خلق رسول الله النوراني
*عن أبي عمر الانصاري سألت كعب الاحبار ووهب بن منبه وابن عباس قالوا جميعا : لما أراد الله أن يخلق محمدا صلى الله عليه وآله قال لملائكته : إني اريد أن أخلق خلقا أفضله واشرفه على الخلائق أجمعين ، وأجعله سيد الاولين والآخرين ، واشفعه فيهم يوم الدين ، فلولاه مازخرفت الجنان ، ولا سعرت النيران ، فاعرفوا محله ، وأكرموه لكرامتي ، وعظموه لعظمتي ، فقالت الملائكة : إلهنا وسيدنا وما اعتراض العبيد على مولاهم ؟ ! سمعنا وأطعنا ، فعند ذلك أمر الله تعالى جبرئيل وملائكة الصفيح الاعلى وحملة العرش فقبضوا تربة رسول الله صلى الله عليه وآله من موضع ضريحة ، وقضى أن يخلقه من التراب ، ويميته في التراب ، ويحشره على التراب ، فقبضوا من تربة نفسه الطاهرة قبضة طاهرة لم يمش عليها قدم مشت إلى المعاصي ، فعرج بها الامين جبرئيل فغمسها في عين السلسبيل ، حتى نقيت كالدرة البيضاء ، فكانت تغمس كل يوم في نهر من أنهار الجنة ، وتعرض على الملائكة ، فتشرق أنوارها فتستقبلها الملائكة بالتحية والاكرام ، وكان يطوف بها جبرئيل في صفوف الملائكة ، فإذا نظروا إليها قالوا : إلهنا وسيدنا إن أمرتنا بالسجود سجدنا ، فقد اعترفت الملائكة بفضله وشرفه قبل خلق آدم عليه السلام ، ولما خلق الله آدم عليه السلام سمع في ظهره نشيشا كنشيش الطير ، وتسبيحا وتقديسا ، فقال آدم : يا رب وما هذا ؟ فقال : يا آدم هذا تسبيح محمد العربي ، سيد الاولين والآخرين ، فالسعادة لمن تبعه وأطاعه ، والشقاء لمن خالفه ، فخذ يا آدم بعهدي ، ولا تودعه إلا الاصلاب الطاهرة من الرجال ، والارحام من النساء الطاهرات الطيبات العفيفات ، ثم قال آدم عليه السلام : يا رب لقد زدتني بهذا المولود شرفا ونورا وبهاء ووقارا ، وكان نور رسول الله صلى الله عليه وآله في غرة آدم كالشمس في دوران قبة الفلك ، أو كالقمر في الليلة المظلمة ، وقد أنارت منه السماوات والارض والسرادقات والعرش والكرسي ، وكان آدم عليه السلام إذا أراد أن يغشى حواء أمرها أن تتطيب وتتطهر ، ويقول لها : الله يرزقك هذا النور ، ويخصك به ، فهو وديعة الله وميثاقه ، فلا يزال نور رسول الله صلى الله عليه وآله في غرة آدم عليه السلام . فروي عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : كان الله ولا شئ معه ، فأول ما خلق نور حبيبه محمد صلى الله عليه وآله قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسماوات والارض و اللوح والقلم والجنة والنار والملائكة وآدم وحواء بأربعة وعشرين وأربعمائة ألف عام ، فلما خلق الله تعالى نور نبينا محمد صلى الله عليه وآله بقي ألف عام بين يدي الله عزوجل واقفا يسبحه ويحمده ، والحق تبارك وتعالى ينظر إليه ويقول : يا عبدي أنت المراد والمريد ، وأنت خيرتي من خلقي ، وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت الافلاك ، من أحبك أحببته ، ومن أبغضك أبضغته ، فتلالا نوره وارتفع شعاعه ، فخلق الله منه اثني عشر حجابا أولها حجاب القدرة ، ثم حجاب الرحمة ، ثم حجاب النبوة ، ثم حجاب الكبرياء ، ثم حجاب المنزلة ، ثم حجاب الرفعة ، ثم حجاب السعادة ، ثم حجاب الشفاعة ، ثم إن الله تعالى أمر نور رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدخل في حجاب القدرة فدخل وهو يقول : ( سبحان العلي الاعلى ) وبقي على ذلك اثنى عشر ألف عام ، ثم أمره أن يدخل في حجاب العظمة فدخل وهو يقول : ( سبحان عالم السر وأخفى ) أحد عشر ألف عام ، ثم دخل في حجاب العزة وهو يقول : ( سبحان الملك المنان ) عشرة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب الهيبة وهو يقول : ( سبحان من هو غني لا يفتقر ) تسعة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب الجبروت وهو يقول : ( سبحان الكريم الاكرم ) ثمانية آلاف عام ، ثم دخل في حجاب الرحمة وهو يقوا : ( سبحان رب العرش العظيم ) سبعة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب النبوة وهو يقول : ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) ستة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب الكبرياء و هو يقول : ( سبحان العظيم الاعظم ) خمسة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب المنزلة وهو يقول : ( سبحان العليم الكريم ، أربعة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب الرفعة وهو يقول : ( سبحان من يزيل الاشياء ولا يزول ) ألفي عام ، ثم دخل في حجاب الشفاعة وهو يقول : ( سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) ألف عام قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام : ثم إن الله تعالى خلق من نور محمد لى الله عليه وآله عشرين بحرا من نور ، في كل بحر علوم لا يعلمها إلا الله تعالى ، ثم قال لنور محمد صلى الله عليه وآله : أنزل في بحر العز فنزل ، ثم في بحر الصبر ، ثم في بحر الخشوع ، ثم في بحر التواضع ، ثم في بحر الرضا ، ثم في بحر الوفاء ، ثم في بحر الحلم ، ثم في بحر التقى ، ثم في بحر الخشية ، ثم في بحر الانابة ، ثم في بحر العمل ، ثم في بحر الزمرد ، ثم في بحر الهدى ، ثم في بحر الصيانة ، ثم في بحر الحياء ، حتى تقلب في عشرين بحرا ، فلما خرج من آخر الابحر قال الله تعالى : يا حبيبي ويا سيد رسلي ، ويا أول مخلوقاتي ويا آخر رسلي أنت الشفيع يوم المحشر ، فخر النور ساجدا ، ثم قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة ألف وأربعة وعشرين ألف قطرة ، فخلق الله تعالى من كل قطرة من نوره نبيا من الانبياء ، فلما تكاملت الانوار صارت تطوف حول نور محمد صلى الله عليه وآله كما تطوف الحجاج حول بيت الله الحرام ، وهم يسبحون الله ويحمدونه ويقولن : ( سبحان من هو عالم لا يجهل ، سبحان من هو حليم لا يعجل ، سبحان من هو غني لا يفتقر ) فناداهم الله تعالى : تعرفون من أنا ؟ فسبق نور محمد صلى الله عليه وآله قبل الانوار ونادى : ( أنت الله الذي لا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك ، رب الارباب ، وملك الملوك ) فإذا بالنداء من قبل الحق : أنت صفيي ، وأنت حبيبي ، وخير خلقي ، امتك خير امة اخرجت للناس ، ثم خلق من نور محمد صلى الله عليه وآله جوهرة ، وقسمها قسمين ، فنظر إلى القسم الاول بعين الهيبة فصار ماء عذبا ، ونظر إلى القسم الثاني بعين الشفقة فلخلق منها العرش فاستوى على وجه الماء ، فخلق الكرسي من نور العرش ، وخلق من نور الكرسي اللوح ، وخلق من نور اللوح القلم ، وقال له : اكتب توحيدي ، فبقي القلم ألف عام سكران من كلام الله تعالى ، فلما أفاق قال : اكتب ، قال : يا رب وما أكتب ؟ قال : اكتب : ( لاإله إلا الله ، محمد رسول الله ) فلما سمع القلم اسم محمد صلى الله عليه وآله خر ساجدا ، وقال : سبحان الواحد القهار ، سبحان العظيم الاعظم ، ثم رفع رأسه من السجود وكتب : ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) ثم قال : يا رب ومن محمد الذي قرنت اسمه باسمك وذكره بذكرك ؟ قال الله تعالى له : يا قلم فلو لاه ما خلقتك ، ولا خلقت خلقي إلا لاجله ، فهو بشير ونذير ، وسراج منير ، وشفيع وحبيب ، فعند ذلك انشق القلم من حلاوة ذكر محمد صلى الله عليه وآله ، ثم قال القلم : السلام عليك يا رسول الله ، فقال الله تعالى : وعليك السلام مني ورحمة الله وبركاته ، فلاجل هذا صار السلام سنة ، والرد فريضة ، ثم قال الله تعالى : اكتب قضائي وقدري ، وما أنا خالقه إلى يوم القيامة ، ثم خلق الله ملائكة يصلون على محمد وآل محمد ، ويستغفرون لامته إلى يوم القيامة ، ثم خلق الله تعالى من نور محمد صلى الله عليه وآله الجنة ، وزينها بأربعة أشياء : التعظيم ، والجلالة ، والسخاء ، والامانة ، وجعلها لاوليائه وأهل طاعته ، ثم نظر إلى باقي الجوهرة بعين الهيبة فذابت ، فخلق من دخانها السماوات ، ومن زبدها الارضين ، فلما خلق الله تبارك وتعالى الارض صارت تموج بأهلها كالسفينة ، فخلق الله الجبال فأرساها بها ، ثم خلق ملكا من أعظم ما يكون في القوة فدخل تحت الارض ، ثم لم يكن للصخرة قرار فخلق لها ثورا عظيما لم يقدر أحد ينظر إليه لعظم خلقته وبريق عيونه ، حتى لو وضعت البحار كلها في إحدى منخريه ما كانت إلا كخردلة ملقاة في أرض فلاة ، فدخل الثور تحت الصخرة وحملها على ظهره وقرونه ، واسم ذلك الثور لهوتا ، ثم لم يكن لذلك الثور قرار فخلق الله له حوتا عظيما ، واسم ذلك الحوت بهموت . فدخل الحوت تحت قدمي الثور فاستقر الثور على ظهر الحوت ، فالارض كلها على كاهل الملك ، والملك على الصخرة ، والصخرة على الثور ، والثور على الحوت ، والحوت على الماء ، والماء على الهواء ، والهواء على الظلمة ، ثم انقطع علم الخلائق عما تحت الظلمة ، ثم خلق الله تعالى العرش من ضياءين : أحدهما الفضل والثاني العدل ، ثم أمر الضياءين فانتفسا بنفسين ، فخلق منهما أربعة أشياء : العقل والحلم والعلم والسخاء ، ثم خلق من العقل الخوف ، وخلق من العلم الرضا ، ومن الحلم المودة ، ومن السخاء المحبة ، ثم عجن هذه الاشياء في طينة محمد صلى الله عليه وآله ، ثم خلق من بعدهم أرواح المؤمنين من امة محمد صلى الله عليه وآله ، ثم خلق الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والضياء والظلام وسائر الملائكة من نور محمد صلى الله عليه وآله ، فلما تكاملت الانوار سكن نور محمد تحت العرش ثلاثة وسبعين ألف عام ، ثم انتقل نوره إلى الجنة فبقي سبعين ألف عام ، ثم انتقل إلى سدرة المنتهى فبقي سبعين ألف عام ، ثم انتقل نوره إلى السماء السابعة ، ثم إلى السماء السادسة ، ثم إلى السماء الخامسة ، ثم إلى السماء الرابعة ، ثم إلى السماء الثالثة ، ثم إلى السماء الثانية ، ثم إلى السماء الدنيا ، فبقي نوره في السماء الدنيا إلى أن أراد الله تعالى أن يخلق آدم عليه السلام أمر جبرئيل عليه السلام أن ينزل إلى الارض ويقبض منها قبضة ، فنزل جبرئيل فسبقه اللعين إبليس فقال للارض : إن الله تعالى يريد أن يخلق منك خلقا ويعذ به بالنار ، فإذا أتتك ملائكته فقولي : أعوذ بالله منكم أن تأخذوا مني شيئا يكون للنار فيه نصيب ، فجاءها جبرئيل عليه السلام فقالت : إني لاعوذ بالذي أرسلك أن تأخذ مني شيئا ، فرجع جبرئيل ولم يأخذ منها شيئا ، فقال : يا رب قد استعاذت بك مني فرحمتها ، فبعث ميكائيل فعاد كذلك ، ثم أمر إسرافيل فرجع كذلك ، فبعث عزرائيل فقال : وأنا أعوذ بعزة الله أن أعصي له أمرا ، فقبض قبضة من أعلاها و أدونها وأبيضها وأسودها وأحمرها وأخشنها وأنعمها ، فلذلك اختلفت أخلاقهم وألوانهم ، فمنهم الابيض والاسود والاصفر ، فقال له تعالى : ألم تتعوذمنك الارض بي ، فقال : نعم ، لكن لم ألتفت له فيها ، وطاعتك يا مولاي أولى من رحمتي لها ، فقال له الله تعالى : لم لا رحمتها كما رحمها أصحابك ؟ قال : طاعتك أولى ، فقال : اعلم أني اريد أن أخلق منها خلقا أنبياء وصالحين وغير ذلك ، وأجعلك القابض لارواحهم ، فبكى عزرائيل عليه السلام فقال له الحق تعالى : ما يبكيك ؟ قال : إذا كنت كذلك كرهوني هؤلاء الخلائق ، فقال : لا تخف إني أخلق لهم عللا فينسبون الموت إلى تلك العلل ، ثم بعد ذلك أمر الله تعالى جبرئيل عليه السلام أن يأتيه بالقبضة البيضاء التي كانت أصلا ، فأقبل جبرئيل عليه السلام ومعه الملاكة الكروبيون والصافون والمسبحون ، فقبضوها من موضع ضريحه وهي البقعة المضيئة المختارة من بقاع الارض ، فأخذها جبرئيل من ذلك المكان فعجنها بماء التسنيم وماء التعظيم وماء التكريم وماء التكوين وماء الرحمة وماء الرضا وماء العفو ، فخلق من الهداية رأسه ، ومن الشفقة صدره ، ومن السخاء كفيه ، ومن الصبر فؤاده ، ومن العفة فرجه ، ومن الشرف قدميه ، ومن اليقين قلبه ، ومن الطيب أنفاسه ، ثم خلطها بطينة آدم عليه السلام ، فلما خلق الله تعالى آدم عليه السلام أوحى إلى الملائكة : ( إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) فحملت الملائكة جسد آدم عليه السلام ووضعوه على باب الجنة وهو جسدلا روح فيه ، والملائكة ينتظرون متى يؤمرون بالسجود ، وكان ذلك يوم الجمعة بعد الظهر ، ثم إن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام فسجدوا إلا إبليس لعنه الله ، ثم خلق الله بعد ذلك الروح وقال لها : ادخلي في هذا الجسم ، فرأت الروح مدخلا ضيقا فوقفت ، فقال لها : ادخلي كرها ، واخرجي كرها ، قال : فدخلت الروح في اليافوخ إلى العينين ، فجعل ينظر إلى نفسه ، فسمع تسبيح الملائكة ، فلما وصلت إلى الخياشيم عطس آدم عليه السلام ، فأنطقه الله تعالى بالحمد ، فقال : الحمد لله ، وهي أول كلمة قالها آدم عليه السلام ، فقال الحق تعالى : رحمك الله يا آدم ، لهذا خلقتك ، وهذا لك ولولدك أن قالوا مثل ما قلت ، فلذلك صار تسميت العاطس سنة ، ولم يكن على إبليس أشد من تسميت العاطس ، ثم إن آدم عليه السلام فتح عينيه فرأى مكتوبا على العرش : ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) فلما وصلت الروح إلى ساقه قام قبل أن تصل إلى قدميه فلم يطق فلذلك قال تعالى : ( خلق الانسان من عجل ) . قال الصادق عليه السلام : كانت الروح في رأس آدم عليه السلام مائة عام ، وفي صدره مائة عام ، وفي ظهره مائة عام ، وفي فخذيه مائة عام ، وفي ساقيه وقدميه مائة عام ، فلما استوى آدم عليه السلام قائما أمر الله الملائكة بالسجود ، وكان ذلك بعد الظهر يوم الجمعة ، فلم تزل في سجودها إلى العصر ، فسمع آدم عليه السلام من ظهره نشيشا كنشيش الطير ، وتسيحا و تقديسا ، فقال آدم : يا رب وما هذا ؟ قال : يا آدم هذا تسبيح محمد العربي سيد الاولين و الآخرين ، ثم إن الله تبارك وتعالى خلق من ضلعه الاعوج حواء وقد أنامه الله تعالى ، فلما انتبه رآها عند رأسه ، فقال : من أنت ؟ قالت : أنا حواء ، خلقني الله لك ، قال : ما أحسن خلقتك ! فأوحى الله إليه : هذه أمتي حواء وأنت عبدي آدم ، خلقتكما لدار اسمها جنتي ، فسبحاني واحمداني ، يا آدم اخطب حواء مني وادفع مهرها إلي ، فقال آدم : وما مهرها يا رب ؟ قال : تصلي على حبيبي محمد صلى الله عليه وآله عشر مرات ، فقال آدم : جزاؤك يا رب على ذلك الحمد والشكر ما بقيت ، فتزوجها على ذلك ، وكان القاضي الحق ، و العاقد جبرئيل ، والزوجة حواء ، والشهود الملائكة ، فواصلها ، وكانت الملائكة يقفون من وراء آدم عليه السلام ، قال آدم عليه السلام : لاي شئ يا رب تقف الملائكة من ورائي ؟ فقال : لينظروا إلى نور ولدك محمد صلى الله عليه وآله ، قال : يا رب اجعله أمامي حتى تستقبلني الملائكة ، فجعله في جبهته ، فكانت الملائكة تقف قدامه صفوفا ، ثم سأل آدم عليه السلام ربه أن يجعله في مكان يراه آدم ، فجعله في الاصبع السبابة ، فكان نور محمد صلى الله عليه وآله فيها ، ونور علي عليه السلام في الاصبع الوسطى ، وفاطمة عليهما السلام في التي تليها ، والحسن عليه السلام في الخنصر ، والحسين عليه السلام في الابهام ، وكانت أنوارهم كغرة الشمس في قبة الفلك ، أو كالقمر في ليلة البدر ، وكان آدم عليه السلام إذا أراد أن يغشي حواء يأمرها أن تتطيب وتتطهر ، ويقول لها : يا حواء الله يرزقك هذا النور ويخصك به ، فهو وديعة الله وميثاقه ، فلم يزل نور رسول الله صلى الله عليه وآله في غرة آدم عليه السلام حتى حملت حواء بشيث ، وكانت الملائكة يأتون حواء ويهنؤنها ، فلما وضعته نظرت بين عينيه إلى نور رسول الله صلى الله عليه وآله يشتعل اشتعالا ، ففرحت بذلك ، وضرب جبرئيل عليه السلام بينها وبينه حجابا من نور غلظه مقدار خمسمأة عام ، فلم يزل محجوبا محبوسا حتى بلغ شيث عليه السلام مبالغ الرجال ، والنور يشرق في غرته ، فلما علم آدم عليه السلام أن ولده شيث بلغ مبالغ الرجال قال له : يا بني إني مفارقك عن قريب ، فادن مني حتى آخذ عليك العهد والميثاق كما أخذه الله تعالى علي من قبلك ، ثم رفع آدم عليه السلام رأسه نحو السماء وقد علم الله ما أراد ، فأمر الله الملائكة أن يمسكوا عن التسبيح ولفت أجنحتها ، وأشرفت سكان الجنان من غرفاتها ، وسكن صرير أبوابها ، وجريان أنهارها ، وتصفيق أوراق أشجارها ، وتطاولت لاستماع ما يقول آدم عليه السلام ، ونودي : يا آدم قل ما أنت قائل ، فقال آدم عليه السلام : اللهم رب القدم قبل النفس ، ومنير القمر والشمس ، خلقتنى كيف شئت ، وقد أودعتني هذا النور الذي أرى منه التشريف والكرامة ، وقد صار والكرامة . لولدي شيث ، وإني اريد أن آخذ عليه العهد والميثاق كما أخذته علي ، اللهم وأنت الشاهد عليه ، وإذا بالنداء من قبل الله تعالى : يا آدم خذ على ولدك شيث العهد ، وأشهد عليه جبرئيل وميكائيل والملائكة أجمعين ، قال : فأمر الله تعالى جبرئيل عليه السلام أن يهبط إلى الارض في سبعين ألفا من الملائكة بأيديهم ألوية الحمد ، وبيده حريرة بيضاء ، و قلم مكون من مشية الله رب العالمين ، فأقبل جبرئيل على آدم عليه السلام ، وقال له : يا آدم ربك يقرئك السلام ويقول لك : اكتب على ولدك شيث كتابا ، وأشهد عليه جبرئيل وميكائيل والملائكة أجمعين ، فكتب الكتاب ، وأشهد عليه ، وختمه جبرئيل بخاتمه ، ودفعه إلى شيث : وكسا قبل انصرافه حلتين حمراوين أضوء من نور الشمس ، وأروق من السماء ، لم يقطعا ولم يفصلا ، بل قال لهما الجليل : كونيا فكانتا ، ثم تفرقا ، وقبل شيث العهد وألزمه نفسه ، ولم يزل ذلك النور بين عينيه حتى تزوج المحاولة البيضاء ، وكانت بطول حواء ، واقترن إليها بخطبة جبرئيل ، فلما وطأها حملت بأنوش ، فلما حملت به سمعت مناديا ينادي : هنيئا لك يا بيضاء ، لقد استودعك الله نور سيد المرسيلن ، سيد الاولين والآخرين ، فلما ولدته أخذ عليه شيث العهد كما أخذ عليه ، وانتقل إلى ولده قينان ، ومنه إلى مهلائيل ، ومنه إلى ادد ، ومنه إلى اخنوخ وهو إدريس عليه السلام ، ثم أودعه إدريس ولده متوشلخ ، وأخذ عليه العهد ، ثم انتقل إلى ملك ، ثم إلى نوح ، ومن نوح إلى سام ، ومن سام إلى ولده أرفخشد ، ثم إلى ولده عابر ، ثم إلى قالع ، ثم إلى أرغو ، ومنه إلى شارغ ، ومنه إلى تاخور ، ثم انتقل إلى تارخ ، ومنه الى إبراهيم ، ثم إلى إسماعيل ، ثم إلى قيذار ومنه إلى الهميسع ، ثم انتقل الى نبت ، ثم إلى يشحب ، ومنه إلى ادد ، ومنه إلى عدنان ، ومنه إلى معد ، ومنه إلى نزار ، ومنه إلى مضر ، ومن مضر إلى إلياس ، ومن إلياس إلى مدركة ، ومنه إلى خزيمة ، ومنه إلى كنانة ، ومن كنانة إلى قصي ، ومن قصي إلى لوي ، ومن لوي إلى غالب ، ومنه إلى فهر ، ومن فهر إلى عبد مناف ، ومن عبدمناف إلى هاشم ، وإنما سمي هاشما لانه هشم الثريد لقومه ، وكان اسمه عمرو العلاء ، وكان نور رسول الله صلى الله عليه وآله في وجهه ، إذا أقبل تضئ منه الكعبة ، وتكتسي من نوره نورا شعشانيا ، ويرتفع من وجهه نور إلى السماء ، وخرج من بطن امه عاتكة بنت مره ، بنت فالج بن ذكون ، وله ضفيرتان كضفيرتي إسماعيل عليه السلام ، يتوقد نورهما إلى السماء ، فعجب أهل مكة من ذلك ، وسارت إليه قبائل العرب من كل جانب ، وماجت منه الكهان ، ونطقت الاصنام بفضل النبي المختار ، وكان هاشم لا يمر بحجر ولا مدر إلا ويناديه ابشر يا هاشم فإنه سيظهر من ذريتك أكرم الخلق على الله تعالى ، و أشرف العالمين محمد خاتم النبيين ، وكان هاشم إذا مشى في الظلام أنارت منه الحنادس ، ويرى من حوله كما يرى من ضوء المصباح ، فلما حضرت عبد مناف الوفاة أخذ العهد على هاشم أن يودع نور رسول الله صلى الله عليه وآله في الارحام الزكية من النساء ، فقبل هاشم العهد وألزمه نفسه ، وجعلت الملوك تتطاول إلى هاشم ليتزوج منهم ويبذلون إليه الاموال الجزيلة ، وهو يأبى عليهم ، وكان كل يوم يأتي الكعبة ويطوف بها سبعا ، ويتعلق بأستارها ، وكان هاشم إذا قصده قاصد أكرمه ، وكان يكسو العريان ، ويطعم الجائع ، و يفرج عن المعسر ، ويوفي عن المديون ، ومن اصيب بدم دفع عنه ، وكان بابه لا يغلق عن صادر ولا وارد ، وإذا أولم وليمة أو اصطنع طعاما لاحد وفضل منه شئ يأمر به أن يلقى إلى الوحش والطيور حتى تحدثوا به وبجوده في الآفاق ، وسوده أهل مكة بأجمعهم وشرفوه وعظموه ، وسلموا إليه مفاتيح الكعبة والسقاية والحجابة والرفادة ومصادر امور الناس ومواردها ، وسلموا إليه لواء نزار ، وقوس إسماعيل عليه السلام ، وقميص إبراهيم عليه السلام ، ونعل شيث عليه السلام ، وخاتم نوح عليه السلام ، فلما احتوى على ذلك كله ظهر فخره ومجده ، وكان يقوم بالحاج ويرعاهم ، ويتولي امورهم ويكرمهم ، ولا ينصرفون إلا شاكرين . قال أبوالحسن البكري : وكان هاشم إذا أهل هلال ذي الحجة يأمر الناس بالاجتماع إلى الكعبة ، فإذا اجتمعوا قام خطيبا ويقول : معاشر الناس إنكم جيران الله وجيران بيته ، وإنه سيأتيكم في هذا الموسم زواربيت الله وهم أضياف الله ، والاضياف هم أولى بالكرامة ، وقد خصكم الله تعالى بهم وأكرمكم ، وإنهم سيأتونكم شعثا غبرا من كل فج عميق ، ويقصدونكم من كل مكان سحيق ، فاقروهم واحموهم وأكرموهم يكرمكم الله تعالى وكانت قريش تخرج المال الكثير من أموالهم ، وكان هاشم ينصب أحواض الاديم ، ويجعل فيها ماء من ماء زمزم ، ويملي باقي الحياض من سائر الآبار بحيث تشرب الحاج ، وكان من عادته أنه يطعمهم قبل التروية بيوم ، وكان يحمل لهم الطعام إلى منى وعرفة ، وكان ييثرد لهم اللحم والسمن والتمر ، ويسقيهم اللبن إلى حيث تصدر الناس من منى ، ثم يقطع عنهم الضيافة .([1])