العتبة العلوية المقدسة - التحكيم ومن حضره ونتائجه -
» سيرة الإمام » » جهاد الامام علي عليه السلام » جهادة في خلافته » واقعة صفين » التحكيم ومن حضره ونتائجه

التحكيم ومن حضره ونتائجه
فرض الأشعري للتحكيم
*-  عن جابر ، عن أبى جعفر محمد بن على قال : لما أراد الناس عليا على أن يضع حكمين قال لهم على : إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص ، وإنه لا يصلح للقرشي إلا مثله ، فعليكم بعبد الله بن عباس فارموه به ، فإن عمرا لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله ، ولا يحل عقدة إلا عقدها ، ولا يبرم أمرا إلا نقضه ، ولا ينقض أمرا إلا أبرمه . فقال الأشعث : لا والله لا يحكم فيها مضريان حتى تقوم الساعة ، ولكن أجعله رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر . فقال على : إنى أخاف أن يخدع يمنيكم ، فإن عمرا ليس من الله في شئ إذا كان له في أمر هوى فقال الأشعث : والله لأن يحكما ببعض ما نكره ، وأحدهما من أهل اليمن ، أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مضريان . ([1]
المرافقين للمحكمين
*-  روى نصر ان عليا عليه السلام بعث أربعمائة رجل وبعث عليهم شريح بن هانئ الحارثي وبعث عبد الله بن عباس يصلي بهم ويلي أمورهم وأبو موسى الأشعري معهم وبعث معاوية شرحبيل بن السمط مع عمرو بن العاص في أربعمائة رجل فكان إذا كتب علي بشئ اتاه أهل الكوفة فقالوا ما الذي كتب به إليك أمير المؤمنين فيكتمهم فيقولون كتب إليك في كذا وكذا ويجئ رسول معاوية إلى عمرو بن العاص فلا يدري في أي شئ جاء ولا في أي شئ ذهب فأنب ابن عباس أهل الكوفة بذلك
 ثم ودع شرحبيل عمرو بن العاص وقال له انك رجل قريش وان معاوية لم يبعثك الا ثقة بك وانك لن تؤتى من عجز ولا مكيدة فكن عند ظننا بك وانصرف
وودع شريح أبا موسى وقال إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه و لا يستقال فتقه وانه لا بقاء لأهل العراق ان ملكها معاوية ولا باس لأهل الشام ان ملكها علي وقد كانت منك تثبيطة بالكوفة فان تشفعها بمثلها يكن الظن فيك يقينا والرجاء يأسا .
وكان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس فقال له يا أبا موسى أعرف خطب هذا الامر وأعلم ان له ما بعده وانك ان أضعت العراق فلا عراق فاتق الله فإنها تجمع لك دنياك وآخرتك وإذا لقيت عمرا غدا فلا تبدأه بالسلام فإنها وإن كانت سنة الا انه ليس من أهلها وإياك ان يقعدك على صدر الفراش فإنها خدعة ولا تلقه الا وحده واحذره ان يكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ فيه الرجال والشهود .
 ثم أراد ان يختبر ما في نفسه فقال له فإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي فخيره بين ان يختار أهل العراق من قريش الشام من شاؤوا أو يختار أهل الشام من قريش العراق من شاؤوا
قال أبو موسى قد سمت ما قلت ولا يستنكر ذلك
 فاتى الأحنف عليا فقال يا أمير المؤمنين اخرج والله أبا موسى زبدة سقائه في أول مخضة لا أرانا الا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك فقال علي يا أحنف ان الله غالب على امره قال فمن ذلك تجزع وفشا أمر الأحنف وأبي موسى في الناس فجهز الشني راكبا فتبع به أبا موسى بهذه الأبيات :
أبا موسى جزاك الله خيرا * عراقك ان حظك في العراق
وان الشام قد نصبوا إماما * من الأحزاب معروف النفاق
وانا لا نزال لهم عدوا * أبا موسى إلى يوم التلاقي
فلا تجعل معاوية بن حرب * إماما ما مشت قدم بساق
ولا يخدعك عمرو ان عمرا * أبا موسى تحاماه الرواقي
فكن منه على حذر وانهج * طريقك لا تزال بك المراقي
وقال شريح مع ذلك :
 أبا موسى رميت بشر خصم * فلا تضع العراق فدتك نفسي
واعط الحق شامهم وخذه * فان اليوم في مهل كامس
 وان غدا يجئ بما عليه * يدور الامر من سعد ونحس
ولا يخدعك عمرو ان عمرا * عدو الله مطلع كل شمس
له خدع يحار العقل فيها * مموهة مزخرفة بلبس
فلا تجعل معاوية بن حرب * كشيخ في الحوادث غير نكس –
 - هداه الله للاسلام فردا * سوى عرس النبي وأي عرس
 فقال أبو موسى ما ينبغي لقوم اتهموني ان يرسلوني لأدفع عنهم باطلا أو اجر إليهم حقا .
ثم إنهم خلوا بين الحكمين فكان رأي أبي موسى في عبد الله بن عمر وكان يقول والله ان استطعت لأحيين سنة عمر .
وأبطأت الاخبار على معاوية فبعث إلى رجال من قريش من الذين كرهوا ان يعينوه في حربه فاتوه منهم عبد الله بن الزبير وأتاه المغيرة بن شعبة وكان مقيما بالطائف لم يشهد صفين فقال يا مغيرة ما ترى قال لو وسعني ان أنصرك لنصرتك ولكن علي ان آتيك بأمر الرجلين فركب حتى اتى دومة الجندل فدخل على أبي موسى كأنه زائر فقال يا أبا موسى ما تقول فيمن اعتزل هذه الحرب
 قال أولئك خيار الناس ثم اتى عمرا فقال ما تقول فيمن اعتزل هذه الحرب
 قال عمرو أولئك شرار الناس ولم يعرفوا حقا ولم ينكروا باطلا
فرجع إلى معاوية فقال له قد ذقت الرجلين اما عبد الله بن قيس فخالع صاحبه وجاعلها لرجل لم يشهد هذا الامر وهواه في عبد الله بن عمر واما عمرو فهو صاحبك الذي تعرف .
 واقبل أبو موسى إلى عمرو فقال هل لك في أمر هو للأمة صلاح ولصلحاء الناس رضا نولي هذا الامر إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي لم يدخل في شئ من هذه الفتنة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير قريبان يسمعان هذا الكلام فقال عمرو فأين أنت من معاوية فابى عليه أبو موسى وشهدهم عبد الله بن هشام وعبد الرحمن بن عبد يغوث وأبو الجهم بن حذيفة العدوي والمغيرة بن شعبة فقال عمرو أ لست تعلم أن عثمان قتل مظلوما قال بلى قال اشهدوا فما يمنعك يا أبا موسى من معاوية ولي عثمان وبيته في قريش ما قد علمت فان خشيت أن يقول الناس ولى معاوية وليست له سابقة فان لك بذلك حجة تقول اني وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم الطالب بدمه الحسن السياسة الحسن التدبير وهو أخو أم حبيبة أم المؤمنين واحد الصحابة ثم عرض له بالسلطان فقال إن هو ولى هذا الامر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط مثلها فقال أبو موسى اتق الله يا عمرو اما ذكرك شرف معاوية فان هذا الامر ليس على الشرف يولاه أهله ولو كان على الشرف لكان أحق الناس به أبرهة بن الصباح انما هو لأهل الدين والفضل مع اني لو كنت اعطيه أفضل قريش شرفا أعطيته علي بن أبي طالب واما قولك ان معاوية ولي عثمان فاني لم أكن أوليه معاوية وأدع المهاجرين الأولين واما تعريضك بالسلطان فوالله لو خرج لي من سلطانه ما وليته ولا كنت لأرتشي في الله ولكنك ان شئت احيينا سنة عمر بن الخطاب أو اسم عمر بن الخطاب قال إن كنت تريد ان تبايع ابن عمر فما يمنعك من ابني وأنت تعرف فضله وصلاحه قال إن ابنك رجل صدق لكنك قد غمسته في هذه الفتنة فان شئت ولينا هذا الامر الطيب عبد الله بن عمر بن الخطاب قال عمرو ان هذا الامر لا يصلح له الا رجل ضرس يأكل ويطعم وان عبد الله ليس هناك وكان في أبي موسى غفلة فقال عبد الله بن الزبير لابن عمر اذهب إلى عمرو بن العاص فارشه فقال ابن عمر لا والله ما أرشوا عليها ابدا ما عشت ولكنه قال ويلك يا ابن العاص ان العرب قد أسندت إليك امرها بعد ما تقارعت بالسيوف وتشاجرت بالرماح فلا تردهم في فتنة واتق الله وكان عمرو وأبو موسى حيث التقيا بدومة الجندل اخذ عمرو يقدم أبا موسى في الكلام ويقول انك قد صحبت رسول الله صلى الله عليه واله  قبلي وأنت أكبر مني فتكلم ثم أتكلم وجعل يقدمه في كل شئ يغتره بذلك ليقدمه فيبدأ بخلع علي فلما اراده عمرو على معاوية فابى واراده على ابنه فابى واراده أبو موسى على عبد الله بن عمر فابى قال عمرو اخبرني يا أبا موسى ما رأيك قال رأيي ان اخلع هذين الرجلين عليا ومعاوية ثم نجعل هذا الامر شورى بين المسلمين يختارون لأنفسهم من شاؤوا فقال له عمرو الرأي ما رأيت فاقبلا إلى الناس وهم مجتمعون فتكلم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه فقال إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو ان يصلح الله به أمر هذه الأمة قال عمرو صدق ثم قال يا أبا موسى تقدم فتكلم فتقدم أبو موسى ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال ويحك والله اني لأظنه قد خدعك ان كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه قبلك فيتكلم بذلك الامر قبلك ثم تكلم أنت بعده فان عمرا رجل غدار ولا آمن ان يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فإذا قمت به في الناس خالفك وكان أبو موسى رجلا مغفلا فقال انا قد اتفقنا فتقدم أبو موسى ثم قال يا أيها الناس انا قد نظرنا في أمر هذه الأمة وقد أجمع رأيي ورأي صاحبي على خلع علي ومعاوية ونستقبل هذا الامر فيكون شورى بين المسلمين فيولون أمورهم من أحبوا واني قد خلعت عليا ومعاوية فاستقبلوا امركم وولوا من رأيتم لها أهلا ثم تنحى فقعد وقام عمرو بن العاص مقامه فقال إن هذا قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه وانا اخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه فقال له أبو موسى ما لك لا وفقك الله قد غدرت وفجرت وانما مثلك مثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث فقال عمرو انما مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا .
وحمل شريح بن هاني على عمرو فقنعه بالسوط
 وحمل على شريح ابن لعمرو فضربه بالسوط وقام الناس فحجزوا بينهم فكان شريح يقول ما ندمت على شئ ندامتي على أن لا أكون ضربته بالسيف بدل السوط اتى الدهر بما اتى
والتمس أصحاب علي أبا موسى فركب ناقته فلحق بمكة فكان ابن عباس يقول قبح الله أبا موسى حذرته وأمرته بالرأي فما عقل
وكان أبو موسى يقول قد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكن اطمأننت إليه وظننت انه لن يؤثر شيئا على نصيحة الأمة
وقام سعيد بن قيس فقال والله لو اجتمعتما على الهدى ما زدنا على ما نحن الآن عليه وما ضلالكما بلازمنا وانا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس وتكلم الناس غير الأشعث بن قيس
ولما فعل عمرو ما فعل واختلط الناس رجع إلى منزله وجهز راكبا إلى معاوية يخبره بالامر من أوله إلى آخره ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة ورجع ابن عباس وشريح ومن معهما إلى علي وقال ابن عم لأبي موسى :
 أبا موسى بليت فكنت شيخا * قريب القعر مدهوش الجنان
رمى عمرو صفاتك يا ابن قيس * بأمر لا تنوء به اليدان
وقد كنا نجمجم عن ظنون * فصرحت الظنون عن العيان
فعض الكف من ندم وما ذا * يرد عليك عضك بالبنان
ثم إن معاوية بعد ما ولاه مصر عزله عنها وولاها عبد العزيز بن مروان بن الحكم فكتب إليه عمرو :
 معاوية الحال لا تجهل * وعن طرق الحق لا تعدل
خلعت الخلافة من حيدر * كخلع النعال من الأرجل
وألبستها لك يا ابن اللئام * كلبس الخواتم في الأنمل
ولولاي كنت كمثل النساء * تعاف الخروج من المنزل
ولم تك والله من أهلها * ورب العباد ولم تكمل
فأين الحصى من نجوم السماء * وأين الحسام من المنجل
وأين الثريا وأين الثرى * وأين معاوية من علي
وأعطيت مصرا لعبد العزيز * ولم تعطني زبة الخردل
وروى نصر انه دخل على علي عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص والمغيرة بن شعبة فسألوه عطاءهم وكانوا قد تخلفوا عنه في الجمل وصفين فقال ما خلفكم عني ؟
قالوا قتل عثمان ولا ندري حل دمه أو لا وقد كان أحدث احداثا ثم استتبتموه فتاب ثم دخلتم في قتله فلسنا ندري أصبتم أم أخطأتم مع انا عارفون بفضلك يا أمير المؤمنين وسابقتك وهجرتك ،
 قال علي أ لستم تعلمون ان الله قد امركم ان تامروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر فقال وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله
 قال سعد اعطني سيفا يعرف الكافر من المؤمن ، أخاف ان اقتل مؤمنا فادخل النار ، قال لهم علي أ ليس قد بايعتم عثمان على السمع والطاعة فعلا م خذلتموه إن كان محسنا وكيف لم تقاتلوه إن كان مسيئا وقد ظلمتم إذ لم تقوموا بيننا وبين عدونا بما امركم الله به إذ قال قاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فردهم ولم يعطهم شيئا اه
ويقال لسعد كان يلزم على الله تعالى حين أمر بقتال الطائفة الباغية ان ينزل سيوفا من السماء تعرف الباغي من المبغي عليه .
وروى نصر بسنده عن تميم بن جذيم الناجي انه أصيب بصفين من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا وأصيب من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا
ابو موسى والتحكيم
*- عن  عبد الرحمن بن حصين بن سويد قال : إني لأساير أبا موسى الأشعري على شاطئ الفرات ، وهو إذ ذاك عامل لعمر ، فجعل يحدثني ، فقال : إن بني إسرائيل لم تزل الفتن ترفعهم وتخفضهم أرضا بعد أرض ، حتى حكموا ضالين أضلا من اتبعهما . قلت : فإن كنت يا أبا موسى أحد الحكمين ، قال فقال لي : إذا لا ترك الله لي في السماء مصعدا ، ولا في الأرض مهربا إن كنت أنا هو . فقال سويد : لربما كان البلاء موكلا بالمنطق . ولقيته بعد التحكيم ، فقلت : إن الله إذا قضى أمرا لم يغالب . وانصرف علي إلى الكوفة ، فلما قدمها قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ! إن أول وقوع الفتن هوى يتبع ، وأحكام تبتدع ، يعظم فيها رجال رجالا ، يخالف فيها حكم الله ، ولو أن الحق أخلص فعمل به لم يخف على ذي حجى ولكن يؤخذ ضغث من ذا وضغث من ذا ، فيخلط فيغمل ( فيعمل ) به ، فعند ذلك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم منا الحسنى . ([2])
كلام عبد الله بن عباس لأبي موسى الأشعري
ولما أجمع أهل العراق على طلب أبي موسى الأشعري وأحضروه للتحكيم على كره من الامام علي عليه السلام أتاه عبد الله بن العباس وعنده وجوه الناس وأشرافهم فقال له أبا موسى إن الناس لم يرضوا بك ولم يجتمعوا عليك لفضل لا تشارك فيه وما أكثر أشباهك من المهاجرين والأنصار المتقدمين قبلك ولكن أهل العراق أبوا إلا أن يكون الحكم يمانيا ورأوا أن معظم أهل الشام يمان وايم الله إني لأظن ذلك شر لك ولنا فإنه قد ضم إليك داهية العرب وليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة فإن تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك منه وإن يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك
واعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الإسلام وأن أباه رأس الأحزاب وأنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة فإن زعم لك أن عمر وعثمان استعملاه فلقد صدق استعمله عمر وهو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي ويوجره ما يكره ثم استعمله عثمان برأي عمر وما أكثر من استعملا ممن لم يدع الخلافة
واعلم أن لعمر ومع كل شئ يسرك خبأ يسوءك ومهما نسيت فلا تنس أن عليا بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وأنها بيعة هدى وأنه لم يقاتل إلا العاصين والناكثين
 فقال أبو موسى رحمك الله والله مالي إمام غير علي وإني لواقف عند ما رأى وإن حق الله أحب إلى من رضا معاوية وأهل الشأم وما أنت وأنا إلا بالله
وصية شريح بن هانئ لأبي موسى الأشعري
 ولما أراد أبو موسى المسير قام إليه شريح بن هانئ الحارثي فأخذ بيده وقال يا أبا موسى إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه ولا تستفال فلتته ومهما تقل من شئ لك أو عليك يثبت حقه ويرى صحته وإن كان باطلا وإنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكهم معاوية ولا بأس على أهل الشأم إن ملكهم علي وقد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة والجمل فإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا والرجاء منك يأسا
 ثم قال ابا موسى رميت بشر خصم فلا تضع العراق فدتك نفسي وأعط الحق شامهم وخذه فإن اليوم في مهل كأمس وإن غدا يجئ بما عليه كذاك الدهر من سعد ونحس ولا يخدعك عمرو إن عمرا عدو الله مطلع كل شمس له خدع يحار العقل منها مموهة مزخرفة بلبس فلا تجعل معاوية بن حرب كشيخ في الحوادث غير نكس هداه الله للإسلام فردا سوى عرس النبي وأي عرس
 فقال أبو موسى ما ينبغي لقوم اتهموني ان يرسلوني لأدفع عنهم باطلا أو أجر إليهم حقا
وصية الأحنف بن قيس لأبي موسى الأشعري
 ولما حكم أبو موسى الأشعري أتاه الأحنف بن قيس فقال له يا أبا موسى إن هذا مسير له ما بعده من عز الدنيا أو ذلها آخر الدهر ادع القوم إلى طاعة علي فإن أبوا فادعهم أن يختار أهل الشأم من قريش العراق من أحبوا ويختار أهل العراق من قريش الشأم من أحبوا وإياك إذا لقيت ابن العاص أن تصافحه بنية وأن يقعدك على صدر المجلس فإنها خديعة وأن يضمك وإياه بيت فيكمن لك فيه الرجال ودعه فليتكلم لتكون عليه بالخيار فالبادئ مستغلق والمجيب ناطق
 فما عمل أبو موسى إلا بخلاف ما قال الأخنف وأشار به فكان من الأمر ما كان فلقيه الأحنف بعد ذلك فقال له أدخل والله قدميك في خف واحدة
وصية معاوية لعمرو بن العاص
 وقال معاوية لعمرو إن أهل العراق أكرهوا عليا على أبي موسى وأنا وأهل الشأم راضون عنك وأرجو في دفع هذه الحرب قوة لأهل الشأم وفرقة لأهل العراق وإمدادا لأهل اليمن وقد ضم إليك رجل طويل اللسان قصير الرأي وله على ذلك دين وفضل فدعه يقول فإذا هو قال فاصمت واعلم أن حسن الرأي زيادة في العقل إن خوفك العراق فخوفه بالشام وإن خوفك مصر فخوفه باليمن وإن خوفك عليا فخوفه بمعاوية وإن أتاك بالجميل فأته بالجميل
رد عمرو بن العاص عليه
 فقال عمرو يا أمير المؤمنين أقلل الاهتمام بما قبلي وارج الله تعالى فيما وجهتني له إنك من أمرك على مثل حد السيف لم تنل في حربك ما رجوت ولم تأمن ما خفت ونحن نرجو أن يصنع الله تعالى لك خيرا وقد ذكرت لأبي موسى دينا وإن الدين منصور أرأيت إن ذكر عليا وجاءنا بالإسلام والهجرة واجتماع الناس عليه ما أقول
فقال معاوية قل ماتريد وترى
مقال شرحبيل بن السمط لعمرو
ولما ودعه شرحبيل بن السمط قال له يا عمرو إنك رجل قريش وإن معاوية لم يبعثك إلا لعلمه أنك لا تؤتى من عجز ولا مكيدة وقد علمت أن وطأة هذا الأمر لك ولصاحبك فكن عند ظننا بك
خطبة أبي موسى الأشعري
 ولما التقى الحكمان أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص بدومة الجندل ودار بينهما من الحوار ما دار أقبلا إلى الناس وهم مجتمعون فتقدم أبو موسى فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه وهو أن نخلع عليا ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر فيولوا منهم من أحبوا عليهم وإني قد خلعت عليا ومعاوية فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلا ثم تنحى
خطبة عمرو بن العاص
 وأقبل عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه وقال إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه ولي عثمان بن عفان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه
 فقال أبو موسى مالك لا وفقك الله غدرت وفجرت إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث
قال عمرو إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا
خطبة الامام علي عليه السلام بعد التحكيم
 وخطب الإمام علي عليه السلام  بعد فشل التحكيم فقال الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث الجليل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس معه إله غيره وأن محمدا عبد ه ورسوله وآله أما بعد فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحسرة وتعقب الندامة وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ونخلت لكم مخزون رأيي لو كان يطاع لقصير أمر فأبيتم على إباء المخالفين الجفاة والمنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه وضن الزند بقدحه فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى      فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد
 ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما وأحييا ما أمات القرآن واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله فحكما بغير حجة بينة ولا سنة ماضية واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يرشد فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين استعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشأم
خطبة الامام  الحسن بن علي عليه السلام
وقال الإمام علي قم يا حسن فتكلم في أمر هذين الرجلين أبي موسى وعمرو فقام الحسن عليه السلام  فتكلم فقال أيها الناس قد أكثرتم في أمر أبي موسى وعمرو وإنما بعثا ليحكما بالقرآن دون الهوى فحكما بالهوى دون القرآن فمن كان هكذا لم يكن حكما ولكنه محكموم عليه وقد كان من خطأ أبي موسى أن جعلها لعبد الله بن عمر فأخطأ في ثلاث خصال خالف يعني أبي موسى أباه عمر إذلم يرضه لها ولم يره أهلا لها وكان أبوه أعلم به من غيره ولا أدخله في الشورى إلا على أنه لا شئ له فيها شرطا مشروعا من عمر على أهل الشورى فهذه واحدة وثانية لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يعقدون الإمامة ويحكمون على الناس وثالثة لم يستأمر الرجل في نفسه ولا علم ما عنده من رد أو قبول ثم جلس
 خطبة عبد الله بن عباس
ثم قال الامام  على عليه السلام  لعبد الله بن عباس قم فتكلم فقام عبد الله بن عباس وقال أيها الناس إن للحق أناسا أصابوه بالتوفيق والرضا والناس بين راض به وراغب عنه وإنما سار أبو موسى بهدى إلى ضلال وسار عمرو بضلال إلى هدى فلما التقيا رجع أبو موسى عن هداه ومضى عمرو على ضلاله فوالله لو كان حكما عليه بالقرآن لقد حكما عليه ولئن كانا حكما بهواهما على القرآن ولئن مسكا بما سارا به لقد سار أبو موسى وعلى إمامه وسار عمرو ومعاوية إمامه ثم جلس
خطبة عبد الله بن جعفر
 فقال الامام علي لعبد الله بن جعفر قم فتكلم فقام وقال أيها الناس هذا أمر كان النظر فيه لعلي والرضا فيه إلى غيره جئتم بأبي موسى فقلتم قد رضينا هذا فارض به وايم الله ما أصلحا بما فعلا الشأم ولا أفسدا العراق ولا أماتا حق علي ولا أحييا باطل معاوية ولا يذهب الحق قلة رأي ولا نفخة شيطان وإنا لعلي اليوم كما كنا أمس عليه ثم جلس
خطبة الامام علي عليه السلام
 ولما نزل على النخيلة وأيس من الخوارج قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإنه من ترك الجهاد في الله وادهن في أمره كان على شفا هلكة إلا إن يتداركه الله بنعمة فاتقوا الله وقاتلوا من حاد الله وحاول أن يطفئ نور الله قاتلوا الخاطئين الضالين القاسطين المجرمين الذين ليسوا بقرآء للقرآن ولا فقهاء في الدين ولا علماء في التأويل ولا لهذا الأمر بأهل في سابقة الإسلام والله لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل تيسروا وتهيئوا للمسير إلى عدوكم من أهل المغرب وقد بعثنا إلى إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم فإذا قدموا فاجتمعتم شخصنا إن شاء الله ولا حول ولا قوة الا بالله
خطبة عبد الله بن عباس
 وكتب الامام  علي إلى عبد الله بن عباس أما بعد فإنا قد خرجنا إلى معسكرنا بالنخيلة وقد أجمعنا على المسير إلى عدونا من أهل المغرب فأشخص بالناس حين يأتيك رسولي وأقم حتى يأتيك أمري والسلام فلما قدم عليه الكتاب قرأه على الناس وأمرهم بالشخوص مع الأحنف بن قيس فشخص معه منهم ألف وخمسمائة رجل فاستقلهم عبد الله بن عباس فقام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يأهل البصرة فإنه جاءني أمر أمير المؤمنين يأمرني بإشخاصكم فأمرتكم بالنفير إليه مع الأحنف بن قيس ولم يشخص معه منكم إلا ألف وخمسمائة وأنتم ستون ألفا سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم ألا انفروا مع جارية بن قدامة السعدي ولا يجعلن رجل على نفسه سبيلا فإني موقع بكل من وجدته متخلفا عن مكتبه عاصيا لإمامه وقد أمرت أبا الأسود الدؤلي بحشركم فلا يلم رجل جعل السبيل على نفسه إلا نفسه
 خطبة الامام  علي عليه السلام
 فخرج جارية فعسكر وخرج أبو الأسود فحشر الناس فاجتمع إلى جارية ألف وسبعمائة ثم أقبل حتى وافاه علي بالنخيلة فلم يزل بالنخيلة حتى وافاه هذان الجيشان من البصرةثلاثة آلاف ومائتا رجل فجمع إليه رءوس أهل الكوفة ورءوس الأسباع ورءوس القبائل ووجوه الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
يا أهل الكوفة أنتم إخواني وأنصاري وأعواني على الحق وصحابتي على جهاد عدوي المحلين بكم أضرب المدبر وأرجو تمام طاعة المقبل وقد بعثت إلى أهل البصرة فاستنفرتهم إليكم فلم يأتني منهم إلا ثلاثة آلاف ومائتا رجل فأعينوني بمناصحة جلية خلية من الغش إنكم مخرجنا إلى صفين بل استجمعوا بأجمعكم وإني أسألكم أن يكتب لي رئيس كل قوم ما في عشيرته من المقاتلة وأبناء المقاتلة الذين أدركوا القتال وعبدان عشيرته ومواليهم ثم يرفع ذلك إلينا
 فقام سعد بن قيس الهمداني فقال يا أمير المؤمنين سمعا وطاعة وودا ونصيحة أنا أول الناس جاء بما سألت وبما طلبت
 وقام معقل بن قيس الرياحي فقال له نحوا من ذلك
وقام عدي بن حاتم وزياد بن خصفة
وحجر بن عدي
 وأشراف الناس والقبائل فقالوا مثل ذلك ثم إن الرءوس كتبوا من فيهم ثم رفعوهم إليه
خطبة الامام علي عليه السلام
وكتب الامام علي عليه السلام إلى سعد بن مسعود الثقفي وهو عامله على المدائن أما بعد فإني قد بعثت إليك زياد بن خصفة فأشخص معه من قبلك من مقاتلة أهل الكوفة وعجل ذلك إن شاء الله ولا قوة إلا بالله
وبلغ عليا أن الناس يقولون لو سار بنا إلى هذه الحرورية فبدأنا بهم فإذا فرغنا منهم وجهنا من وجهنا ذلك إلى المحلين
 فقام فى الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإنه قد بلغني قولكم لو أن أمير المؤمنين سار بنا إلى هذه الخارجة التي خرجت عليه فبدأنا بهم فإذا فرغنا منهم وجهنا إلى المحلين وأن غير هذه الخارجة أهم إلينا منهم فدعوا ذكرهم وسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين ملوكا ويتخذوا عباد الله خولا فتنادى الناس من كل جانب سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت
وقام إليه صيفي ابن فسيل الشيباني فقال
 يا أمير المؤمنين نحن حزبك وأنصارك نعادي من عاديت ونشايع من أناب إلى طاعتك فسر بنا إلى عدوك من كانوا وأينما كانوا فإنك إن شاء الله لن تؤتى من قلة عدد ولا ضعف نية أتباع
وقام إليه محرز بن شهاب التميمي من بني سعد فقال
 يا أمير المؤمنين شيعتك كقلب رجل واحد في الإجماع على بصرك والجد في جهاد عدوك فأبشر بالنصر وسر بنا إلى أي الفريقين أحببت فإنا شيعتك الذين نرجو في طاعتك وجهاد من خالفك صالح الثواب ونخاف في خذلانك والتخلف عنك شدة الوبال
 


([1])وقعة صفين ص 500 ، شرح نهج البلاغة ج 2   ص 229
تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 190
([2])