أمور الأديان أربعة
- كان لأبي يوسف ([1]) كلام مع موسى بن جعفر عليهما السلام في مجلس الرشيد فقال الرشيد - بعد كلام طويل - لموسى بن جعفر عليهما السلام : بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه ، فقال : نعم وأتى بدواة وقرطاس فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم جميع أمور الأديان أربعة : أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها الأخبار المجمع عليها ، وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة ، وأمر يحتمل الشك والإنكار فسبيله استنصاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها ، وسنة مجمع عليها لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ولا يسع خاصة الأمة وعامتها الشك فيه والإنكار له ، وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه ، وأرش الخدش فما فوقه ، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين ، فما ثبت لك برهانه اصطفيته ، وما غمض عليك صوابه نفيته ، فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بينها الله في قوله لنبيه : قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين . يبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله ، كما يعلمه العالم بعلمه لأن الله عدل لا يجور ، يحتج على خلقه بما يعلمون ، يدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون وينكرون . فأجازه الرشيد ورده . (
[2])
([1])هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب أحد علماء العامة وقاضي القضاة في زمان الرشيد ، عنونه ابن خلكان في وفيات الأعيان ، والخطيب في تاريخ بغداد ، واليافعي في تاريخه ، وبالغوا في مدحه ، جالس محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ثم جالس أبا حنيفة واستفاد منهما ، وكان الغالب عليه مذهب أبي حنيفة وخالفه في مواضع كثيرة ولم يكن في أصحاب أبي حنيفة مثله وكان يتولى القضاء من قبل الرشيد والرشيد يكرمه ويجله ولد سنة 113 ومات 182 وقيل 192 .
([2])بحار الأنوار ج 2 ص 238 قال العلامة في توضيح هذا الخبر : قسم عليه السلام أمور الأديان إلى أربعة أقسام ترجع إلى أمرين : أحدهما ما لا يكون فيه اختلاف بين جميع الأمة من ضروريات الدين التي لا يحتاج في العلم بها إلى نظر واستدلال . وقوله عليه السلام : على الضرورة إما صلة للإجماع أي على الأمر الضروري ، أو تعليل له أي إنما أجمعوا للضرورة التي اضطروا إليها . وقوله : الأخبار بدل من الضرورة ولا يبعد أن يكون في الأصل " للأخبار " وهي أي الأخبار المجمع عليها كذلك غاية جميع الاستدلالات التي تنتهي إليها وتعرض عليها كل شبهة وتستنبط منها كل حادثة . وثانيهما ما لا يكون من ضروريات الدين فيحتاج في إثباته إلى نظر واستدلال ومثله يحتمل الشك والإنكار فسبيل مثل هذا الأمر استنصاح أهل هذا الأمر من العالمين به لمنتحليه أي لمن أذعن به من غير علم وبصيرة ، والاستنصاح لعله مبالغة من النصح أي يلزمهم أن يبينوا لهم بالبرهان على سبيل النصح والإرشاد ، ويحتمل أن يكون في الأصل " الاستيضاح " أي طلب الوضوح لهم . ثم قسم عليه السلام ذلك الأمر باعتبار ما يستنبط منه إلى ثلاثة أقسام ، فتصير بانضمام الأول أربعة : الأول : ما يستنبط بحجة من كتاب الله لكن إذا كانت بحيث أجمعت الأمة على معناها ولم يختلفوا في مدلولها لا من المتشابهات التي تحتمل وجوها واختلفت الأمة في مفادها . والثاني : السنة المتواترة التي أجمعت الأمة على نقلها أو على معناها . والثالث : قياس عقلي برهاني تعرف العقول عدله أي حقيته ولا يسع لأحد إنكاره لا القياس الفقهي الذي لا ترتضيه العقول السليمة ، وهذا إنما يجري في أصول الدين لا في الشرائع والأحكام التي لا تعلم إلا بنص الشارع ، ولذا قال عليه السلام : وهذان الأمران أي بالقسمة الأولية يكون من جميع الأمور الدينية أصولها وفروعها من أمر التوحيد الذي هو أعلى المسائل الأصولية إلى أرش الخدش الذي هو أدنى الأحكام الفرعية ، والغرض أن هذا التقسيم يتعلق بمجموع أمور الدين ولا يختص بنوع منها . قوله عليه السلام : فمن أورد واحدة من هذه الثلاث أي الثلاث الداخلة في القسم الأخير وإنما خصها لأن القسم الأول لا يكون مورد المخاصمة والاحتجاج ، وفسر عليه السلام الحجة البالغة بما يبلغ كل أحد ويتم الاحتجاج بها على جميع الخلق . قوله : فأجازه الرشيد أي أعطاه الجائزة . هذا ما خطر بالبال وقرر على الاستعجال في حل هذا الخبر المشتمل على إغلاق وإجمال والله أعلم بحقيقة الحال .