العتبة العلوية المقدسة - النهضة الحسينية بواعثها ونتائجها -
» سيرة الإمام » » اولاد الامام علي عليه السلام » سيرة الامام الحسين عليه السلام » الامام الحسين باقلام اعلام الامة » النهضة الحسينية بواعثها ونتائجها

 

النهضة الحسينية بواعثها ونتائجها

 

 

 

بقلم: العلامة الشيخ عبد الكريم الزنجاني

 

الدين الإسلامي بتعاليمه الفطرية، وأصوله الإجتماعية، ومبادئه الأدبية، وإحترامه العقل، ورعايته للنواميس الطبيعية، واعتباره المساواة العامة تجاه القانون الألهي – مع تقريره الشرف المخصوص بصفوة الجنس البشري السامي وهم العرب الذين هم دعامة الإسلام – وابتنائه التفاضل على الكمالات النفسية والتقوى لا على الفوارق الجنسية، واستهدافه السعادة المزدوجة ، وإيجابه الشورى والصدق والوفاء بالعهود والوعود، قلب نظام الإجتماع البشري رأساً على عقب، ونجح في تنفيذها نجاحاً لا نظير له في تاريخ العالم، فحرر العقول والنفوس، وهدم صروح التقاليد، وانقذ الأمة العربية من رق الأجيال، وأقام الأنسانية على السنة السامية التي تناسب كرامتها وتلائم مكانتها ودعى الأمم الى القيام على هذه السنة التي لامناص لها من القيام عليها، وهي مدفوعة بعوامل التطور، فرفع أمماً عن حضيض الجهالة، وظلام الضلالة، الى ذروة الشرافة ومرتقى السعادة في الآخرة والأولى، أحال القلوب المشوبة بنار الحقد والغل والضغينة وحب سفك الدماء الى قلوب تضيء بنور الله وتنفتح بروح الله، وأسس في الصدر الأول أمة إسلامية من قوميات شتى ومحق ما بينها من الفوارق التي كانت تدعوها للتناحر والتفاني، فرفرفت فوق الشعوب المتخالفة روح الرابطة الإسلامية وكانت تلك الرابطة مرتكزة على أساس قاعدة الوحدة المتعاونة الأجزاء التي قام عليها نظام الحق ونظام المجتمع،وكانت تلك الروابط تستمد وجودها من أعلى المبادئ الإجتماعية الثورية ( الديمقراطية) التي جاء بها كتاب الله المعجز الخالد، وبها احدث الإسلام تكافلاً عاماً بين الشعوب الإسلامية يقوم مقام التزاحم الحيواني بينها، وكان كل مسلم يعتقد أن في دينه تفسير كل شيء من اسرار الكون، وفيه حل كل معقد من مشاكل الحياة، وتبيان كل شيء من شؤون الجماعات، وأن المسلم أخو المسلم مهما كان جنسه، فدفعتهم الأخوة الإسلامية الى مستوى الرقي والحضارة يتبوؤن من الأرض حيث يشاؤون، ويفتحون أقاليم الأرض، ثم يرثون الدار الآخرة وهي خير وأبقى للذين أحسنوا وكانوا تحت راية القرآن يعملون.

 

وكانت العقيدة الإسلامية خاضعة لناموس الآرتقاء حتى ظهور الحكم الأموي الذي من عهده إبتدأ العالم الإسلامي بسقوطه التأريخي وتوالي المحن والآلام على مجتمعه، وانصبغت نفسية المسلمين بصبغة الجمود ( المنكرة) والغدر، وصار وضع حياتهم مفاسد الأعمال فإن الحكم الأموي كان نظاماً قائماً على حكم فرد واحد ومشيئته في وسعه أن يفعل ما يريد دون أن يستشير أحداً أو يتقيد بقانون ديني أو إنساني.

 

وكان الخليفة الأموي يعطي نفسه صلاحيات لا حد لها فيوجه الأمة الإسلامية الى الناحية التي يريدها ويفرض سيطرته لا على الإرادة والسياسة فقط، بل يتعداهما الى الآراء والعقائد الخاصة.

 

ويحرم على كل مسلم أن يتحدث عن عقيدته أو يبث آراءه. أو يفعل ما يشتهي في حدود القانون الإلهي، وبعبارة أخرى، كان الحكم الأموي نظاماً ديكتاتورياً يتحكم في الأمور الصغيرة والكبيرة، ويحتكم بالهوى، ويسخر من الدين والقرآن ويهدر الدماء، ويتعمد محو التعاليم الإسلامية وقلب نظام القرآن رأساً على عقب، وكانت صبغة الدولة الأموية تتنافى مع المبادئ الدينية والمدنية والإنسانية. فأغارت دسائس الأمويين على بيضة الإسلام ووحدة المسلمين وتركت أحداثاً وآثاراً كأسوأ ما يكون في الشعوب الإسلامية من الجمود والتعصب والغدر والرذائل والفوارق والمعاصي والإسترسال في أوهام ما أنزل الله بها من سلطان فضلت عقولهم وخفت أحلامهم وأتبعوا من المبادئ الفاسدة ما لا يستقيم في عقل. ولا يؤدي الى مصلحة. وأساء ألأمويون إلى العروبة أكثر مما أساؤا إلى الدين، فقد إدعى مؤسس الحكم الأموي معاوية أن أبا سفيان أباً لزياد بن أبيه لكي يستفيد من دهائه. فأبت غيرت الأمة العربية التي تحافظ على أنساب الخيل – عن أن تقر له بذلك مع علمهم بنسبه فعمل زياد كتاب (مثالب العرب) وألصق بالعرب كل عيب وعار وباطل وإفك وبهت، وأنتشر ( المثالب) في عهد الأمويين ثم ترجم الى لغات أوربية فجعل التاريخ العربي الخالد مجموعة لمساوئ العرب. ولا غرو في ذلك بعدما نعلمه من حقيقة ينبغي أن يتناولها الأغفال وهي: أن الأمويين كانوا دخلاء على العرب والمسلمين فإن (أمية) كان رومياً يتبناه عبد شمس وقد احتج بهذه الحقيقة أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتاب له الى معاوية وهذا نصه :( ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا المهاجر كالطليق. ولا الصريح كاللصيق):الخ.

 

-والصريح: صحيح النسب في ذوي الحسب. واللصيق، من ينتمي إليهم وهو أجنبي عنهم-.

 

وسكوت معاوية عن الجواب أهم برهان على صحة ذلك.

 

فأصبح من الواجب على إمام العصر. وحامي الإسلام ووارث الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) الحسين بن علي (عليهما السلام) أن ينهض نهضته التي لا نظير لها في تاريخ العالم لحفظ بيضة الإسلام، وأن يتقدم لينير للناس الطريق ويؤسس لهم المبدأ الحق الذي تصدر عنه نهضتهم ويعيد الحكم الثوري والأساس الذي تبنى عليه حياتهم الاجتماعية. وإنتشالهم من بين يدي الضلال المطبق الفتاك، واستخلاصهم من براثن الهوى المسيطر على النفوس. ليحيي الأمة الإسلامية بأسرها ويخرجها من الظلمات إلى النور فقام بتلك النهضة العملية المدهشة الخارقة للعادة والمنقطعة النظير في تاريخ العالم وضحى بنفسه ونفيسه ليوصل بالمجتمع الإسلامي الى الغاية المنشودة التي أرادها الله تعالى وليعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون