ام حكيم
عن الشيخ الجليل الثقة هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن جعفر بن علي الحاجب البراء بالموصل يوم الخميس لعشر خلون من شوال سنة أربع وسبعين وثلاثمائة في دكانه، قال: حدثني أبو الحسن علي بن جعفر، قال: حدثنا أبو بكر عثمان بن القاسم بن عبدالرحمان الهمداني ببغداد، عن أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري، عن محمد بن أبي سعيد، قال: وحدثني يحيى بن الحسن، عن القاسم بن فضالة، عن أبيه فضالة بن أيوب الجندسابوري، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه السلام قال: كان من قصة أمرأة من أهل اليمن يقال لها أُم حكيم اليمانية.
قالت: حججت أنا وجدي، فدخلت على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فمسح يده على رأسي ودعا لي بالبقاء، ثم إن جدي سأله أن يارسول اللّه تخبرنا من لنا بعدك؟
فقال: لن تلحقه، ولكن هذه الصبية تراه، يا أُم حكيم: اذا رأيتيه فسليه آخر كلمة اودعها اياه فإنّها قولي ربي اللّه الرحمن الرحيم لا أشرك به شيئاً.
ثم قبض رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على حصاة من المسجد فختمها بخاتمه فغاص الفص فيها، ثم دفعها اليَّ فقال: إنّ الذي بعدي وصيي وخليفتي على أُمتي يسألك الوديعة وسيفعل فيها مثل الذي فعلت، فمضيت الى اليمن وتوفي جدي وقبض رسول اللّه.
قالت: وحججت أنا وخالي وعمى حتى اذا صرنا في بعض الطريق اعتللت فاخرجت الحصاة لاستشفي بها فسقطت مني وأنا على ناقتي اسير الليل، فعرّسنا في ذلك اليوم واقمنا ثلاثة أيام نطلبها فلم نقدر عليها، واصابني عليها من الجزع والوجع ما لم يصيبني علي شيء قط، فلما خفنا الفوت رجلنا وقد انسينا منها، وأنا متفكرة ماذا أرد على خليفة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إن سألني عنها، فما سألني عنها ولا عرفني.
فقلت له: يا خليفة رسول اللّه: بماذا أوصاك رسول اللّه، قال: أمرني ونهاني كما أمره اللّه ونهاه، فانصرفنا عنه وقلنا في انفسنا: ما هذا صاحبنا.
فلما مات أبو بكر وولى عمر قال لي خالي: امضي بنا نحج ونسأل هذا الرجل، فمضينا حتى دخلنا المدينة فلم يسألنا وقلنا له: يا خليفة رسول اللّه بماذا أمرك خليفة رسول اللّه، قال: أمرني ونهاني كما أمره رسول اللّه ونهاه.
فانصرفنا عنه وقلنا في انفسنا: ما هذا صاحبنا وخرجنا الى بلدنا حتى بلغنا وفاة عمر وان عثمان قد ولى، فقدمنا عليه حاجين فاتيناه فسألناه فرد علينا مثل الذي ردّ صاحبه فقلت لصاحبي ما هذا صاحبنا فانصرفنا الى بلدنا فبلغنا قتل عثمان وتولي علي (عليه السلام) فخرجنا حاجين، فلما بلغنا الموضع الذي سقطت فيه الحصاة فخطوت شيئاً فأصرفت بصري، فإذا شيء يلوح كأنه كوكب درّي، فقلت لصاحبي: عرّس وسعيت نحوها فاذا هي الحصاة، فأخذتها وحمدت اللّه كثيراً، وقلت إنّي ارجو أن يكون الرجل الذي قد ولي صاحبنا وخليفة رسول اللّه.
فمضينا ودخلنا عليه، فلما دخلنا عليه نظر اليَّ فقال: أرني يا أُم حكيم ما فعلت الوديعة، قلت: يا أميرالمؤمنين هذه هي معي.
قال: هلميها فأخذها على عينيه، ثم غمس خاتمه فيها تحت خاتم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فغاص الفص فيه كما غاص خاتم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم ردّها عليَّ ودعا لى بالبركة وطول البقاء، وقال: ستلقين بعدي أئمة هذا أحدهم، وأومأ بيده الى الحسن (عليه السلام).
فقلت له: ياأميرالمؤمين ما كان آخر كلام كلمك رسول اللّه به.
قال لي:يا أبا الحسن إني أُشهدك وأشهد اللّه أنّ ربي الرحمان الرحيم لا أشرك به شيئاً.
فمضينا الى بلدنا حتى إذا بلغنا قتل أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه قدمت على الحسن بن علي، فلما أبصرني قال: ياأُم حكيم ما فعلت الوديعة فاخرجتها اليه ففعل بها كما فعل رسول اللّه وأميرالمؤمنين، ثم ردها اليّ وسألته عما قال أميرالمؤمنين فاخبرني به كما أخبرني أميرالمؤمنين، ثم قال: ستلقين بعدي أئمة هذا أحدهم وأومأ بيده الى الحسين بن علي (عليهما السلام)، فاذا سألك عن الحصاة فادفعيها اليه، فإنّه إمامك وإمام المسلمين.
فلما توفي الحسن بن علي (عليهما السلام) اتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فسألني عن الوديعة فاعطيته إياها ففعل بها مثل ما فعل أميرالمؤمنين والحسن (عليهما السلام)، ثم ردّها إليّ ودعا لي بالبركة وقال: ستلقين بعدي أئمة وهذا أحدهم، وأومأ بيده الى علي بن الحسين (عليهما السلام).
فلما بلغني قتل أبي عبد الله (عليه السلام)، قدمت المدينة بعد سنتين ودخلت على علي بن الحسين (عليهما السلام)، فلما أبصرني سألني عن الوديعة فاخرجتها اليه ففعل بها كما فعل رسول اللّه وأميرالمؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) ثم ردّها إليّ ودعا لي بالبركة وطول البقاء وقال لي: ستلقين بعدي أئمة هذا أحدهم، وأومإ بيده الى أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ووضع يده على رأسه.
فلما توفي قدمت المدينة فدخلت على محمد بن علي (عليهماالسلام)، فلما أبصرني سألني عن الوديعة ففعل كما فعل من كان قبله من الائمة وقال: إنكِ ستلقين بعدي رجلين من ولدي هذا أحدهم، ووضع يده على رأس جعفر بن محمد (عليهما السلام).
فلما بلغني وفاته قصدت جعفراً (عليه السلام)، فلما أبصرني قال: ما فعلت الوديعة فاخرجتها ودفعتها اليه ففعل بها كما فعل من كان قبله، ثم قال: هذا صاحبكِ وأومأ بيده الى موسى بن جعفر (عليهما السلام) ولن ترين منه أحداً بعده.
قالت: فلما بلغني وفاته قدمت المدينة فسألت عن بابه فقيل إنه في المسجد، فدخلت مسجد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) واذا هو ساجد، فلما رفع رأسه بصرني وسألني عن الوديعة فناولته اياها وقلت له: أنت وصي الاوصياء يابن رسول اللّه.
فقال: نعم، فقلت أخبرني، عن جدك، فقال: وما تصنعين به وأنت متوفاة في سفرك وغير جائزة عن الحرم، فابشري فإنّك على خير ودفعت اليه الحصاة ففعل بها مثل الذي فعله من كان قبله وردّ عليّ الحصاة وقال: إنّكِ ستلقين بها رسول اللّه، فقلت له: فما كان قصتها، فقال: توفيت في الحرم.