وان المساجد لله
روى العياشي في تفسيره عن ابن أبي داود: ان سارقاً أقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة (المعتصم) تطهيره بإقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي عليه السلام ، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟
قال ابن أبي داود: فقلت: من الكرسوع(
[1]).
قال (المعتصم): وما الحجة في ذلك؟
قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع والكف الى الكرسوع، لقول الله في التيمم: ]فامسحوا بوجوهكم وأيديكم[(
[2]) واتفق معي على ذلك قوم.
وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق.
قال الخليفة: وما الدليل على ذلك؟
قالوا: لأن الله لما قال: ]وأيديكم الى المرافق[(
[3]) في الغسل دل ذلك على أن حد اليد هو المرفق.
قال: فالتفت الى محمد بن علي عليه السلام فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟
فقال عليه السلام : قد تكلم القوم فيه يا أمير.
قال: دعني مما تكلموا به، أي شيء عندك؟
قال: اعفني عن هذا يا أمير.
قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه.
فقال: اما اذا أقسمت علي بالله فإني أقول: انهم أخطأوا فيه السنة، فان القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف.
قال: وما الحجة في ذلك؟
قال: قول رسول الله عليه السلام (السجود على سبعة أعضاء، الوجه واليدين والركبتين والرجلين) فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى:
]وان المساجد لله[([4])، يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ]فلا تدعوا مع الله أحدا[(
[5]) وما كان لله لم يقطع.
قال ابن أبي داود: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.
قال ابن أبي داود: قامت قيامتي وتمنيت أني لم أك حياً.
ثم قال: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة، فقلت: ان نصيحة أمير المؤمنين علي واجبة وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار.
قال: وما هو؟
قلت: اذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك وقد حضر مجلسه أهل بيته وقواده ووزراؤه وكتابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته ويدّعون إنه أولى منه بمقامه، ثم يحكم دون حكم الفقهاء؟!.
قال: فتغير لونه (أي المعتصم) وانتبه لما نبهته له وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيراً.
قال: فأمر يوم الرابع (فلاناً) من كتّاب وزرائه بأن يدعوه (أي الإمام الجوادعليه السلام ) الى منزله.
فدعاه..
فأبى عليه السلام أن يجيبه وقال: قد علمت أني لا أحضر مجلسكم.
فقال: إني أنما أدعوك الى الطعام، وأحب أن تطأ ثيابي وتدخل منزلي، فأتبرك بذلك، فقد أحب (فلان بن فلان) من وزراء الخليفة لقاءك.
فصار عليه السلام اليه، فلما طعم منه أحس السم، فدعا بدابته، فسأله رب المنزل أن يقيم..
قال عليه السلام : خروجي من دارك خير لك، فلم يزل يومه ذلك وليله في خلقة حتى قبض رضوان الله تعالى عليه(
[6]).