العتبة العلوية المقدسة - آمنة بنت وهب أم الرسول الأعظم صلى الله عليه واله -
» » سيرة الإمام » المناسبات » من سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله » آمنة بنت وهب أم الرسول الأعظم صلى الله عليه واله

 آمنة بنت وهب أم الرسول الأعظم صلى الله عليه واله

 

آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب والدة الرسول الأعظم صلى الله عليه واله  ، يجتمع نسبها مع عبد الله زوجها والد الرسول صلى الله عليه واله  في كلاب حيث إن أحد أبنيه قصي جد عبد الله والآخر زهرة جد آمنة .

وكانت أم آمنة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة  بن كعب بن لؤي بن غالب ، فكانت آمنة  من بنات أعمام عبد الله فهي  قريشية كلابية من الأبوين ، وقد تزوجها عبد الله وهو أبن ثلاثين سنة أو خمسة وعشرين سنة ، خرج به أبوه عبد المطلب إلى وهب فزوجه ابنته .

وقيل كانت آمنة في حجر عمها وهب بن عبد مناف فأتاه عبد المطلب فخطب إليه أبنته هالة بنت وهب لنفسه وخطب لأبنه عبد الله ابنة وهب أخي وهيب فزوجه وزوج أبنه في مجلس واحد فولدت آمنة لعبد الله رسول الله صلى الله عليه واله  عام الفيل وهي سنة أثنين وأربعين من سلطنة كسرى ، وولدت هالة لعبد المطلب حمزة .

وتوفي عبد الله ورسول الله صلى الله عليه واله  حمل أتى عليه ثمانية وعشرون يوما بالمدينة في رجوعه من سفر تجارة الشام أو سفره إلى نفس المدينة لجلب التمر وتوفي فيها .

وتوفيت آمنة وهو صلى الله عليه واله  أبن ست سنيين بالأبواء بين مكة والمدينة وكانت قدمت به المدينة على أخواله بني النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة .

وقيل أنها أتت المدينة لتزور قبر زوجها عبد الله ومعها رسول الله  صلى الله عليه واله  وأم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه واله  فلما عادت ماتت بالأبواء .

كانت أمرأة يقال لها فاطمة بنت مرة قد قرأت الكتب فمر بها عبد الله بن عبد المطلب فقالت له أنت الذي فداك أبوك بمائة من الإبل ؟ قال : نعم .

فقالت: هل لك أن تقع علي مرة وأعطيك من الإبل مائة ، فنظر إليها وأنشد يقول :

 

أما الحرام فالممات دونه

والحل لاحل فاستبينه

 

فكيف بالأمر الذي

 

     

ومضى مع أبيه فزوجه أبوه آمنة ، فظل عندها يوما وليلة فحملت بالنبي صلى الله عليه واله  ، ثم أنصرف عبد الله ومر بها فلم ير بها حرصا على ما قالت أولا فقال لها مختبرا :

هل لك فيما قلت لي ، فقالت لا ، قالت : قد كان ذلك مرة فاليوم لا فذهبت كلماتها مثلا ثم قالت : أي شيء صنعت بعدي ؟ قال : زوجني أبي آمنة فبت عندها ، فقالت : لله ما زهرية سلبت ثوبك ما سلبت وما تدري ثم قالت : رأيت في وجهك نور النبوة فأردت أن يكون في وابى الله أن يضعه إلا حيث يحب ثم قالت :

بني هاشم قد غارت من أخيكم

 

أمنية اذ للباه بعت لجان

ِكما غادر المصباح بعد خبوة

 

فقائل قد ميت له بدخان

وما كل ما يحوي الفتى من نصيبه

 

بحرص ولا ما فاته بنواني

 

ويقال أنه مر بها وبين عينه مثل غرة الفرس .

كيف رغب والدها بزواجها :

          كان عند الأحبار جبة صوف بيضاء قد غمست من دم يحيى بن زكريا وكانوا قرؤوا في كتبهم إذ رأيتم الجبة تقطر دما فاعلموا أنه قد ولد أبو السفاك الهتاك ، فلما رأوا ذلك من الجبة اغتموا واجتمع خلق منهم على أن يقتلوا عبد الله فوجدوا الفرصة منه لكون عبد المطلب في الصيد فقصدوه فأدركه وهب بن عبد مناف الزهري ، فناف منه نضرة فنظر رجال نزلوا من السماء فكشفوهم عنه ، فزوج أبنته من عبد الله ، قال : فماتت من نساء قريش مائتا امرأة غيرة ([1]) .

وقت الحمل   :

         ويقال أن عبد الله كان في جبينه نور يتلألأ فلما قرب حمل محمد صلى الله عليه واله  لم يطق أحد رؤيته وما مر شجر ولا حجر إلا سجد له وسلم عليه فنقل الله منه نوره يوم عرفة وقت العصر ، وكان يوم الجمعة إلى آمنة ([2]) .

 
 

 

 

أمها   :

         كانت أم آمنة زبرة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار  ([3]) .

          إسلام آمنة :

1 ـ عبد الله وآمنة ماتا مسلمين والدليل على ذلك ما ورد في الأخبار المروية عن الثقاة فمن ذلك ما رواه الثعلبي والواحدي وابن عطاء وعكرمة عن أبن عباس في قوله تعالى   (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) ([4]) يعني تدبرك من أصلاب الموحدين من موحد إلى موحد حتى أخرجك من هذه الأمة ، وما زال رسول الله صلى الله عليه واله  يتقلب في أصلاب الأنبياء والصالحين حتى ولدته أمه ([5]) .

2 ـ وعن علي عليه السلام  أن النبي صلى الله عليه واله  قال : خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح الجاهلية شيء ([6]) .

3 ـ وفي مسلم : قال بريدة انتهى النبي صلى الله عليه واله  إلى رسم قبر فجلس وجلس الناس حوله فجعل يحرك رأسه كالمخاطب ثم بكى فقيل : ما يبكيك يا رسول الله ؟ فقال : هذا قبر آمنة بنت وهب استأذنت ربي في زيارة قبرها فأذن لى فزوروا القبور يذكركم الموت ([7])  . ولو لم تكن مؤمنة لما جاز له زيارتها ولا أذن له لقوله  

(وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ) ([8]) .

          قال أبو عبد الله عليه السلام  : نزل جبرائيل عليه السلام  على النبي صلى الله عليه واله  فقال : يا محمد أن الله جل جلاله يقرؤك السلام ويقول : أني قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك  ([9]) ، يعني عبد الله وآمنة وأبا طالب وفاطمة بنت أسد .

          وقال الحسن البصري في قوله  ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) ([10]) . أي ما كان ذلك يا محمد إلا بأمر مني ، فلما أمره أن يقول  (  وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) ([11]) علمنا أن الله أمره .

4 ـ عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام  يقول : نزل جبريل على النبي صلى الله عليه واله  فقال : يا محمد إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول : أني حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك ، فقال : يا جبريل بين لي ذلك ، فقال : أما الصلب الذي أنزلك فعبد الله بن عبد المطلب وأما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب ، وأما الحجر الذي كفلك فأبو طالب بن عبد المطلب وفاطمة بنت أسد ([12]) .

5 ـ عن أنس بن مالك قال : أتى أبو ذر يوما إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه واله  فقال : ما رأيت كما رأيت البارحة ، قالوا وما رأيت البارحة ؟ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه واله  ببابه ، فخرج ليلا فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام  وخرجا إلى البقيع فما زالت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكة فعدل إلى قبر أبيه فصلى  عنده ركعتين ، فإذا بالقبر قد انشق وإذا بعبد الله جالس وهو يقول : اشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فقال له : من وليك يا أبه ؟ فقال : وما الولي يا بني ؟ قال : هو هذا علي ، قال : وأن عليا ولي ، قال : فارجع إلى روضتك ، ثم عدل إلى قبر أمه فصنع كما صنع عند قبر أبيه فإذا القبر قد انشق فإذا هي تقول : أشهد أن لا اله إلا الله  غله غلا الله وأنك نبي الله ورسوله ، فقال لها من وليك يا أماه ؟ فقالت : ومن الولي يا بني ؟ فقال : هو هذا أخي علي بن أبي طالب ، فقالت أن عليا وليي ، فقال ارجعي إلى حفرتك وروضتك ، فكذبوه ، ولببوه ، وقالوا : يا رسول الله كذب عليك اليوم ، فقال : وما كان من ذلك ؟ فقالوا : عن جندب حكى عنك كيت وكيت فقال النبي صلى الله عليه واله  : ما أظلت الخضراء ولا أقلتن الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر .

قال عبد السلام بن محمد : فعرضت هذا الخبر على الهجيمي محمد بن عبد الأعلى فقال : أما علمت أن النبي صلى الله عليه واله  قال : أتاني جبريل عليه السلام  فقال : إن الله عز وجل حرم النار على ظهر أنزلك وبطن حملك وثدي أرضعك وحجر كفلك ([13])  .

6 ـ قال : رسول الله صلى الله عليه واله لو قمت المقام المحمود لشفعت لأبي وأمي وأخ كان لي في الجاهلية ([14] )

7 ـ عن أبي عبد الله جعفر بن محمد H قال : لما حج رسول الله صلى الله عليه واله  حجة الوداع نزل بالأبطح ووضعت له وسادة فجلس عليها ثم رفع يده إلى السماء وبكى بكاءا شديدا ، ثم قال : يا رب إنك وعدتني في أبي وأمي وعمي أن لا تعذبهم قال : فأوحى الله إليه إني آليت على نفسي أن لا يدخل جنتي إلا من شهد أن لا إله إلا الله ، وأنك عبدي ورسولي ، ولكن أئت الشعب فنادهم فإن أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي ، فقام النبي صلى الله عليه واله  إلى الشعب فناداهم يا أبتاه ويا أماه ويا عماه ، فخرجوا ينفضون التراب عن رؤوسهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه واله  : إلا ترون إلى هذه الكرامة التي أكرمني الله بها ، فقالوا : نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله حقا حقا وان جميع ما أتيت به من عند الله فهو الحق ، فقال : أرجعوا إلى مضاجعكم ، ودخل رسول الله صلى الله عليه واله  مكة ، وقدم عليه علي بن أبي طالب عليه السلام  من اليمن فقال رسول الله صلى الله عليه واله  ألا أبشرك يا علي ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام  : بأبي أنت وأمي لم تزل مبشرا فقال : ألا ترى إلى ما رزقنا الله تبارك وتعالى في سفرنا هذا ؟ وأخبره الخبر فقال علي : الحمد لله قال : فأشرك رسول الله في بدنه أباه وأمه وعمه ([15]) .

8 ـ روي أن عبد الله بن عبد المطلب لما ترعرع ركب يوما ليصيد وقد نزل بالبطحاء قوم من اليهود قدموا ليهلكوا والد محمد صلى الله عليه واله  ليطفئوا نور الله فنظروا إلى عبد الله قرؤا حلية أبوة النبوة فيه ، فقصدوه وكانوا ثمانين نفرا بالسيوف والسكاكين وكان وهب بن عبد مناف بن زهرة والد آمنة أم محمد صلى الله عليه واله  في ذلك الصوب يصيد ، وقد رأى عبد الله وقد حف به اليهود ليقتلوه فقصد أن يدفعهم عنه ، وغذا بكثير من الملائكة معهم الأسلحة طردوا عنه اليهود ، فعجب من ذلك وانصرف ودخل على عبد المطلب وقال : أزوج بنتي آمنة من عبد الله وعقد فولدت رسول الله صلى الله عليه واله  ([16]) .

          حالات النبي صلى الله عليه واله  مع أمه :

1 ـ قيل : إنه لما شب رسول الله صلى الله عليه واله  وترعرع وسعى ردته حليمة إلى أمه فافتصلته([17]) وقدمت به على أخواله من بني عدي بني  النجار بالمدينة ثم رجعت به حتى إذا كان بالأبواء هلكت بها ، فيتم رسول الله صلى الله عليه واله  وكان عمره يومئذ ست سنين فرجعت به أم أيمن إلى مكة ، وكانت تحضنه وورث رسول الله من أمه أم أيمن ، وخمسة أجمال أوداك ، وقطيع غنم ، فلما تزوج بخديجة أعتق أم أيمن .

2 ـ وروي أن آمنة لما قدمت رسول الله صلى الله عليه واله  المدينة نزلت به في دار النابغة رجل من بني عدي بن النجار فأقامت بها شهرا ، فكان رسول الله صلى الله عليه واله  يذكر أمورا كانت في مقامه ذلك ، فقال رسول الله نظرت إلى رجل من اليهود يختلف وينظر إلي ، ثم ينصرف عني ، فلقيني يوما خاليا  فقال لي يا غلام ما اسمك ؟ قلت : أحمد ، فنظر إلى ظهري فأسمعه يقول : هذا نبي هذه الأمة ، ثم راح إلى أخوالي فخبرهم الخبر فأخبروا أمي فخافت علي وخرجنا من المدينة .

3 ـ وحدثت أم أيمن : قالت : أتاني رجلان من اليهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا : أخرجي لنا أحمد فأخرجته ، فنظرا إليه وقلباه مليا ونظرا إلى سرته ثم قال أحدهما لصاحبه : هذا نبي هذه الأمة ، وهذه دار هجرته وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر عظيم  ([18]) .

4 ـ قال الشيخ أبو جعفر رضوان الله عليه  : أعتقادنا في آباء النبي صلى الله عليه واله  أنهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله ، وأن أبا طالب كان مسلما وآمنة بنت وهب بن عبد مناف أم رسول الله صلى الله عليه واله  كانت مسلمة ، وقال صلى الله عليه واله  : خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم .وقد روي أن عبد المطلب كان حجة ، وأبو طالب كان وصيه عليه السلام  ([19]) .

اتفقت الأمامية رضوان الله عليهم على أن والدي الرسول وكل أجداده إلى آدم عليه السلام كانوا مسلمين ، بل كانوا من الصديقين : إما الأنبياء مرسلين ، أو أوصياء معصومين ولعل بعضهم لم يظهر الإسلام لتقية أو لمصلحة دينية .

6 ـ قال أمين الدين الطبرسي S في مجمع البيان : قال أصحابنا أن آزر كان جد إبراهيم عليه السلام لأمه أو كان عمه من حيث صح عندهم أن آباء النبي صلى الله عليه واله  إلى آدم كلهم كانوا موحدين وأجتمعت الطائفة على ذلك ، ورووا عن النبي صلى الله عليه واله  أنه قال : لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات ، حتى أخرجني في عالمكم هذا ، لم يدنسني بدنس الجاهلية  .        ولو كان في آبائه صلى الله عليه واله  كافر لم يصف جميعهم بالطهارة مع قوله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ولهم في ذلك أدلة ليس هنا موضع ذكرها ([20]) .

سبب تزويج آمنة  :

وقال أبو الحسن البكري : حدثنا أشياخنا وأسلافنا الرواة أنه لما قبل الله الفداء من عبد المطلب في ولده عبد الله فرح فرحا شديدا فلما لحق عبد الله ملاحق الرجال تطاولت إليه الخطاب وبذلوا في طلبه الجزيل من المال ، كل ذلك رغبة في نور رسول الله صلى الله عليه واله  ولم يكن في زمانه أجمل ولا أبهى ولا أكمل منه وكان إذا مر بالناس في النهار يشمون منه رائحة المسك الأذفر والكافور والعنبر وكان إذا مر بهم ليلا تضيء من نوره الحنادس والظلم ، فسموه أهل مكة مصباح الحرم ، وأقام عبد المطلب وأبنه عبد الله في مكة حتى تزوج عبد الله بآمنة بنت وهب وكان السبب في تزويجها به إن الأحبار اجتمعوا بأرض الشام وتكلموا في مولد رسول الله صلى الله عليه واله  والدم الذي قد جرى من جبة يحيى بن زكريا عليهم السلام  فلما أيقنوا أنه قد قرب خروج صاحب السيف وظهرت أنواره تشاوروا فيما بينهم وساروا إلى حبر لهم وكان في قرية من قرى الأردن وكانوا يقتبسون من علمه وكان ممن عمر في زمانه فقصده القوم فلما وصلوا إليه قال لهم : ما الذي أزعجكم ؟ قالوا له : إنا نظرنا في كتبنا فوجدنا صفة هذا الرجل السفاك الذي تقاتل معه الأملاك وما نلقى عند ظهوره من الأهوال والهلاك وقد جئنا نشاورك في أمره قبل ظهوره وعلو ذكره ، قال : يا قوم إن من أراد إبطال ما أراد الله فهو جاهل مغرور وإنه لكائن بكم وهذا الذي ذكرتم قد سبق أمره عند الله فكيف تقدرون على إبطاله ؟ وهو مبطل كهانة الكهان ومزيل دولة الصلبان وسيكون له وزير وقريب ، فلما سمعوا كلامه خافوا وحاروا ، فقام حبر من أحبارهم يقال له هيوبا بن داحورا وكان كافرا متمردا شديد البأس فقال لهم هذا رجل قد كبر وخرف وقل عقله فلا تسمعوا من قوله ، ثم قال لهم أرأيتم الشجرة إذا قطعت من أصلها فهل تعود خضرا ؟ قالوا : لا ، قال : فإن قتلتم صاحبكم هذا الذي يخرج من صلبه هذا المولود فما الذي تخافون منه ؟ فقوموا هذه الساعة وخذوا معكم تجارة وسيروا إلى البلد الذي هو فيها ، يعني مكة ، فإذا وصلتم درتم الحيلة في هلاكه فتبعوا قوله وقالوا له : أنت سيدنا ، قال لهم : افعلوا ما آمركم به وأنا معكم سيفي ورمحي ، ولكن ما أسير معكم حتى تعاهدونني ، فيعمد كل واحد إلى سيفه ليسقيه سما ، فأجابوه إلى ذلك وافترقوا ، ثم اجتمعوا بايلة وخرجوا بجمالهم محملة بالتجارة ، وساروا حتى وصلوا مكة فلما دخلوها سمعوا من ورائهم صوتا وهو يقول :

قصدتم لازر القوم في السهر والجهر

 

تريدون مكرا بالمعظم في القدر

ومن غالب الرحمن لا شك إنه

 

سيرميه باريه بقاصمة الظهر

ستضحون يا شر الأنام كأنكم

 

نعام سيقت للذباحة والنحر

فلما سمعوا كلام الهاتف هالهم ذلك وهموا بالرجوع ، فقال لهم هيوبا : لا تخافوا من كلام هذا الهاتف ، فإن هذا الوادي قد كثر فيه الكهان والشياطين وإن الهاتف هو شيطان قد علم مقصدكم فعند ذلك تبادر القوم فكان كل من يلقاهم يحدثهم بحسن عبد الله وجماله فوقع في قلوبهم الكمد والحسد فجعلوا يسومون متاعهم ولا يبيعون منه شيئا وإنما يريدون من ذلك المقام بمكة والحيلة في قتل عبد الله فأقبل يوما عبد المطلب وهو قابض على يد ولده عبد الله ، ومر باليهود ، وكان عبد الله قد رأى رؤيا أفزعته فخرج مرعوبا إلى أبيه فقال : ما أصابك يا بني ؟ قال : رؤيا هالتني قال: رأيت سيوفا مجردة في أيدي قردة وهم قعود على أدبارهم ، وأنا أنظر إليهم وهم يهزون السيوف فيشيرون بها إلي فعلوت عنها في الهواء فبينما أنا كذلك  وإذا بنار قد نزلت من السماء فزادتني خوفا وقلت  :كيف خلاصي منها ؟ فبينما أنا كذلك وإذا بالنار وقعت على القردة فأحرقتهم عن أخرهم ، فزادني ذلك رعبا ، فقال له أبوه : وقاك الله يا بني شر ما تحاذر من الحساد والأضداد ، فإن الناس يحسدونك على هذا النور الذي في وجهك ولكن لو اجتمعن أهل الأرض أنسها وجنها لم يقدروا على شيء لأنه وديعة من الله عز وجل لخاتم الأنبياء ، وهاهنا أحبار يهود من الشام وفيهم الحكمة والمعرفة فقم معي حتى أقص عليهم رؤياك ، فقبض عبد المطلب على يد ولده عبد الله ودخلا عليهم ، فلما نظر إليه الأحبار وهو كأنه البدر المنير نظر بعضهم إلى بعض وقالوا : هذا الذي نطلبه فقال لهم عبد المطلب : يا معشر اليهود جئنا إليكم نخبركم برؤيا رآها ولدي هذا ، فقالوا له : وماذا ؟فقص عليهم الرؤيا فزادهم حنقا عليه ، وقال له هيوبا : أيها السيد أنها أضغاث أحلام وأنتم سادات كرام ليس لكم معاند ولا مضاد ، ثم أنصرف عبد المطلب بولده وأقاموا بعد ذلك أياما يريدون الحيلة فلم يجدوا إلى ذلك من سبيل وكان عبد الله مغرما بالصيد وكان إذا خرج إلى الصيد لا يرجع إلا ليلا وكان يخرج مع أبيه فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا حتى خرج  ذات يوم وحده فخرجوا ورائه من حيث لا يشعر بهم أحد فقال لهم هيوبا : ما انتظاركم وقد خرج الذي تطلبونه ؟ فقالوا له : إنا نخاف من فتيان مكة وفرسان هاشم وهم لا يطاقون وقد ذلت لهم العمالقة وغيرهم ونخشى أن يشعروا بنا ، فلما سمع هيوبا مقالتهم قال : خاب سعيكم فإذا كنتم هكذا فما الذي أتى بكم إلى   ها هنا ؟ فلا بد من قتل هذا الغلام ولو طال عليكم المقام ولم تجدوا يوما مثل هذا اليوم ، فإذا قتلناه وخفتم التهمة به فعلي ديته ، وكانوا قد بعثوا عبدا من عبيدهم ينظر أين يتوجه عبد الله فرجع وأخبرهم أنه قد غاب بين الجبال والشعاب وقد خرج من العمران ، وليس عنده إنسان ، فعزم القوم على ما أملوه ، وجعلوا نصفا عند الأمتعة والنصف الآخر أخذوا السيوف تحت ثيابهم وخرجوا قاصدين عبد الله والعبد أمامهم حتى أوقفهم عليه ، وكان عبد الله قد صاد حمار وحش وهو يسلخه فنظر إلى القوم وقد أقبلوا عليه ،فقال لهم هيوبا : هذا صاحبكم الذي خرجتم من أوطانكم في طلبه فما أحس عبد الله إلا وقد أحاطوا  به وكانوا قد افترقوا فرقتين وقالوا للذين خلفوهم عند متاعهم : إذا دعوناكم أجيبونا مسرعين فلما أشرفوا على عبد الله وقد سدوا الطرقات ، وزعموا أنهم قد حكموا عليه ، فرفع عبد الله رأسه إلى السماء ودعا الله تعالى وأقبل إليهم وقال : يا قوم ما شأنكم ؟ فو الله ما بسطت يدي إلى واحد منكم بمكروه أبدا فتطالبوني به ولا غصبت مالا قط ولا قتلت أحدا فاقتل به فما حاجتكم ؟ فإن يكن سبقت مني فعلة سوء إليكم فاخبروني حتى أعرفها واليهود يومئذ تلثموا ولم يبين منهم إلا حماليق الحدق فلم يردوا عليه جوابا ، وأشار بعضهم إلى بعض وهموا بالهجوم عليه ، فجعل نبلة في كبد قوسه ورمى بها نحوهم فأصابت رجلا منهم فوقع ميتا ، ثم رماهم بأربع نبال أصابت أربع رجال فاشتغلوا عنه بأنفسهم ، فأخذ الخامسة ليرميهم بها وأنشأ يقول :

ولي همة تعلو على كل همة

 

وقلب بور لا يروع من الحرب

ولي نبلة أرمي بها كل ضيغم

 

فتنفذ في اللبات والنحر والقلب

فأربعة منها أصابت لأربع

 

ولو كاثروني صلت بالطعن

أخذت نبالي ثم أرسلت بعضها

 

فصارت كبرق لاح في خلل السحب

 

فلما سمعوا ذلك منه قال له هيوبا : يا فتى إحبس عنا نبالك فقد أسرفت في فعالك ، ولقد قتلت منا رجالا من غير ذنب ولا سبقة سبقت منا إليك ن ونحن قوم تجار ونحن الذين وقفت علينا بالأمس مع أبيك وكان لنا عبد هرب منا فلما رأيناك أنكرنك ، فعندما عرفناك أنت عبد الله فنحن ما لنا معك طلابة ، وأنك لأعز الخلق علينا وأكرمهم لدينا فامض لسبيلك فقد سمحنا لك بما فعلت فينا ، فقال لهم يا ويلكم ما الذي  تبين لكم مني أني عبدكم ؟ فهل عبدكم مثلي ، أو صفته صفتي أو له نور كنوري ؟ فقالوا إنما دخلنا الشك وأنت متباعد عنا فلما أقتربت منا وعرفناك فاسمح لنا بما كان منا إليك فإنا سمحنا لك بما كان منك وإن كان وأعظم من ذلك أنك قتلت منا رجالا لاذنب لهم ، ونحن حيث أكلنا طعام أبيك وشربنا شرابه فنحن لك شاكرون ، وأنت أولى بكتمان ما كان اليوم منا فلما سمع عبد الله كلامهم زعم أنه حق وهو خديعة  ثم أنه ركب جواده وأخذ قوسه وعطف إلى ناحية الضيق فلما رآه القوم قد أقبل عليهم يريد الخروج بادروا إليه بأجمعهم وجعلوا يرمونه بالحجارة وقاموا إليه بالسيوف فجعل يكر فيهم كرة بعد كرة فعند ذلك صاح فيهم هيوبا فتبادروا إليه بأجمعهم وهو يكر فيهم يمينا وشمالا وكلما رمى رجل خر صريعا ونزل عبد الله عن فرسه واستند إلى المضيق وقد أقبلوا إليه من كل جانب يرمونه بالحجارة فبينما هم في المعركة وإذا هم برجال قد أقبلوا بأيديهم السيوف مشهورة وهم عراة مسرعون نحوهم فإذا هم بنو هاشم وأبو طالب وفتيان مكة وكان في أولهم أبو طالب والعباس فعند ذلك ناداه أبوه فقال :  يا بني هذا تأويل رؤياك من قبل فما إستتم كلامه حتى أحاط بعبد الله إخوته وأقاربه .

 قال البكري : وكان قد أخبرهم بالخبر رجل يقال له : وهب بن عبد مناف ، لأنه أشرف عليهم في المعركة فهم أن ينزل فخاف على نفسه لكثرتهم فأتى  إلى الحرم ونادى في بني هاشم فلما رآهم اليهود أيقنوا بالهلاك وقالوا لعبد الله : إنما أردنا أن نعلم حقيقة الحال فقال لهم عبد الله : هيهات لقد أجهدتم أنفسكم في هلاكي فهرب منهم جماعة والتجئوا إلى الجبل وظنوا أنهم قد نجوا ، فإذا أتاهم أمر الله فسقطت عليهم قطعة من الجبل فسدت عليهم الضيق فلم يجدوا مهربا ولحقهم عبد المطلب وأصحابه والفرقة التي كانت من الجانب الآخر مع هيوبا قتلوا منهم أناسا كثيرة ، وقال رجل منهم : دعونا نصل وأفعلوا بنا ما تريدون فإن لنا مع الناس أمتعة وأموالا كنا أخفيناها وأنت أحق بها ، خذها ولا تقتلونا فكتفوهم عن آخرهم وأقبلوا بهم إلى مكة وأقبل عبد المطلب على ولده يقبله ويقول : يا ولدي لولا وهب بن عبد مناف أخبرنا بأمرك ما كنا علمنا ، ولكن الله تعالى يحفظك فلما أشرفوا على مكة خرج الناس يهنئونهم بالسلامة  وإذا باليهود مكتوفين فجعل جملة الناس يرمونهم بالحجارة ، فقام لهم عبد المطلب وقال : أرسلوا بهم إلى دار وهب حتى يستقصوا على أموالهم ولم يبق لهم شيء فأرسلوهم إلى دار وهب فلما كان في تلك الليلة أقبل وهب على زوجته برة بنت عبد العزى وقال لها : يا برة لقد رأيت اليوم عجبا من عبد الله ما رأيته من أحد وهو يكر على هؤلاء القوم وكلما رماهم بنبلة قتل منهم أنسانا وهو أجمل الناس وجهها مما خصه الله تعالى من الضياء الساطع فامضي إلى أبيه واخطبيه لأبنتنا واعرضيها عليه فعسى أن يقبلها ، فإن قبلها سعدنا سعادة عظيمة ، قالت له يا وهب : إن رؤساء مكة وأبطال الحرم وأشرف البطحاء قد رغبوا فيه فأبى عن ذلك وقد كاتبه ملوك الشام والعراق على ذلك فأبى عليهم فكيف يتزوج أبنتنا وهي قليلة المال   ؟ قال لها : إن لي عليهم اليد إنني أخبرتهم بأمر عبد الله مع اليهود ثم إن برة قامت ولبست أفخر أثوابها وخرجت حتى أتت دار عبد المطلب فوجدته يحدث أولاده بالخبر  فقالت : أنعم الله مساءكم ، ودامت نعماءكم ، فرد عبد المطلب عليها التحية والإكرام وقال لها : لقد سلف لبعلك اليوم علينا يد لا نقدر أن نكافيه أبدا وله أياد بالغة بذلك ، وسنجازيه إن شاء الله تعالى ، فطمعت برة في كلامه ثم قال : بلغي بعلك عنا التحية والإكرام وقولي له : إن كان له لدينا حاجة تقضى إنشاء الله مهما كانت ، فقالت برة : يا أبا الحارث قد طلبنا تعجيل المسرة ، وقد علمنا أن ملوك الشام والعراق وغيرهم تطاولت إليكم ، وقد رغبوا في ولدكم يطلبون أولادكم وأنواركم المضيئة ، ونحن أيضا طمعنا فيمن طمع في ولدكم عبد الله ورجونا مثل من رجا . وقد رجا وهب أن يكون عبد الله بعلا لأبنتنا وقد جئناكم طامعين وراغبين في النور الذي في وجه ولدكم عبد الله ونسألكم أن تقبلونا ، فإن كان مالها قليلا فعلينا ما نجملها به وهي هدية منا لأبنك عبد الله فلما سمع عبد المطلب كلامها نظر إلى ولده وكان قبل ذلك إذا عرض عليه التزويج من بنات الملوك يظهر في وجهه الأمتناع وقال أبوه : ما تقول يا بني فيما سمعت ؟ فو الله ما في بنات أهل مكة مثلها لأنها محتشمة في نفسها طاهرة مطهرة عاقلة دينة فسكت عبد الله ولم يرد جوابا ، فعلم أبوه أنه قد مال إليها فقال عبد المطلب : قد قبلنا دعوتكم ، وأجبنا ورضينا بابنتكم قالت فاطمة زوجة عبد المطلب :أنا أمضي معك حتى أنظر آمنة فإن كانت تصلح لولدي رضينا بها فرجعت برة مسرورة بما سمعت ثم سارت إلى زوجها مسرعة وبشرته وسمعت أم آمنة هاتفا في الطريق يقول : بخ بخ لكم يا معشر أهل الصفا قد قرب خروج المصطفى  فدخلت على زوجها فقال : وما وراءك ؟ قالت : لقد سعدت سعادة علا قدرك في جملة العالمين ، إعلم إن عبد المطلب قد رضي بأبنتك ولكن مع الفرحة ترحة قال : وما هي ؟ قالت : إن فاطمة خارجة تنظر إبنتك آمنة ، فإن رضيت بها وإلا لم يكن شيئا ، وأني أخاف أن لا ترضى بها فقال وهب بن عبد مناف : اخرجي هذه الساعة إلى إبنتك وزينيها وألبسيها أفخر الثياب وقلديها أفخر ما عندك فعسى ولعل فعمدت برة إلى أبنتها وألبستها أفخر ما عندها من الثياب والحلي وضفرت شعرها وأرخت ذوائبها على أكتافها وقالت لها يا أبنتي إذا أتتك فاطمة فتأدبي لها وأحسن الأدب وارغبي النور الذي في وجه ولدها عبد الله فبينما هما كذلك إذ أقبلت فاطمة وخرج وهب من المنزل ، وإذا بعبد المطلب فادخلوا فاطمة ، فقامت آمنة  إجلالا وتعظيما ورحبت بها أحسن المرحب فنظرت إليها فاطمة وغذا بها قد كساها الله جمالا لا يوصف فلما رأت فاطمة ذلك الحسن والجمال وقد أضاء من نور وجهها ذلك المجلس قالت فاطمة : يا برة  ما كنت عهدت أن آمنة على هذه الصورة ولقد رأيتها قبل ذلك مرارا ، فقالت برة : يا فاطمة كل ذلك ببركتكم علينا ثم خاطبت فاطمة آمنة وإذا هي أفصح نساء أهل مكة فقامت فاطمة وأتت إلى عبد المطلب وعبد الله وقالت : يا ولدي ما في بنات العرب مثلها أبدا ولقد ارتضيتها وإن الله تعالى لا يودع هذا النور إلا في مثل هذه .

ولما وقع الحديث بين وهب وبين عبد المطلب في أمر إبنته آمنة ، قال  وهب : يا أبا الحارث هذه آمنة هدية مني إليك بغير صداق معجل ولا مؤجل فقال عبد المطلب جزيت خيرا ولا بد من صداق ويكون بيننا وبينك من يشهد به من قومنا ، ثم إن عبد المطلب هم أن يمد إليه شيئا من المال ليصلح به شأنها إذ سمع همهمة وأصواتا فوثب وهب وسيفه مسلول ثم قاموا جميعا

قال أبو الحسن البكري: وكان سبب ذلك أن اليهود الذين كانوا محبوسين في دار وهب خدعهم الشيطان وزين لهم هيوبا أنكم مقتولون لا محالة فقوموا جميعا وخاطروا بأنفسكم على عبد المطلب وعبد الله فإن الموت قد وقع بكم  ، وأهربوا على وجوهكم  ثم أن هيوبا تمطى في كتافه فقطعه ثم حل جملة أصحابه حلما خلصهم قالوا : نهجم عليهم وليس معنا سلاح ؟ فقال هيوبا : نهجم عليهم بالحجارة هجمة رجل واحد ، وهم غافلون فسار القوم وأقبلوا وعبد المطلب وولده عبد الله ووهب في دار وهب والمصباح عندهم واليهود يرونهم وهم لا يرون اليهود فرموهم بالحجارة التي كانت معهم ، فرد الله تعالى الحجارة عليهم فهشمت رؤوسهم ومنهم من وقعت حجارته في رأسه ومنهم من وقع في صدره وذلك بقدرة الله تعالى لأجل النور الذي في وجه عبد الله فحمل عليهم عبد المطلب ومن معه فقتلوهم عن آخرهم ، وكان عبد المطلب لا يفارقه سيفه حيث ما توجه وبعد ذلك خرج عبد المطلب وزوجته وولده إلى منزلهم ، وقالوا : يا وهب إذا كان في غداة غد جمعنا قومنا وقومك ليشهدون بما يكون من الصداق فقال : جزاك الله خيرا ، فلما طلع الفجر أرسل عبد المطلب إلى بنيعمه ليحضروا خطبتهم ، ولبس عبد المطلب أفخر أثوابه ، وجمع وهب أيضا قرابته وبني عمه فاجتمعوا في الأبطح فلما أشرف عليهم الناس قاموا إجلالا لعبد المطلب وأولاده ، فلما استقر بهم المجلس خطبوا خطبتهم وعقدوا عقدة النكاح ، وقام عبد المطلب فيهم خطيبا فقال :

( الحمد لله حمد الشاكرين حمدا استوجبه بما أنعم علينا وأعطانا ، وجعلنا لبيته جيرانا ، ولحرمه سكانا وألقى محبتنا في قلوب عباده ، وشرفنا على جميع الأمم ووقانا شر الآفات والنقم ، والحمد لله الذي أحل لنا النكاح ، وحرم علينا السفاح وأمرنا بالأتصال وحرم علينا الحرام أعلموا إن ولدنا عبد الله هذا الذي تعرفونه قد خطب   فتاتكم آمنة بصداق معجل ومؤجل كذا  وكذا  ، فهل رضيتم بذلك من ولدنا )؟ قال وهب : قد رضينا منكم ، فقال عبد المطلب : إشهدوا يا من حضر ، ثم تصافحوا وتهانوا وتصافقوا وتعانقوا ، وأولم عبد المطلب وليمة عظيمة ، فيها جميع أهل مكة وأوديتها وشعابها وسوادها فأقام الناس في مكة أربعة أيام .

قال أبو الحسن البكري : لما تزوج عبد الله بآمنة أقامت معه زمانا والنور في وجهه لم يزل حتى نفذت مشيئة الله تعالى وقدرته وأراد أن يخرج خيرة خلقه محمدا رسول الله صلى الله عليه واله  وأن سيتشرف به الأرض وبنورها بعد ظلامها ويطهرها بعد تنجيسها ، أمر الله جبرائيل عليه السلام  أن ينادي في جنة المأوى أن الله جل جلاله قد تمت كلمته ومشيئته وأن الذي وعده من ظهور البشير النذير السراج المنير الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله وهو صاحب الأمانة يظهر نوره في البلاد ويكون رحمة للعباد ومن أحبه بشر بالشرف والحباء ومن أبغضه بسوء القضاء وهو الذي عرض عليكم قبل آدم عليه السلام  الذي يسمى في السماء أحمد وفي الأرض محمدا وفي الجنة أبا القاسم ، فأجابته الملائكة بالتسبيح والتهليل والتقديس والتكبير لله رب العالمين ، وفتحت أبواب الجنان وغلقت أبواب النيران وأشرفت الحور العين ، وسبحت الأطيار على رؤوس الأشجار فلما فرغ جبريل من أهل السماوات أمره الله أن ينزل في مائة ألف من الملائكة إلى أقطار الأرض وإلى جبل قاف ، وإلى خازن السحاب ، وجملة من خلق الله يبشرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه واله  ثم نزل إلى الأرض السابعة فأخبرهم بخبره ، ومن أراد الله به خيرا ألهمه محبته ، ومن أراد به شرا ألهمه بغضه ، وزلزلت الشياطين وصفدت وطردت من الأماكن التي كانوا يسترقون  فيها السمع ورجموا بالشهب .

 ولما كانت ليلة الجمعة عشية عرفة وكان عبد الله قد خرج هو وأخوته وأبوه . فبينما هم سائرون وإذا بنهر عظيم فيه ماء زلال ولم يكن قبل ذلك اليوم هناك ماء فبقي عبد المطلب وأولاده متعجبين فبينما عبد الله كذلك إذ نودي يا عبد الله أشرب من هذا النهر ، فشرب منه وإذا هو أبرد من الثلج وأحلى من العسل وأزكي من المسك ، فنهض مسرعا والتفت إلى أخوته فلم يروا للنهر أثرا فتعجبوا منه ثم إن عبد الله مضى مسرعا إلى منزله فرأته آمنة طائشا ، فقالت له :

ما بالك ؟ صرف الله عنك الطوارق فقال لها : قومي فتطهري وتطيبي وتعطري وأغتسلي ، فعسى الله أن يستودعك هذا النور ، فقامت وفعلت ما أمرها ، ثم جاءت إليه فغشيها تلك الليلة المباركة فحملت برسول الله صلى الله عليه واله  ، فانتقل النور من وجه عبد الله في ساعته إلى آمنة بنت وهب ، قالت آمنة : لما دنا مني ولامسني أضاء منه نور ساطع وضياء لامع ، فأنارت منه السماء والأرض فادهشني ما رأيت وكانت آمنة بعد ذلك يرى نور وجهها كأنه المرى المضيئة .


 

 



([1])  الدر النظيم ص25  

([2]) المناقب 1/57 ، الدر النظيم ص25  

([3])  السيرة النبوية 1/ 165  

([4])  الشعراء / 219  

([5]) الدر المنثور 5/ 98 ، مجمع البيان 7-8 /207 ، الدر النظيم /ص26

([6])  البداية والنهاية 2/255 ، الدر النظيم ص26  

([7])  صحيح مسلم 2/ 672 ، الدر النظيم ص26  

([8])  التوبة /84

([9]) روضة الواعظين / 139 ، الكافي 1 / 446 ، الدر النظيم ص27  

([10]) التوبة / 113  

([11]) الأسراء /24  

([12]) معاني الأخبار 45 و46 ، آمالي الصدوق 361  

([13]) معاني الأخبار  ص55 ، علل الشرايع ص70  

([14]) علل الشرايع ص 70 ، معاني الخبار ص 55

([15]) تفسير القمي 355و356 ، وكونهما من حزنان في  مكة والخير يشر الى دفنهما  في غير مكة ، لايلزم التنافي فإن النبي 8 إذا أراد إحضارهما إلى مكة لا يعجزه ذلك فتدبر وتفطن ولا ترد الأخبار لمحض الشبهات .  

([16])  الخرايج 

([17])  إفتصل الصبي عن الرضاع : فطمه   

([18]) بحار الأنوار/ 116

([19])  الأعتقادات / 116

([20])  مجمع البيان 4/322