العتبة العلوية المقدسة - الشقشقية برواية النهج -
» » سيرة الإمام » بلاغة الامام علي وحكمته » خطب الامام علي عليه السلام » الشقشقية برواية النهج

الشقشقية برواية النهج

فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً، أرى تُرَاثي نَهْباً، حَتَّى مَضَى الاَْوَّلُ لِسَبِيلِهِ، فَأَدْلَى بِهَاإِلَى فلان بَعْدَهُ.ثم تمثل بقول الاعشى:

أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ.

وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ

 

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا

فَيَا عَجَباً!! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها في حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لاخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ـ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا ! ـ فَصَيَّرَهَا في حَوْزَة خَشْنَاءَ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ العِثَارُ فِيهَا وَالاْعْتَذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ، وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ، فَمُنِيَ النَّاسُ ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ بِخَبْط وَشِمَاس، وَتَلَوُّن وَاعْتِرَاض.فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ، وَشِدَّةِ الِْمحْنَةِ، حَتَّى إِذا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا في جَمَاعَة زَعَمَ أَنَّي أَحَدُهُمْ. فَيَاللهِ وَلِلشُّورَى! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الاَْوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هذِهِ النَّظَائِرِ! لكِنِّي أَسفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا، فَصَغَا رَجُلُ مِنْهُمْ لِضِغْنِه، وَمَالَ الاْخَرُ

لِصِهْرهِ، مَعَ هَن وَهَن.إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلهِ وَمُعْتَلَفِهِ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الاِْبِل نِبْتَةَالرَّبِيعِ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ، وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ.فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ.فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالاَْمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَمَرَقَتْ أُخْرَى، وَفَسَقَ وقسط آخَرُونَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ نَجْعَلُهَاِللَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، بَلَى! وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتَ الدُّنْيَا في أَعْيُنِهمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا!أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم، لاََلقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلاََلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز!قالوا: وقام إِليه رجل من أهل السوادعند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته، فناوله كتاباً، فأقبل ينظر فيه، فلمّا فرغ من قراءته قال له ابن عباس: يا أميرالمؤمنين، لو اطَّرَدت مَقالتكَ من حيث أَفضيتَ! فَقَالَ(عليه السلام) :هَيْهَاتَ يَابْنَ عَبَّاس! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ!قال ابن عباس: فوالله ما أَسفت على كلام قطّ كأَسفي على ذلك الكلام أَلاَّ يكون أميرالمؤمنين(عليه السلام)بلغ منه حيث أراد.