العتبة العلوية المقدسة - حصار بني هاشم في شعب ابي طالب -
» » سيرة الإمام » المناسبات » اهم الوقائع التاريخية في شهر محرم الحرام » حصار بني هاشم في شعب ابي طالب

حصار بني هاشم في شعب ابي طالب

 

 

*- في حديث اليهودي مع الامام علي عليه السلام قال له اليهودي : فإن هذا يوسف قاسى مرارة الفرقة ، وحبس في السجن توقيا للمعصية ، والقي في الجب وحيدا ؟ قال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى الله عليه وآله قاسى مرارة الغربة ، وفراق الأهل والأولاد والمال ، مهاجرا من حرم الله تعالى وأمنه ، فلما رأى الله عز وجل كآبته واستشعاره والحزن ، أراه تبارك اسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف في تأويلها وأبان للعالمين صدق تحقيقها ، فقال : " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون " ولئن كان يوسف عليه السلام حبس في السجن ، فلقد حبس رسول الله نفسه في الشعب ثلاث سنين ، وقطع منه أقاربه وذووا الرحم والجأوه إلى أضيق المضيق ، ولقد كادهم الله عز ذكره له كيدا مستبينا ، إذ بعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه ، (الاحتجاج  : ج 1  ص 319 )

*-  وروى إنه جمعهم خمسة وأربعون رجلا منهم أبو لهب ، فظن أبو لهب إنه يريد أن ينزع عما دعاهم إليه فقام إليه ، فقال له يا محمد : هؤلاء عمومتك وبنو عمك قد اجتمعوا فتكلم واعلم أن قومك ليست لهم بالعرب طاقة فقام ( صلى الله عليه وآله ) خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو انى رسول الله إليكم حقا خاصة والى الناس عامة والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن كما تعلمون ولتجزون بالاحسان إحسانا وبالسوء سوءا وانها الجنة أبدا والنار أبدا إنكم أول من أنذرتم فآمن به من عشيرته واجتمعت قريش إلى دار الندوة وكتبوا الصحيفة على بني هاشم لا يكلموهم ولا يبايعوهم أو يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه ثم أخرجوهم من بيوتهم حتى نزلوا شعب أبى طالب ووضعوا عليهم الحرس فمكثوا بذلك ثلاث سنين ثم بعث الله عز وجل الأرضة على الصحيفة فأكلتها ولم يزل " عليه السلام " كذلك يريهم الآيات ويخبرهم بالمغيبات وأنزل الله تعالى عليه ولا تعجل بالقرآن قبل أن يقضى إليك وحيه ، ومعناه لا تعجل بقراءة القرآن عليهم حتى أنزل عليك التفسير في أوقاته كما أنزل إليك التلاوة ثم أتاه جبرئيل " عليه السلام " ليلا وهو بالأبطح ومعه البراق وهو أصغر من البغل ، وأكبر من الحمار فركبه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وامسك جبرئيل " عليه السلام " بركابه ومضى إلى بيت المقدس ثم إلى السماء الدنيا فتلقته الملائكة فسلمت عليه وتطايرت بين يديه ، حتى انتهى إلى السماء السابعة . قال عكرمة : لما اجتمعت قريش على ادخال بني هاشم وبنى عبد المطلب شعب أبى طالب كتبوا بينهم صحيفة ، فدخل الشعب مؤمن بني هاشم وكافرهم ومؤمن بنى عبد المطلب وكافرهم ما خلا أبو لهب وأبو سفيان بن الحرب فبقي القوم في الشعب ثلاث سنين فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا اخذ مضجعه ونامت العيون جاءه أبو طالب فأنهضه عن مضجعه وأضجع عليا مكانه فقال علي : يا أبتاه انى مقتول ذات ليلة فقال أبو طالب " عليه السلام

اصبرن يا علي فالصبر أحجى * كل حي مصيره لشعوب

 قد بذلناك والبلاء عسير * لفداء النجيب وابن النجيب

 لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب * والباع والفناء الرحيب

 ان رمتك المنون بالنبل فاصبر * فمصيب منها وغير مصيب

 كل حي وان تطاول عمرا * آخذ من سهامها بنصيب

 قال علي بن الحسين " عليه السلام " كان أبو طالب يضرب عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بسيفه ويقيه بنفسه ، فلما حضرته الوفاة وقد قويت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلت كلمته إلا أن قريشا على عداوتها وحسدها فاجتمعوا إلى أبي طالب ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنده ، فقالوا : نسألك من ابن أخيك النصف قال : وما النصف منه ؟ قالوا : ليكف عنا ونكف عنه فلا يكلمنا ولا نكلمه ولا يقاتلنا ولا نقاتله لأن هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب وزرعت الشحناء وأنبتت البغضاء . فقال : يا بن أخي بنى عمك وعشيرتك يسألونك النصف وان تكف عنهم ويكفوا عنك فقال : يا عم لو أنصفني بنو عمى لأجابوا دعوتي وقبلوا نصيحتي وان الله عز وجل أمرني أن ادعوا إلى دينه ( الحنيفية ) ملة إبراهيم فمن أجابني فله عند الله الرضوان والخلود في الجنان ومن عصاني قاتلته حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين . فقالوا : يا أبا طالب سله ، أرسله الله الينا خاصة أم إلى الناس كافة فقال أبو طالب يا بن أخ إلى الناس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصة ؟ قال : لا بل إلى الناس أرسلت كافة إلى الأبيض والأسود والأحمر والعربي والعجمي ، والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الامر الأبيض والأسود ، ومن على رؤس الجبال ومن في لجج البحار ولأدعون السنة فارس والروم فتحيرت قريش واستكبرت وقالت اما تسمع إلى ابن أخيك وما يقول والله لو سمعت فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ، ولقلعت الكعبة حجرا حجرا فأنزل الله تعالى : وقالوا ان نتبع الهدى معك فنتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ إلى آخر الآية وأنزلت في قولهم لقلعت الكعبة حجرا حجرا ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل إلى آخرها فلما سمعوا ذلك من النبي ( صلى الله عليه وآله ) خرجوا من عند أبي طالب فقالوا ألا نرى محمدا يزداد إلا كبرا أو تكبرا وما هو إلا ساحرا أو مجنون وتوعدوه وتحالفوا وتقاعدوا لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل قريش كلها على قتله ما أمسكت أيديها السياط وبلغ أبا طالب ذلك فجمع بينه وبين بنو أبيه وأحلافهم من قريش فوصاهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال ابن أخي محمد ابني كما يقول بذلك أخبرنا آباؤنا وعلمائنا ان أخي محمد ( صلى الله عليه وآله ) نبي صادق وأمين ناطق وان شأنه أعظم شأن ومكانه أعلى مكان من ربه وان يومى قد حضر وأنتم الخلقاء النجب فأجيبوا دعوته واجتمعوا على نصرته وارموا عدوه من وراء حوزته فإنه الشرف الباقي لكم على الدهر وأنشأ يقول :

 أوصى بنصر الأمين الخير مشهده * بعدي عليا وعلى الخير عباسا

وحمزة الأسد المخشى صولته * وجعفرا ان يذوقوا قبله الباسا

وهاشما كلها أوصى بنصرته * ان يأخذوا دون حرب القوم امراسا

 كونوا فدى لكم أمي وما ولدت * من دون أحمد عند الورع أتراسا

 بكل أبيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا

فلما سمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من عمه فقال : يا عم كلمة واحدة تجب بها لك شفاعتي يوم القيامة فقال يا بن أخي صدقت أنت نبي حق وربك إله حق قال له : يا عم ان الله عز وجل وعدني ان قريشا ستؤمن غدا بما تنكره اليوم ، وان الله تعالى سيفتح على الأرض ، ويظهر دينه على جميع الأديان وانك راحل إلى دار المقامة ، فقل معي كلمة تستوجب من الله رضوانه ورحمته ، فقال : إن أبا طالب حرك بها شفتيه ، وأشار بأصبعه فسر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك واستغفر له (روضة الواعظين ص 53 )

 

*- روي  أن قريشا كلهم اجتمعوا ، وأخرجوا بني هاشم إلي شعب أبي طالب ومكثوا فيه ثلاث سنين إلا شهرا ، وأنفق أبو طالب وخديجة جميع مالهما ، ولا يقدرون على الطعام إلا من موسم إلى موسم ، فلقوا من الجوع والعرى ما الله أعلم به . وأن الله بعث على صحيفتهم الأرضة ، فأكلت كل ما فيها إلا اسم الله فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي طالب ، فما راع قريشا إلا وبنو هاشم عنقا واحدا قد خرجوا من الشعب . فقال قريش : الجوع أخرجهم . فجاؤوا حتى أتوا الحجر ، وجلسوا فيه ، وكان لا يقعد فيه إلا فتيان قريش . فقالوا : يا أبا طالب قد آن لك أن تصالح قومك . قال : قد جئتكم بخبر ، ابعثوا إلى صحيفتكم لعله أن يكون بيننا وبينكم صلح . قال : فبعثوا إليها وهي عند أم أبي جهل ، وكانت قبل في الكعبة ، فخافوا عليها السرق فوضعت بين أيديهم ، وخواتيمهم عليها . فقال أبو طالب : هل تنكرون منها شيئا ؟ قالوا : لا . قال : إن ابن أخي حدثني - ولم يكذبني قط - أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضة ، فأكلت كل قطيعة وإثم ، وتركت كل اسم هو لله ، فإن كان صادقا ، أقلعتم عن ظلمنا ، وإن يكن كاذبا ندفعه إليكم فقتلتموه . فصاح الناس : نعم يا أبا طالب ، ففتحت ثم أخرجت ، فإذا هي مشربة كما قال صلى الله عليه وآله فكبر المسلمون وانتقعت وجوه المشركين . فقال أبو طالب : أتبين لكم أينا  أولى بالسحر والكهانة ؟ فأسلم يومئذ عالم من الناس ، ثم رجع أبو طالب إلى شعبه ، ثم عيرهم هشام بن  عمرو العامري بما صنعوا ببني هاشم . (الخرائج والجرائح : ج 1  ص 85 )