خطبة له عليه السّلام مشهورة بالشّقشقيّة
قال ابن قتيبة فى غريب الحديث : اى انّ معناه ركبنا مركب الضّيم و الذّلّ ، لأنّ راكب عجز البعير يجد مشقّة لا سيّما اذا تطاول به الرّكوب على تلك الحال ، و يجوز ان يكون اراد : نصبر على ان نكون اتباعاً لغيرنا ، لأنّ راكب عجز البعير يكون ردفاً لغيره ، و قريب هذين ذكرهما الهروى فى كتاب الجمع بين الغريبين .
فى مستدرك النّهج : روى هذه الخطبة الشّريف في النّهج ، و رواها غيره ممّن تقدّم على عصره ، و الرّوايات كلّها متوافقة فى المعنى ، و ان اختلفت فى بعض الألفاظ ،
و نحن نذكر واحدة من الرّوايات الّتى لم تذكر فى النّهج ، و هى ما رواه الصّدوق فى كتابيه : المعانى و العلل باسناد معنعن الى ابن عبّاس ،
قال : ذكرت الخلافة عند امير المؤمنين علىّ بن ابيطالب عليه السّلم فقال :
وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَها اَخُو تَيْمٍ ، وَ اِنَّهُ لَيَعْلَمُ اَنَّ مَحَلّى مِنْها مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحى ، يَنْحَدِرُ عَنِّى السَّيْلُ ، وَ لا يَرْقى اِلَىَّ الطَّيْرُ ، فَسَدَلْتُ دُونَها ثَوْباً ، وَ طَوَيْتُ عَنْها كَشْحاً ، وَ طَفِقْتُ اَرْتَأى ما بَيْنَ اَنْ اَصوُلَ بِيَدٍ جَذَّآءَ ، اَوْ اَصْبِرَ عَلى طَخْيَةٍ عَمْيآءَ ، يَشيبُ فيهَا الصَّغيرُ ، وَ يَهْرَمُ فيهَا الْكَبيرُ ، وَ يَكْدَحُ فيها مُؤْمِنٌ حَتّى يَلْقَى اللَّهَ ، فَرَأَيْتُ اَنَّ الصَّبْرَ عَلى هاتا اَحْجى ، فَصَبَرْتُ وَ فىِ الْعَيْنِ قَذى ، وَ فىِ الْحَلْقِ شَجى ، اَرى تُراثى نَهْباً ، حَتّى مَضى اِلى سَبيلِهِ عَقَدَها لِأَخى عُدَىٍّ بَعْدَهُ ، فَيا عَجَبا بَيْنا هُوَ يَسْتَقيلُها فى حَياتِهِ اِذْ عَقَدَها لِاَخِرَ بَعْدَ وَفاتِهِ ، فَصَيَّرَها وَ اللَّهِ فى حَوْزَةٍ خَشْنآءَ ،
يَخْشَنُ مَسُّها ، وَ يَغْلُظُ كَلْمُها ، وَ يَكْثِرُ الْعِثارُ وَ الْإِعْتِذارُ مِنْها ، فَصاحِبُها كَراكِبِ الصَّعْبَة ، اِنْ عَنَفَ بِها خَرَمَ ، وَ اِنْ اَسْلَسَ لَها تَقَحَّمَ ، فَمُنِىَ النَّاسُ بِخَبْطٍ وَ شماسٍ ، وَ تَلَوُّنٍ وَ اعْتِراضٍ ، فَصَبَرْتُ عَلى طوُلِ الْمُدَّةِ ، وَ شَديدِ الْمِحْنَةِ ، حَتّى اِذا مَضى لِسَبيلِهِ ، جَعَلَها فى جَماعَةٍ زَعَمَ اَنّى مِنْهُمْ ، فَيا لَلَّهِ وَ لِلشّوُرى ، مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِىَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ ، حَتّى صِرْتُ اُقْرَنُ اِلى هذِهِ النَّظآئِرِ ، فَمالَ رَجُلٌ لِضَغْنِهِ ، وَ صَغى اخَرُ لِصِهْرِهِ ، وَ قامَ ثالِثُ الْقوْمِ نافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثيلِهِ وَ مُعْتَلِفِهِ ، وَ قامَ مَعَهُ بَنوُ اَبيهِ يَهْضِموُنَ مالَ اللَّهِ هَضْمَ الْأِبِلِ نَبْتَةَ الرَّبيعِ ، حَتّى اَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ ، فَما راعَنى اِلاَّ وَ النَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ ، قَدِ انْثالوُا عَلَىَّ مِنْ كُلِّ جانِبٍ ، حَتّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنانِ ، وَ شُقَّ عِطْفاىَ حَتّى اِذا نَهَضْتُ بِالْاَمْرِ ، نَكَثَتْ طآئِفَةٌ ، وَ فَسَقَتْ اُخْرى ، وَ مَرَقَ اخَروُنَ ، كَاَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعوُا قَوْلَ اللَّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى : " تِلْكَ " " الدَّارُ الْأخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدُونَ عُلُوّاً فىِ الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقينَ.
بَلى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعوُها وَ لكِنِ احْلَوْلَتِ الدُّنْيا فى اَعْيُنِهِمْ وَ راقَهُمْ زِبرِجُها ، وَ الَّذى فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَوْلا حُضُورُ الْحاضِرِ وَ قِيامُ الْحُجَّةِ بِوُجوُدِ النَّاصِرِ ، وَ مآ اَخَذَ اللَّهُ تَعالى عَلَى الْعُلَمآءِ اَلاَّ يُقِرُّوا عَلى كِظَّةِ الظَّالِمِ ، وَ لا سَغَبِ مَظْلوُمٍ ، لَاَلْقَيْتُ حَبْلَها عَلى غابِرِها ، وَ لَسَقَيْتُ اخِرَها بِكَاْسِ اَوَّلِها ، وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْياكُمْ هذِهِ اَزْهَدَ عِنْدى مِنْ حُقْبَةِ عَنْزٍ .
قال ابن عبّاس : و ناوله رجل من اهل السّواد كتابا فقطع كلامه و تناول الكتاب فقلت يا امير المؤمنين لو اطّردت مقالتك الى حيث بلغت فقال : هيهات يا بن عبّاس : تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ .
قال ابن عبّاس : فما اسفت على كلام قطّ كأسفى على كلام امير المؤمنين ع اذ لم يبلغ حيث اراد.