله تعالى أو منَّ به على عباده، فسخط الله عليه يكون من هذا الطريق فلا يحتاج إِلى تأويل.

3356 ـ أَظْلَمُ النَّاسِ مَنْ سَنَّ سُنَنَ الجُوْرِ وَمَحا سُنَنَ العَدْلِ.

أي بأن يُحدث أساساً للظلم فيتبعه الناس في ذلك، ويمحو طريقاً للعدل بين الناس ويتبعه الناس في ذلك ويتركونه، وقد يكون المراد من «سنّ سنن الجور» أي الجور على إنسان «ومحا سنن العدل» أي محا طريقاً عدلا وبينه وبين غيره أو بين اثنين آخرين، فهو من أظلم الناس، أي انّه أظلم ممّن لا يسري ظلمهم إِلى الغير، بل يظلمون أنفسهم بارتكاب الذنوب.

3357 ـ أَبْلَغُ العِظاتِ النِّظَرُ إِلَى مَصَارِعِ الأَمْواتِ وَالإعْتِبارُ بِمَصائِرِ الآباءِ وَالاُمَّهاتِ.

وذلك انّ من يتأمّل في هذه الاُمور علم بانّه سيسلك هذا الطريق نفسه، فعليه التزوّد لذلك السفر الخطير والاستعداد له.

3358 ـ أَبْلَغُ نَاصِح لَكَ الدُّنيا لَوِ انْتَصَحْتَ بِما تُريكَ مِنْ تَغايرُ الحالاتِ وَتُؤْذِنُكَ بِهِ مِنَ البَيْنِ وَالشِّتاتِ.

وذلك انّ من يلاحظ ما يقع في الدنيا من تغيير الدول والنكبات وسائر التغيّرات والأحوال، وتباعد وافتراق الأصدقاء عن بعضهم بالموت أو الأسباب الاُخرى كفاه ذلك لترك الاهتمام بها وعدم الحرص عليها.

3359 ـ أَحْسَنُ الحَسَنَاتِ حُبُّنا وَأَسْوَءُ السَّيِّئاتِ بُغْضُنا.

المراد من (نا) هو صلوات الله وسلامه عليه وسائر الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، وواضح انّ حبّهم غير ممكن بدون حب الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومع ذلك لا شبهة في انّ حبهم هو أفضل الحسنات لأنّه بسببه يجب الدخول في الجنة والخلود فيها وانْ كان بعد برهة من الزمان يستحق فيها النار بسبب بعض الذنوب، ومن الواضح عدم وجود أيّ حسنة غير حبهم تكون سبباً لذلك.

ومن الواضح أيضاً انّ عداءهم يستلزم عداء الله ورسوله، وقد أمرا بحبهم والاعتقاد بإمامتهم، ومع ذلك فلا شبهة في انّ بغضهم أسوء السيئات لأنّها سيئة تسبب الخلود في جهنم ولا توجد سيئة مثلها، والعداء مع الله والرسول وانْ كان كذلك ولكن بما انّ عداءهم يستلزم العداء مع الله ورسوله أصبح من مصاديق عدائهما لا شيء آخر لينتقض علينا فلا إشكال في هذا الكلام إطلاقاً. وأمّا ما ورد عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله: (حب عليّ حسنة لا تضر معها سيئة، وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة)(10) فلا يخفى انّ في القسم الثاني منه وإنْ لم يكن فيه إشكال لأنّ المراد قد يكون: انّ مع وجود العداء معه صلوات الله وسلامه عليه فلا منفعة معتد بها في أية حسنة، لأنّه يكون سبباً للخلود في جهنم، ولا تنقذه أية حسنة، وإذا لم يتخلص من جهنم فلا يترتب نفع على أيّ حسنة من حسناته إلاّ أن يخفف شيئاً ما من عذابه، ولكن مع الخلود في جهنم لا يكون هذا أمراً معتداً به ليعتبره الإنسان فائدة، فكأنّه لم يعطه أية فائدة، أو انّه لا تنفعه أية حسنة بناءً على اشتراط حب الإمام(عليه السلام) في قبول أية حسنة أو عدم العداء معه، وعليه إذا عاداه إنسان فلا تقبل منه أية حسنة لعدم تحقق شرط قبولها، واستناداً إِلى ذلك يكون المراد من (حسنة) هو ما يكون من جنس الحسنات وانْ لم تُعد من عنده حسنة في الحقيقة، أو انّ المراد عدم انتفاعه بأيّة حسنة نظراً إِلى عدم إمكان صدور الحسنة منه.

وأمّا القسم الأوّل من القول فلا يخلو من إشكال; لأنّ المعروف بين علماء الإمامية رضوان الله تعالى عليهم انّ الذنوب الكبيرة وهكذا الاصرار على الصغيرة وهو كبيرة أيضاً وإنْ صدرت من محبي الأئمّة الأطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار فانّها مضرة أيضاً، وتستدعي الدخول في جهنم إلاّ أنْ تتحقق التوبة منها، ويمكن تأويله بانّ المراد من (الضرر) هو الضرر الّذي يستوجب الخلود في جهنم، فلا إشكال حينئذ فيه، لأنّ المحب له ولسائر الأئمّة الكرام من أبنائه العظام وإن كان عاصياً إلاّ انّه لا يخلد في جهنم وسينقطع عذابه بالآخرة، أو نقول: انّ المحب الحقيقي هو الّذي يراعي محبوبه، ولا يفعل ما يثير سخطه وغضبه، ومن الواضح انّ الإمام يغضب من ارتكاب المعاصي، فمن كان محبه في الحقيقة ولا يكون حبه مجرد الحب الظاهري لا يرتكبها، وعليه مع تحقق مودته لا تضره أية معصية نظراً إِلى انّها لا تصدر من المحب الحقيقي، وليس المعنى بأنّها لا تضر على فرض صدورها. ومن الممكن أيضاً انّ من له مودّة حقيقية معه صلوات الله عليه فانّه يتوفق للتوبة أخيراً البتة فتمحى ذنوبه من هذا الطريق، أو تعفى بشفاعة الإمام أو تعفى جزاء لمودته وإن استحق الدخول في جهنم إلاّ انّ المؤمن عليه ألاّ يستند إِلى هذه الاحتمالات ولا يترك التقوى أبداً، وفي جملة الأسئلة الّتي طرحها بعض الفضلاء على بعض علمائنا المحققين(11) هو السؤال عن هذا الحديث الشريف والإشكال الوارد عليه، فكتب في الجواب: (يجب أوّلا ملاحظة صحة الخبر، ومع ذلك فانّ القرآن الكريم ينص: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَه)(12) وهو عام يشمل محب الإمام(عليه السلام) أيضاً، فعلى فرض صحة الخبر فانّه بحاجة إِلى التأويل، وأقرب التأويلات هو حمله على المودة الحقيقية الكاملة، وهي تستدعي عدم التلبّس بشيء من الذنوب البتة، لأنّ المحب الحقيقي يختار رضا محبوبه بأيّ وجه كان، ولا شك في انّ رضا الإمام يكون في ترك المحرمات والقيام بالواجبات، فالمحب الحقيقي إذن يختار ذلك لأجله، لا يفعل ما يستدعي النار، فيدخل الجنة، وكلّ من يخالف إرادة محبوبه كان به معلولا) انتهى كلامه.

ولا يخفى انّ ما قاله من أقرب التأويلات هو التأويل الثاني الّذي ذُكر، وكونه أقرب التأويلات محلّ تأمل، والله تعالى يعلم.

3360 ـ أَوْلَىْ النَّاسِ بِنا مَنْ وَالانا وَعَادَ مَنْ عَادَانا.

أي انّ أولى الناس بأن يكون من شيعتنا أو بأن نحبّه أو نشفع له أو يكون في جوارنا في تلك النشأة، هو من عادا عدونا مع حبه لنا، وما لم يكن معادياً لم يكن من محبينا الكمّل وإن أحبنا كثيراً.

3361 ـ أَفْضَلُ تُحْفَةِ المُؤْمِنِ المَوْتُ.

وذلك لأنّه يتخلص به من المكروهات في هذه الديار الغدّارة، ويصل إِلى النعم الّتي لا تعدّ، فأية تحفة اُخرى تكون كذلك.

3362 ـ أَشَدُّ مِنَ المَوْتِ ما يُتَمَنَّى الخَلاصُ مِنْهُ بِالْمَوْتِ.

لا يخفى انّ الشدة التامة للموت الّتي تظهر من هذا القول المبارك لا تتنافى مع ما ذكر في القول السابق من انّ (أفضل تحفة المؤمن الموت) لأنّ ذلك يكون بعد أن يظهر له حقيقة الأمر ويعرف انّه كان مؤمناً، أمّا قبله ومع احتمال عدم الفلاح والفوز فلا كلام في شدته بل يظهر انّه أشدّ من كلّ شيء، فلذا قال(عليه السلام) مستغرباً بانّ «أشدّ من الموت ما يتمنّى الخلاص منه بالموت» .

وقد يكون إشارة إِلى أحوال أهل جهنم خاصة الّذين يتمنون الموت للخلاص منها، كما قال تعالى في القرآن الكريم: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِـيَـقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إنَّكُمْ مَاكِثُونَ)(13) أي انّكم باقون في العذاب دائماً، ولا خلاص لكم منه.

3363 ـ أَعْقَلُ النَّاسِ أَنْظَرُهُمْ فِي العَواقِبِ.

أي أكثرهم تأمّلا وتفكّراً في عواقب الاُمور الّتي يفعلها دون أن يفعل لمجرد ما يرى من حسن عاقبته أو يتركه.

3364 ـ أَوْرَعُ النَّاسِ أَنْزَهُهُمْ عَنِ المَطالِبِ.

أي من يكون أنزه من الطلب من الناس وطلب ما يحتاجه منهم.

3365 ـ أَحَقُّ النَّاسِ بِالإِحْسانِ مَنْ أَحْسَنَ اللهُ اِلَيْهِ وَبَسَطَ بِالقُدْرَةِ يَدَيْهِ.

انّ أولى الناس بأن يحسن للآخرين هو من أحسن الله إليه، «وبسط بالقدرة يديه»، أي انّ الله تعالى وسّع عليه في المال، ومن الواضح انّه أولى بالإحسان أي يكون الإحسان منه أكثر ضرورة ممّن لم يوسّع عليه، وإنْ كان ثواب إحسانه أكبر لأنّه ضيّق على نفسه، ورجّح الغير على نفسه.

3366 ـ أَوْلى النَّاسِ بِالإنْعامِ مَنْ كَثُرَتْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ.

هذا هو مضمون القول الأوّل أيضاً، وإذا كان قد قالهما معاً فانّه تأكيد له، وقد يكون هذا القول خاصاً بمن يملك مالا كثيراً، ويكون القول الأوّل شاملا له ولغيره، كمن أعطاه الله تعالى مقاماً واعتباراً يمكنه الاهتمام بشؤون الناس وقضاء حوائجهم فهو إذن أولى بالإحسان إِلى الناس، والإحسان بالنسبة إليه أكثر ضرورة ممّن لا مقام له ولا اعتبار وبالكاد يمكنه إنجاز أعماله، وقد يكون القولان عامان ويشملان كلّ احسان.

3367 ـ أَحْسَنُ الكَلاَمِ ما لاَ تَمُجُّهُ الآذانُ وَلا يُتْعِبُ فَهْمُهُ الأَفْهامَ(14).

(تمجّه الآذان) كناية عن عدم قراره فيها فكأنّها تردّه، كمن يلفظ ماء أو شراباً من فمه، والمراد من (لا يتعصب فهمه الأفهام) انّ فهمه لا يصعب على الأذهان، ولا يكون فيه تعقيد والتواء.

3368 ـ أَعْلى الأَعْمال إخْلاصُ الإِيمانِ وَصِدْقُ الوَرَعِ وَالإيقانِ.

المراد من (اخلاص الإيمان) تنقية الاعتقادات من الشك والشبهة، وتنقية الأعمال الّتي هي جزء منها أو شرط كمالها من التلوث بها كثيراً، والمراد من (صدق الايقان) هو عدم السماح للشك والشبهة من السراية إِلى الاعتقاد الّذي يجب الايقان به.

3369 ـ أَشْفَقُ النَّاسِ عَلَيْكَ أَعْوَنُهُمْ لَكَ عَلى صَلاحِ نَفْسِكَ وَأَنْصَحُهُمْ لَكَ فِي دِينِكَ.

3370 ـ أَحَقُّ مَنْ أَحْبَبْتَهُ مَنْ نَفْعُهُ لَكَ وَضَرُّهُ لِغَيْرِكَ.

أي من ينفعك ولا يضرّك ضرراً دنيوياً أو أخروياً، بل إذا أصابه ضرر تحمّله دون أن يشركك فيه.

ما ورد من حِكم الإمام أميرالمؤمنين

عليّ بن أبيطالب(عليه السلام) في حرف الألف

بلفظ (انّ) قال الإمام(عليه السلام):

3371 ـ اِنَّ فِي الخُمُولِ لَراحَةً.

وذلك لأنّ الخمول في راحة من تعب ومشقة تردد الناس عليه ومراجعتهم له وتحمل تكاليفهم الشاقة، بخلاف المشهور فانّه يعاني أتعاب كثيرة لذلك وكما يقال: «انّ في الشهرة آفات».

3372 ـ اِنَّ فِي الشَّرِّ لَوَقاحَةً.

أي انّ الإنسان لا يرتكب قبيحاً حتّى يفقد الحياء من الله وعباده.

3373 ـ اِنَّ فِي القُنُوعِ لَعَناءً.

3374 ـ اِنَّ فِي الحِرْصِ لَعَناءً.

3375 ـ اِنَّ حُسْنَ العَهْدِ مِنَ الإيمانِ.

أي الوفاء به ورعايته.

3376 ـ اِنَّ حُسْنَ التَّوَكُّلِ لَمِنْ صِدْقِ الإيقانِ.

أي انّ حسن التوكّل على الله تعالى، والاعتماد عليه في كلّ باب ينشأ من صدق الإيقان به وبلطفه وكرمه، أو انّه من أجزائه وما لم يكن هذا التوكّل فلا صدق لليقين.

3377 ـ اِنَّ أَعجَلَ العُقُوبَةِ عُقُوبَةُ البَغْيِ.

«البغي» هو الظلم أو الاستعلاء.

3378 ـ اِنَّ أَسْوَءَ المَعاصِي مَغَبَّةً الغَيُّ.

3379 ـ اِنَّ أَسْرَعُ الخَيْرِ ثَواباً البِرُّ.

3380 ـ اِنَّ أَحْمَدَ الاُمُورِ عَاقِبَةً الصَّبْرُ.

3381 ـ اِنَّ أَسْرَعَ الشَّرِّ عِقاباً الظُّلْمُ.

3382 ـ اِنَّ أَفْضَلَ أَخْلاقِ الرِّجالِ الحِلْمُ.

3383 ـ اِنَّ أَعْظَمَ المَثُوبَةِ مَثُوبَةُ الإنْصافِ.

3384 ـ اِنَّ أَزْيَنَ الأَخْلاقِ الوَرَعُ وَالعَفَافُ.

انّ أجمل الخصال هو الورع ويعني التقوى، والعفاف ويعني اجتناب الحرام، وهو بمثابة التأكيد للورع.

3385 ـ اِنَّ أَدْنى الرِّياءِ شِرْكٌ(15).

(الرياء) كما تكرر ذكره هو أن يقوم الإنسان بعبادة بهدف ملاحظة الغير، سواء كان ذلك هو هدفه الخالص أو يشركه في ذلك، والمراد من (أدنى) هو أقلّ المراتب في ذلك، أي انّ أقلّ الرياء شرك وبمثابة جعل شريك لله عز وجل ، لأنّه في الحقيقة قد أشرك مع الله تعالى في عبادته من راءى لأجله.

3386 ـ اِنَّ ذِكْرَ الغَيْبَةِ شَّرُّ الإفْكِ.

انّ ذكر إنسان بالسوء في غيبته أسوء البهتان، أي انّه وإنْ كان صادقاً كان بمثابة أسوء البهتان ويترتب عليه عقابه، وهذا في حالة عدم جوازها شرعاً كما تكرر ذكره.

3387 ـ اِنَّ إعْطَاءَ هَذا المَالِ قِنْيَةٌ وَإنَّ إِمْساكَهُ فِتْنَةٌ.

«امساكه فتنة» انّ ذلك المال أو صاحب المال في معرض الفتنة في الدنيا أو الآخرة أو كلاهما.

3388 ـ اِنَّ إنْفاقَ هَذا المَالِ فِي طَاعَةِ اللهِ أَعْظَمُ نِعْمَة وَإِنَّ إِنْفاقَهُ فِي مَعاصِيهِ أَعْظَمُ مِحْنَة.

أي يكون سبباً لأعظم محنة في الآخرة أو الدنيا أيضاً.

3389 ـ اِنَّ النُّفُوسَ إِذا تَنَاسَبَتْ إئتَلَفَتْ.

«إذا تناسبت» أي في الخير أو الشرّ.

3390 ـ اِنَّ الرَّحِمَ إِذا تَمَاسَّتْ تَعاطَفَتْ.

يطلق (الرحم) على رحم المرأة، وجاء بمعنى القرابة أيضاً، والمراد انّه إذا التقى قريبان ينتهيان إِلى رحم واحد، وتماسّا أي التقيا أو اتصلت أبدانهما كما إذا تصافحا تعاطفا بسبب العلقة الّتي بينهما في واقع الأمر، فإذا وقعت بينهما عداوة أمكن رفعه بهذا النحو.

3391 ـ اِنَّ مِنَ النِّعْمَةِ تَعَذُّرَ المَعاصِي.

أي إذا عجز الإنسان عن صد نفسه عن معصية مّا، فانّ عدم تيسّر ذلك له وعدم توفّر أسبابها نعمة عليه لأنّه يكون سبباً لعدم ارتكابها، وعدم ترتب عذاب عليه وهذه نعمة، وإن كان ثواب ترك المعصية مع توفّر القدرة عليها أكثر.

3392 ـ اِنَّ أَسْعَدَ النَّاسِ مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِطاعَةِ اللهِ مُتَقَاض.

أي من تطلب نفسه إطاعة الله وتأبى عصيانه، فمن الواضح كون هذا الإنسان أسعد من السعداء الآخرين في الدنيا أو الآخرة نظراً للعجز عن بعض المعاصي الّتي لو كانت مقدورة لارتكبوها.

3393 ـ اِنَّ أَهْنَأَ النَّاسِ عَيْشَاً مَنْ كَانَ بِما قَسَمَ اللهُ لَهُ راضِيَاً.

3394 ـ اِنَّ مِنَ الفَسادِ إِضَاعَةَ الزَّادِ.

أي إضاعة زاد الآخرة وعدم التزّود الجيد لأجلها. 3395 ـ اِنَّ مِنَ الشَّقَاءِ(16) إفْسادَ المَعَادِ.

أي ارتكاب أعمال تستدعي فساد يوم الرجوع والضرر والخسران فيه.

3396 ـ اِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ كُلُّ مُؤْمِن هَيْن لَيْن(17).

3397 ـ اِنَّ الأَتْقِياءَ كُلُّ سَخِيٍّ مُتَعَفِّف مُحْسِن.

لا يخفى انّ الجمع المعرف بـ (ال) إذا كان بمعنى المجموع، وكما هو مذهب عدد من علماء العربية انّ لفظة (كلّ) تُحمل على الكلّ المجموعي أيضاً.

ويكون المعنى انّ مجموع الأتقياء هم كلّ الأسخياء والمجتنبين للحرام والمحسنين، وإذا كان بمعنى كلّ جمع فيجب حمل (كلّ) على كلّ جمع أيضاً، فيكون المعنى: كلّ جمع من الأتقياء هم كلّ جمع من المتصفين بهذه الصفات، بمعنى أنّ كلّ جمع منهم وكلّ جمع من هؤلاء متوافقون ولا زيادة ونقيصة فيهم، وعليه فكلّ جمع من أُولئك هم جمع من هؤلاء، حيث من الواضح انّه لا يمكن أن يكون كلّ جمع من اُولئك هو كلّ جمع من هؤلاء بمعناه الظاهري، وهكذا إذا أبطل (الـ) الجمع وأصبح بمعنى (كلّ واحد) كما هو مذهب المحققين منهم، فيكون المعنى انّ كلّ واحد من المتقين كلّ واحد من الموصوفين بهذه الصفات، بمعنى انّ كلّ واحد من اُولئك وكلّ واحد من هؤلاء متطابقون فيما بينهم، وكلّ واحد من اُولئك واحد من هؤلاء أيضاً، وليس كلّ واحد من اُولئك هو كلّ واحد من هؤلاء بمعناه الظاهر، لأنّ فساده واضح.

3398 ـ اِنَّ أَهْلَ النَّارِ كُلُّ كَفُور مَكُور.

أي المبالغ في كفر نعم الله تعالى بأن لا يقوم أبداً بالاطاعة والانقياد اللازم منه أداء للشكر على تلك النعم، أو أن يقوم به قليلا، ويغلب عليه العصيان والتمرّد.

3399 ـ اِنَّ الفُجَّارَ كُلُّ ظَلُوم خَتُور.

قد يكون التخصيص بالاكثار في الظلم وعدم الوفاء لأنّهما إذا كانا قليلين صارا من الصغائر ولا يوجبان الفسق والفجور.

3400 ـ اِنَّ بَذْلَ التَحِيَّةِ مِنْ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ.

(التحية) تعني السلام، وتطلق أحياناً على كلّ إحسان أيضاً، كما ورد عن تفسير عليّ بن إبراهيم في الآية الكريمة: (وَإذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّة فَحَيُّوا بِأحْسَنَ مِنْهَا أوْ رُدُّوهَا)(18) حيث روى عن الصادقين(عليهما السلام) انّ المراد من (التحية) في الآية هو السلام وغيره من الاحسان، ويظهر انّ المراد في هذا القول المبارك هو بذل مطلق الاحسان أيضاً، وإذا حمل على السلام خاصة كان المراد من بذله هو الابتداء بالسلام على المؤمنين وافشاؤه كما ورد في بعض الأحاديث.

 

الهوامش:

(1) في نسخة مكتبة مدرسة سبهسالار كتب (أصل) بدل (أفضل) و (ثمرتها) بدل (ثمرته).

(2) في نسخة مكتبة مسجد سبهسالار كتب (أعلى) بدلا عن (أفضل) والترجمة واحدة.

(3) هكذا في المتن: اشاره است به اينكه شما تا آخر عمرگم ميكنيد آنهارا، وهر چه را گم كنيد ونيابيد بعد از آن، بازاينها راگم گردهايد ونيفافتهايد، وچيزي نيست كه نيابيد ونيافتن اينها بعد از آن نباشد.

(4) التوبة: 61.

(5) هود: 53.

(6) طه: 71.

(7) في نسخة مكتبة مسجد سبهسالار كتب (إِلى غده) بدلا عن (لغده).

(8) من لا يحضره الفقيه 3: 156.

(9) في نسخة مكتبة مسجد سبهسالار ورد (حرمه أفضل ما منّ به) بدلا عن (حرمه ما منّ به).

(10) الذريعة 3: 180، ينابيع المودّة 2: 75.

(11) في هامش نسخة مكتبة مسجد سبهسالار كتب: الشيخ المحقق زين الدين (طاب ثراه). منه سلّمه الله تعالى.

(12) الزلزلة: 7.

(13) الزخرف: 77.

(14) في نسخة مكتبة مسجد سبهسالار: «الأذهان».

(15) وفي بعض النسخ: (الشرك).

(16) في النسخة الأصلية وبخط الشارح(رحمه الله): الشقاق، وكأنّه من سهو القلم.

(17) كتب في هامش الكتاب: ]هين ولين[ بتخفيف الياء كما يقال: (هيّن) و (لينّ) بتشديدها إلاّ ان التخفيف أكثر شيوعاً.

(18) النساء: 86.