ام سليم صاحب الحصاة
عن عبيدة بن عمر السلماني، قال: سمعت عبد الله بن جناب بن الارت قتيل الخوارج يقول: حدثنا سلمان الفارسي والبراء بن غازب قالا، قالت أم سليم : كنت أمرأة قد قرأت التوراة والانجيل فعرفت أوصياء الأنبياء واحببت أن أعلم وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلّفت الركاب مع نضي المجي، فقلت له: يا رسول اللّه ما من نبي إلاّ وكان له خليفتان خليفة يموت قبله وخليفة يبقى بعده، وكان خليفة موسى في حياته هارون فقبض قبل موسى، ثم كان وصيه بعد موته يوشع بن نون، وكان وصي عيسى في حياته كالب بن يوحنا، فتوفي كالب في حياة عيسى، ووصيه بعد وفاته شمعون بن حمّون الصفا ابن عمة مريم، وقد نظرت في الكتب الأُولى فما وجدت لك إلاّ وصياً واحداً في حياتك وبعد وفاتك فبيّن لي أنت يا رسول اللّه عن وصيك.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ لي وصياً واحداً في حياتي وبعد وفاتي، فقلت له من هو؟
قال: إئتيني بحصاة، فرفعت اليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه، ثم فركها بيده كسحيق الدقيق، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه فبدا النقش فيها للناظرين، ثم اعطانيها وقال: ياأُم سليم من استطاع مثل هذا فهو وصيي.قالت: ثم قال لي: ياأُم سليم وصيي من يستغني بنفسه في جميع حالاته كما أنا مستغن.
فنظرت الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد ضرب بيده اليمنى الى السقف وبيده اليسرى الى الأرض قائماً لا ينحني في حالة واحدة الى الأرض ولا يرفع نفسه بطرف قدميه، قالت: فخرجت فرأيت سلمان يكتنف علياً ويلوذ بعقوبة دون من سواه من أُسرة محمد وصحابته على حداثته من سنه فقلت في نفسي، هذا سلمان صاحب الكتب الأولى قد صاحب الأوصياء وعنده من العلم ما لم يبلغني فيوشك أن يكون صاحبي.
فاتيت علياً فقلت: أنت وصي محمد.
قال: نعم، ما تريدين؟
قلت له: وما علامة ذلك؟
فقال: إئتيني بحصاة.
قالت: فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده فجعلها كسحيق الدقيق، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء، ثم ختمها فبدا النقش فيها للناظرين، ثم مشى نحو بيته فاتبعته لأسأله عن الذي صنع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فالتفت إليَّ، ففعل مثل الذي فعله، فقلت من وصيك يا أباالحسن؟
فقال: من يفعل مثل هذا.
قالت أم سليم: فلقيت الحسن بن علي، فقلت أنت وصي أبيك؟ هذا وأنا أعجب من صغره وسؤالي اياه مع إنّي كنت عرفت صفة الاثنى عشر إماماً وأباهم وسيدهم وافضلهم فوجدت ذلك فى الكتب الأُولى.
فقال لي: نعم، أنا وصي أبي.
فقلت: وما علامة ذلك؟
فقال: إئتيني بحصاة.
قالت: فرفعت اليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ثم سحقها كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء، ثم ختمها فبدأ النقش فيها، ثم دفعها إليَّ.
فقلت له: فمن وصيك؟
فقال: من يفعل مثل هذا الذي فعلت، ثم مد يده اليمنى حتى جازت سطوح المدينة وهو قائم ثم طأطأ يده اليسرى فضرب بها الأرض من غير أن ينحني أو يتصعد، فقلت في نفسي من ترى وصيه فخرجت من عنده، فلقيت الحسين (عليه السلام)، وكنت عرفت نعته من الكتب السالفة بصفته وتسعة من ولده أوصيائهم (أوصيائه) بصفاتهم غير أنّي أنكرت حلية لصغر سنه، فدنوت منه وهو على كسرة رحبة المسجد، فقلت له من أنت يا سيدي؟
فقال: أنا طلبتك يا أُم سليم، أنا وصي الأوصياء، أنا أبو الائمة التسعة الهادية، أنا وصي أخي الحسن وأخي وصي أبي على، وعلي وصي جدي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فعجبت من قوله فقلت ما علامة ذلك.
فقال: إئتيني بحصاة فرفعت إليه حصاة من الأرض قالت أم سليم، فلقد نظرت اليه وقد وضعها بين كفيه فجعلها كهيئة السحيق من الدقيق، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء فختمها بخاتمه فثبت النقش فيها، ثم دفعها اليَّ وقال لي انظري فيها يا أُم سليم، فهل ترين فيها شيئاً.
قالت أُم سليم: فنظرت فاذا فيها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والحسن والحسين وتسعة ائمة صلوات اللّه عليهم أوصياء من ولد الحسين قد تواطأت أسماءَهم إلاّ اثنين منهم أحدهما جعفر والآخر موسى وهكذا قرأت في الانجيل، فعجبت ثم قلت في نفسي، قد أعطاني اللّه الدلائل ولم يعطها من كان قبلي.
فقلت: يا سيدي أعد عليَّ علامة أخرى. قالت: فتبسم وهو قاعد، ثم قام فمد يده الى السماء فواللّه لكأنها عمود من نار تخرق الهواء حتى توارى عن عيني وهو قائم لا يعبأ لذلك ولا ينحفر، فسقطت وصعقت فما افقت الاّ به وفي يده طاقة من آس يضرب بها منخري، فقلت في نفسي: ماذا أقول له بعد هذا وقمت وأنا والله أجد الى ساعتي رايحة هذه الطاقة من الاس وهي واللّه عندي لم تذو ولم تذبل ولا انتقص من ريحها شيء واوصيت أهلي أن يضعوها في كفني.
فقلت يا سيدي: ومن وصيك؟
قال: من فعل مثل فعلي.
قالت: فعشت الى أيام علي بن الحسين.
قال: زرّ بن حبيش خاصة دون غيره، وحدثني جماعة من التابعين سمعوا هذا الكلام من تمام حديثها منهم مينا مولى عبد الرحمان بن عوف وسعيد بن جبير مولى بني أسد سمعاها تقول هذا، وحدثني سعيد بن المسيب المخزومي ببعضه عنها قالت: فجئت الى علي بن الحسين (عليه السلام) وهو في منـزله قائماً يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة فجلست ملياً فلا ينصرف من صلاته فأردت القيام، فلما هممت به حانت مني التفاتة الى خاتم في اصبعه عليه فص حبشي فاذا هو مكتوب مكانك يا أُم سليم انبئك بما جئت له.
قالت: فاسرع في صلاته، فلما سلّم قال لي: ياأُم سليم إئتيني بحصاة من غير أن أسأله عما جئت له، فدفعت اليه حصاة من الأرض فأخذها فجعلها بين كفيه فجعلها كهيئة الدقيق السحيق، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء، ثم ختمها فثبت فيها النقش فنظرت والله الى القوم باعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين.
فقلت له: فمن وصيك جعلني الله فداك؟
قال: الذي يفعل مثل ما فعلت ولا تدركين من بعدي مثلي، قالت أُم سليم: فانسيت أن أسأله أن يفعل مثل ما كان قبله من رسول اللّه وعلي والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم، فلما خرجت من البيت ومشيت شوطاً نادى يا أُم سليم قلت: لبيك، قال: ارجعي فرجعت، فاذا هو واقف في صرحة داره وسطاً ثم مشى فدخل البيت وهو يتبسم ثم قال: اجلسي يا أُم سليم فجلست فمد يده اليمنى فتخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة وغابت يده عني ثم قال: خذي يا أُم سليم فناولني والله كيساً فيه دنانير وقرطاس من ذهب وفصوص كانت لي من جذع في حق لي كانت في منـزلي.
فقلت يا سيدي: أما الحق فاعرفه، وأما ما فيه فلا أدري ما فيه، غير أني أجدها ثقيلة.
قال: خذيها وامض لسبيلك، قالت: فخرجت من عنده ودخلت منـزلي وقصدت نحو الحق، فلم أجد الحق في موضعه، فاذا الحق حقي، قالت: فعرفتهم حق معرفتهم بالبصيرة والهداية فيهم من ذلك اليوم والحمد للّه رب العالمين.
أن أبو عبد الله بن عياش قال في كتابه المقتضب عند ذكر هذا الحديث: إنّ أُم سليم صاحبة الحصاة هذه غير الحبابة الوالبية وغير أُم غانم صاحبتي الحصاة، كما إنّها ليست بأُم سليم الأنصارية أُم انس بن مالك ولا أُم سليم الدوسية ولا أُم سليم الخافضة التي كانت تخفض الجواري على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أُم سليم الثقفية وهي بنت مسعود أُخت عروة بن المسعود الثقفي، فإنّها أسلمت وحسن اسلامها وروت الحديث ونقل عن أبي بكر محمد بن عمر الجعابي إنّها إمرأة معروفة من النساء اللاتي روين عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكر أيضاً إنّه سئل الجعابي المذكور عن أبي صالح الطرطوسي القاضي بعدما قرأ عليه اسناد الحديث للعامة واستحسن طريقنا وطريق أصحابنا فيه، فقال: إنه يعني أبا صلاح المذكور كان ثقة عدلاً حافظاً.ثم أعلم أن هذا الحديث مروي في الكافي على وجه أخصر ممّا هاهنا وفيه إنّ اسم صاحبة الحديث أُم أسلم واللّه أعلم.