فرح قريش برمد علي
*- قال في اعلام الورى : ثم كانت غزوة خيبر في ذى الحجة من سنة ست ، وذكر الواقدي أنها كانت أول سنة سبع من الهجرة ، وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه واله بضعا وعشرين ليلة وبخيبر أربعة عشر ألف يهودي في حصونهم ، فجعل رسول الله عليه السلام يفتحها حصنا حصنا ، وكان من أشد حصونهم وأكثرها رجالا القموص ، فأخذ أبوبكر راية المهاجرين فقاتل بها ثم رجع منهزما ، ثم أخذها عمر من الغد فرجع منهزما يجبن الناس ويجبنونه حتى ساء رسول الله صلى الله عليه واله ذلك ، فقال : لا عطين الراية غدا رجلا كرارا غير فرار ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ، فغدت قريش يقول بعضهم لبعض : أما علي فقد كفيتموه فإنه أرمد لا يبصر موضع قدمه ، وقال علي عليه السلام لما سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه واله : اللهم لا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت فأصبح رسول الله صلى الله عليه واله واجتمع إليه الناس قال سعد : جلست نصب عينيه ، ثم جثوت على ركبتي ، ثم قمت على رجلي قائما ، رجاء أن يدعوني ، فقال : ادعوا لي عليا فصاح الناس من كل جانب إنه أرمد رمدا لا يبصر موضع قدمه ، فقال : أرسلوا إليه وادعوه فأتي به يقاد ، فوضع رأسه على فخذه ثم تفل في عينيه ، فقام وكأن عينيه جزعتان ، ثم أعطاه الراية ودعا له فخرج يهرول هرولة ، فوالله ما بلغت أخراهم حتى دخل الحصن ، قال جابر : فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا وصاح سعد : اربع يلحق بك الناس ، فأقبل حتى ركزها قريبا من الحصن ، فخرج إليه مرحب في عادته باليهود ، فبارزه فضرب رجله فقطعها وسقط ، وحمل علي عليه السلام والمسلمون عليهم فانهزموا .
قال أبان : وحدثني زرارة قال : قال الباقر عليه السلام : انتهى إلى باب الحصن وقد أغلق في وجهه ، فاجتذبه اجتذابا وتترس به ، ثم حمله على ظهره ، واقتحم الحصن اقتحاما واقتحم المسلمون والباب على ظهره ، قال : فو الله ما لقي علي من الناس تحت الباب أشد مما لقي من الباب ، ثم رمى بالباب رميا ، وخرج البشير إلى رسول الله صلى الله عليه واله إن عليا عليه السلام دخل الحصن ، فأقبل رسول الله فخرج علي عليه السلام يتلقاه فقال صلى الله عليه واله : بلغني نبأك المشكور ، وصنيعك المذكور ، قد رضي الله عنك فرضيت أنا عنك فبكى علي عليه السلام فقال له : ما يبكيك ياعلي ؟ فقال : فرحا بأن الله ورسوله عني راضيان .
قال : وأخذ علي فيمن أخ صفية بنت حبي فدعا بلالا فدفعها إليه ، وقال له : لاتضعها إلا في يدي رسول الله صلى الله عليه واله حتى يرى فيها رأيه ، فأخرجها بلال ومر بها إلى رسول الله صلى الله عليه واله على القتلى وقد كادت تذهب روحها فقال صلى الله عليه واله : أنزعت منك الرحمة يا بلال ؟ ثم اصطفاها لنفسه ، ثم أعتقها وتزوجها .
قال : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه واله من خيبر عقد لواء ، ثم قال : من يقوم إليه فيأخذه بحقه ؟ وهو يريد أن يبعث به إلى حوائط فدك ، فقام الزبير إليه فقال : أنا ، فقال : امط عنه ثم قام إليه سعد فقال : امط عنه ثم قال : يا علي قم إليه فخذه فأخذه فبعث به إلى فدك فصالحهم على أن يحقن دماءهم فكانت حوائط فدك لرسول الله خاصا خالصا ، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال : إن الله عزوجل يأمرك أن تؤتي ذا القربى حقه ، قال : يا جبرئيل ومن قرباي ؟ و ما حقها ؟ قال فاطمة ، فأعطها حوائط فدك ومالله ولرسوله فيها ، فدعا رسول الله صلى الله عليه واله فاطمة وكتب لها كتابا جاءت به بعد موت أبيها إلى أبي بكر ، وقالت : هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه واله لي ولا بني .
قال : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه واله خيبر أتاه البشير بقدوم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة إلى المدينة ، فقال صلى الله عليه واله : ما أدري بأيهما أنا أسر ؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ؟ .
*- وعن سفيان الثوري ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه واله ، فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه واله حجل ، يعني مشى على رجل واحدة إعظاما لرسول الله صلى الله عليه واله ، فقبل رسول الله بين عينيه.
*- وروى زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه واله لما استقبل جعفرا التزمه ثم قبل بين عينيه.
، قال : وكان رسول الله صلى الله عليه واله بعث قبل أن يسير إلى خيبر عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي عظيم الحبشة ودعاه إلى الاسلام فأسلم ، وكان أمر عمروا أن يتقدم بجعفر وأصحابه ، فجهز النجاشي جعفر او أصحابه بجهاز حسن ، وأمر لهم بكسوة وحملهم في سفينتين(
[1])
*- لمّا عاد رسول الله صلى الله عليه واله من الحديبيّة، أقام في المدينة ذا الحجة وبعض المحرّم، فسار إلى خيبر، وكان في ركابه ألف وأربعمائة رجل، مائتان منهم كانوا فارساً، وذلك كان في سنة سبع من الهجرة وعمرو بن الأكوع كان يحدوهم:
والله لولا الله ما اهتدينا |
|
ولا تصدّقنا ولا صلّينا |
فأنزلن سكينة علينا |
|
وثبت الأقدام إن لاقينا |
فقال له رسول الله صلى الله عليه واله: رحمك الله، واستشهد عمرو بن خيبر.
فلما أشرف رسول الله صلى الله عليه واله على خيبر قال لأصحابه: قفوا، ثم قال:
(اللّهم ربّ السّماوات وما أظللن، وربّ الأرضين وما أقللن، وربّ الشياطين وما أضللن، وربّ الرياح وما أذرين، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشرّ أهلها وشرّ ما فيها) فافتتحوا حصوناً وأوّل حصن فتح لهم حصن ناعم.. فبقي حصنان ــ الوطيع والسلالم ــ فلم يقدروا على فتحهما، فحاصروهما وطال حصارهم إيّاهما بضع عشرة ليلة.
قال سلمة بن الأكوع كما في حيلة الأولياء
(1) : (بعث رسول الله صلى الله عليه واله أبابكر برايته فرجع ولم يكن فتح وقد جهد، ثمّ بعث عمر الغد فرجع ولم يكن فتح وقد جهد... فقال رسول الله صلى الله عليه واله: لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرّار، فدعا بعليّ u وهو أرمد، فتفل في عينيه فقال صلى الله عليه واله: هذه الراية امضِ بها حتى يفتح الله على يديك.
قال سلمة: فخرج والله يهرول حتى ركّز رايته في رضم
(2) من الحجارة تحت الحصن، فأطلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ فقال: عليّ بن أبي طالب. فقال اليهودي لمن في الحصن: غلبتم وما نزل على موسى).
وممن أخرج حديث سلمة بن الأكوع أيضاً: ابن هشام في السيرة
(3)، بالاسناد إلى سفيان بن فروة الأسلمي عن سلمة بن عمرو بن الأكوع.
(4).
(5).
(6).
(7).
(1) عن عليّ u قال: (سار رسول الله صلى الله عليه واله إلى خيبر، فلّما أتاها... بعث عمر ومعه الناس إلى مدينتهم وإلى قصورهم، فلم يلبثوا إلاّ أن هزموا عمر وأصحابه، فجاء يجبنهم ويجبّنونه، فساء ذلك رسول الله صلى الله عليه واله فقال: لأبعثنّ عليهم رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله يقاتلهم حتى يفتح الله له، ليسر بفرّار، فتطاول الناس لها ومدّوا أعناقهم يرونه أنفسهم زحاماً.
قال: فمكث رسول الله صلى الله عليه واله ساعة، فقال: أين علي؟
فقالوا: هو أرمد.
قال: ادعوه لي، فلّما أتيته فتح عيني ثم تفل فيها ثمّ أعطاني الراية… فقاتلهم فبرز «مرحب يرتجز، وبرزت له أرتجز كما يرتجز حتّى التقينا فقتله الله بيدي وانهزم أصحابه، فتحصّنوا وأغلقوا الباب، فأتينا الباب فلم أزل أعالجه حتى فتحه الله).
قال المتقي: أخرجه ابن أبي شيبة والبزّاز، وسنده حسن.
وذكره الهيثمي أيضاً في مجمع الزوائد
(2) وقال: رواه البزّاز.
(3) قال: وعن ابن عباس، قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه واله إلى خيبر أبا بكر فرجع منهزماً ومن معه، فلمّا كان من الغد بعث عمر، فرجع منهزماً يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح الله عليه، فثار الناس فقال صلى الله عليه واله: أين علي؟ فإذا هو يشتكي عينيه، فتفل في عينيه ثمّ دفع إليه الراية فهزّها ففتح الله عليه).
قال: رواه الطبراني.
نعم إن رسول الله صلى الله عليه واله بعد قوله: «لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّار غير فرّار، قال: أين علي.. ادعوه لي. فأعطاه الراية، فنهض بها، فأتى حصن خيبر، فخرج مرحب الخيبري وهو يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أنّي مرحب |
|
شاكي السّلاح بطل مجرّب |
أطعن أحياناً وحيناً أضرب |
|
إذا اللّيوث أقبلت تلهّب |
كأن حماي كالحمى لا يقــرب
فارتجز عليّ u وقال:
أنا الذي سمّتني أمي حيدرة |
|
كليث غابات كريه المنظرة |
أكيلكم بالسيف كيل السنــدرة
فاختلفا ضربتين فبدره عليّ u فضربه فقدّ الحجفة والمغفر ورأسه، فوقع على الأرض ميّتاً، وأخذ الحصن.
قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه واله: (خرجنا مع علي u حين بعثه رسول الله صلى الله عليه واله برايته إلى خيبر، فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه يهودي، فطرح ترسه من يده، فتناول عليّ u باباً كان عند الحصن فتترّس به عن نفسه، فلم يزل من يده وهو u يقاتل حتّى فتحها الله على يديه، ثمّ ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد أن نقلب ذاك الباب فما تقلّبه)
(1) .
فلمّا أيقن أهل خيبر بالهلكة ، سألوا رسول الله صلى الله عليه واله أن يسيرهم ويحقن دمائهم فأجابهم إلى ذلك.
فلمّا سمع بذلك أهل فدك بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه واله يسألونه أن يسيرهم ويخلون له الأموال، ففعل رسول الله صلى الله عليه واله ذلك. فكانت خيبر فيئاً للمسلمين، وفدك كانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه واله، لأنّ المسلمين ما أوجفوا عليها من خيل ولا ركاب.. ]وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يُسلّط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير[
(2).
وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه واله فدك لابنته فاطمة (عليها السلام) بأمر من الله عزوجل، وقد ذكرنا تفصيل قصة فدك في كتاب خاص
(3) فراجعها.
(4): قال حدثنا أبو النضر، قال حدثنا عكرمة، قال حدثني إياس بن سلمة، قال أخبرني أبي، قال: بارز عمي يوم خيبر مرحب اليهودي، فقال مرحب:
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال عمي عامر:
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب يسفل له فرجع السيف على ساقه قطع أكحله فكانت فيها نفسه، قال سلمة بن الأكوع: لقيت ناسا من صحابة النبي صلى الله عليه واله فقالوا بطل عمل عامر قتل نفسه، قال سلمة: فجئت إلى نبي الله صلى الله عليه واله أبكي، قلت يا رسول الله: بطل عمل عامر، قال من قال: ذاك قلت: ناس من أصحابك، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : كذب من قال ذاك، بل له أجره مرتين، إنه حين خرج إلى خيبر جعل يرجز بأصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وفيهم النبي صلى الله عليه واله يسوق الركاب وهو يقول:
تالله لولا الله ما اهتدينا |
|
ولا تصدقنا ولا صلينا |
إن الذين قد بغوا علينا |
|
إذا أرادوا فتنة أبينا |
ونحن عن فضلك ما استغنينا |
|
فثبت الأقدام إن لاقينا |
وأنزلــن سكينـة علينـا
فقال رسول الله صلى الله عليه واله من هذا: قال عامر يا رسول الله، قال: غفر لك ربك قال: وما استغفر لإنسان قط يخصه إلا استشهد، فلما سمع ذلك عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله لو متعتنا بعامر، فقدم فاستشهد، قال سلمة: ثم إن نبي الله صلى الله عليه واله أرسلني إلى علي فقال: لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله، قال: فجئت به أقوده أرمد فبصق نبي الله صلى الله عليه واله في عينه ثم أعطاه الراية، فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب |
|
شاكي السلاح بطل مجرب |
إذا الحروب أقبلـت تلهـب
فقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
أنا الذي سمتني أمي حيدره |
|
كليث غابات كريه المنظره |
أوفيهم بالصاع كيل السنـدره
ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه) انتهى
(1).
(2):21953 حدثنا محمد بن جعفر وروح المعنى قالا :حدثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله قال: روح الكردي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة الأسلمي قال: (لما نزل رسول الله صلى الله عليه واله بحصن أهل خيبر أعطى رسول الله صلى الله عليه واله اللواء عمر بن الخطاب ونهض معه من نهض من المسلمين فلقوا أهل خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فلما كان الغد دعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ونهض الناس معه فلقي أهل خيبر وإذا مرحب يرتجز بين أيديهم وهو يقول
لقد علمت خيبر أني مرحب
|
|
شاكي السلاح بطل مجرب |
أطعن أحيانا وحينا أضرب |
|
إذا الليوث أقبلت تلهب |
قال: فاختلف هو وعلي عليه السلام ضربتين فضربه على هامته حتى عض السيف منها بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته قال: وما تتام آخر الناس مع علي عليه السلام حتى فتح له ولهم).