مع شقيق البلخي
*- حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن علي بن الزبير البلخي ببلخ قال: حدثنا هشام بن حاتم الاصم قال: قال حدثني ابي قال: لي شقيق يعني ابن ابراهيم البلخي، خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام في سنة تسع وأربعين ومائة فنـزلنا القادسية, قال شقيق: فنظرت إلى الناس في القباب والعماريات والخيم والمضارب وكل انسان منهم قدرناه على قدره فقلت اللهم انهم قد خرجوا إليك فلا تردهم خائبين فبينما أنا قائم رزما راحلتي بيدي وأنا اطلب موضعاً أنزل إليه منفرداً عن الناس إذ نظرت إلى فتى حدث السن حسن الوجه شديد السمرة عليه سيماء العبادة وشواهدها, وبين عينيه سجادة كأنها كوكب دري وعليه من فوق ثوبه شملة من صوف, وفي رجله نعل عربي وهو منفرد في عزله عن النّاسِ, فقلت في نفسي: هذا من هؤلاء الصوفية المتوكلة يريد أن يكون كَلَّاً على الناس في هذا الطريق, والله لأَمضين إليه ولأونجنه.
قال: فدنوت منه فلما رآني مقبلاً نحوه قال لي: يا شقيق ﴿اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن اثم ولا تجسسوا﴾(
[1]) وقرأ الآية ثم تركني ومضى, فقلت في نفسي: قد تكلم هذا الفتى على سري ونطق بما في نفسي وسماني باسمي ما فعل هذا إلاّ هو ولي الله الحقه وأسأله ان يجعلني في حل فأَسرعت في ورائه فلم الحقه وغاب عن عيني ولم أره وارتحلنا حتى نزلنا واقصة فنـزلت ناحية من الحاج, فنظرت فإذا صاحبي قائم يصلي على كثيب رمل وهو راكع وساجد واعضاؤه تضطرب ودموعه تجري من خشية الله عز وجل.
فقلت: هذا صاحبي لأَمضين إليه ثم لأسأله ان يجعلني في حل, فاقبلت نحوه فلما نظر إليَّ مقبلاً قال لي: يا شقيق ﴿وإني لغفار لمن تاب وعمل صالحاً ثم اهتدى﴾(
[2]) ثم غاب عن عيني فلم أره.
فقلت: هذا رجل من الابدال وقد تكلم على سري مرتين, ولو لم يكن عند الله فاضلاً ما تكلم عن سري ورحل الحاج وانا معهم حتى نزلنا زبالة, فإذا انا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يسقي بها الماء, فانقطعت الركوة بالبئر فقلت صاحبي والله فرأيته قد رمق السماء بطرفه وهو يقول: انت رب إذا ظمئت من الماء, وقوتي إذا اردت الطعاما، الهي وسيدي ما لي سواها فلا تحرمنيها.
قال شقيق: فوالله لقد رأيت البئر وقد فاض ماؤها حتى جرت على وجه الارض, فمد يده فتناول الركوة فملأها ماءً ثم توضأ واسبغ الوضوء وصلى ثم مال إلى كثيب رمل ابيض فجعل يقبض بيده من الرمل ويطرحها في الركوة ثم يحركها ويشرب.
فقلت في نفسي اتراه قد تحول الرمل سويقاً فدنوت منه فقلت له اطعمني يرحمك الله من فضل ما انعم الله به عليك فنظر إليّ وقال: يا شقيق لم تزل نعمة الله علينا سابغة اياديه لنا جميلة فاحسن ظنك بربك فانه لا يضيع من احسن به ظناً، فاخذت الركوة من يده وشربت فإذا سويق وسكر فوالله ما شربت شيء قط ألذ منه ولا اطيب رائحة فشبعت ورويت واقمت اياماً لا اشتهي طعاماً ولا شراباً فدفعت إليه الركوة ثم غاب عن عيني فلم أره حتى دخلت مكة وقضيت حجي فإذا انا بالفتى في هدء من الليل وقد زهرت النجوم وهو إلى جانب بيت فيه الشراب وهو راكع وساجد لا يريد مع الله سواه, فجعلت ارعاه وانظر عليه وهو يصلي بخشوع وبكاء ويرتل القرآن ترتيلا ً, فكلما مرت آية فيها وعد ووعيد يرددها على نفسه ودموعه تجري على خده حتى إذا دنا الفجر جلس في مصلاه فسبح ربه وقدسه ثم قام يصلي الغداة, وطاف بالبيت اسبوعاً وخرج من باب المسجد فخرجت ورأيت له حاشية وموالي وإذا عليه لباس خلاف الذي تعاهدته وإذا الناس من حوله يسألونه عن مسائلهم ويسلمون عليه فقلت لبعض الناس واحسبه من مواليه من الفتى؟
فقال لي: هذا أبو ابراهيم عالم آل محمد.
فقلت: ومن أبو ابراهيم؟
قال موسى بن جعفر بن محمد بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليه السلام).
فقلت له: لقد عجبت أن توجد هذه الشواهد إلاّ في هذه الذرية.
اقول: هذا الحديث مكرر في الكتب وقد روته العامة كما روته الخاصة ممن رواه منهم علي بن احمد المالكي في الفصول المهمه عن هشام بن حاتم الاصم عن ابيه حاتم ويوسف بن قزعلي سبط ابي الفرَج بن الجوزي في مناقبه قال اخبرنا بن محمد البزاز اخبرنا أبو الفضل بن ناصر, اخبرنا محمد بن عبد الملك والمبارك ابن عبد الجبار والسعيد قالوا: اخبرنا عبد الله بن احمد بن عثمان اخبرنا محمد بن عبد الرحمن الشيباني ان علي بن محمد بن الزبير البجلي حدثهم قال اخبرنا هشام بن حاتم الاصم عن ابيه قال حدثني شقيق البلخي ثم ساق الحديث بما يقرب مما أوردناه(
[3]).