التعازي والصبر وما رخّص فيه من البكاء
*- محمّد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن محمّد بن عليّ، عن عيسى بن عبد الله العمري، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من عزّى الثكلى أظلّه الله في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه. ([1])
*- وعنه، عن عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد رفعه، قال: جاء أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الأشعث بن قيس يعزّيه بأخ له يقال له عبد الرحمن، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن جزعت فحقّ الرحم أتيت، وإن صبرت فحقّ الله أدّيت، على أنّك إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت محمود، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم، فقال له الأشعث: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أتدري ما تأويلها؟ فقال الأشعث: لا، أنت غاية العلم ومنتهاه، فقال له (عليه السلام) : أمّا قولك إنّا لله فإقرار منك بالملك، وأمّا قولك وإنّا إليه راجعون فإقرارٌ منك بالهلاك([2]) .
*- قيل: عزّى أمير المؤمنين (عليه السلام) الأشعث بن قيس على ابنه، فقال: إن تحزن فقد استحقّت ذلك منه الرحم، وإن تصبر ففي الله خلفك من ابنك، وإن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأثوم([3]) .
*- عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرّ على امرأة تبكي على قبر، فقال لها: اصبري أيّتها المرأة، فقالت: يا هذا الرجل اذهب إلى عملك فإنّه ولدي وقرّة عيني، فمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتركها، ولم تكن المرأة عرفته، فقيل لها: إنّه رسول الله، فقامت تشتدّ في طلبه حتّى لحقته، فقالت: يا رسول الله إنّي لم أعرفك، فهل لي أجر إن صبرت؟ فقال: الأجر مع الصدمة الاُولى([4]) .
*- عن علي (عليه السلام) أنّه قال: إيّاك والجزع فإنّه يقطع الأمل ويضعف العمل، ويورث الهمّ، واعلم أنّ المخرج في أمرين: ما كانت فيه حيلة فالاحتيال، وما لم تكن فيه حيلة فالاصطبار([5]) .
*- (الجعفريات)، أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا رفق له([6]) .
*- عن علي (عليه السلام) أنّه قال: لما مات إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني رسول الله، فغسّلته وكفّنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحنّطه، وقال لي: احمله يا علي، فحملته حتّى جئت به إلى البقيع، فصلّى عليه ثمّ أدناه من القبر، ثمّ قال لي: يا علي انزل، فنزلت ودلاّه عليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلمّا رآه منصبّاً بكى (عليه السلام) فبكى المسلمون لبكاء رسول الله حتّى ارتفعت أصوات الرجال على أصوات النساء، فنهاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشدّ النهي وقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يُسخط الرب، وإنّا بك لمصابون وإنّا عليك لمحزونون يا إبراهيم، ثمّ سوّى قبره ووضع يده عند رأسه وغمزها (غمرها) حتّى بلغت الكوع، وقال: بسم الله ختمتك من الشيطان أن يدخلك([7]) .
*- عن علي (عليه السلام) أنّه قال: بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند موت بعض ولده، فقيل له: يا رسول الله تبكي وأنت تنهانا عن البكاء؟ فقال: لم أنهكم عن البكاء وإنّما نهيتكم عن النوح والعويل، وإنّما هذه رقة ورحمة يجعلها الله تبارك وتعالى في قلب من شاء من خلقه، ويرحم الله من يشاء، وإنّما يرحم الله من عباده الرحماء([8]) .
*- عن علي (عليه السلام) أنّه قال: رخّص رسول الله (صلى الله عليه وآله) في البكاء عند المصيبة، وقال: النفس مصابة، والعين دامعة، والعهد قريب، فقولوا: ما أرضى الله، ولا تقولوا الهجر([9]) .
*- عن علي (عليه السلام) أنّه قال: الأنّة والنخرة من الشيطان([10]) .
*- نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن عبد الله بن عاصم الفائشي، قال: مرّ عليّ (عليه السلام) بالثوريّين سمع البكاء، فقال: ما هذه الأصوات؟ قيل: هذا البكاء على من قتل بصفّين، قال: أما إنّي شهيد لمن قتل منهم صابراً محتسباً بالشهادة، ثمّ مرّ بالفائشيين فسمع الأصوات، فقال مثل ذلك، ثمّ مرّ بالشباميّين، فسمع رنّة شديدة وصوتاً مرتفعاً عالياً، فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي، فقال (عليه السلام) : أيغلبكم نساؤكم، ألا تنهونهنّ عن الصياح والرنين، قال: يا أمير المؤمنين لو كانت داراً أو دارين أو ثلاثاً قدرنا على ذلك، ولكن من هذا الحيّ ثمانون ومائة قتيل، فليس من دار إلاّ وفيها بكاء، أما نحن معشر الرجال فإنّا لا نبكي، ولكن نفرح لهم بالشهادة، فقال علي (عليه السلام) : رحم الله قتلاكم وموتاكم([11]) .
*- عن علي (عليه السلام) أنّه قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) البيعة على النساء ألاّ ينحنَ ولا يخمشن ولا يقعدن مع الرجال في الخلاء. ([12])
*- عن علي (عليه السلام) أنّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ثلاث من أعمال الجاهلية لا يزال الناس فيها حتّى تقوم الساعة: الاستسقاء بالنجوم، والطعن في الأنساب، والنياحة على الموتى([13]) .
*- عن علي (عليه السلام) أنّه كتب إلى رفاعة بن شداد ـ قاضيه على الأهواز ـ: وإيّاك والنوح على الميّت ببلد يكون لك به سلطان([14]) .
*- عن علي (عليه السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: صوتان ملعونان يبغضهما الله: اعوال عند مصيبة، وصوت عند نعمة ـ يعني النوح والغناء ـ ([15]).
*- (الجعفريات)، أخبرنا عبد الله بن محمّد، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: حدّثني موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس ونحن حوله إذا أرسلت ابنة له تقول: إنّ ابني في السَوق فإن رأيت أن تأتيني، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للرسول: انطلق إليها فأعلمها أنّ لله تعالى ما أعطى ولله ما أخذ، و كُلُّ نَفْس ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور([16])، ثمّ ردّت القول فقالت: هو أطيب لنفسي أن تأتيني، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن معه فانتهى إلى الصبيّ وإنّ نفسه ليقعقع بين جنيده كأنّها في شنّ، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانتحب، فقلنا: يا رسول الله تبكي وتنهانا عن البكاء؟ فقال: لم أنهكم عن البكاء ولكن نهيتكم عن النوح، إنّما هذه رحمة يجعلها الله في قلب من يشاء من خلقه، ويرحم الله من يشاء، وإنّما يرحم الله من عباده الرحماء ([17]).
*- (الجعفريات)، أخبرنا عبد الله بن محمّد، قال: حدّثنا محمّد بن محمّد، قال: حدّثني ابن إسماعيل، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأهله: وابتدأ بعائشة: اصنعوا طعاماً، واحملوه إليهم، ما كانوا في شغلهم ذلك منهم([18]) .
*- عن علي (عليه السلام) قال: لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اصنعوا طعاماً واحملوه إليهم ما كانوا في شغلهم ذلك، وكلوه معهم، فقد أتاهم ما يشغلهم عن أن يصنعوا لأنفسهم([19]) .
*- عليّ بن طاووس (قدس سره)، روى غياث بن إبراهيم في كتابه، باسناده عن مولانا عليّ (عليه السلام) أنّه قال: التعزية مرّة واحدة، قبل أن يُدفن وبعد ما يُدفن([20]) .
*- الديلمي، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) يعزّي قوماً: عليكم بالصبر فإنّ به يأخذ الحازم وإليه يرجع الجازع([21]) .
*- الشهيد في (مسكن الفؤاد)، عن علي (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا عزّى قال: آجركم الله ورحمكم، وإذا هنّى قال: بارك الله لكم وبارك عليكم([22]) .
*- إنّ علياً (عليه السلام) عزّى قوماً عن ميّت مات لهم، فقال: إنّ هذا الأمر ليس بكم بدأ، ولا اليكم انتهى، وقد كان صاحبكم هذا يسافر، فعدّوه في بعض سفراته، فإن قدم عليكم وإلاّ قدمتم عليه([23]) .
*- الصدوق، عن جعفر بن مسرور، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد، عن خلف بن حمّاد الأسدي، عن أبي الحسن العبدي، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن عبد الله بن عباس، قال: أقبل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) باكياً وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : مَه يا علي، فقال علي: يا رسول الله ماتت اُمّي فاطمة بنت أسد، قال: فبكى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثمّ قال: رحم الله اُمّك يا علي أما أنّها إن كانت لك اُمّاً فقد كانت لي اُمّاً، الخبر([24]) .
*- (الجعفريات)، أخبرنا عبد الله بن محمّد، أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: حدّثني موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرّ على امرأة وهي تبكي على ولدها وهي تقول: الحمد لله مات شهيداً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : كفّي أيّتها المرأة، فلعلّه كان يبخل بما لا يضرّه، ويقول فيما لا يعنيه([25]) .
*- وبهذا الاسناد، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا بلغ أحدكم وفاة أخيه المسلم فليقل: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللّهمّ اكتبه عندك في المحسنين، واجعل كتابه في علّيين، واخلف على تركته في الغابرين، واغفر لنا يا ربّ العالمين، لا تحرمنا أجره ولا تفتنّا بعده، فإنّه يستكمل الأجر في المصيبة إن شاء الله والحمد لله ربّ العالمين([26]) .
*- قال زين العابدين (عليه السلام) : ما اُصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) بمصيبة إلاّ صلّى في ذلك اليوم ألف ركعة، وتصدّق على ستّين مسكيناً، وصام ثلاثة أيّام، وقال لأولاده: إذا أصبتم بمصيبة فافعلوا بمثل ما أفعل، فإنّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) هكذا يفعل فاتّبعوا أثر نبيّكم، ولا تخالفوه فيخالف الله بكم، إنّ الله تعالى يقول: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُْمُورِ([27])([28]).
*- قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : المصائب بالسويّة، مقسومة بين البريّة([29]) .
*- قال علي (عليه السلام) : من عظّم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها. ([30])
*- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (ينزل) الصبر على قدر المصيبة، ومن ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره([31]) .
*- قال علي (عليه السلام) على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساعة دفنه: إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك، وإنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك، وإنّ المصاب بك لجليل، وإنّه قبلك وبعدك لجلل([32]) .
*- وفي خبر آخر، أنّ علياً (عليه السلام) قال للأشعث بن قيس معزّياً: إن صبرت صبر الأكارم، وإلاّ سلوت سلو البهائم([33]) .
*- عزّى علي (عليه السلام) عبد الله بن عباس عن مولود صغير مات له، فقال (عليه السلام) : لَمصيبةٌ في غيرك لك أجرها أحبّ إليّ من مصيبة فيك لغيرك ثوابها، فكان لك الأجر لا بك، وحسن لك العزاء لا عنك، وعوّضك عنه مثل الذي عوّضه منك([34]) .
*- عن علي [(عليه السلام)] قال: حرام على كلّ نفس أن تخرج من الدنيا حتّى تعلم إلى أين مصيرها. ([35])
*- عن علي [(عليه السلام)] قال: إذا مات العبد الصالح بكى عليه مصلاّه من الأرض ومصعد عمله في السماء، ثمّ قرأ: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ([36])([37]).
*- (الجعفريات)، أخبرني محمّد، حدّثني موسى، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ما أهدي إلى الميّت هدية ولا أتحف تحفةً أفضل من الإستغفار([38]) .
*- عن عابس بن ربيعة، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ السقط يراغم ربّه ان ادخل أبويه النار، فيقال له: أيّها السقط المراغم ربّه ارجع فقد أدخلت أبويك الجنّة، فيجرّهما بسرره حتّى يدخلهما الجنّة([39]) .
*- أحمد بن علي الطبرسي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، سأله بعض اليهود وقال له: (فإنّ) هذا داود (عليه السلام) بكى على خطيئته حتّى سارت الجبال معه لخوفه، قال له علي (عليه السلام) : لقد كان كذلك، ومحمّد (صلى الله عليه وآله) اُعطي ما (هو) أفضل من هذا، إلى أن قال (عليه السلام) : ولقد قام (صلى الله عليه وآله) عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت قدماه واصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع، حتّى عوتب في ذلك، فقال الله عزّ وجلّ: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى([40]) بل لتسعد به، الخبر([41]) .
*- محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن محمّد الكوفي، عن ابن جمهور، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وحدّثنا الأصمّ، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم، فإنّ فاطمة ـ سلام الله عليها ـ لما قُبض أبوها (صلى الله عليه وآله) أسعدتها بنات (بني) هاشم، فقالت: اتركن التعداد، وعليكنّ بالدعاء([42]) .