جوامع التوحيد
* - قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة خطبها بعد موت النبي صلى الله عليه واله بتسعة أيام - وذلك حين فرغ من جمع القرآن - فقال : الحمد لله الذي أعجز الاوهام أن تنال إلا وجوده ، وحجب العقول عن أن تتخيل ذاته في امتناعها من الشبه والشكل ، بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته ولم يتبعض بتجزية العدد في كماله ، فارق الاشياء لاعلى اختلاف الاماكن ، وتمكن منها لا على الممازجة ، وعلمها لابأداة لا يكون العلم إلابها ، وليس بينه وبين معلومه علم غيره إن قيل : ( كان ) فعلى تأويل أزلية الوجود ، وإن قيل : ( لم يزل ) فعلى تأويل نفي العدم فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا .
* - خطبة المعروفة بالوسيلة : الحمد الله الذي أعدم الاوهام أن تنال إلى وجوده
* - عن الحسين بن علي عليهم السلام قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس في مسجد الكوفة فقال : الحمد لله الذي لامن شئ كان ، ولا من شئ كون ما قد كان ، المستشهد بحدوث الاشياء على أزليته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، لم يخل منه مكان فيدرك بأينية ، ولاله شبح مثال فيوصف بكيفية ، ولم يغب عن شئ فيعلم بحيثية مبائن لجميع ما أحدث في الصفات ، وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات ، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرف الحالات ، محرم على بوارع ناقبات الفطن تحديده ، وعلى عوامق ثاقبات الفكر تكييفه ، وعلى غوائص سابحات النظر تصويره ، لا تحويه الاماكن لعظمته ، ولا تذرعه المقادير لجلاله ، ولا تقطعه المقائيس لكبريائه ، ممتنع عن الاوهام أن تكتنهه ، وعن الافهام أن تستغرقه ، وعن الاذهان أن تمتثله ، وقد يئست من استنباط الاحاطة به طوامح العقول ، ونضبت عن الاشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم ، ورجعت بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم ، واحد لامن عدد ، ودائم لابأمد ، وقائم لابعمد ، وليس بجنس فتعادله الاجناس ، ولا بشبح فتضارعه الاشباح ، ولاكالاشياء فتقع عليه الصفات ، قد ضلت العقول في أمواج تيار إدراكه ، و تحيرت الاوهام عن إحاطة ذكر أزليته ، وحصرت الافهام عن استشعار وصف قدرته ، وغرقت الاذهان في لجج أفلاك ملكوته ، مقتدر بالآلاء ، وممتنع بالكبرياء ، ومتملك على الاشياء ، فلادهر يخلقه ، ولاوصف يحيط به ، قد خضعت له رواتب الصعاب في محل تخوم قرارها ، واذعنت له رواصن الاسباب في منتهى شواهق أقطارها ، مستشهد بكلية الاجناس على ربوبيته ، وبعجزها على قدرته ، وبفطورها على قدمته ، وبزوالها على بقائه ، فلالها محيص عن إدراكه إياها ، ولا خروج من إحاطته بها ، ولا احتجاب عن إحصائه لها ، ولا امتناع من قدرته عليها ، كفى بإتقان الصنع لها آية ، وبمركب الطبع عليها دلالة ، وبحدوث الفطر عليها قدمة ، وبأحكام الصنعة لها عبرة ، فلا إليه حد منسوب ، ولا له مثل مضروب ، ولاشئ عنه بمحجوب ، تعالى عن ضرب الامثال والصفات المخلوقة علوا كبيرا ، وأشهد أن لا إله إلا هو إيمانا بربوبيته ، وخلافا على من أنكره ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، المقر في خير مستقر ، المتناسخ من أكلام الاصلاب ومطهرات الارحام ، المخرج من أكرم المعادن محتدا ، وأفضل المنابت منبتا ، من أمنع ذروة و أعز أرومة ، من الشجرة التي صاغ الله منها أنبياءه ، وانتجب منها امناءه ، الطيبة العود ، المعتدلة العمود ، الباسقة الفروع ، الناضرة الغصون ، اليانعة الثمار ، الكريمة الحشا ، في كرم غرست ، وفي حرم أنبتت ، وفيه تشعبت وأثمرت وعزت وامتنعت فسمت به وشمخت حتى أكرمه الله عزوجل بالروح الامين ، والنور المنير ، والكتاب المستبين ، وسخر له البراق ، وصافحته الملائكة ، وأرعب به الا بالس ، وهدم به الاصنام والآلهة المعبودة دونه ، سنته الرشد ، وسيرته العدل ، وحكمه الحق ، صدع بما أمره ربه ، وبلغ ما حمله ، حتى أفصح بالتوحيد دعوته ، وأظهر في الخلق أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له ، حتى خلصت الوحدانية ، وصفت الربوبية ، وأظهر الله بالتوحيد حجته ، وأعلي بالاسلام درجته ، واختار الله عزوجل لنبيه ما عنده من الروح والدرجة والوسيلة ، صلى الله عليه وعلى اله الطاهرين .
* - خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوما خطبة بعد العصر ، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله ، قال أبو إسحاق : فقلت للحارث : أو ما حفظتها ؟ قال : قد كتبتها ، فأملاها علينا من كتابه : الحمد لله الذي لا يموت ، ولا تنقضي عجائبه ، لانه كل يوم في شأن ، من إحداث بديع لم يكن ، الذي لم يولد فيكون في العز مشاركا ، ولم يلد فيكون موروثا هالكا ، ولم تقع عليه الاوهام فتقدره شبحا ماثلا ، ولم تدركه الابصار فيكون بعد انتقالها حائلا ، الذي ليست له في أوليته نهاية ، ولا في آخريته حد ولا غاية ، الذي لم يسبقه وقت ، ولم يتقدمه زمان ، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان ، ولم يوصف بأين ولابما ولا بمكان ، الذي بطن من خفيات الامور ، وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير ، الذي سئلت الانبياء عنه فلم تصفه بحد ولاببعض ، بل وصفته بأفعاله ، ودلت عليه بآياته ، لا تستطيع عقول المتفكرين جحده لان من كانت السماوات والارض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن فلا مدفع لقدرته ، الذي بان من الخلق فلا شئ كمثله ، الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم ، وقطع عذرهم بالحجج ، فعن بينة هلك من هلك ، وعن بينة نجا من نجا ، ولله الفضل مبدءا ومعيدا ، ثم إن الله - وله الحمد - افتتح الكتاب بالحمد لنفسه ، وختم أمر الدنيا ومجئ الآخرة بالحمد لنفسه فقال : ( وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ) الحمد لله الابس الكبرياء بلا تجسد ، والمرتدي بالجلال بلاتمثيل ، والمستوي على العرش بلازوال ، والمتعالي عن الخلق بلاتباعد ، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم وليس له حد ينتهى إلى حده ، ولاله مثل فيعرف بمثله ، ذل من تجبر عنه ، وصغر من تكبردونه ، وتواضعت الاشياء لعظمته ، وانقادت لسلطانه وعزته ، وكلت عن إدراكه طروف العيون ، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق ، الاول قبل كل شئ والآخر بعد كل شي ، ولا يعدله شئ ، الظاهر على كل شئ بالقهر له ، والمشاهد لجميع الاماكن بلا انتقال إليها ، ولا تلمسه لامسة ، ولاتحسه حاسة ، وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله ، وهو الحكيم العليم ، أتقن ما أراد خلقه من الاشياء كلها بلامثال سبق إليه ، ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه ، إبتداء ما أراد إبتداءه ، وأنشأ ما أراد إنشاءه ، على ما أراد من الثقلين : الجن والانس لتعرف بذلك ربوبيته ، ويمكن فيهم طواعيته . نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها ، ونستهديه لمراشدا مورنا ، ونعوذ به من سيئات أعمالنا ، ونستغفره للذنوب التي سلفت منا ، ونشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، بعثه بالحق دالا عليه ، وهاديا إليه فهدانا به من الضلالة ، واستنقذنا به من الجهالة ، من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ونال ثوابا كريما ، ومن يعص الله ورسوله فقد خسر خسرانا مبينا واستحق ، عذابا أليما ، فانجعوا بما يحق عليكم من السمع والطاعة ، وإخلاص النصيحة ، وحسن الموازرة ، وأعينوا أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة ، وهجر الامور المكروهة ، وتعاطوا الحق بينكم ، وتعاونوا عليه ، وخذوا على يدي الظالم السفيه ، مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، واعرفوا لذوي الفضل فضلهم ، عصمنا الله وإياكم بالهدي ، وثبتنا وإياكم على التقوى ، وأستغفر الله لي ولكم