من خطب الامام علي عليه السلام في البصرة
*ـو من خطبة له عليه السلام حين بلغهخبر الناكثين ببيعته ـ : ألا وإنّالشيطان قد ذمّرحزبه ، واستجلب جلبه ; ليعود الجور إلي أوطانه ، ويرجع الباطل إلي نصابه ، والله ماأنكروا علىَّ منكراً ، ولا جعلوا بينى وبينهم نصفاً .
وإنّهم ليطلبون حقّاً هم تركوه ، ودماً هم سفكوه ; فلئن كنتشريكهم فيه ; فإنّ لهم لنصيبهم منه ، ولئن كانوا وَلُوه دونى ، فما التبعة إلاّعندهم ، وإنّ أعظم حجّتهم لعلي أنفسهم ، يرتضعون اُمّاً قد فَطَمَت ، ويُحيُون بدعةقد اُميتت .
يا خيبة الداعى ! من دعا ! وإلامَ اُجيب ! وإنّى لراض بحجّة اللهعليهم ، وعلمه فيهم . فإن أبَوا أعطيتهم حدّ السيف وكفي به شافياً من الباطل ،وناصراً للحقّ .
ومن العجب بعثهم إلىّ أن أبرُز للطعان ! وأن أصبر للجلاد ! هبِلتهم الهَبول ! لقد كنت وما اُهدَّد بالحرب ، ولا اُرَهَّب بالضرب ! وإنّى لعلييقين من ربّى ، وغير شبهة من دينى .
*ـوفى خطبته حين نهوضه إلي الجمل ـ : إنّى بُليتبأربعة : أدهي الناس وأسخاهم ; طلحة ، وأشجع الناس ; الزبير ، وأطوع الناس فى الناس ; عائشة ، وأسرع الناس إلي فتنة ; يَعلي بن اُميّة .
والله ، ما أنكروا علىَّ شيئاً منكراً ، ولا استأثرتُ بمال ، ولامِلتُ بهويً ، وإنّهم ليطلبون حقّاً تركوه ، ودماً سفكوه ، ولقد ولّوه دونى ، وإنكنت شريكهم فى الإنكار لما أنكروه .
وما تبعة عثمان إلاّ عندهم ، وإنّهم لهم الفئة الباغية ; بايَعونىونكثوا بيعتى ، وما
استأنَوا بى حتي يعرفوا جورى من عدلى ، وإنّى لراض بحجّة اللهعليهم ، وعلمه فيهم ، وإنّى مع هذا لداعيهم ومعذر إليهم ; فإن قبلوا فالتوبة مقبولة، والحقّ أولي ما انصُرف إليه ، وإن أبَوا أعطيتهم حدّ السيف ، وكفي به شافياً منباطل وناصراً .
*ـو من كلام له فى معنيطلحة بن عبيد الله حين بلغه خروج طلحة والزبير إليالبصرة لقتاله ـ : قد كنت وما اُهدَّد بالحرب ، ولا اُرَهَّب بالضرب ، وأنا علي ماقد وعدنى ربّى من النصر ، والله ما استعجَلَ متجرّداً للطلب بدم عثمان إلاّ خوفاًمن أن يطالَب بدمه ; لأنّه مَظِنّته ، ولم يكن فى القوم أحرص عليه منه ، فأراد أنيغالط بما أجلب فيه ; ليلتبس الأمر ، ويقع الشكّ .
وو الله ما صنع فى أمر عثمان واحدةً من ثلاث : لئن كان ابن عفّانظالماً ـ كما كان يزعم ـ لقد كان ينبغى له أن يوازر قاتليه ، وأن ينابذ ناصريه . ولئن كان مظلوماً لقد كان ينبغى له أن يكون من المُنَهْنِهينعنه ، والمعذّرين فيه ، ولئن كان فى شكّ منالخصلتين ، لقد كان ينبغى له أن يعتزله ويركد جانباً ، ويدع الناس معه . فما فعلواحدة من الثلاث ، وجاء بأمر لم يعرف بابه ، ولم تسلَم معاذيره .
*- قال عبد الله بن العباس: دخلت على أمير المؤمنين بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال: والله لهي أحب إلي من إمرتكم؛ إلا أن أقيم حقاً، أو أدفع باطلاً، ثم خرج فخطب الناس فقال: إن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله، وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدعي نبوةً، فساق الناس حتى بوأهم محلتهم، وبلغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم، واطمأنت صفاتهم.
أما والله إن كنت لفي ساقتها، حتى ولت بحذافيرها؛ وما ضعفت ولا جبنت، وإن مسيري هذا لمثلها؛ فلأنقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه.
ما لي ولقريش! والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم. والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حيزنا، فكانوا كما قال الأول:
ما لي ولقريش! والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم. والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حيزنا، فكانوا كما قال الأول:
أدمت لعمري شربك المحض صابحاً
|
|
وأكلك بالزبد المقشرة الـبـجـرا
|
ونحن وهبناك العلاء ولـم تـكـن
|
|
علياً، وحطنا حولك الجردوالسمرا
|
خطبة الإمام لمّا أراد المسير إلي البصرة
*ـعن الكلبى : لمّا أراد علىّ المسير إلي البصرة، قام فخطب الناس ، فقال ـ بعد أن حمد الله وصلّي علي رسوله ـ : إنّ الله لمّا قبضنبيّه استأثرت علينا قريش بالأمر ، ودفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من الناس كافّة ،فرأيت أنّ الصبر علي ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم . والناس حديثوعهد بالإسلام ، والدين يمخض مخض الوَطْب،يفسده أدني وهن ، ويعكسه أقلّ خُلف . فولى الأمر قوم لم يألوا فى أمرهم اجتهاداً ،ثمّ انتقلوا إلي دار الجزاء ، والله ولىّ تمحيص سيّئاتهم ، والعفو عن هفواتهم .
فما بال طلحة والزبير ، وليسا من هذا الأمر بسبيل ! لم يصبراعلىَّ حولا ولا شهراً حتي وثبا ومرَقا ، ونازعانى أمراً لم يجعل الله لهما إليهسبيلا ، بعد أن بايعا طائعَين غير مكرهَين ، يرتضعان اُمّاً قد فَطمت ، ويُحييانبدعة قد اُميتت . أ دمَ عثمان زعما ! والله ما التبعة إلاّ عندهم وفيهم ، وإنّ أعظمحجّتهم لعلي أنفسهم ، وأنا راض بحجّة الله عليهم وعمله فيهم ، فإن فاءا وأنابافحظّهما أحرزا ، وأنفسهما غنما ، وأعظِم بها غنيمة ! وإن أبَيا أعطيتهما حدّ السيف، وكفي به ناصراً لحقّ ، وشافياً لباطل ، ثمّ نزل .