عكرشة بنت الأطرش
من ربات الفصاحة، والبلاغة والبيان، وقوة الحجة. اشتركت في صفين،وحثت الناس على قتال معاوية... دخلت يوماً على معاوية، وبيدها عكاز في أسفله زجمسقى، فسلمت عليه بالخلافة وجلست، فقال لها معاوية:يا عكرشة ألآن صرت أميرالمؤمنين؟ قالت: نعم إذ لا عليّ حي، قال: ألستصاحبة الكور المسدول، والوسيط المشدود، والمتقلدة بحمائل السيف، وأنت واقفة بينالصَِّفين، يوم صفين تقولين: يا أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذااهتديتم، إنّ الجنة دار لا يرحل عنها من قطنها، ولا يحزن من سكنها، فابتاعوها بدارلا يدوم نعيمها، ولا تنصرم هموهما، كونوا قوماً مستبصرين، إنّ معاوية دلف إليكمبعجم العرب، غلف القلوب، لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة، دعاهم بالدنيافأجابوه، واستدعاهم إلى الباطل فلبوه، فالله الله عباد الله في دين الله، وإياكموالتواكل، فإنّ في ذلك نقض عروة الإسلام، وإطفاء نور الإيمان، وذهاب السنة، وإظهارالباطل، هذه بدر الصغرى، والعقبة الأخرى، قاتلوا يا معشر الأنصار والمهاجرين، علىبصيرة من دينكم، واصبروا على عزيمتكم، فكأنِِّي غداً بكم وقد لقيتم أهل الشامكالحمر الناهقة، والبغال الشحاجة، تضفع ضفع البقر، وتروث روث العتاق.فقال معاوية: فوالله لو لا قدر الله وما أحب أن يجعل لنا هذا الأمر،لقد كان انكفأ عليّ العسكران، فما حملك ذلك؟ قالت: يا أميرالمؤمنين إنّ الله قد ردصدقاتنا علينا، ورد أموالنا فينا إلا بحقها، وإنا فقدنا ذلك، فما ينعش لنا فقير،ولا يجبر لنا كسير، فإن كان ذلك عن رأيك فما مثلك من استعان بالخونة، واستعملالظالمين.قال معاوية: يا هذه إنّه تنوبنا أمور هي أولى بنا منكم، من بحورتنبثق، وثغور تنفتق، قالت: يا سبحان الله ما فرض الله لنا فيه ضرراً على غيرنا، ماجعله لنا وهو علام الغيوب.قال معاوية: هيهات يا أهل العراق، نبهكم ابن أبي الطالب فلن تطاقوا. ثم أمر لها برد صدقاتها وإنصافها، وردّها مكرمة.
(أعلام النساء 3/ 325. بلاغات النساء / 70. الدر المنثور / 348. العقدالفريد 1/ 297 ـ 298)