العتبة العلوية المقدسة - عنايته بالنبي صلى الله عليه واله ودفاعه عنه -
» » سيرة الإمام » نسب امير المؤمنين ووالداه » عنايته بالنبي صلى الله عليه واله ودفاعه عنه

 

عنايته بالنبي صلى الله عليه واله ودفاعه عنه  

لما مات عبد المطلب - شيبة الحمد - أوصى ولده أبو طالب بمحمد النبي دون أولاده العشرة ، لعلمه بإيمانه وتوحيده ، ولأنه شقيق والده عبد الله من أمه وأبيه ، بقوله :

أوصيك يا عبد مناف بعدي

 

 

بواحد بعد أبيه فرد

 

فارقه وهو ضجيع المهدي

 

 

 

فكنت كالأم له في الوجد

 

فكفل أبو طالب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأحسن الكفالة وأحاطه بكل ما يملك من عناية ،

ودافع عن النبي صلى الله عليه واله  وعن رسالته بكل ما أوتي من قوة ، حتى أظهر الله دينه ، وثبت أركانه ، وكان وهو في النزع الأخير وعلى فراش الموت يدافع عنه ويوصي أولاده وبني عبد المطلب به خيرا ، حتى خمدت أنفاسه وفيه قال  ابن أبي الحديد حينما أنشد هذه الأبيات :

 

ولولا أبو طالب وابنه

 

 

 

لما مثل الدين شخصا فقاما

 

فذاك بمكة آوى وحامى

 

 

 

وهذا بيثرب جس الحماما

 

تكفل عبد مناف بأمر

 

 

 

وأودى فكان علي تماما

 

فقل في ثبير مضى بعد ما

 

 

 

قضى ما قضاه وأبقى شماما

 

فلله ذا فاتحا للهدى

 

 

 

ولله ذا للمعالي ختاما

 

وما ضر مجد أبي طالب


 

 

 

جهول لغا أو بصير تعامى

 

كما لا يضر أباة الصباح

 

 

من ظن ضوء النهار الظلاما(

 

[1])

 

 

 

عن السيد عبد الحميد بن النقي الحسيني - النسابة - بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليا ( عليه السلام ) يقول : مر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنفر من قريش ، وقد نحروا جزورا ، وكانوا يسمونها الظهيرة ، ويذبحونها على النصب ، فلم يسلم عليهم ، فلما انتهى إلى دار الندوة قالوا : يمر بنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا ؟فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه ، فقال عبد الله بن الزبعرى السهمي : أنا أفعل ، فأخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو ساجد فملأ به ثيابه ومظاهره ، فانصرف النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى أتى عمه أبا طالب ، فقال :يا عم من أنا ؟ فقال : ولم يا بن أخ ؟ فقص عليه القصة ، فقال أبو طالب : وأين تركتهم ؟ فقال : بالأبطح ، فنادى في قومه : يا آل عبد المطلب ، يا آل هاشم ، يا آل عبد مناف ، فأقبلوا إليه من كل مكان ملبين ، فقال : كم أنتم ؟ قالوا : نحن أربعون ،

 

قال : خذوا سلاحكم ، فأخذوا سلاحهم ، وانطلق بهم ، حتى انتهى إلى أولئك النفر ، فلما رأوه قاموا وأرادوا أن يتفرقوا ، فقال لهم : ورب هذه البنية - الكعبة -
 لا يقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف ، ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلاثة أفهار ثم قال : يا محمد سألتني من أنت ؟ ثم أنشأ يقول ، ويومي بيده إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) :

 

أنت النبي محمد

 

 

 

قرم أعز مسود

 

لمسودين أطائب

 

 

 

كرموا وطاب المولد

 

نعم الأرومة أصلها

 

 

 

عمرو الخضم الأوحد

 

أنى تضام ولم أمت

 

 

 

وأنا الشجاع العربد

 

وبنو أبيك كأنهم

 

 

 

أسد العرين توقد

 

ولقد عهدتك صادقا

 

 

 

في القول ما تتفند

 

ما زلت تنطق بالصواب

 

 

 

وأنت طفل أمرد

 

حتى أتى على الأبيات كاملة ثم قال أبو طالب : يا محمد ، أيهم الفاعل بك ؟ فأشار النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى عبد الله ابن الزبعرى ، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماه ، ثم أمر بالفرث والدم ، فأمره على رؤوس الملأ كلهم ، ثم قال : يا ابن أخ أرضيت ؟ ثم قال : سألتني من أنت ؟ أنت محمد بن عبد الله حتى نسبه إلى آدم ( عليه السلام ) ثم قال : أنت والله أشرفهمحسبا ، وأرفعهم منصبا ، يا معشر قريش ، من شاء منكم أن يتحرك فليفعل ، أنا الذي تعرفوني .

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: بينا النبي صلى الله عليه وآله في المسجد الحرام وعليه ثياب له جدد فألقى المشركون عليه سلا(1) ناقة فملؤا ثيابه بها فدخله من ذلك ما شاء الله فذهب إلى أبي طالب فقال له : يا عم ! كيف ترى حسبي فيكم ؟ فقال له: وما ذاك يا بن أخي ؟ فأخبره الخبر فدعا أبو طالب حمزة وأخذ السيف وقال لحمزة: خذ السلا ثم توجه إلى القوم والنبي صلى الله عليه وآله معه فأتى قريشا وهم حول الكعبة، فلما رأوه عرفوا الشر في وجهه ثم قال لحمزة: أمر السلا على أسبلتهم ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم ثم التفت أبو طالب إلى النبي فقال : يا بن أخي هذا حسبك فينا .(

 

[2])

 

عن مقاتل: لما رأت قريش يعلو أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: لا نرى محمدا يزداد إلا كبرا وإن هو إلا ساحر أو مجنون، فتعاقدوا لئن مات أبو طالب رضي الله عنه ليجمعن القبائل كلها على قتله، فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وأحلافهم من قريش فوصاهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ابن أخي كلما يقول أخبرنا بذلك آبائنا وعلمائنا، وأن محمدا نبي صادق، وأمين ناطق، وإن شأنه أعظم شأن، ومكانه من ربه أعلى مكان ، فأجيبوا دعوته واجتمعوا على نصرته، وراموا عدوه من وراء حوضته، فإنه الشرف الباقي لكم طول الدهر ثم أنشأ يقول :

 

أوصــــي بنصر النبي الخير مشهده

 

 

 

عــــليا ابــــني وعــــم الخير عباسا

 

وحــــمزة الأســــد المخشي صولته

 

 

 

وجعــــفرا أن يــــذودا دونــه الناسا

 

وهــــاشمــــا كلهــا أوصي بنصرته

 

 

 

أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا

 

كــــونوا فـــداء لكم أمي وما ولدت

 

 

 

مــــن دون أحمد عند الروع أتراسا

 

بكــــل أبــــيض مصقــول عوارضه

 

 

 

تخــــاله فـي سواد الليل مقباسا



([1])شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 3 : 317 ، طبعة مصر

 

 

([2])بحار الأنوار 9 ص 24