موعظته عليه السلام لسائر أصحابه وشيعته
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ الْغَافِلَ وَلَيْسَ مَغْفُولًا عَنْهُ إِنَّ أَجَلَكَ أَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَيْكَ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ حَثِيثاً يَطْلُبُكَ وَيُوشِكُ أَنْ يُدْرِكَكَ فَكَأَنْ قَدْ أَوْفَيْتَ أَجَلَكَ وَقَدْ قَبَضَ الْمَلَكُ رُوحَكَ وَصُيِّرْتَ إِلَى قَبْرِكَ وَحِيداً فَرَدَّ إِلَيْكَ رُوحَكَ وَاقْتَحَمَ عَلَيْكَ مَلَكَاكَ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ لِمُسَاءَلَتِكَ وَشَدِيدِ امْتِحَانِكَ أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَسْأَلَانِكَ عَنْ رَبِّكَ الَّذِي كُنْتَ تَعْبُدُهُ وَعَنْ نَبِيِّكَ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكَ وَعَنْ دِينِكَ الَّذِي كُنْتَ تَدِينُ بِهِ وَعَنْ كِتَابِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتْلُوهُ وَعَنْ إِمَامِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتَوَلَّاهُ وَعَنْ عُمُرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَ وَعَنْ مَالِكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وَفِيمَا أَنْفَقْتَهُ فَخُذْ حِذْرَكَ وَانْظُرْ لِنَفْسِكَ وَأَعِدَّ الْجَوَابَ قَبْلَ الِامْتِحَانِ وَالْمُسَاءَلَةِ وَالِاخْتِبَارِ فَإِنْ تَكُ مُؤْمِناً عَارِفاً بِدِينِكَ مُتَّبِعاً لِلصَّادِقِينَ مُوَالِياً لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ لَقَّاكَ اللَّهُ حُجَّتَكَ وَأَنْطَقَ لِسَانَكَ بِالصَّوَابِ فَأَحْسَنْتَ الْجَوَابَ وَبُشِّرْتَ بِالْجَنَّةِ وَالرِّضْوَانِ مِنَ اللَّهِ وَاسْتَقْبَلَتْكَ الْمَلَائِكَةُ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ تَلَجْلَجَ لِسَانُكَ وَدَحَضَتْ حُجَّتُكَ وَعَيِيتَ عَنِ الْجَوَابِ وَبُشِّرْتَ بِالنَّارِ وَاسْتَقْبَلَتْكَ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ بِنُزُلٍ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةِ جَحِيمٍ وَاعْلَمْ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّ مَا وَرَاءَ هَذَا أَعْظَمُ وَأَفْظَعُ وَأَوْجَعُ لِلْقُلُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ- ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ- يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَيُبَعْثَرُ فِيهِ الْقُبُورُ ذَلِكَ يَوْمُ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ذَلِكَ يَوْمٌ لَا تُقَالُ فِيهِ عَثْرَةٌ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ أَحَدٍ فِدْيَةٌ وَلَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مَعْذِرَةٌ وَلَا لِأَحَدٍ فِيهِ مُسْتَقْبَلُ تَوْبَةٍ لَيْسَ إِلَّا الْجَزَاءَ بِالْحَسَنَاتِ وَالْجَزَاءَ بِالسَّيِّئَاتِ فَمَنْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَمِلَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَجَدَهُ وَمَنْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَمِلَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ وَجَدَهُ فَاحْذَرُوا أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي مَا قَدْ نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهَا وَحَذَّرَكُمُوهَا فِي الْكِتَابِ الصَّادِقِ وَالْبَيَانِ النَّاطِقِ وَلَا تَأْمَنُوا مَكْرَ اللَّهِ وَتَدْمِيرَهُ عِنْدَ مَا يَدْعُوكُمُ الشَّيْطَانُ اللَّعِينُ إِلَيْهِ مِنْ عَاجِلِ الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ وَأَشْعِرُوا قُلُوبَكُمْ خَوْفَ اللَّهِ وَتَذَكَّرُوا مَا قَدْ وَعَدَكُمْ فِي مَرْجِعِكُمْ إِلَيْهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ كَمَا قَدْ خَوَّفَكُمْ مِنْ شَدِيدِ عِقَابِهِ فَإِنَّهُ مَنْ خَافَ شَيْئاً حَذِرَهُ وَمَنْ حَذِرَ شَيْئاً تَرَكَهُ وَ لَا تَكُونُوا مِنَ الْغَافِلِينَ الْمَائِلِينَ إِلَى زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ بِمَا فَعَلَ بِالظَّلَمَةِ فِي كِتَابِهِ وَلَا تَأْمَنُوا أَنْ يُنْزِلَ بِكُمْ بَعْضَ مَا تَوَعَّدَ بِهِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فِي كِتَابِهِ لَقَدْ وَعَظَكُمُ اللَّهُ بِغَيْرِكُمْ وَإِنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَلَقَدْ أَسْمَعَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَا فَعَلَ بِالْقَوْمِ الظَّالِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى قَبْلَكُمْ حَيْثُ قَالَ وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ وَقَالَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ يَعْنِي يَهْرُبُونَ قَالَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهُمُ الْعَذَابُ قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَإِنْ قُلْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِهَذَا أَهْلَ الشِّرْكِ فَكَيْفَ ذَاكَ وَهُوَ يَقُولُ- وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ لَا تُنْصَبُ لَهُمُ الْمَوَازِينُ وَلَا تُنْشَرُ لَهُمُ الدَّوَاوِينُ وَإِنَّمَا يُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً وَإِنَّمَا تُنْصَبُ الْمَوَازِينُ وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُحِبَّ زَهْرَةَ الدُّنْيَا لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَلَمْ يُرَغِّبْهُمْ فِيهَا وَفِي عَاجِلِ زَهْرَتِهَا وَظَاهِرِ بَهْجَتِهَا فَإِنَّمَا خَلَقَ الدُّنْيَا وَخَلَقَ أَهْلَهَا لِيَبْلُوَهُمْ فِيهَا أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا لِآخِرَتِهِ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ ضُرِبَتْ لَكُمْ فِيهِ الْأَمْثَالُ وَصُرِفَتِ الْآيَاتُ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فَكُونُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَازْهَدُوا فِيمَا زَهَّدَكُمُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ عَاجِلِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَقَوْلُهُ الْحَقَّ- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِمُحَمَّدٍ ص وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَهَا دَارَ قَرَارٍ وَمَنْزِلَ اسْتِيطَانٍ فَإِنَّهَا دَارُ قُلْعَةٍ وَمَنْزِلُ بُلْغَةٍ وَدَارُ عَمَلٍ فَتَزَوَّدُوا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ قَبْلَ تَفَرُّقِ أَيَّامِهَا وَقَبْلَ الْإِذْنِ مِنَ اللَّهِ فِي خَرَابِهَا فَكَانَ قَدْ أَخْرَبَهَا الَّذِي عَمَرَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَابْتَدَأَهَا وَهُوَ وَلِيُّ مِيرَاثِهَا وَأَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَوْنَ عَلَى تَزَوُّدِ التَّقْوَى وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الزَّاهِدِينَ فِي عَاجِلِ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الرَّاغِبِينَ فِي آجِلِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنَّمَا نَحْنُ لَهُ وَبِهِ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ