عمار بن ياسر
الطيب بن الطيب أبن الإسلام البارهو : عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم من بني ثعلبة بن مازن بن عامر وأمه سمية بنت مناطح كانت أمه لأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي ثم زوجها ياسر فولدت له عمار وهو كناشي مذحجي قيسي قحطاني أبو اليقظان صحابي من الولاة الشجعان ذوي الرأي وهو أحد السابقين الى الإسلام والجهر به اسلم وأبواه وكانوا ممن يعذبون في الله وهم صابرون وكان النبي صلى الله عليه واله يمر عليهم فيقول (ص): صبراً آل ياسر موعدكم الجنة هاجر الى الحبشة ثم هاجر الى المدينة وشهد بدراً والمشاهد كلها وابلا في بدر بلاءاً حسناً ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضا وكان يصيح :
ــ يا معاشر المسلمين أمن الجنة تفرون أنا عمار بن ياسر هلموا إلي ، وهو يقاتل أشد القتال.
ولاه عمر بن الخطاب على الكوفة فاقام زمناً ثم عزله عنها شهد الجمل وصفين مع أمير المؤمنين عليه السلام وقتل في صفين وعمره ثلاث وستون سنة ، كان النبي صلى الله عليه واله يلقبه الطيب بن الطيب ، وفي الحديث : ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما وهو أول من بنى مسجد في الإسلام بناه في المدينة وسماه قباء نسبة الى قباء وهم بنو عون بن مالك من ألأوس من الأزد له اثنان وستون حديثا في الصحيحين مسلم والبخاري أقطعه عثمان بن عفان منطقة في الكوفة وأسترجعها منه أمير المؤمنين عليه السلام بعد خلافته توفي سنة 37 هجرية.
والداه:
والده ياسر المعروف بأبي عمار من السابقين الى الإسلام أنتقل الى مكة وحالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي القرشي وزوجه حذيفة بأمه له أسمها سمية فولدت له أبنه عمارا على الرق فأعتقه ياسر وفي أيامه بدأت الدعوة الى الإسلام سراً فآمن هو وزوجته وأبنه ثم أظهروا إسلامهم بمكة وعذبهم مشركوا قريش وقتل أبو جهل سمية وهي أول شهيدة في الإسلام ومات ياسر في العذاب وقد هاجر ياسر من اليمن الى مكة مع أخوين لم يعرف اسمهما.
مزايا عمار بن ياسر:
كثيرة هي مزايا عمار بن ياسر التي أتصف بها ونحن ذاكرون هنا بعض منها على وجه الاختصار : فهو أخ حذيفة بن اليمان في المؤاخاة التي آخى بها النبي صلى الله عليه واله في المدينة بين أصحابه تولى الكوفة لعمر بن الخطاب وعزله عن طريق دس عطارد التميمي وجعل بدلا منه أبو موسى الأشعري ومن أبرز ثلاثة في الولاء لأمير المؤمنينعليه السلام هو وحبه العربي، وكان من الذين شيعوا أبو ذر الغفاري الى الربذة مع الإمام علي عليه السلام وأهل بيته بعد أن نهى عثمان الصحابة عن تشييعه وكان عمار من القادة الذين اشتركوا في فتح تستر وهو من الرهط الذين بايعوا الإمام علي عليه السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه واله يطلبون منه أن يرشح نفسه للخلافة ويوعدون النصر كما ذكر الإمام عليعليه السلام في كتاب له وجهه الى أصحابه بعد حرب النهر وان وكان عمار خلف ناقة النبي صلى الله عليه واله في العقبة حين أراد المنافقون أن ينفروها ومن نسب عمار النائب الأول للإمام الحجة عجل الله فرجه وشيعة الجواد والعسكري والهادي عليه السلام وهو عثمان بن سعيد العمري .
أحاديث في فضل عمار:
روي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال :
حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وابصركم بالحلال والحرام وعمار بن ياسر من السابقين والمقداد بن الأسود من المجتهدين ولكل شيء فارس وفارس القرآن عبد الله بن عباس
وللرسول الكريم صلى الله عليه واله في فضل عمار عدة أحاديث لثباته على الدين الحنيف والمبدأ والعقيدة ومنها قوله صلى الله عليه واله :
ــ أبشر أبا اليقظان فأنك أخو علي في ديانته ومن أفاضل أهل ولايته ومن المقتولين في محبته تقتلك الفئة الباغية وآخر شرابك من الدنيا ضياح لبن .
وقوله صلى الله عليه واله :
نه ملأ أيمانا حتى أخمص قدميه وأن من عاداه عادى الله ومن أبغضه أبغض الله وإن الجنة مشتاقة إليه .
وقوله صلى الله عليه واله :
إن عماراً ملأ إيمانا من قرنه الى قدمه وأختلط الأيمان بلحمه ودمه .
النبي صلى الله عليه واله يوصي عمار:
عن إبراهيم بن علقمة والأسود عن أبي أيوب الأنصاري قال أبو أيوب:
فأني أقسم لكم بالله عز وجل لقد كان رسول الله صلى الله عليه واله معي في هذا البيت الذي أنتم فيه وما في البيت غير رسول الله صلى الله عليه واله وعلي جالس عن يمينه وأنا جالس عن يساره وأنس بن مالك قائم بين يديه إذ حرك الباب فقال الرسول صلى الله عليه واله : -أفتح لعمار الطيب.
فدخل عمار وسلم على رسول الله صلى الله عليه واله ورحب به ثم قال :
- يا عمار أنه سوف يكون بعدي في أمتي هناه حتى يختلف السيف فيما بينهم وحتى يقتل بعضهم بعضا وحتى يتبرأ بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني فإذا سلك الناس كلهم واديا فأسلك وادي علي بن أبي طالب وخل الناس يا عمار أن عليا لا يردك عن هدى ولا يدلك على ردى.
وروى أبو الحسن المدائيني قال : تكلم عمار بن ياسر يوما فأوجز فقيل له
- لو زدتنا .
فقال :أمرنا رسول الله صلى الله عليه واله بإطالة الصلاة وقصر الخطب
عمار في القرآن:
لما كان لآل ياسر اليد الطولى في الجهاد الإسلامي حتى توجت أم عمار سمية أول شهيدة في الإسلام لذا اعتنى بهم القرآن وأكرمهم غاية في التكريم وقد عذب المشركون عمار اً وأبويه -كما مر علينا – وقتلا وتخلص هو من القتل بعد أن أعطاهم ما يرومون من لسانه ما لا يقبله قلبه آلا وهو شتم النبي صلى الله عليه واله والدعاء لصنمهم هبل فجاء عمار الى النبي صلى الله عليه واله مسرعا يبكي فقال له النبي صلى الله عليه واله :
ما ورائك ؟
قال عمار: شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول الله يمسح على عينيه ويقول له :
- إن عادوا لك فعد لهم .
ثم نزلت هذه الآية الكريمة فيه (( إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالأيمان )) قال الطبرسي في البيان أنزلت هذه الآية وهي الآية 1.6 من سورة النحل في جماعة أكرهوا وهم عمار و ياسر أبوه وأمه سمية وصهيب وبلال وخباب عذبوا وقتل أبو عمار وأمه
عمار يروي حديث لقب أبو تراب :
روي عن عمار بن ياسر أنه قال :
كنت أنا وعلي بن أبي طالب عليه السلام رفيقين في غزوة العشيرة فقال لي علي عليه السلام هل لك يا أبا اليقظان في هذا النفر من بني مدحج يعملون في عين لهم مننظر كيف يعملون ؟
فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النوم فقدمنا الى صور من النخل في رقعاء من الأرض فنمنا فيه فو الله ما هبنا الا رسول الله صلى الله عليه واله بقدمه فجلسنا وقد تتربنا من تلك الرقعاء فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي :
""يا أبا تراب"" لما عليه من التراب آلا أخبركم بأشقى الناس؟
قال عليه السلام : بلى يا رسول الله
قال صلى الله عليه واله أحمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه ووضع رسول الله صلى الله عليه واله يده على رأسه حتى تبتل منها هذه- ووضع يده على لحيته .
عمار المقدم عند عمر بن الخطاب:
كان عمار مقدم عند الخلفاء لما كان رسول الله صلى الله عليه واله يوصي به ويعتنى به عناية خاصة لاستشهاد والديه في سبيل الإسلام لذلك كان يسمى أبن الإسلام البار وكان عمر كذلك يوليه عناية لذلك أرسله الى الكوفة في نفر من الأنصار واليا عليها لكنه في نهاية الأمر عزله وجعل أبو موسى الأشعري بدلا عنه وكان يدخل مجلس الخلافة بلا أذن .
ففي أحد الأيام في باب عمر بن الخطاب سهيل بن عمر الأعلم وعيينه بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس وفلان وفلان فخرج الآذن فقال :
أين صهيب أين سلمان أين عمار ؟
فامتعرت وجوه القوم فقال سهيل بن عمرو :
لمَ تمتعر وجوهكم ؟ دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر.
لا يستوي من يعمر المساجدا :
روي أن عثمان بن عفان مر بعمار بن ياسر يوم بناء المسجد النبوي وقد أرتفع الغبار من الحفر فوضع عثمان كمه على أنفه عن الغبار وهو يمشي فأنشأ عمار يقول
لا يستوي من يعمر المساجدا |
|
يضل فيها راكعا وساجدا |
كمن يمر بالغبار حائدا |
|
يعرض عنها جاحدا معاندا |
فألتفت إليه عثمان قائلاً :
يا بن السوداء إياي تعني ؟
ثم ذهب الى رسول الله صلى الله عليه واله وقال: لم ندخل عليك لتسب أعراضنا
فقال له الرسول صلى الله عليه واله : قد أقلتك إسلامك
فأنزل الله عز وجل قوله : (( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم )) .
فبعد هذا الحادث أصبح عمار من أشد الناس على عثمان .
معاوية يهدد عمار :
قدم معاوية الى عثمان وكان يتحدث الى أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله في شأنه وكان من بينهم علي بن أبي طالب عليه السلام وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعمار بن ياسر فتكلم معهم في شأن عثمان ثم قال لعمار :
يا عمار أن في الشام مائة آلف فارس كل يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم وعبيدهم لا يعرفون عليا ولا قرابته ولا عمار ولا سابقته ولا الزبير ولا صحبته ولا طلحة ولا هجرته ولا يهابون أبن عوف ولا ماله ولا يتقون سعدا ولا دعوته فأياك يا عمار أن تقعد غداً في فتنة تنجلي فيقال : هذا قاتل عثمان وهذا قاتل علي (الإمامة والسياسة \ج1).
عمار والحجر الذهب:
لما كان عمار من خواص أمير المؤمنين عليه السلام لذا كان يريه من دلائل إمامته ما لا يريه لغيره ويحدثه بما لا يحدث به أحد سواه قال عمار :
ــ أتيت مولاي أمير المؤمنين عليه السلام فرأى في وجهه كآبة فقال:
ــ ما بك؟
ــ قلت : دين أتى به مطالب به
- فأشار الى حجر ملقى وقال : خذ هذا فاقض منه دينك
- فقال عمار: أنه لحجر
- فقال له : أدع الله أن يحوله ذهبا
- فقال عمار: فدعوت الله باسمه فصار الحجر ذهبا فقال لي :
- خذ منه حاجتك
- فقلت: وكيف يلين
- فقال: يا ضعيف اليقين أدع الله بي حتى يلين فأن بأسمي آلان الله الحديد لداود عليه السلام
- قال عمار: فدعوت الله باسمه فلان فأخذت منه حاجتي
- ثم قالعليه السلام : ادع الله باسمي حتى يصير باقيه حجرا كما كان
عثمان يضرب عمار:
أستنكر أصحاب رسول الله الكثير من تصرفات عثمان كتولي بني أمية على رقاب الناس وحمى مراعي المدينة وتبذيره الأموال وما هو أكثر من ذلك مما هو مسطور في كتب التاريخ فاجتمع ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله فكتبوا كتابا ذكروا فيه كل ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله صلى الله عليه واله وسيرة أبي بكر وعمر ثم تعاهد القوم ليرفعن الكتاب في يد عثمان وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة فلما خرجوا بالكتاب يرفعونه الى عثمان والكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده فمضى حتى أتى دار عثمان فأستأذن عليه فأذن له له في يوم شاتٍ فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له :
-أنت كتبت هذا الكتاب ؟
-قال : نعم .
قال : ومن كان معك؟
قال: كان معي نفر تفرقوا فرقا منك
قال: من هم
قال: لا أخبرك بهم
قال: فلم اجترأت علي من بينهم
فقال مروان: يا أمير المؤمنين إن هذا العبد الأسود قد جرأ عليك الناس وإنك إن قتلته نكلت يد من وراءه
قال عثمان: اضربوه
فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه فجروه حتى طرحوه على باب الدار فأمرت به أم سلمة عليه السلام زوج النبي صلى الله عليه واله فأدخل منزلها ونهض فيه بنو المغيرة وكان حليفهم فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال:
أما والله لئن مات عمار من ضربه هذا لأقتلن به رجلا عظيما من بني أمية.
فقال عثمان: لست هناك (الإمامة والسياسة \ج1) .
عمار ينصح المغيرة:
لما بويع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بعد مقتل عثمان دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال له الإمام علي عليه السلام :
هل لك يا مغيرة في الله .
قال : فأين هو يا أمير المؤمنين ؟
قال: تأخذ سيفك فتدخل معنا في هذا الأمر فتدرك من سيفك وسيف من معك فأني أرى أمورا لابد للسيوف أن تتخذ لها وتقطف الرؤوس بها.
أني والله يا أمير المؤمنين ما رأيت عثمان مصيبا ولا فشله صوابا وأنها لظلمة تتلوها ظلمات فأريد يا أمير المؤمنين-إن أذنت لي- أن أضع سيفي وأنام في بيتي حتى تنجلي الظلمة ويطلع قمرها فنرى مبصرين نقتفي آثار المهتدين ونتقي سبيل المارقين
قال علي عليه السلام : قد أذنت لك فكن من أمرك ما بدا لك .
فقام عمار فقال : معاذ الله يا مغيرة تقعد أعمى بعد أن كنت بصيرا بغلبك من غلبته وسبقك من سبقته انظر ما ترى وما تفعل أما أنا فلا أكون إلا في الرعيل الأول
فقال له المغيرة يا أبا اليقظان إياك أن تكون كقاطع السليلة فر من الضحل فوقع في الرمضاء .
فقال علي عليه السلام لعمار: دعه فأنه لن يأخذ من الآخرة إلا ما خالطته من الدنيا إما والله يا مغيرة أنها المثوبة المؤدية تؤدي من قام فيها الى الجنة ولما اختار بعدها فإذا غشيناك فنم في بيتك .
قال المغيرة: أنت والله يا أمير المؤمنين اعلم مني ولئن لم أقاتل معك لا أعين عليك فأن يكن ما فعلت صوابا فإياه أردت وأن خطأ فمت نجوت ولي ذنوب كثيرة لا قبل لي بها إلا الاستغفار منها (الإمامة والسياسة \ج1) .
رأي عمار في أبو موسى الأشعري :
ذكرنا إن أبا موسى الأشعري كان بديلا لعمار على ولاية الكوفة من قبل عمر بن الخطاب وكان أبو موسى الأشعري رجلا مذبذبا ضعيف الرأي وكان لعمار فيه رأي مصيب إذ أنه لما قدم يزيد بن عاصم المحاربي ببيعة علي عليه السلام الى الكوفة فبايع أبو موسى قال عمار للإمام علي عليه السلام :
والله لينقضن عهده وليحلن عقده وليغيرن مهده وليسلمن جنده (البيان والتبيين \ الجاحظ)
وحدث الذي تنبأ به عمار فقد سلم جند أمير المؤمنين عليه السلام لعمر بن العاص في التحكيم ونقض عهده بعزله الخلافة عن أمير المؤمنين عليه السلام .
عمار وافد أمير المؤمنين عليه السلام الى الكوفة :
أوفد الإمام علي عليه السلام عمار بن ياسر وأبنه الحسن الى الكوفة لأستنفار الناس الى حرب الجمل فخرج واليها أبو موسى الأشعري فلقي الحسن .ع) فظمه إليه وأقبل على عمار فقال :
يا أبا اليقظان اعدوت فيمن عدى على أمير المؤمنين(يعني عثمان بن عفان) فأحللت نفسك مع الفجار .
فقال : لم أفعل ولم تسوؤني (تاريخ اليعقوبي \ج1).
ثم أن الحسن بن علي عليه السلام وعمار لما دخلا الكوفة أجتمع لهما الناس فقام الحسن عليه السلام وخطب يدعوا الناس الى النفير وقام بعده عمار فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال :
أيها الناس أخو نبيكم وأبن عمه ينفركم لنصرة دين الله وقد بلاكم الله بحق دينكم وحرمة إمامكم فحق دينكم أوجب وحرمته أعظم أيها الناس عليكم بإمام لا يؤدب وفقيه لا يعلم وصاحب بأس لا ينكل وذي سابقة في الإسلام ليست لأحد وأنكم لو حضرتموه بين لكم أمركم إن شاء الله .
فلما سمع أبو موسى خطبة الحسن عليه السلام وعمار صعد المنبر وخطب يثبط الناس زاعما أنها فتنة النائم فيها خير من القاعد .
فقام عمار بن ياسر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس ان أبا موسى ينهاكم عن الشخوص الى هاتين الجماعتين ولعمري ما صدق فيما قال ومارضي الله من عباده فيما ذكر قال عز وجل : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ).
وقال (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )) فلم يرض من عباده بما ذكر أبو موسى من أن يجلسوا في بيوتهم ويخلوا بين الناس فيسفك بعضهم دماء بعض فسيروا معنا الى هاتين الجماعتين واسمعوا من حججهم انظروا من أولى بالنصرة فأتبعوه فإن أصلح الله أمرهم رجعتم مأجورين وقد قضيتم حق الله وأن بغى بعضهم على بعض نظرتم الى الفئة الباغية فقاتلوها حتى تفيء الى أمر الله كما أمركم الله وافترض عليكم .
ثم بعد ذلك أنصرف الجميع من عند أبي موسى الى أمير المؤمنين عليه السلام وأخبروه بما قال أبو موسى وفعل فبعث عليه السلام إليه الحسن بن علي عليه السلام وعبد الله بن عباس وعمار بن ياسر وقيس بن سعد وكتب معهم كتاب الى أهل الكوفة : أما بعد أني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سامعه كمن عاينه إن الناس طعنوا على عثمان فكنت رجلا من المهاجرين اُقل عيبه وأُكثر إستعتابه وكان هذان الرجلان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف وكان من عائشة فيه قول على غضب فإنتخى له قوم فقتلوه وبايعني الناس غير مكرهين وهما أول من بايعني على ما بويع عليه من كان قبلي ثم استأذنا الى العمرة فأذنت لهما فنقضا العهد ونصبا الحرب وأخرجا أم المؤمنين من بيتها ليتخذاها فتنه وقد سارا الى البصرة اختيارا لأهلها ولعمري ما إياي تجيبون ما تجيبون إلا الله وقد بعثت أبني الحسن وأبن عمي عبد الله بن عباس وعمار بن ياسر وقيس بن سعد فكونوا عند حسن ظني بكم والله المستعان .
فسار الحسن ومن معه حتى قدموا الكوفة على أبي موسى فدعاه الى نصرة علي عليه السلام فبايعهم وخطب في الناس وقرأ عليهم كتاب علي وخطب شريح بن هاني ثم خطب الحسن عليه السلام ثم قام عمار بن ياسر فقال :
يا أهل الكوفة ان كان غاب عنكم أنبائنا فقد انتهت إليكم أمورنا عن قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله الى الناس ولا ينكرون ذلك وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجهم فيه أحيا الله من أحيا وأمات من أمات وإن طلحة والزبير كانا أول من طعن وآخر من أمر وكانا أول من بايع عليا فلما أخطئهما ما أملاه نكثا بيعتهما من غير حدث وهذا أبن بنت رسول الله الحسن قد عرفتموه وقد جاء ينفركم وقد أظلكم علي عليه السلام في المهاجرين والبدريون والأنصار الذين تبؤ الدار والأيمان فانصروا الله ينصركم
عائشة تدعو على عمار :
ومن الغريب أن الرسول صلى الله عليه واله حينما يوصي عمار ويوصي الناس به كانت زوجته أم المؤمنين تدعو عليه فقد قالت لرسولي عامل علي عليه السلام على البصرة عثمان بن حنيف وهما أبو الأسود الدؤلي وعمران بن حصين في حديث طويل قد ذكرنا أغلبه في ترجمة أبو الأسود الدؤلي وهنا نختصر منه ما يناسب المقام فراجع تمامه هناك .
قالت عائشة : وهل أحد يقاتلني أو يقول غير هذا .
قلنا : نعم
قالت: ومن يفعل ذلك الزنيم بني عامر (تعني عمار بن ياسر )
ثم قالت : هل أنت مبلغ عني يا عمران
قال : لا لست مبلغا عنك خيراً ولا شراً
فقلت : لكني مبلغ عنك فهاتي ما شئت
فقالت : الله أقتل مزعماً قصصا بعثمان (تعني محمد بن أبي بكر) وأرم الأشتر بسهم من سهامك لا يشوي وأدرك عمارا بحفرته في عثمان (البيان والتبيين ).
عمار في الجمل على خيل الأمير :
وكان عمار على جمع الخيل يوم الجمل وعندما أشتد القتال وقتل أصحاب الجمل جماعة من أصحاب الإمام علي عليه السلام قال لهم عمار ووقف فيهم خطيبا بين الصفين قائلا :
أيها الناس ما أنصفتم نبيكم حينما أبرزتم عقيلته للسيوف .
ثم دنى عمار من موضعها وهي على الجمل في هودجها فناداها
- الى ماذا تدعيني ؟
قالت : الى الطلب بدم عثمان
فقال : فشل الله في هذا اليوم الباغي والطالب بغير الحق ، ثم أنشأ عمار قائلا :
فمنك البكاء ومنك العويل |
|
ومنك الرماح ومنك ابطر |
وأنت أمرت بقتل الإمام |
|
وقلت لنا أنه قد فجر |
فهبنا أطعناك في قتله |
|
وقاتله عندنا من أمر |
وأخذ أصحاب الجمل يرشقونه بالنبال حتى زال عن موضعه فقال عمار لأمير المؤمنين عليه السلام
- ماذا تنتظر يا أمير المؤمنين وليس لك عند القوم إلا الحرب .
عمار وأهل البيت عليه السلام :
عن عمار بن ياسر قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه واله في بعض غزواته وقد قتل علي عليه السلام أصحاب الألوية وفرق جمعهم وقتل عمر بن عبد الله الجمحي وقتل شبه بن نافع أتيت الى رسول الله صلى الله عليه واله فقلت :
يا رسول الله إن عليا قد جاهد في الله حق جهاده .
فقالصلى الله عليه واله : لأنه مني وأنا منه وهو وارث علمي وقاضي ديني ومنجز وعدي والخليفة بعدي ولولاه لم يعرف المؤمن المحض بعدي حربه حربي وحربي حرب الله وسلمه سلمي وسلمي سلم الله ألا انه أبو سبطي والأئمة بعد من صلبه يخرج الله الأئمة الراشدين ومنهم مهدي هذه الأمة .
قال عمار : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا المهدي ؟
قال : يا عمار إن الله تبارك وتعالى عهد إلي أن يخرج من صلب الحسين أئمة تسعة والتاسع من ولده يغيب عنهم وذلك قوله عز وجل ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ) تكون له غيبة طويلة يرجع فيها قوم ويثبت آخرون فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطا وعدلا ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل وهو سمي وأشبه الناس بي ، يا عمار ستكون بعدي فتن فإذا كانت فأتبع عليا وحزبه فأنه مع الحق والحق معه ، يا عمار وأنك ستقاتل مع علي صنفين الناكثين والقسطين ثم تقتلك الفئة الباغية .
قلت : يا رسول الله أليس ذلك على رضا الله ورضاك
قال : نعم
عمار يحرض الإمام علي عليه السلام على السير الى الشام :
بعد أن أنهزم أصحاب الجمل قام عمار بن ياسر الى الإمام علي عليه السلام وقال:
يا أمير المؤمنين إنما نبايعك ولا نرى أحدا يقاتلك فقاتلك من بايعك وأعطاك الله منهم ماوعد في قوله عز وجل ( ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ ) وقوله ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) وقوله ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ) وقد كانت الكوفة لنا والبصرة علينا فأصبحنا على ما نحب بين ماض مأجور وراجع معذور وغن بالشام الداء العضال رجلا لا يسلمها أبدا الا مقتولا أو مغلوبا فعاجله قبل أن يعاجلك وانبذ أليه قبل الحرب
فلما أراد الإمام علي عليه السلام السير الى الشام دعا من كان معه من المهاجرين والأنصار فجمعهم ثم حمد الله وأثنى عليه وقال:
أما بعد فإنكم ميامين الرأي مراجيح الحلم داركوا الأمر مقاويل بالحق وقد عزمنا المسير الى عدونا وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم .
فقام عمار بن ياسر فحمد الله وأثنى عليه وقال :
يا أمير المؤمنين إن استطعت أن لاتقيم يوما واحدا فافعل أشخص بنا قبل استعار نار الفجرة واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة وأدعهم الى حضهم ورشدهم فأن قبلوا سعدوا وأن أبو إلا حربنا فو الله عن سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وكرامة منه
عمار يخطب في صفين :
ولما أستعرت الحرب وأشتد القتال قام عمار بن ياسر في يوم من أيام صفين خطيبا فقال :
انهضوا معي عباد الله الى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم ظالم إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالإحسان فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت دنياهم ولو درس هذا الدين: لمَ قتلتموه ؟ فقلنا لأحداثه
فقالوا: إنه لم يحدث شيئا ، وذلك لأنه مكنهم من الدنيا فإنهم يأكلون منها ويرعونها ولا يبالون لو أنهدمت منها الجبال والله ما اظنهم يطلبون بدم ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحلوها واستمرؤها وأعلموا إن صاحب الحق لو دلهم كان بينهم وبين ما يأكلون ويرعون منها ، إن القوم لم يكن لهم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية فخدعوا أتباعهم بأن قالوا : قتل إمامنا مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولاها ما تبعهم من الناس رجل اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت وإن تجعل لهم المر فأدخل لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم.
عمار والتحكيم :
ولما أختلف أصحاب الإمام علي عليه السلام في موضوع التحكيم واظهر أمير المؤمنين عليه السلام أنه قبل التحكيم قام عمار بن ياسر فقال :
يا أمير المؤمنين والله لقد أخرجها إليك معاوية بيضاء من أقر بها هلك ومن أنكرها ملك مالك يا أبا الحسن شككتنا في ديننا ورددتنا على أعقابنا بعد مائة آلف قتلوا مناو منهم أفلا كان هذا قبل السيف وقبل طلحة والزبير وعائشة قد دعوك الى ذلك فأبينا وزعمت أنك أولى بالحق وأن من خالفنا من ضال حلال الدم وقد حكم الله تعالى في هذه الحال ما قد سمعت فإن كان القوم كفارا مشركين فليس لنا أن نرفع السيف عنهم حتى يفيئوا الى أمر الله وإن كانوا أهل فتنة فليس لنا أن نرفع السيف عنهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله والله ما أسلموا ولا أدوا الجزية ولا فاؤا الى أمر الله ولا أطفأت الفتنة .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : والله أني لهذا الأمر لكاره
وأزداد الجدال وكثر اللهج وأستمر القتال.
أمير المؤمنينعليه السلام يضن بعمار على الموت :
وكان أمير المؤمنين عليه السلام ضنين على عمار كثيرا فقد روي أنه في أحد الأيام خرج عمار بن ياسر الى أمير المؤمنين عليه السلام وقال له :
يا أخا رسول الله أتأذن لي بالقتال ؟
قال عليه السلام : مهلا رحمك الله
فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه عليه السلام بمثله فأعاد ثالثا عندئذٍ بكى أمير المؤمنين فنظر إليه عمار وقال : يا أمير المؤمنين إنه اليوم الذي وصفه لي رسول الله صلى الله عليه واله .
فنزل أمير المؤمنين عليه السلام عن بغلته وعانق عماراً وودعه ثم قال :
يا أبا يقظان جزاك الله عن الله وعن نبيه خيراً فنعم الأخ كنت ونعم الصاحب كنت .
ثم بكى عليه السلام وبكى عمار وبرز للقتال .
عمار يلقى الأحبة محمدا وحزبه :
لما رد أمير المؤمنين على عمار أنه كاره للتحكيم وأنه ليس من رأيه نادى عمار :
أيها الناس هل من رائح الى الجنة؟
فخرج إليه خمسمائة رجل منهم أبو الهيثم النهبان وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فاستسقى عمار الماء فأتاه غلام له بأداة فيها لبن فلما رآه كبر وقال :
- سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: آخر زادك من الدنيا اللبن ثم أنشد :
اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه
وأنه لو ضربونا حتى بلغوا سعفات هجر لعلمت إننا على الحق وانهم على الباطل.
ثم حمل عمار وأصحابه فتوسط عمار القوم واشتبكت عليه الأسنة فقتله أبو العادية العاملي وأبو حواء السكسكي واختلفا في سلبه وأقبلا برأسه الى معاوية يتنازعان فيه كل يقول أنا قتلته فقال لهما عمر بن العاص :
والله إن تتنازعان إلا في النار سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول (( تقتل عمار الفئة الباغية ))
فقال معاوية : قبحك الله من شيخ فما تزال تتزلق في قولك أو نحن قتلناه إنما قتله الذي جاءوا به ألتفت الى أهل الشام وقال :
إنما نحن الفئة الباغية التي تبغي دم عثمان .
ولما سمع الإمام علي عليه السلام بمقالته هذه إنما قتله من أتى به قال :
أفقتل رسول الله حمزة ؟
وكان قتله على الماء وكان عمره ثلاثة وتسعون سنة وكان قاتله أبو العادية طعنه برمح فسقط الى الأرض وأحتز رأسه أبن السكسكي
قال تلميذه حسن العربي : شهدته يوم قتل يقول:
أأتوني بآخر رزق لي من الدنيا
فآتي له بضياح من لبن في قدح بحلقة حمراء
أمير المؤمنين يؤبن عمار :
ولما قتل عمار أختلط الناس حتى ترك أهل الرايات راياتهم وكان اليوم الذي قتل فيه أشد ايام صفين وهو اليوم الذي فيه البلاء ولم يكن في الإسلام بلاء ولا قتل أعظم منه وأقحم أهل الشام من أخر النهار وتفرق الناس عن علي عليه السلام فقال عدي بن حاتم:
والله يا أمير المؤمنين ما أبقت هذه الوقيعة لنا ولا لهم عميدا فقاتل حتى يفتح الله تعالى لك فإن فينا بقية.
فقال علي عليه السلام : يا عدي قتل عمار بن ياسر ؟
قال : نعم
فبكى عليه السلام وقال : رحمك الله يا عمار ، استوجب الحياة والرزق الكريم كم تريدون أن يعيش عمار وقد نيف على التسعين .
ولما كان من الليل طاف أمير المؤمنين عليه السلام في القتلى فوجد عماراً ملقى وجعل رأسه على فخذه ثم بكى وأنشأ
أيا موت كم هذا التفرق عنوة |
|
فلست تبقي لي خليل خليل |
ألا أيها الموت الذي ليس تاركي |
|
أرحني فقد أفنيت كل خليل |
أراك بصيرا بالذين أحبهم |
|
كأنك تمضي نحوهم بدليل |
وأحتمله أمير المؤمنين عليه السلام الى خيمته وجعل يمسح الدم عن وجهه وهو يقول :
وماضييه تسبي القلوب بطرفها |
|
إذا التقت قلنا بأجفانها سحرا |
يا حسن من كلل السيف وجهه |
|
وما مال عن سبيل الله حتى قضى صبرا |
وصلى عليه أمير المؤمنين عليه السلام عند وفاته ودفنه في المعركة في الرفثة .
كان عمارا من السابقين إلى الإيمان والهجرة ، ومن الثابتين الراسخين في العقيدة ؛ فقد تحمل تعذيب المشركين مع أبويه منذ الأيام الأولى لبزوغ شمس الإسلام ، ولم يداخله ريب في طريق الحق لحظة واحدة . شهد له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأنه يزول مع الحق ، وأنه الطيب المطيب وأنه ملئ إيمانا . وأكد أن النار لا تمسه أبدا . وهو ممن حرس - بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - خلافة الحق و حق الخلافة ، ولم ينكب عن الصراط المستقيم قط ، وصلى مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على جنازة السيدة المطهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وظل ملازما للإمام صلوات الله عليه . ولي الكوفة مدة في عهد عمر . وكان قائدا للجيوش في فتح بعض الأقاليم . ولما حكم عثمان كان من المعارضين له بجد . وانتقد سيرته مرارا ، حتى هم بنفيه إلى الربذة لولا تدخل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، إذ حال دون تحقيق هدفه . ضرب بأمر عثمان لصراحته ، وفعل به ذلك أيضا عثمان نفسه ، وظل يعاني من آثار ذلك الضرب إلى آخر عمره . وكان لاشتراكه الفعال في حرب الجمل ، وتصديه لقيادة الخيالة في جيش الإمام ( عليه السلام ) مظهر عظيم . كما تولى في صفين قيادة رجالة الكوفة والقراء . تحدث مع عمرو بن العاص وأمثاله من مناوئي الإمام ( عليه السلام ) في غير موطن ، وكشف الحق بمنطقه البليغ واستدلالاته الرصينة . وفي صفين استشهد هذا الصحابي الجليل والنموذج المتألق ، فتحققت بذلك النبوءة العظيمة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؛ إذ كان قد خاطبه قائلا : تقتلك الفئة الباغية . وكان له من العمر إبان استشهاده ثلاث وتسعون سنة نقل الخبر الغيبي الذي أدلى به النبي ( صلى الله عليه وآله ) حول قتل الفئة الباغية عمار بن ياسر بألفاظ متشابهة ، وطرق متعددة . وكان الناس ينظرون إلى عمار بوصفه المقياس في تمييز الحق والباطل . وأثر هذا الحديث بصيغة : تقتلك الفئة الباغية ، وبصيغة : تقتل عمارا الفئة الباغية ، وبصيغة : تقتله الفئة الباغية على لسان سبعة وعشرين من الصحابة ، وهم : أبو سعيد الخدري ، وعمرو بن العاص ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، ومعاوية ، وأبو هريرة ، وأبو رافع ، وخزيمة بن ثابت ، وأبو اليسر ، وعمار ، وأم سلمة ، وقتادة بن النعمان ، وأبو قتادة ، وعثمان بن عفان ، وجابر بن سمرة ، وكعب بن مالك ، وأنس بن مالك ، وجابر بن عبد الله ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وابن عباس ، وأبو أيوب ، وعبد الله بن أبي هذيل ، وعبد الله بن عمر ، وأبو سعد ، وأبو أمامة ، وزياد بن الفرد ، وعائشة . وصرح البعض بتواتره كابن عبد البر ، والذهبي ، والسيوطي . وأثار هذا الحديث مشكلة لمعاوية بعد استشهاد عمار ، فحاول توجيهه بقوله : ما نحن قتلناه وإنما قتله من جاء به ! فقال الإمام ( عليه السلام ) في جوابه : فرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذن قاتل حمزة ! ولا يمكن لهذه الصفحات القليلة أن تفي بحق تلك الشخصية العظيمة قط . وأترككم مع هذه النصوص من الروايات والتاريخ ، التي بينت لنا غيضا من فيض فيما يرتبط بهذه القمة الرفيعة شرفا ، واستقامة ، وحرية
* رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة : علي وعمار وسلمان .
* الإمام علي ( عليه السلام ) - لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - : يا رسول الله ، إنك قلت : إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة فمن هؤلاء الثلاثة ؟ قال : أنت منهم وأنت أولهم ، وسلمان الفارسي ؛ فإنه قليل الكبر ، وهو لك ناصح ؛ فاتخذه لنفسك ، وعمار بن ياسر شهد معك مشاهد غير واحدة ، ليس منها إلا وهو فيها كثير خيره ، ضوي نوره ، عظيم أجره
* عنه ( عليه السلام ) : جاء عمار يستأذن على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ائذنوا له ، مرحبا بالطيب المطيب
* رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه
* عنه ( صلى الله عليه وآله ) : ابن سمية ما عرض عليه أمران قط إلا أخذ بالأرشد منهما .
* عنه ( صلى الله عليه وآله ) : عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه ، وخلط الإيمان بلحمه ودمه ، يزول مع الحق حيث زال ، وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا
* الإمام علي ( عليه السلام ) - في وصف عمار - : ذلك امرؤ خالط الله الإيمان بلحمه ودمه وشعره وبشره ، حيث زال زال معه ، ولا ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا .
* رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : دم عمار ولحمه حرام على النار أن تأكله أو تمسه .
* الإمام علي ( عليه السلام ) - في وصف عمار بن ياسر - : . . . ذاك امرؤ حرم الله لحمه ودمه على النار أن تمس شيئا منهما
* رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم إنك أولعتهم بعمار يدعوهم إلى الجنة ، ويدعونه إلى النار .
* عنه ( صلى الله عليه وآله ) : ما لهم ولعمار ؟ يدعوهم إلى الجنة ، ويدعونه إلى النار ، وذاك دأب الأشقياء الفجار
* عنه ( صلى الله عليه وآله ) : يا عمار بن ياسر ! إن رأيت عليا قد سلك واديا ، وسلك الناس واديا غيره ، فاسلك مع علي ؛ فإنه لن يدليك في ردى ، ولن يخرجك من هدى .
* عنه ( صلى الله عليه وآله ) : إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق
* المستدرك على الصحيحين عن حبة العرني : دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري على حذيفة بن اليمان أسأله عن الفتن ، فقال : دوروا مع كتاب الله حيثما دار ، وانظروا الفئة التي فيها ابن سمية فاتبعوها ؛ فإنه يدور مع كتاب الله حيثما دار . قال : فقلنا له : ومن ابن سمية ؟ قال : عمار ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول له : لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية ، تشرب شربة ضياح تكن آخر رزقك من الدنيا
* الإمام علي ( عليه السلام ) : إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار ، ويدخل عليه بقتله مصيبة موجعة ، لغير رشيد ، رحم الله عمارا يوم أسلم ، ورحم الله عمارا يوم قتل ، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا ! لقد رأيت عمارا ما يذكر من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أربعة إلا كان الرابع ، ولا خمسة إلا كان الخامس ، وما كان أحد من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) يشك في أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ، ولا اثنين ، فهنيئا له الجنة ! عمار مع الحق أين دار ، وقاتل عمار في النار .
* الأمالي للطوسي عن عمار : لو لم يبق أحد إلا خالف علي بن أبي طالب لما خالفته ، ولا زالت يدي مع يده ؛ وذلك لأن عليا لم يزل مع الحق منذ بعث الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ؛ فإني أشهد أنه لا ينبغي لأحد أن يفضل عليه أحدا
* أنساب الأشراف عن أبي مخنف : إن المقداد بن عمرو وعمار بن ياسر وطلحة والزبير في عدة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كتبوا كتابا عددوا فيه أحداث عثمان ، وخوفوه ربه ، وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع ، فأخذ عمار الكتاب وأتاه به ، فقرأ صدرا منه ، فقال له عثمان : أعلي تقدم من بينهم ؟ فقال عمار : لأني أنصحهم لك ، فقال : كذبت يا بن سمية ، فقال : أنا والله ابن سمية وابن ياسر . فأمر غلمانا له فمدوا بيديه ورجليه ، ثم ضربه عثمان برجليه وهي في الخفين على مذاكيره ، فأصابه الفتق ، وكان ضعيفا كبيرا ، فغشي عليه
* أنساب الأشرف عن أبي مخنف : كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي وجوهر ، فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله ، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه ، فخطب فقال : لنأخذن حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أنوف أقوام . فقال له علي : إذا تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه . وقال عمار بن ياسر : أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك ، فقال عثمان : أعلي يا بن المتكاء تجترئ ؟ خذوه ، فأخذ ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه ، ثم أخرج فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة زوج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلم يصل الظهر والعصر والمغرب ، فلما أفاق توضأ وصلى ، وقال : الحمد لله ، ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله . . . وبلغ عائشة ما صنع بعمار ، فغضبت وأخرجت شعرا من شعر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وثوبا من ثيابه ، ونعلا من نعاله ، ثم قالت : ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم ، وهذا شعره وثوبه ونعله ولم يبل بعد ! فغضب عثمان غضبا شديدا حتى ما درى ما يقول
* تاريخ اليعقوبي : لما بلغ عثمان وفاة أبي ذر ، قال : رحم الله أبا ذر ! قال عمار : نعم ! رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا ، فغلظ ذلك على عثمان . وبلغ عثمان عن عمار كلام ، فأراد أن يسيره أيضا ، فاجتمعت بنو مخزوم إلى علي بن أبي طالب ، وسألوه إعانتهم ، فقال علي : لا ندع عثمان ورأيه . فجلس عمار في بيته ، وبلغ عثمان ما تكلمت به بنو مخزوم ، فأمسك عنه
* الكامل في التاريخ : خرج عمار بن ياسر على الناس فقال : اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته . اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلته . وإني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ، ولو أعلم عملا هو أرضى لك منه لفعلته . والله إني لأرى قوما ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون ، وأيم الله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر ، لعلمت أنا على الحق وأنهم على الباطل . ثم قال : من يبتغي رضوان الله ربه ولا يرجع إلى مال ولا ولد ؟ فأتاه عصابة ، فقال : اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون دم عثمان ، والله ما أرادوا الطلب بدمه ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحبوها ، وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه منها ، ولم يكن لهم سابقة يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم ، فخدعوا أتباعهم وإن قالوا : إمامنا قتل مظلوما ، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا ، فبلغوا ما ترون ، فلولا هذه ما تبعهم من الناس رجلان . اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت ، وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم
* رجال الكشي عن حمران بن أعين عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : قلت : ما تقول في عمار ؟ قال : رحم الله عمارا ، ثلاثا ! قاتل مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله ، وقتل شهيدا . قلت في نفسي : ما تكون منزلة أعظم من هذه المنزلة ؟ فالتفت إلي ، فقال : لعلك تقول مثل الثلاثة ! هيهات ! قلت : وما علمه أنه يقتل في ذلك اليوم ؟ قال : إنه لما رأى الحرب لا تزداد إلا شدة ، والقتل لا يزداد إلا كثرة ، ترك الصف وجاء إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هو هو ؟ قال : ارجع إلى صفك ، فقال له ذلك ثلاث مرات ، كل ذلك يقول له : ارجع إلى صفك ، فلما أن كان في الثالثة قال له : نعم . فرجع إلى صفه وهو يقول : اليوم ألقى الأحبة ، محمدا وحزبه
* الإمام علي ( عليه السلام ) - في الديوان المنسوب إليه مما أنشده في شهادة عمار - :
ألا أيها الموت الذي ليس تاركي أرحني فقد أفنيت كل خليل
أراك مضرا بالذين أحبهم كأنك تنحو نحوهم بدليل
* رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بشر قاتل ابن سمية بالنار
* عنه ( صلى الله عليه وآله ) - في عمار - : إن قاتله وسالبه في النار
* عنه ( صلى الله عليه وآله ) : ويح عمار ! تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار
* المناقب لابن شهر آشوب : كثر أصحاب الحديث على شريك ، وطالبوه بأنه يحدثهم بقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : تقتلك الفئة الباغية فغضب وقال : أتدرون أن لا فخر لعلي أن يقتل معه عمار ، إنما الفخر لعمار أن يقتل مع علي ( عليه السلام )
* في الكامل في التاريخ : إن أبا الغارية قتل عمارا وعاش إلى زمن الحجاج ، ودخل عليه فأكرمه الحجاج وقال له : أنت قتلت ابن سمية - يعني عمارا - ؟ قال : نعم . . . ثم سأله أبو الغارية حاجته فلم يجبه إليها ، فقال : نوطئ لهم الدنيا ، ولا يعطونا منها ، ويزعم أني عظيم الباع يوم القيامة ! فقال الحجاج : أجل والله ، من كان ضرسه مثل أحد ، وفخذه مثل جبل ورقان ، ومجلسه مثل المدينة والربذة إنه لعظيم الباع يوم القيامة ، والله لو أن عمارا قتله أهل الأرض كلهم لدخلوا كلهم النار .