موعظة وزهد وحكمة
كَفَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ كَيْدَ الظَّالِمِينَ وَبَغْيَ الْحَاسِدِينَ وَبَطْشَ الْجَبَّارِينَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الطَّوَاغِيتُ وَأَتْبَاعُهُمْ مِنْ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا الْمَائِلُونَ إِلَيْهَا الْمَفْتُونُونَ بِهَا الْمُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَعَلَى حُطَامِهَا الْهَامِدِ وَهَشِيمِهَا الْبَائِدِ غَداً وَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ مِنْهَا وَازْهَدُوا فِيمَا زَهَّدَكُمُ اللَّهُ فِيهِ مِنْهَا وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى مَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا رُكُونَ مَنْ أَعَدَّهَا دَاراً وَقَرَاراً وَبِاللَّهِ إِنَّ لَكُمْ مِمَّا فِيهَا عَلَيْهَا دَلِيلًا مِنْ زِينَتِهَا وَتَصْرِيفِ أَيَّامِهَا وَتَغْيِيرِ انْقِلَابِهَا وَمَثُلَاتِهَا وَتَلَاعُبِهَا بِأَهْلِهَا إِنَّهَا لَتَرْفَعُ الْخَمِيلَ وَتَضَعُ الشَّرِيفَ وَتُورِدُ النَّارَ أَقْوَاماً غَداً فَفِي هَذَا مُعْتَبَرٌ وَمُخْتَبَرٌ وَزَاجِرٌ لِمُنْتَبِهٍ وَإِنَّ الْأُمُورَ الْوَارِدَةَ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ مُظْلِمَاتِ الْفِتَنِ وَحَوَادِثِ الْبِدَعِ وَسُنَنِ الْجَوْرِ وَبَوَائِقِ الزَّمَانِ وَهَيْبَةِ السُّلْطَانِ وَوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ لَتُثَبِّطُ الْقُلُوبَ عَنْ نِيَّتِهَا وَتُذْهِلُهَا عَنْ مَوْجُودِ الْهُدَى وَمَعْرِفَةِ أَهْلِ الْحَقِّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ عَصَمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فَلَيْسَ يَعْرِفُ تَصَرُّفَ أَيَّامِهَا وَتَقَلُّبَ حَالاتِهَا وَعَاقِبَةَ ضَرَرِ فِتْنَتِهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ وَنَهَجَ سَبِيلَ الرُّشْدِ وَسَلَكَ طَرِيقَ الْقَصْدِ ثُمَّ اسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِالزُّهْدِ فَكَرَّرَ الْفِكْرَ وَاتَّعَظَ بِالْعِبَرِ وَازْدَجَرَ فَزَهِدَ فِي عَاجِلِ بَهْجَةِ الدُّنْيَا وَتَجَافَى عَنْ لَذَّاتِهَا وَرَغِبَ فِي دَائِمِ نَعِيمِ الْآخِرَةِ- وَسَعى لَها سَعْيَها وَرَاقَبَ الْمَوْتَ وَشَنَأَ الْحَيَاةَ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فَعِنْدَ ذَلِكَ نَظَرَ إِلَى مَا فِي الدُّنْيَا بِعَيْنٍ نَيِّرَةٍ حَدِيدَةِ النَّظَرِ وَأَبْصَرَ حَوَادِثَ الْفِتَنِ وَضَلَالَ الْبِدَعِ وَجَوْرَ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ فَقَدْ لَعَمْرِي اسْتَدْبَرْتُمْ مِنَ الْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْفِتَنِ الْمُتَرَاكِمَةِ وَالِانْهِمَاكِ فِيهَا مَا تَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى تَجَنُّبِ الْغُوَاةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْبَغْيِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَاسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَارْجِعُوا إِلَى طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ طَاعَةِ مَنِ اتُّبِعَ وَأُطِيعَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ قَبْلِ النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ وَالْقُدُومِ عَلَى اللَّهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَاللَّهِ مَا صَدَرَ قَوْمٌ قَطُّ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا إِلَى عَذَابِهِ وَمَا آثَرَ قَوْمٌ قَطُّ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ إِلَّا سَاءَ مُنْقَلَبُهُمْ وَسَاءَ مَصِيرُهُمْ وَمَا الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَالْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ إِلَّا إِلْفَانِ مُؤْتَلِفَانِ فَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ خَافَهُ فَحَثَّهُ الْخَوْفُ عَلَى الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَإِنَّ أَرْبَابَ الْعِلْمِ وَأَتْبَاعَهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا اللَّهَ فَعَمِلُوا لَهُ وَرَغِبُوا إِلَيْهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ- إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فَلَا تَلْتَمِسُوا شَيْئاً فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَاشْتَغِلُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَاغْتَنِمُوا أَيَّامَهَا وَاسْعَوْا لِمَا فِيهِ نَجَاتُكُمْ غَداً مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ لِلتَّبِعَةِ وَأَدْنَى مِنَ الْعُذْرِ وَأَرْجَى لِلنَّجَاةِ فَقَدِّمُوا أَمْرَ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ وَطَاعَةَ مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ بَيْنَ يَدَيِ الْأُمُورِ كُلِّهَا وَلَا تُقَدِّمُوا الْأُمُورَ الْوَارِدَةَ عَلَيْكُمْ مِنْ طَاعَةِ الطَّوَاغِيتِ وَفِتْنَةِ زَهْرَةِ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيْ أَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَنَحْنُ مَعَكُمْ يَحْكُمُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ سَيِّدٌ حَاكِمٌ غَداً وَهُوَ مُوقِفُكُمْ وَمُسَائِلُكُمْ فَأَعِدُّوا الْجَوَابَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَالْمُسَاءَلَةِ وَالْعَرْضِ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَئِذٍ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُصَدِّقُ كَاذِباً وَلَا يُكَذِّبُ صَادِقاً وَلَا يَرُدُّ عُذْرَ مُسْتَحِقٍّ وَلَا يَعْذِرُ غَيْرَ مَعْذُورٍ بَلْ لِلَّهِ الْحُجَّةُ عَلَى خَلْقِهِ بِالرُّسُلِ وَالْأَوْصِيَاءِ بَعْدَ الرُّسُلِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْتَقْبِلُوا مِنْ إِصْلَاحِ أَنْفُسِكُمْ وَطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ مَنْ تَوَلَّوْنَهُ فِيهَا لَعَلَّ نَادِماً قَدْ نَدِمَ عَلَى مَا قَدْ فَرَّطَ بِالْأَمْسِ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَضَيَّعَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ وَتُوبُوا إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ ... وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَإِيَّاكُمْ وَصُحْبَةَ الْعَاصِينَ وَمَعُونَةَ الظَّالِمِينَ وَمُجَاوَرَةَ الْفَاسِقِينَ احْذَرُوا فِتْنَتَهُمْ وَتَبَاعَدُوا مِنْ سَاحَتِهِمْ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ خَالَفَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَدَانَ بِغَيْرِ دِينِ اللَّهِ وَاسْتَبَدَّ بِأَمْرِهِ دُونَ أَمْرِ وَلِيِّ اللَّهِ فِي نَارٍ تَلْتَهِبُ تَأْكُلُ أَبْدَاناً قَدْ غَابَتْ عَنْهَا أَرْوَاحُهَا غَلَبَتْ عَلَيْهَا شِقْوَتُهَا فَهُمْ مَوْتَى لَا يَجِدُونَ حَرَّ النَّارِ- فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ-
وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَا تَخْرُجُونَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ إِلَى غَيْرِ قُدْرَتِهِ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فَانْتَفِعُوا بِالْعِظَةِ وَتَأَدَّبُوا بِآدَابِ الصَّالِحِينَ