هذا الذي يقهر الملوك ، ويفرق العرب
* ذكرت حليمة بنت أبي ذؤيب عبدالله بن الحارث من مضر زوجة الحارث
ابن عبدالعزى المضري أن البوادي أجدبت ، وحملنا الجهد على دخول البلد ، فدخلت مكة ، ونسآء بني سعد قد سبقن إلى مراضعهن ، فسألت مرضعا فدلوني على عبدالمطلب ، وذكر أن له مولودا يحتاج إلى مرضع له ، فأتيت إليه فقال : يا هذه عندي بني لي يتيم اسمه محمد ، فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما فسطع منهما نور ، فشرب من ثديي الايمن ساعة ، ولم يرغب في الايسر أصلا ، واستعمل في رضاعه عدلا ، فناصف فيه شريكه ، واختار اليمين اليمين ، وكان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فحملته على الاتان وكانت قد ضعفت عند قدومي مكة فجعلت تبادر سائر الحمر إسراعا قوة ونشاطا ، واستقبلت الكعبة وسجدت لها ثلاث مرات ، وقالت : برئت من مرضي ، وسلمت من غشي وعلي سيد المرسلين ، وخاتم النبيين وخير الاولين والآخرين ، فكان الناس يتعجبون منها ومن سمني وبرئي ودر لبني ، فلما انتهينا إلى غار خرج رجل يتلالؤ نوره إلى عنان السمآء وسلم عليه ، وقال : إن الله تعالى وكلني برعايته ، وقابلنا ظبأ وقلن : يا حليمة لا تعرفين من تربين هو أطيب الطيبين ، وأطهر الطاهرين ، وما علونا تلعة ولا هبطنا واديا إلا سلموا عليه ، فعرفت البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتى أثرينا وكثرت مواشينا وأموالنا ، ولم يحدث في ثيابه ، ولم تبدعورته ، ولم يحتج في يوم إا مرة ، وكان مسرورا مختونا ، وكنت أرى شابا على فراشه يعدله ثيابه ، فربيته خمس سنين ويومين ، فقال لي يوما : أين يذهب إخواني كل يوم ؟ قلت : يرعون غنما فقال : إنني اليوم اوافقهم ، فلما ذهب معهم أخذه ملائكة وعلوه على قلة جبل ، وقاموا بغسله وتنظيفه ، فأتاني ابني وقال : ادركي محمدا فإنه قد سلب ، فأتيته فإذا هو بنور يسطع في السمآء فقبلته فقلت : ما أصابك ؟ قال : لاتحزني إن الله معنا ، وقص عليها قصته ، فانتشر منه فوح مسك أذفر ، وقال الناس : غلبت عليه الشياطين ، وهو يقول : ما أصابني شئ ، وما علي من بأس ، فرآه كاهن وصاح وقال : هذا الذي يقهر الملوك ، ويفرق العرب ([1])