موقف أئمة أهل البيت من خروج زيد وجهاده
إنَّ موقف أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) من خروج زيد ، كان بحسب ما تراه في هذه الروايات الواردة عنهم :
1 ـ لمّا بلغ قتـل زيد إلى الاِمام الصـادق ( عليه السلام ) قال : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، عند اللّه أحتسب عمي إنّه كان نعم العم. إنّ عمي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا ، مضى واللّه عمي شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول اللّه وعلي والحسين صلوات اللّه عليهم (
[1]).
2 ـ وقال أيضاً في حديث : إنّ الباكي على زيد فمعه في الجنّة ، فإمّا الشامت فشريك في دمه (
[2]).
3 ـ وقال الشيخ المفيد : لما قتل زيد بلغ ذلك من أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) كل مبلغ ، وحزن له حزناً عظيماً حتى بان عليه وفرّق من ماله في عيال من أُصيب معه من أصحابه ألف دينار. روى ذلك أبو خالد الواسطي قال : سلّم إليَّ أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) ألف دينار أمرني أن أُقسمها في عيال من أُصيب مع زيد ، فأصاب عيال عبد اللّه بن الزبير أخي فضيل الرسان أربعة دنانير (
[3]).
4 ـ روى ابن سيابة قال : دفع إليّ أبو عبد اللّه الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ألف دينار وأمرني ان أُقسمها في عيال من أُصيب مع زيد بن علي ( عليه السلام ) فقسمتها فأصاب عبد اللّه بن الزبير أخا فضيل الرسّان أربعة دنانير (
[4]).
5 ـ روى الصدوق عن عبد اللّه بن سيابة أنّه أتى رسول بسـام الصيرفي بكتاب فيه : أمّا بعد ، فإنّ زيد بن علي قد خرج يوم الاَربعاء غرة صفر ، ومكث الاَربعاء والخميس وقتل يوم الجمعة ، وقتل معه فلان وفلان ، فدخلنا على الصادق ( عليه السلام ) فدفعنا إليه الكتاب ، فقرأه وبكى ، ثم قال : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون. عند اللّه أحتسب عمي ، إنّه نعم العم ، إنّ عمي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا ... إلى آخر ما مر في الحديث الاَوّل (
[5]).
6 ـ روى ابن شهر آشوب بلغ الصادق ( عليه السلام ) قول الحكيم بن عباس الكلبي :
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة وقستم بعثمان علياً سفاهة |
|
ولم أر مهدياً على الجذع يصلب وعثمان خير من علي وأطيب |
فرفع الصادق ( عليه السلام ) يديه إلى السماء وهما يرعشان. فقال : اللهم إن كان عبدُك كاذباً فسلط عليه كلبك ، فبعثه بنو أُمية إلى الكوفة فبينما هو يدور في سككها افترسه الاَسد واتصل خبره بجعفر ( عليه السلام ) ، فخر للّه ساجداً ، ثم قال : الحمد للّه الذي أنجزنا وعده (
[6]).
7ـ روى الصدوق في معاني الاَخبار ، قال : كنّا عند أبي عبد اللّه فذكر زيد ، ومن خرج معه ، فهمَّ بعض أصحاب المجلس أن يتناوله ، فانتهره أبو عبد اللّه ، وقال : مهلاً ليس لكم أن تدخلوا فيما بيننا إلاّ بسبيل خير ، إنّه لم تمت نفس منّا إلاّ وتدركه السعادة قبل أن تخرج نفسه ولو بفواق الناقة قلت : وما فواق الناقة؟ قال : حلابها (
[7]).
8 ـ روى الحلبي : قال قال أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : إنّ آل أبي سفيان : قتلوا الحسين بن علي ( صلوات اللّه عليه ) فنزع اللّه ملكهم ، وقتل هشام زيد بن علي فنزع اللّه ملكه ، وقتل الوليد يحيى بن زيد فنزع اللّه ملكه (
[8]).
9ـ روى الصدوق بإسناده عن الفضيل بن يسار قال : انتهيت إلى زيد بن علي صبيحة يوم خرج بالكوفة ، فسمتعه يقول : من يعينني منكم على قتال أنباط أهل الشام؟ فو الذي بعث محمداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالحقّ بشيراً ونذيراً لا يعينني على قتالهم منكم إلاّ أخذت بيده يوم القيامة ، فأدخلته الجنّة بإذن اللّه تعالى ، فلمّا قتل ـ رضي اللّه عنه ـ اكتريت راحلة وتوجهت نحو المدينة فدخلت
على أبي عبد اللّه فقلت في نفسي واللّه لا أخبرته بقتل زيد فيجزع عليه ، فلما دخلت عليه قال : ما فعل بعمي زيد ؟! فخنقتني العبرة ، فقال : قتلوه؟ قلت : أي واللّه قتلوه ، قال : فصلبوه؟ قلت : أي واللّه فصلبوه ، فأقبل يبكي ودموعه تنحدر من جانب خده كأنّها الجمان ثم قال : يافضيل شهدت مع عمي زيد قتال أهل الشام؟ قلت : نعم ، قال : فكم قتلتَ منهم ؟ قلت : ستة ، قال : فلعلك شاك في دمائهم؟ فقلت : لو كنت شاكاً في دمائهم ماقتلتهم ، فسمتعه يقول : أشركني اللّه في تلك الدماء ، مضى واللّه عمي وأصحابه مثل مامضى عليه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأصحابه (
[9]).
10 ـ وروى الصـدوق عن حمزة بن حمران قـال : دخلت على الصادق ( عليه السلام ) فقال لي : يا حمزة من أين أقبلت؟ فقلت : من الكوفة ، فبكى حتى بلّت دموعه لحيته!فقلت له : يا بن رسول اللّه! مالك أكثرت من البكاء؟ فقال : ذكرت عمي زيد وماصنع به فبكيت فقلت له : وما الذي ذكرت منه؟ قال : مقتله وقد أصاب جبينه سهم ، فجاءه ابنه يحيى فانكب عليه وقال له : أبشر يا أبتاه! فإنّك ترد على رسول اللّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) قال : أجل يابنيّ! ثم دعا بحدّاد فنزع السهم من جبينه ، فكانت نفسه معه ، فجيء به إلى ساقية تجري عند بستان زائدة ، فحفر له فيها ودفن وأُجري عليه الماء ، وكان معهم غلام سنديّ لبعضهم ، فذهب إلى يوسف بن عمر ـ لعنه اللّه ـ من الغد ، فأخبره بدفنهم إيّاه ، فأخرجه يوسف وصلبه في الكناسة أربع سنين ، ثم أمر به فأُحرق بالنار وذري في الرياح ، فلعن اللّه قاتله وخاذله ، وإلى اللّه جل اسمه أشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيه بعد موته ، وبه نستعين على عدونا وهو خير مستعان (
[10]).
11 ـ قال الصادق ( عليه السلام ) لاَبي ولاّد الكاهلي : رأيت عمي زيداً؟ قال : نعم رأيته مصلوباً ، ورأيت الناس بين شامت وبين محزون محترق ، فقال : أمّا الباكي فمعه في الجنّة وأمّا الشامت فشريك في دمه (
[11]).
12 ـ روى الراوندي عن الحسن بن راشد قال : ذكرت زيد بن علي فتنقَّصته عند أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) فقال : لاتفعل ، رحم اللّه عمي أتى أبي ، فقال : إنّي أُريد الخروج على هذا الطاغية. فقال : لاتفعل ، فإنّي أخاف أن تكون المقتول المصلوب على ظهر الكوفة ـ إلى أن قال الاِمام ( عليه السلام ) للحسن : ـ ياحسن إنّا أهل بيت لا يخرج أحدنا من الدنيا حتى يقرّ لكل ذي فضل فضله (
[12]).
13ـ روى الصدوق عن أبي عبدون عن أبيه قال : لمّا حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون ، وكان قد خرج بالبصرة ، وأحرق دور ولد العباس ، ووهب المأمون جرمه لاَخيه علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) وقال له : لئن خرج أخوك وفعل ما فعل ، لقد خرج من قبله زيد بن علي فقتل ولولا مكانتك لقتلته فليس ما أتاه بصغير! فقال : ( عليه السلام ) له :
لا تقس أخي زيداً إلى زيد بن علي فإنّه كان من علماء آل محمد ( عليهم السلام ) غضب له ، فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر أنّه سمع أباه جعفر بن محمد يقول : رحم اللّه عمي زيداً إنّه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ، ولقد استشارني في خروجه فقلت له : ياعم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك ، فلما ولي قال جعفر بن محمد ( عليه السلام ) : ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه .
فقال المأمون : أليس قد جاء في من ادّعى الاِمامة بغير حقها ما
جاء؟ فقال : ( عليه السلام ) : إنّ زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق ، وإنّه كان أتقى من ذلك ، إنّه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد ( عليهم السلام ) إنّما جاء ما جاء في من يدّعي أنّ اللّه نصَّ عليه ، ثم يدعو إلى غير دين اللّه ويضل عن سبيله بغير علم ، وكان زيد بن علي واللّه ممن خوطب بهذه الآية :
وَجاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجتَباكُم (
[13]).
14 ـ روى الشيخ الطوسي عن مهزم بن أبي بردة الاَسدي قال : دخلت المدينة حِدثان صلب زيد ـ رضي اللّه عنه ـ فدخلت على أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) فساعة رآني قال : يامهزم ما فعل بزيد؟ قال : قلت : صلب ، قال : أين؟ قال : قلت : في كناسة بني أسد ، قال : أنت رأيته مصلوباً في كناسة بني أسد؟ قال : قلت : نعم ، قال : فبكى حتى بكت النساء خلف الستور ثم قال : أما واللّه لقد بقي لهم عنده طلبة ما أخذوها منه بعد قال فجعلت أُفكر وأقول أي شيءٍ طلَبتهم بعد القتل والصلب؟ قال : فودعته وانصرفت حتى انتهيت الكناسة ، فإذا أنا بجماعة فأشرفت عليهم ، فإذا زيد قد أنزلوه من خشبته يريدون أن يحرقوه قال قلت : هذه الطلبة التي قال لي (
[14]).
15 ـ روى الكليني عن سليمان بن خالد قال : قال لي أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : كيف صنعتم بعمي زيد؟ قلت : إنّهم كانوا يحرسونه فلما شفّ الناس أخذنا خشبته فدفناه في جرف على شاطيء الفرات فلما أصبحوا جالت الخيل يطلبونه فوجدوه فأحرقوه فقال : أفلا أوقرتموه حديداً وألقيتموه في الفرات ـ صلى اللّه عليه ـ ولعن قاتله (
[15]).
16 ـ روى الكليني عن الحسن بن الوشاء عمن ذكره عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ أذن في هلاك بني أُمية بعد إحراقهم زيداً بسبعة أيام (
[16]).
17 ـ روى أيضـاً عن أبـي هاشـم الجعفري قـال : سـألـت الرضا عن المصلوب؟ فقال : أما علمت أنّ جدي صلّـى على عمه (
[17]).
18 ـ روى الكشـي في ترجمة السيـد الحميري عن فضيل الرسان ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) بعد ماقتل زيد بن علي ( عليه السلام ) فادخلت بيتاً في جوف بيت ، وقال لي : يا فضيل ، قتل عمي زيد بن علي؟ قلت : نعم جعلت فداك ، فقال : رحمه اللّه ، أما إنّه كان موَمناً وكان عارفاً وكان عالماً ، وكان صدوقاً ، أما إنّه لو ظفر لوفى ، أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها ، قلت : ياسيدي ألا أُنشدك شعراً؟ قال : أمهل ثم أمر بستور فسدلت ، وبأبواب فتحت ، ثم قال : أنشد فأ نشدته :
لاَُمّ عمرو باللوى مربع |
|
[18]) |
([10]) أمـالي الصـدوق : 321 ، المجلـس : 62 ح3؛ وأمـالي الطوسـي : 2/48؛ والمجلـسي : البحـار :
46/172.