عبد الرحمن الشرقاوي
وقال في مقدمة كتابه: علي إمام المتقين:
ليس هذا الكتاب بحثاً تاريخياً، ولا هو كتاب سيرة، ولا هو مفاضلة بين الصحابة رضي الله عنهم.. ولا هو بدفاع عن حق أحد في الخلافة قبل الاخر.
فمن كان يلتمس في هذا الكتاب شيئاً من هذا فليعدل عنه إلى غيره..
ما أردت بهذا الكتاب إلا أن أصطنع شكلا فنيا أقرب إلى الفن القصصي أعتمد فيه على حقائق التاريخ الثابتة، لاعرف مبادئ الاسلام وقيمه، من خلال تصوير فني للامام علي ((رضي الله عنه)).
ذلك أن الامام علياً تجسدت فيه أخلاق الاسلام، ومثله، فقد تعهده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) طفلاً، ورباه صبيا، وثقفه فتى، وقال عنه: أنا مدينة العلم وعلي بابها.
ثم إن عليا قد كرم الله وجهه: فلم يسجد لغير الله تعالى، وما دخل قلبه منذ الطفولة شيء غير الاسلام ثم كان هو المجاهد العظيم في سبيل الله، وما صارع أحدا إلا صرعه.
وقد علم الصحابة (رضي الله عنهم) مكانة علي (عليه السلام) عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)وأنهم ومعهم المسلمون في كل مكان وزمان ليقولون في كل صلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.. وبارك على محمد وعلى آل محمد..
وبعد.. فأرجو أن أكون قد وفقت في رسم صورة مضيئة للاسلام، ولقدرته على مواجهة مشكلات اعصر، من خلال تصويري للامام علي (عليه السلام) بطلا خارقاً، ومفكراً، وحكما، وعالماً، وزاهداً، وإنساناً عظيماً.
ويا لهذا البطل المثالي الذي كان يواجه بنبالة الفروسية، وبعظمة الزهد وبسمو الفكر، كل ما طالعته به الحياة الجديدة من أطماع، وجحود، ودسائس، وحيل، وأباطيل.
وأنا أدعو الله مخلصاً أن ينتفع القراء بهذا الكتاب. وفي سبيل الله ما كابدت فيه من مشقة وجهد وكيد!!.. وفقنا الله إلى مافيه خير الاسلام والامة، والانسانية، والله ولي التوفيق.
وقوله أيضاً:
وصدق رسول الله حين قال لعلي (عليه السلام): أنت سيد في الدنيا، سيد في الاخرة. من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضك بغيض الله، وويل لمن أبغضك من بعدي!.
وقبل أن يموت كان قد أوصى بربع أرضه التي في الحجاز لاصحاب الحاجات.
فقضى، ولم يخلِّف تراثاً غير الحكمة، والقدوة الحسنة، وما مات أحد من رعيته إلا خلَّف من المال أكثر مما ترك الامام.
عاش يناضل دفاعاً عن الشريعة، والعدل، والحق، والمودة، والاخاء والسلام، والمساواة بين الناس. فسلام عليه!
سلام عليه يوم قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام: رحم الله علياً اللهم أدر الحق معه حيث دار.
ودار الحق معه حيث دار، وما عاداه في حياته وبعد موته الاّ البغاة، وفرسان الضلال، وعبيد الشهوات، وأهل البدع والشح والاهواء.
سلام عليه يوم قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام: من اتخذ عليا إماماً لدينه، فقد استمسك بالعروة الوثقى.
وعبر أجيال متطاولة تعاورت فيها الاحداث والمآسي العظام، والهزائم التي تقصم الظهر وتكسر القلب، والانتصارات التي تثير الكبرياء في النفس.. عبر تلك الازمان اتخذه المتقون إماما.. فقد كان دعاؤه مع عباد الله الصالحين: واجعلنا للمتقين إماما.
واتخذه المساكين إماماً.. واتخذه الفتيان والنساك والزهاد والعلماء والمجاهدون والشجعان إماما. سلام عليه، عليه السلام.
قبض الشهيد الرائع البطولة، الاسطوريّ، المثالي، واستقر في ضمير الزمن، إنه كلما نطق أحد باسم أمير المؤمنين فحسب فهو الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، على الرغم من كثرة الخلفاء في كل عصور الاسلام، فكل خليفة بعد أبي بكر هو أمير المؤمنين.. ذلك أن علياً اجتمع له من عناصر القدوة وشرفها، واجتمع فيه من مقومات القيادة ونبالتها وشرفها ما لم يجتمع قط لحاكم.
وهكذا كان فريداً حقا عالماً وحاكما.
فسلام عليه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيا.
وسلام عليه إذ توارى جسده في التراب، وبقيت كلماته منارات إشعاع ومنابع حكمة، ومثار عزائم، وعدة للمتقين والمساكين، بعد كتاب الله والاحاديث النبوية الشريفة.
وسيظل القلب ينبض بما قال، وتشرق به النفس، ويزهو به العقل.
وقوله:
ولكن صوته العظيم اخترق الاماد والمسافات والقرون، لتضيء كلماته الرائعة ظلمات النفوس، وتنير طريق الهداية للسالكين.
وقتل اللعين ابن ملجم، وحل الحسن بن علي محل أبيه.. وياله من أب للصالحين في عصره، وفي كل العصور!
وهكذا، ووري التراب جسده النبيل.
جسد رجل لم تعرف الانسانية حاكماً ابتلي مثل ما ابتلي به من فتن، على الرغم من حرصه على إسعاد الاخرين، وحماية العدل وإقامة الحق ودفع الباطل!