العتبة العلوية المقدسة - العبد الصالح الخضر -
» » سيرة الإمام » قالوا في امير المؤمنين » اهل البيت عليهم السلام » العبد الصالح الخضر

 العبد الصالح الخضر

عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لمّا كان اليوم الّذي قبض فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ارتجّت الموضع بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجاء رجل باك وهو مسرع ومسترجع، وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوّة، حتّى وقف على باب البيت الّذي فيه أمير المؤمنين صلّى الله عليه ، فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أوّل القوم إسلاماً، وأخلصهم إيماناً، وأشدّهم يقيناً، وأخوفهم لله عزّ وجلّ، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله وأشبههم به هدياً ونطقاً وسمتاً وفعلاً، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الاسلام وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن المسلمين خيراً، قويت حين ضعف أصحابه وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ همّ أصحابه، وكنت خليفته حقّاً، لم تنازع ولم تضرع بزعم المنافقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين وضغن الفاسقين، فقمت بالامر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنور الله عزّ وجلّ حين وقفوا، ولو اتّبعوك لهدوا،] و [كنت أخفضهم صوتاً وأعلاهم قنوتاً، وأقلّهم كلاماً، وأصوبهم منطقاً، وأكثرهم رأياً، وأشجعهم قلباً وأشدّهم يقيناً، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالاُمور، كنت والله للدين يعسوباً، وكنت للمؤمنين أباً رحيماً، إذ صاروا عليك عيالاً فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، وأدركت إذ تخلّفوا، ونالوا بك مالم يحتسبوا، وكنت على الكافرين عذاباً صبّاً، وللمؤمنين غيثاً وخصباً، فطرت والله بعنانها، وفزت بجنانها، وأحرزت سوابقها، وذهبت بفضائلها لم تفلل حجتك ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخن. كنت كالجبل لا تحرّكه العواصف، ولا تزيله القواصف، وكنت - كما قال النبيّ - ضعيفاً في بدنك قويّاً في أمر الله، متواضعاً في نفسك عظيماً عند الله عزّ وجلّ، كبيراً في الارض جليلاً عند المؤمنين، لم يكن لاحد فيك مهمز ولا لقائل فيك مغمز ولا لاحد عندك هوادة القويّ العزيز عندك ضعيف ذليل حتّى تأخذ منه الحقّ، والبعيد والقريب عندك في ذلك سواء شأنك الحقّ والرفق والصدق وقوك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم ورأيك علم وعز فبما فعلت وقد نهج السبيل وسهل العسير وأطفأت النيران، واعتدل بك الدين، وقوي بك الايمان، وثبت بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك تعباً شديداً، فجللت عن البكاء ; وعظمت رزيّتك في السماء، وهدّت مصيبتك الانام، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون رضينا عن الله قضاءه، وسلّمنا لله أمره، فو الله لن يصاب المسلمون بمثلك أبداً ، كنت للمؤمنين كهفاً وحصناً وعلى الكافرين غظه وغيظاً، فألحقك الله بنبيّه، ولا حرّمنا أجرك، ولا أضلّنا بعدك.

وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكى وأبكى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ طلبوه فلم يصادفوه.