الاختيار والاستطاعة
* - عن ابن عباس قالوا : لما انصرف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من صفين قام إليه شيخ ممن شهد الوقعة معه فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا هذا أبقضاء من الله وقدر ؟ وقال الرضا في روايته عن أبائه ، عن الحسين بن علي عليهم السلام : دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : أجل ياشيخ فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر ; فقال الشيخ عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين ، فقال : مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاءا حتما وقدرا لازما ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والامر والنهي والزجر ، ولسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم تكن على مسئ لائمة ، ولا لمحسن محمدة ، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب ، والمذنب أولى بالاحسان من المحسن ، تلك مقالة عبدة الاوثان و خصماء الرحمن ، وقدرية هذه الامة ومجوسها ، ياشيخ إن الله عزوجل كلف تخييرا ، ونهى تحذيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ، قال : فنهض الشيخ وهو يقول :
أنت الامام الذى نرجو بطاعته يوم النجاة من الرحمن غفرانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربك عنا فيه إحسانا
فليس معذرة في فعل فاحشة قد كنت راكبها فسقا وعصيانا
لا لا ولا قابلا ناهيه أوقعه فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا
ولا أحب ولا شاء الفسوق ولا قتل الولي له ظلما وعدوانا
أنى يحب وقد صحت عزيمته ؟ ذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا
زاد ابن عباس في حديثه : فقال الشيخ : يا أميرالمؤمنين القضاء والقدر اللذان ساقانا ؟ وما هبطنا واديا وما علونا تلعة إلا بهما ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الامر من الله والحكم ، ثم تلا هذه الآية : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا
* - مر أمير المؤمنين عليه السلام بجماعة بالكوفة وهم يختصمون بالقدر ، فقال لمتكلمهم : أبالله تستطيع ؟ أم مع الله ؟ أم من دون الله تستطيع ؟ فلم يدر ما يرد عليه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن زعمت أنك بالله تستطيع فليس إليك من الامر شئ ، وإن زعمت أنك مع الله تستطيع فقد زعمت أنك شريك معه في ملكه ، وإن زعمت أنك من دون الله تستطيع فقد ادعيت الربوبية من دون الله تعالى ; فقال : يا أمير المؤمنين لا بل بالله أستطيع ، فقال : أما إنك لو قلت غير هذا لضربت عنقك .
* - سئل عليه السلام عن التوحيد والعدل ، فقال : التوحيد أن لا تتوهمه والعدل أن لا تتهمه .
* - عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال يوما : أعجب ما في الانسان قلبه فيه مواد من الحكمة وأضداد لها من خلافها ، فإن سنح له الرجاء ولهه الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الاسف ، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ ، وإن أسعد بالرضا نسي التحفظ ، وإن ناله الخوف شغله الحزن ، وإن أصابته مصيبة قصمه الجزع ، وإن وجد مالا أطغاه الغنى ، وإن عضته فاقة شغله البلاء ، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة ، فكل تقصير به مضر ، و كل إفراط له مفسد . فقام إليه رجل ممن شهد وقعة الجمل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر ، فقال : بحر عميق فلا تلجه ; فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر ; فقال : بيت مظلم فلا تدخله . فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر ; فقال : سر الله فلا تبحث عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر ، فقال : لما أبيت فإنه أمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض . فقال يا أمير المؤمنين إن فلانا يقول بالاستطاعة وهو حاضر ، فقال علي عليه السلام : علي به ، فأقاموه فلما رآه قال له : الاستطاعة تملكها مع الله أو من دون الله ؟ وإياك أن تقول واحدة منهما فترتد ، فقال : وما أقول يا أمير المؤمنين ؟ قال : قل : أملكها بالله الذي أنشأ ملكتها .
* روى الكراجكي مثله . وفيه : من وسع عليك الطريق لم يأخذ عليك المضيق وفي القاموس : دهاه : أصابه بداهية ، وهي الامر العظيم .
* - روي أن الحجاج بن يوسف كتب إلى الحسن البصري وإلى عمرو ابن عبيد وإلى واصل بن عطا وإلى عامر الشعبي أن يذكروا ما عندهم وما وصل إليهم في القضاء والقدر ، فكتب إليه الحسن البصري : إن أحسن ما انتهى إلى ما سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : أتظن أن الذي نهاك دهاك ؟ وإنما دهاك أسفلك وأعلاك ، والله برئ من ذاك . وكتب إليه عمرو بن عبيد : أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : لو كان الزور في الاصل محتوما كان المزور في القصاص مظلوما . وكتب إليه واصل بن عطا : أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : أيدلك على الطريق ويأخذ عليك المضيق ؟ . وكتب إليه الشعبي أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : كل ما استغفرت الله منه فهو منك ، وكل ما حمدت الله عليه فهو منه . فلما وصلت كتبهم إلى الحجاج ووقف عليها قال : لقد أخذوها من عين صافية .