قبل بدء القتال
كانت ساحة القتال في الخريبة ، وهي اليوم بين الزبير والبصرة يقال لها (الخِر) وهناك قبر طلحة وهي مدينة الزبير المعروفة حالياً.
خرج علي (عليه السلام)وعليه عمامة سوداء وقميص ورداء ، وهو راكب على بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله)الشهباء . ومعه جيش المتّقين المؤمنين من الأنصار والمهاجرين . وجاءت عائشة وهي في هودج على بعير ، وعن يمينها وشمالها طلحة والزبير وابنه عبدالله ، ومعها جندها يقودهم الجمل عسكر .
الاحتجاج بكتاب الله على القوم
فعند ذلك أخذ الإمام (عليه السلام) المصحف بيده وطلب من يقرأ عليهم هذه الآية : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ).
فقام غلام حدث السنّ من مجاشع ، يقال له (مسلم) عليه قباء أبيض ، فقال له : أنا آخذه ياأمير المؤمنين .
فقال له : يافتى ، إنّ يدك اليمنى تقطع ، فتأخذه بيدك اليسرى فتقطع اليسرى ، ثمّ تضرب عليه بالسيف حتّى تقتل .
فقال الفتى : لأصبر على ذلك .
فنادى الإمام ثانية ، فقام الفتى ثانيةً ، فأعاد عليه مقالته ، فقال الفتى لا عليك ، فهذا قليل في ذات الله ، فأخذ المصحف ووقف أمام الصفوف ، وقال : هذا كتاب الله ، وأمير المؤمنين يدعوكم إلى ما فيه .
فأمرت عائشة بإعدامه ، فقطعوا يديه ، ثمّ أحاطوا به وطعنوه بالرماح من كلّ جانب .
وكانت أُمّه واقفة تنظر فصاحت فطرحت نفسها على ولدها
*ـقال ابن عبّاس : قلت لأميرالمؤمنين : ماتنتظر ؟ والله ، ما يعطيك القوم إلاّ السيف ، فاحمل عليهم قبل أن يحملوا عليك .
فقال : نستظهر بالله عليهم .
قال ابن عبّاس : فوَ الله ، ما رمت من مكانى حتي طلع علىَّنشّابهم كأنّه جراد منتشر ، فقلت : أ ما تري يا أمير المؤمنين إلي ما يصنع القوم ؟مرنا ندفعهم .
فقال : حتي اُعذر إليهم ثانية . ثمّ قال : من يأخذ هذا المصحففيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له علي الله الجنّة ؟
فلم يقم أحد إلاّ غلام عليه قباء أبيض ، حدث السنّ من عبد القيسيقال له مسلم كأنّى أراه ، فقال : أنا أعرضه عليهم يا أمير المؤمنين ، وقد احتسبتنفسى عند الله تعالي .
فأعرض عنه إشفاقاً عليه ونادي ثانية : من يأخذ هذا المصحف ويعرضهعلي القوم وليعلم أنّه مقتول وله الجنّة ؟
فقام مسلم بعينه وقال : أنا أعرضه . فأعرض ، ونادي ثالثة فلم يقمغير الفتي ، فدفع إليه المصحف .
وقال : امض إليهم واعرضه عليهم وادعهم إلي ما فيه .
فأقبل الغلام حتي وقف بإزاء الصفوف ونشر المصحف ، وقال : هذا كتابالله عزّ وجلّ ، وأمير المؤمنين يدعوكم إلي ما فيه .
فقالت عائشة : اشجروه بالرماح قبّحه الله ! فتبادروا إليه بالرماحفطعنوه من كلّ جانب ، وكانت اُمّه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرّته من موضعه ،ولحقها جماعة من عسكر أمير المؤمنين أعانوها علي حمله حتي طرحوه بين يدى أمير المؤمنين واُمّه تبكى وتندبهوتقول :
يا ربّ إنّ مسلماً دعاهم
|
يتلو كتاب الله لا يخشاهم
|
فخضبوا من دمه قناهم
|
واُمّهم قائمةتراهم
|
تأمرهم بالقتل لا تنهاهم
*ـعن مجزأة السدوسى : لمّاتقابل العسكران : عسكر أمير المؤمنين علىّ وعسكر أصحاب الجمل ، جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علىّبالنبل حتي عقروا منهم جماعة ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، إنّه قد عقرنانبلهم فما انتظارك بالقوم ؟
فقال علىّ : اللهمّ إنّى اُشهدك أنّى قد أعذرت وأنذرت ، فكن لىعليهم من الشاهدين .
ثمّ دعا علىّ بالدرع ، فأفرغها عليه ، وتقلّد بسيفه واعتجربعمامته واستوي علي بغلة النبىّ ، ثمّ دعا بالمصحف فأخذه بيده ، وقال : يا أيّها الناس ، من يأخذهذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلي ما فيه ؟
فوثب غلام من مجاشع يقال له : مسلم ، عليه قباء أبيض ، فقال له : أنا آخذه يا أمير المؤمنين ، فقال له علىّ : يا فتي إنّ يدك اليمني تقطع ، فتأخذهباليسري فتقطع ، ثمّ تضرب عليه بالسيف حتي تقتل .
فقال الفتي : لا صبر لى علي ذلك يا أمير المؤمنين .
فنادي علىّ ثانية والمصحف فى يده ، فقام إليه ذلك الفتي وقال : أنا آخذه يا أمير المؤمنين . فأعاد عليه علىّ مقالته الاُولي ، فقال الفتي : لاعليك يا أمير المؤمنين ، فهذا قليل فى ذات الله ، ثمّ أخذ الفتي المصحف وانطلق بهإليهم ، فقال : يا هؤلاء ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم . فضرب رجل من أصحاب الجمليده اليمني فقطعها ، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله ، فاحتضن المصحف بصدره فضربعليه حتي قتل ـ رحمة الله عليه ـ .
* - عن المبارك بن فضالة عن رجل ذكره قال : أتى رجل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد الجمل فقال له : يا أمير المؤمنين رأيت في هذه الواقعة أمرا هالني من روح قد بانت وجثة قد زالت ونفس قد فاتت لا أعرف فيهم مشركا بالله تعالى فالله الله فما يحللني من هذا فإن يك شرا فهذا يتلقى بالتوبة وإن يك خيرا ازددنا أخبرني عن أمرك هذا الذي أنت عليه أفتنة عرضت لك ؟ فأنت تنفح الناس بسيفك أم شئ خصك به رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ .فقال له علي : إذا أخبرك إذا أنبئك إذا أحدثك إن ناسا من المشركين أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأسلموا ثم قالوا لابي بكر : استأذن لنا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى نأتي قومنا فنأخذ أموالنا ثم نرجع فدخل أبوبكر على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فاستأذن لهم فقال عمر : يا رسول الله أيرجع من الاسلام إلى الكفر ؟ قال : وما علمك يا عمر ان ينطلقوا فيأتوا بمثلهم معهم من قومهم ؟ ثم إنهم أتوا أبا بكر في العام المقبل فسألوه أن يستأذن لهم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاستأذن لهم وعنده عمر فقال مثل قوله فغضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم قال : والله ما أراكم تنتهون حتى يبعث الله عليكم رجلا من قريش يدعوكم إلى الله فتختلفون عنه اختلاف الغنم الشرد فقال له أبوبكر : فداك أبي وأمي يا رسول الله أنا هو ؟ فقال : لا .فقال عمر : فأنا هو يا رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال : لا .قال عمر : فمن هو يا رسول الله فأومى إلي وأنا أخصف نعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : هو خاصف النعل عندكما انب عمي وأخي وصاحبي ومبرئ ذمتي والمؤدي عني ديني وعدتي والمبلغ عني رسالتي ومعلم الناس من بعدي ويبين لهم من تأويل القرآن مالا يعلمون فقال الرجل : اكتفي منك بهذا يا أمير المؤمنين ما بقيت .فكان ذلك الرجل أشد أصحاب علي عليه السلام فيما بعد على من خالفه .
* - عن أبي بكر الهذلي قال : دخل الحارث بن حوط الليثي على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال : يا أمير المؤمنين ما أرى طلحة والزبير وعائشة أضحوا إلا على حق .فقال [ له أمير المؤمنين عليه السلام ] : يا حار إنك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك جزت عن الحق إن الحق والباطل لا يعرفان بالناس ولكن اعرف الحق باتباع من اتبعه والباطل باجتناب من اجتنبه .قال : فهلا أكون تبعا لعبد الله بن عمر ، وسعد بن مالك ؟ فقال أمير المؤمنين : إن عبدالله بن عمر وسعدا خذلا الحق ولم ينصرا الباطل متى كانا إمامين في الخير فيتبعان .
* - قيل : إن الحارث بن حوط أتاه عليه السلام فقال : أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة ؟ فقال : يا حار إنك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحرت .إنك لم تعرف الحق فتعرف أهله ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه ! ! فقال الحارث : فإني أعتزل مع سعد بن مالك وعبدالله بن عمر .فقال : إن سعدا وعبدالله بن عمر لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل .
احتجاج الامام عليه السلام على الزبير
*- تقاربوا وتعبوا لابسي سلاحهم ودروعهم متأهبين للحرب كل ذلك وعلي ( عليه السلام ) بين الصفين عليه قميص ورداء وعلى رأسه عمامة سوداء وهو راكب على بغلة .فلما رأى أنه لم يبق إلا مصافحة الصفاح والمطاعنة بالرماح صاح بأعلى صوته أين الزبير بن العوام فليخرج إلي فقال الناس : يا أمير المؤمنين أتخرج إلى الزبير وأنت حاسر وهو مدجج في الحديد ؟ فقال عليه السلام : ليس علي منه بأس .ثم نادى ثانية فخرج إليه [ الزبير ] ودنا منه حتى واقفه فقال له علي : يا أبا عبد الله ما حملك على ما صنعت ؟ فقال الطلب بدم عثمان ! ! فقال : أنت وأصحابك قتلتموه فيجب عليك أن تقيد من نفسك ! ! ولكن أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل الفرقان على نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) أما تذكر يوما قال لك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يا زبير أتحب عليا ؟ فقلت : وما يمنعني من حبه وهو ابن خالي ؟ ! فقال لك : أما أنت فستخرج عليه يوما وأنت له ظالم .فقال الزبير : اللهم بلى فقد كان ذلك .
فقال علي ( عليه السلام ) : فأنشدك الله الذي أنزل الفرقان على نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) أما تذكر يوما جاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عند ابن عوف وأنت معه وهو آخذ بيدك فاستقبلته أنا فسلمت عليه فضحك في وجهي فضحكت أنا إليه فقلت : أنت لا يدع ابن أبي طالب زهوه أبدا فقال لك النبي ( صلى الله عليه وآله ) مهلا يا زبير فليس به زهو ولتخرجن عليه يوما وأنت ظالم له ! ! فقال الزبير : اللهم بلى ولكن أنسيت فأما إذا ذكرتني ذلك فلانصرفن عنك ولو ذكرت هذا لما خرجت عليك