العتبة العلوية المقدسة - خطبه وكلماته وأشعاره ومناظراته وعبادته -
» » سيرة الإمام » المناسبات » سيرة الشهيد زيد بن علي » خطبه وكلماته وأشعاره ومناظراته وعبادته

 

خطبه  وكلماته وأشعاره ومناظراته وعبادته

    كان زيد الشهيد فصيحاً ، بليغاً يأخذ بجوامع الكلم ويستعملها في مواردها وقد شهد به الصديق والعدو ، قال الواقدي : وبلغ هشام بن عبد الملك مقامُ زيد بالكوفة ، فكتب إلى يوسف بن عمر : أشخِصْ زيداً إلى المدينة فإنّي أخاف أن يخرجه أهل الكوفة لاَنّه حلو الكلام ، شديد البيان ، خليق بتمويه الكلام  (

 

[1]) وإليك بعض ما أثر عنه من المواعظ والحكم والاَدب ونحوها :

    1 ـ روى أبو الموَيد موفق بن أحمد المدعو بـ أخطب خوارزم  : قيل لزيد ابن علي : الصمت خير أم الكلام؟ فقال : قبح اللّه المساكتة ، ما أفسدها للبيان ، وأجلبها للعيّ والحصر ، واللّه للمماراة أسرع في هدم الفتى من النار في يبس العرفج ، ومن السيل إلى الحدور   ([2])(

 

[3]).

 

    فقد فضل الكلام على السكوت ، وذم المماراة ، فالكلام أفضل بشرط أن لا يكون مماراة.

    2 ـ إذا تلا زيد بن علي قوله سبحانه : وإن تَتَولَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُم ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أمْثَالَكُم  (محمد ـ 38).
    يقول : إنّ كلام اللّه هذا تهديد وتخويف ، ثم يقول : اللّهم لا تجعلنا ممّن تولّى عنك فاستبدلت به بدلاً 
 (

 

[4]).

    3 ـ قال زيد بن علي لاَصحابه : أُوصيكم بتقوى اللّه ، فإنّ الموصي بها لم يدَّخر نصيحة ، ولم يقصِّـر في الاِبلاغ ، فاتقوا اللّه في الاَمر الذي لا يفوتكم منه شيء وإن جهلتموه وأجملوا في الطلب ، ولاتستعينوا بنعم اللّه على معاصيه ، وتفكّروا ، وأبصروا هل لكم قبل خالقكم من عمل صالح قدمتموه فَشَكَرَه لكم ، فبذلك جعلكم اللّه تعالى من أهل الكتاب والسنّة ، وفضّلكم على أديان أبائكم ، ألم يستخرجكم نطفاً من أصلاب قوم ، كانوا كافرين ، حتى بثّكم في حجور أهل التوحيد ، وبث من سواكم في حجور أهل الشرك ، فبأي سوابق أعمالكم طهركم إلاّ بمنّه وفضله الذي يوَتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم   (

 

[5]).

    4 ـ وقال مبيّناً لما هو الغاية من الخروج : وإنّما خرجت على بني أُمية الذين قتلوا جدي الحسين ، وأغاروا على المدينة يوم الحرة ، ثم رموا بيت اللّه بحجر المنجنيق والنار   (

 

[6]).

 

    5 ـ روى عبد اللّه بن مسلم بن بابك قال : خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة ، كان نصف الليل واستوت الثريا فقال : يا بابكيّ ، ما ترى هذه الثريا أترى أن

أحداً ينالها؟  قلت : لا ، قال : واللّه لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الاَرض أو حيث أقع ، فأتقطَّع قطعة قطعة وإنّ اللّه أصلح بين أمة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )   (

 

[7]).

 

    6ـ إنّ زيداً كتَّب كتائبه ، فلمّـا خفقت راياته رفع يده إلى السماء فقال : الحمد للّه الذي أكمل لي ديني ، واللّه ما يسرني إنّي لقيت محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم آمر أُمّته بمعروف ولم أنههم عن منكر .

    وفي رواية أُخرى : واللّه إنّي لاَستحيي من رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا لقيته ولم آمر أُمته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر واللّه ما أُبالي إذا أقمت كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه إن أُجّجت لي نار وقذفتُ فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة اللّه عزّ وجلّ ، واللّه لا ينصرني أحد إلاّ كان في الرفيق الاَعلى مع محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات اللّه عليهم ـ ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونحن بنوه ، يا معشر الفقهاء وأهل الحجى أنا حجة اللّه عليكم هذه يدي مع أيديكم ، على أن نقيم حدود اللّه ونعمل بكتابه ...   (

 

[8]).

    7ـ كانت بيعته التي يبايع عليها الناس هي : إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه ، وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء بين أهله بالسوية ورد الظالمين ، وإقفال المجمر ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا ، وجهل حقنا. أتبايعون على ذلك؟  فإذا قالوا نعم ، وضع يده على يده ثم يقول : عليك عهد اللّه وميثاقه وذمته أو ذمة رسول اللّه لتفينّ ببيعتي ، ولتقاتلنّ عدوي ، ولتنصحنّ لي في السر والعلانية  فإذا قال نعم مسح يده على يده ، ثم قال : اللهم اشهد   (

 

[9]).

    8 ـ ومن كلامه : إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه وإلى السنن أنّ تحيى ، وإلى البدع أن تدفع ، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم ، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل   (

 

[10]).

    9 ـ ومن كلامه المعروف قاله لهشام أنّه : لم يكره قوم قطُّ حدّ السيف إلاّ ذلّوا   (

 

[11]).

    10 ـ وروى ابن عساكر أنّه قال : واللّه ما كره قوم الجهاد في سبيل اللّه إلاّ ضربهم اللّه تعالى بالذل   ([12]).
    11 ـ وقال أيضاً لهشام : أنّه ليس أحد يكبر عن تقوى اللّه ، ولا يصغر دون تقوى اللّه 
 (

 

[13]).

 

    إلى غير ذلك من الكلمات التي سيمرّ بعضها عليك في المستقبل. غير أنّ كل ذلك حكم قصيرة يباري فيها ، ما ورثه عن مطلع الفصاحة والبلاغة جدّه الاِمام أمير الموَمنين.

 

    ثم لزيد خطب ، ورسائل ، نكتفي من كل منهما بواحد ، والاِمعان فيهما يعرف مقدرته على إنشاء الكلام البليغ ، وإبداعه المعاني السامية ، في جمل قصيرة وإليك الخطبة ثم الرسالة :

 

    12 ـ خطبته التي ، يعرّف فيها موقفه من الخروج وأنّه ليس إلاّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإنهاض المسلمين لاِزالة المروانيّين عن منصة الحكومة الاِسلامية ورد الاَمر إلى أهل بيت النبي وإليك نصها :

    يا أيّها الناس إنّ اللّه قد بعث في كل زمان خيرة ، ومن كل خيرة منتجباً خيرة منه قال : اللّهُ أعلَمُ حَيْثُ يَجعَلُ رِسالَتَه  (الاَنعام ـ 124) فلم يزل اللّه يتناسخ خيرته حتى خرج محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أفضل تربة وأطهر عترة أُخرجت للناس ، فلمّا قبض اللّه محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا عارف أمخركم  (

 

[14]) بعد زخورها وحصّن حصونك على سائر الاَحياء بأنّ محمداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان قريشياً ، ودانت العجم للعرب بأنّ محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان عربياً حتى ظهرت الكلمة وتمت النعمة فاتّقوا اللّه عباد اللّه وأجيبوا إلى الحقّ وكونوا أعواناً لمن دعاكم إليه ، ولاتأخذوا سنّة بني إسرائيل ، كذَّبوا أنبياءهم ، وقتلوا أهل بيت نبيهم.

 

    ثم أنا أُذكركم أيّـها السامعون لدعوتنا ، المتفهّمون لمقالتنا ، باللّه العظيم الذي لم يذكر المذكورون بمثله ، إذا ذكروه وجلت قلوبكم واقشعرَّت لذلك جلودكم ، ألستم تعلمون أنّا ولد نبيكم المظلومون المقهورون ، فلا سهمُ وُفينا ، ولا تراث أُعطينا ، وما زالت بيوتاً تهدم وحرمتنا تنتهك وقائلنا يعرف ،

 

يولد مولودنا في الخوف ، وينشأ ناشئنا بالقهر ويموت ميّتنا بالذل؟

 

    ويحكم إنّ اللّه قد فرض عليكم جهاد أهل البغي والعدوان من أُمتكم على بغيهم ، وفرض نصرة أوليائه الداعين إلى اللّه وإلى كتابه قال : ولَيَنصُرَنَّ اللّهُ مَن يَنصُـرُهُ إنَّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز  (الحجّ ـ40).
    ويحكم إنّا قوم غَضِبْنا للّه ربّنا ، ونقمنا الجور المعمول به في أهل ملتنا ، ووضعنا من توارث الاِمامة والخلافة ، وحكم بالهوى ونقض العهد ، وصلّـى الصلاة لغير وقتها ، وأخذ الزكاة من غير وجهها ودفعها إلى غير أهلها ، ونسك المناسك بغير هديها ، وأزال الاَفياء والاَخماس والغنائم ومنعها الفقراء والمساكين وابن السبيل ، وعطّل الحدود وأخذ منه الجزيل ، وحكم بالرشا والشفاعات والمنازل ، وقرب الفاسقين ومثل بالصالحين ، واستعمل الخيانة وخوّن أهل الاَمانة ،

 

وسلّط المجوس وجهز الجيوش ، وخلد في المحابس وجلد المبين وقتل الوالد ، وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف بغير مأخوذ من كتاب اللّه وسنّة نبيه.

    ثم يزعم زاعمكم الهزاز على قلبه ، يطمع خطيئته إنّ اللّه استخلفه يحكم بخلافته ، ويصد عن سبيله وينتهك محارمه ويقتل من دعا إلى أمره ، فمن أشرّ عند اللّه منزلة ممّن افترى على اللّه كذباً أو صد عن سبيله أو بغاه عوجاً ، ومن أعظم عند اللّه أجراً ممّن أطاعه وأدان بأمره وجاهد في سبيله وسارع في الجهاد ، ومن أشرّ عند اللّه منزلة ممّن يزعم أن بغير ذلك يحقّ عليه ثم يترك ذلك استخفافاً بحقّه وتهاوناً في أمر اللّه وإيثاراً لدنياه ، ومَنْ أحْسَنُ قَوْلاً ممّن دَعا إلى اللّهِ وعَمِلَ صالِحاً وقالَ إنّني مِنَ المُسْلِمين  (فصلت ـ 33)  (

 

[15]).

 

    13 ـ روى حميد بن أحمد المحلي (582 ـ 652هـ) بالاِسناد المنتهي إلى أبي الجارود أن زيداً لمّا ظهر ، خطب وقال : الحمد للّه الذي منّ علينا بالبصيرة وجعل لنا قلوباً عاقلة ، وأسماعاً واعية ، وقد أفلح من جعل الخير شعاره ، والحقّ دثاره ـ إلى أن قال : ـ فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرِّقة ، العادلة غير الجائرة ، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا وجاهد بنفسه نفسه ومن يليه من أهل الباطل ، ودعائم النفاق ، فله ما لنا وعليه ما علينا ، ومن ردّ علينا دعوتنا وأبى إجابتنا واختار الدنيا الزائلة الآفلة ، على الآخرة الباقية ، فاللّه من أُولئك برىء ، وهو يحكم بيننا وبينكم.

 

    إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم ، فلاَن يستجيب لكم رجل واحد خير ممّا طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة ، وعليكم بسيرة أمير الموَمنين علي بن طالب ( عليه السلام ) بالبصرة والشام : لا تتبعوا مُدبِراً ولا تُجهِزوا على جريح ولا تفتحوا باباً مغلقاً ، واللّه على ما أقول وكيل.

    عباد اللّه لا تقاتلوا على الشك فتضلّوا عن سبيل اللّه ، ولكن البصيرة ثم القتال ، فإنّ اللّه يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حقّ. عباد اللّه : البصيرة  قال أبو الجارود : يابن رسول اللّه ، يبذل الرجل نفسه عن غير بصيرة؟ قال : نعم أنّ أكثر من ترى عشقت نفوسهم الدنيا فالطمع أرداهم إلاّ القليل الذين لا تخطر الدنيا على قلوبهم ، ولا لها يسعون فأُولئك مني وأنا منهم   (

 

[16]).

 

    14 ـ وها نحن ننشر في المقام رسالته إلى علماء الاَُمّة قبيل خروجه ، فحاول فيها بكل وسيلة تشجيع الناس على رفض الظلم والمطالبة بالحرية والعدالة.

 

    قام بتحقيقها وتصحيحها محمد يحيى سالم عزان عن أربع نسخ ، نوّه بخصوصيتها في مقدمتها ونشرها دار التراث اليمني صنعاء عام 1412هـ.

 

    وإليك نصها :

 

بسم اللّه الرحمن الرحيم

 

الحمد للّه ربّ العالمين حتى يرضى وصلّى اللّه وسلم وبارك وترحّم وتحنّن وسلّم على سيّدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمّد.

 

    إلى علماء الاَُمّة الذين وجبت للّه عليهم الحجّة.

 

    من زيد بن علي  ابن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

 

    سلام على أهل ولاية اللّه وحزبه.

    ثم إنّي أُوصيكم معشر العلماء بحظّكم من اللّه في تقواه وطاعته ، وأن لا تبيعوه بالمكس  (

 

[17])من الثمن ، والحقير من البدل ، واليسير من العِوَض ، فإنّ كلّ

 

شيء آثرتموه وعملتم له من الدنيا ليس بخَلَف ممّا زيّن اللّه به العلماء من عباده الحافظين لرعاية ما استرعاهم واستحفظهم من أمره ونهيه ، ذلك بأنّ العاقبة للمتقين ، والحسرة والندامة والويل الدائم للجائرين الفاجرين.

 

    [الاعتبار من الاَُمم السابقة]

 

    فتفكّروا عباد اللّه واعتبروا ، وانظروا وتدبّروا وازدجروا بما وعظ اللّه به هذه الاَُمّة من سوء ثنائه على الاَحبار والرهبان.

    إذ يقول : لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَبّانِيُّونَ والاَحبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الاِثْمَ وأكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ   ([18]).
    وإنّما عاب ذلك عليهم بأنّهم كانوا يشاهدون الظلمة الذين كانوا بين ظهرانيهم يأمرون بالمنكر ، ويعملون الفساد فلا ينهونهم عن ذلك ، ويرون حقّ اللّه مضيعاً ، ومال اللّه دُولة يوَكل بينهم ظلماً ودولة بين الاَغنياء ، فلا يمنعون من ذلك رغبة فيما عندهم من العَرَض الآفل ، والمنزل الزائل ، ومداهنة
 (

 

[19]) منهم على أنفسهم.

    وقد قال اللّه عزّ وجلّ لكم : يَا أَيُّـها الّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الاَحْبارِ والرُّهْبَانِ لَيَأكُلُونَ أموالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَهَبَ وَالفِضَّةَ وَلايُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّـرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ   (

 

[20])كيما تحذروا.

    وإذا رأيتم العالم بهذه الحالة والمنزلة فأنزلوه منزلة من عاث في أموال الناس بالمصانعة  ([21]) ، والمداهنة ، والمضارعة  (

 

[22])لظلمة أهل زمانهم ، وأكابر

قومهم ، فلم ينهوهم عن منكر فعلوه. رغبة فيما كانوا ينالون من السحت  ([23]) بالسكوت عنهم.
    وكان صدودهم عن سبيل اللّه بالاِتباع لهم ، والاغترار بإدهانهم 
(

 

[24])ومقارنتهم الجائرين الظالمين المفسدين في البلاد. ذلك بأنّ أتباع العلماء يختارون لاَنفسهم ما اختار علماوَهم. فحذروا علماء السوء الذين سلكوا سبيل من ذَمّ اللّه وباعوا طاعة اللّه الجائرين.

    إنّ اللّه عزّ وجلّ قال في كتابه : إِنّا أنْزَلْنَا التوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُوراً يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الّذِينَ أسْلَمُوا لِلّذِينَ هَادُوا وَالرّبّانِيّونَ والاَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا الناسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرُون   (

 

[25]).

    فعاب علماء التوراة والاِنجيل بتركهم ما استحفظهم من كتابه ، وجَعَلَهم عليه شهداء خشية الناس ، ومواتاة  ([26])للظالمين ، ورضاً منهم بأعمال المفسدين. فلم يوَثروا اللّه بالخشية فسخط اللّه عليهم لمّا اشتروا بآياته ثمناً قليلاً ، ومتاعاً من الدنيا زائلاً. والقليل عند اللّه الدنيا وما فيها من غضارتها  (

 

[27])وعيشتها ونعيمها وبهجتها ، ذلك بأنّ اللّه هو علاّم الغيوب.

 

    قد علم بأنّ ركوب معصيته ، وترك طاعته ، والمداهنة للظلمة في أمره ونهيه ، إنّما يلحق بالعلماء للرهبة والرغبة من عند غير اللّه ، لاَنّهم علماء باللّه ، وبكتابه وبسنّة نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

 

 الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

    ولعمري لو لم يكن نال علماء الاَزمنة من ظلمتها ، وأكابرها ، ومفسديها ، شدة وغلظة وعداوة ، ما وصّاهم اللّه تعالى وحذّرهم. ذلك أنّهم ما ينالون ما عند اللّه بالهوينا ولا يخلدون في جنّته بالشهوات.

    فكره اللّه تعالى للعلماء ـ المستحفظين كتبه وسنّته وأحكامه ـ ترك ما استحفظهم ، رغبة في ثواب من دونه ، ورهبة عقوبة غيره. وقد ميزكم اللّه تعالى حقّ تميز ، ووسمكم سمة  ([28]) لا تخفى على ذي لب ، وذلك حين قال لكم : والمُوَْمِنُونَ وَالمُوَْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلئِكَ سَيرْحَمُهُمُ اللّهُ إنَّ اللّهَ عَزيزٌ حَكِيم   (

 

[29]).

 

    فبدأ بفضيلة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم بفضيلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عنده ، وبمنزلة القائمين بذلك من عباده.

 

    ولعمري لقد استفتح الآية في نعت الموَمنين بفريضة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فاعتبروا عباد اللّه وانتفعوا بالموعظة.

    وقال تعالى في الآخرين : المُنَافِقُونَ والمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ   (

 

[30]).
    فلعمري لقد استفتح الآية في ذمّهم بأمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف فاعتبروا عباد اللّه وانتفعوا.

 

    واعلموا أنّ فريضة اللّه تعالى في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أُقيمت له استقامت الفرائض بأسرها هَيّنُها وشديدها.

 

    وذلك أنّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو :

 

    الدعاء إلى الاِسلام ، والاِخراج من الظلمة ، ورد الظالم ، وقسمة الفيء والغنائم على منازلها ، وأخذ الصدقات ووضعها في مواضعها ، وإقامة الحدود ، وصلة الاَرحام ، والوفاء بالعهد ، والاِحسان ، واجتناب المحارم ، كل هذا من الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    يقول اللّه تعالى لكم : وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرّ وَالتَقْوَى وَلاَتَعَاوَنُوا عَلَى الاِثْمِ وَالعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقَابِ   ([31]) فقد ثبت فرض اللّه تعالى فاذكروا عهد اللّه الذي عاهدتموه وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ   (

 

[32]).

 

    [دور العلماء ومكانتهم]

    عباد اللّه فإنّما تصلح الاَُمور على أيدي العلماء وتفسد بهم إذا باعوا أمر اللّه تعالى ونهيه بمعاونة الظالمين ، الجائرين ، فكذلك الجهّال والسفهاء إذا كانت الاَُمور في أيديهم ، لم يستطيعوا إلاّ بالجهل والسفه إقامتها فحينئذ تصرخ المواريث ، وتضج الاَحكام ، ويفتضح المسلمون  (

 

[33]).

   وأنتم أيّها العلماء عصابة مشهورة ، وبالورع مذكورة ، وإلى عبادة اللّه منسوبة ، وبدراسة القرآن معروفة ، ولكم في أعين الناس مهابة ، وفي المدائن والاَسواق مكرمة ، يهابكم الشريف ، ويكرمكم الضعيف ، ويرهبكم من لا فضل لكم عليه. يُبدَأ بكم عند الدُعوَة ، والتُحَفَة  (

 

[34])، ويشار إليكم في المجالس ، وتشفعون في الحاجات ، إذا امتنعت على الطالبين. وآثاركم متبعة ، وطرقكم تسلك.

    كل ذلك لما يرجوه عندكم من هو دونكم من النجاة في عرفان حقّ اللّه تعالى. فلاتكونوا عند إيثار  (

 

[35])حقّ اللّه تعالى غافلين ، ولاَمره مضيّعين ، فتكونوا كالاَطباء الذين أخذوا ثمن الدواء وأعطبوا المرضى.

 

وكرعاة استوفوا الاَجر وضلّوا عن المرعى. وكحرّاس مدينة أسلموها إلى الاَعداء ، هذا مثل علماء السوء.

 

    لا مالاً تبذلونه للّه تعالى ، ولانفوساً تخاطرون بها في جنب اللّه تعالى ، ولاداراً عطلتموها ، ولازوجة فارقتموها ، ولاعشيرة عاديتموها. فلاتتمنوا ما عند اللّه تعالى وقد خالفتموه.

 

   فترون أنّكم تسعون في النور ، وتتلقاكم الملائكة بالبشارة من اللّه عزّ وجلّ؟ كيف تطمعون في السلامة يوم الطامة؟! وقد أخرجتم الاَمانة ، وفارقتم العلم ، وأدهنتم في الدين. وقد رأيتم عهد اللّه منقوضاً ، ودينه مبغوضاً ، وأنتم لاتفزعون ومن اللّه لاترهبون.

 

    فلو صبرتم على الاَذى ، وتحملّتم الموَنة في جنب اللّه لكانت أُمور اللّه صادرة عنكم ، وواردة إليكم.

    عباد اللّه لاتمكّنوا الظالمين من قِيَادِكم  (

 

[36]) بالطمع فيما بأيديهم من حطام الدنيا الزائل ، وتراثها الآفل ، فتخسروا حظّكم من اللّه عزّ وجلّ.

 

    عباد اللّه استقدموا إلى الموت بالوثيقة في الدين ، والاعتصام بالكتاب المتين ، ولاتعجبوا بالحياة الفانية فما عند اللّه هو خير لكم ، وإنّ الآخرة هي دار القرار.

 

    عباد اللّه اندبوا الاِيمان ونوحوا على القرآن ، فو الذي نفس زيد بن علي  بيده لن تنالوا خيراً لا يناله أهل بيت نبيّكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولا أصبتم فضلاً إلاّ أصابوه فأصبتم فضله.

 

    [إلى علماء السوء]

 

    فيا علماء السوء أكببتم على الدنيا وإنّها لناهية لكم عنها ، ومحذرة لكم منها ، نصحت لكم الدنيا بتصرفها فاستغششتموها ، وتَفَتحت لكم الدنيا فاستحسنتموها ، وصدقتكم عن نفسها فكذبتموها.

    فيا علماء السوء هذا مهادكم الذي مهدتموه للظالمين ، وهذا أمانكم الذي أتمنتموه  ([37]) للخائنين ، وهذه شهادتكم للمبطلين. فأنتم معهم في النار غداً خالدون. ذلِكُم بِمَا كُنْتُم تَفْرَحُونَ فِى الاَرْضِ بِغَيْرِ الحَقّ وَبِمَا كُنْتُم تَمْرَحُونَ   (

 

[38]).

 

    فلو كنتم سلّمتم إلى أهل الحقّ حقهم ، وأقررتم لاَهل الفضل بفضلهم لكنتم أولياء اللّه ، ولكنتم من العلماء به حقاً ، الذين امتدحهم اللّه عزّ وجلّ في كتابه بالخشية منهم.

 

    فلا أنتم علمتم الجاهل ، ولا أنتم أرشدتم الضال ، ولا أنتم في خلاص الضعفاء تعملون ، ولابشرط اللّه عليكم تقومون ، ولا في فكاك رقابكم [ولا السلب إلاّ سلبكم].

 

    يا علماء السوء اعتبروا حالكم ، وتفكّروا في أمركم ، وستذكرون ما أقول لكم.

    يا علماء السوء إنّما أمنتم عند الجبارين بالاِدهان ، وفزتم بما في أيديكم بالمقاربة ، وقربتم منهم بالمصانعة  (

 

[39])، قد أبحتم الدين ، وعطّلتم القرآن ، فعاد علمكم حجّة للّه عليكم ، وستعلمون إذا حشرج الصدر ، وجاءت الطامة ، ونزلت الداهية.

 

    يا علماء السوء أنتم أعظم الخلق مصيبة ، وأشدهم عقوبة ، إن كنتم تعقلون ، ذلك بأنّ اللّه قد احتج عليكم بما استحفظكم إذ جعل الاَُمور ترد إليكم ، وتصدر عنكم.

 

    الاَحكام من قبلكم تلتمس ، والسنن من جهتكم تختبر. يقول المتبعون لكم : أنتم حجّتنا بيننا وبين ربّنا. فبأي منزلة نزلتم من العباد هذه المنزلة؟

 

    فوالذي نفس زيد بن علي  بيده لو بيّنتم للناس ما تعلمون ودعوتموهم إلى الحقّ الذي تعرفون ، لتضعضع بنيان الجبارين ، ولتهدّم أساس الظالمين ، ولكنّكم اشتريتم بآيات اللّه ثمناً قليلاً ، وأدهنتم في دينه ، وفارقتم كتابه.

 

    هذا ما أخذ اللّه عليكم من العهود والمواثيق ، كي تتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الاِثم والعدوان ، فأمكنتم الظلمة من الظلم ، وزيّنتم لهم الجور ، وشددتم لهم ملكهم بالمعاونة والمقارنة ، فهذا حالكم.

    فيا علماء السوء فمحوتم كتاب اللّه محواً ، وضربتم وجه الدين ضرباً ، فند  (

 

[40])واللّه نديد البعير الشارد ، هرباً منكم.

    فبسوء صنيعكم سفكت دماء القائمين بدعوة الحقّ من ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ورفعت روَوسهم فوق الاَسنّة ، وصُفّدُوا في الحديد ، وخلص إليهم الذل ، واستشعروا الكرب وتسربلوا الاَحزان ، يتنفسون الصعداء  (

 

[41])، ويتشاكون الجهد.

 

    فهذا ما قدّمتم لاَنفسكم ، وهذا ما حملتموه على ظهوركم ، فاللّه المستعان ، وهو الحكم بيننا وبينكم ، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين.

 

    [دعوة إلى الجهاد]

 

    وقد كتبت إليكم كتاباً بالذي أُريد من القيام به فيكم. وهو : العمل بكتاب اللّه ، وإحياء سنّة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

 

    فبالكتاب قوام الاِيمان ، وبالسنّة يثبت الدين. وإنّما البدع أكاذيب تخترع ، وأهواء تتّبع ، يتولّـى فيها وعليها رجال رجالاً صدّوهم عن دين اللّه ، وذادوهم عن صراطه ، فإذا غيّرها الموَمن ، ونهى عنها المُوَحّد ، قال المفسدون : جاءنا هذا يدعونا إلى بدعة!!

 

    وأيم اللّه ما البدعة إلاّ التي أحدث الجائرون ، ولا الفساد إلاّ الذي حكم به الظالمون.

    وقد دعوتكم إلى الكتاب. فأجيبوا داعي اللّه ، وانصروه ، فوالذي بإذنه دعوتكم ، وبأمره نصحت لكم ، ما ألتمس أثرة على موَمن ، ولا ظلماً لمعاهد ، ولوددت أنّي قد حميتكم مراتع  (

 

[42])الهلكة ، وهديتكم من الضلالة ، ولو كنت أوقد ناراً فأقذف بنفسي فيها ، لا يقربني ذلك من سخط اللّه ، زهداً في هذه الحياة الدنيا ، ورغبة منّي في نجاتكم ، وخلاصكم. فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والموفورين حظاً ونصيباً.

 

    عباد اللّه انصحوا داعي الحقّ وانصروه إذ قد دعاكم لما يحييكم. ذلك بأنّ الكتاب يدعو إلى اللّه ، وإلى العدل والمعروف ، ويزجر عن المنكر.

    فقد نظرنا لكم وأردنا صلاحكم ، ونحن أولى الناس بكم. رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جدّنا  ، والسابق إليه الموَمن به أبونا  ، وبنته سيدة النسوان أُمّنا  ، فمن نزل منكم منزلتنا. فسارعوا عباد اللّه إلى دعوة اللّه ، ولا تنكلوا عن الحق ، فبالحق يُكبَت  (

 

[43])عدوّكم ، وتمنع حريمكم ، وتأمن ساحتكم.

    وذلك أنّا ننزع الجائرين عن الجنود ، والخزائن ، والمدائن ، والفيء ، والغنائم ، ونثبت الاَمين الموَتمن ، غير الراشي والمرتشي ، الناقض للعهد. فإن نظهر فهذا عهدنا ، وإن نستشهد فقد نصحنا لربّنا ، وأدّينا الحقّ إليه من أنفسنا ، فالجنة مثوانا ومنقلبنا ، فأي هذا يكره الموَمن ، وفي أي هذا يرهب المسلم ، وقد قال اللّه عزّ وجل لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وَلاَ تُجادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ أنْفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَيُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أثِيماً   (

 

[44]).

 

    وإذا بدأت الخيانة ، وخربت الاَمانة ، وعمل بالجور ، فقد افتضح الوالي. فكيف يكون إماماً على الموَمنين من هذا نعته وهذه صفته؟!

 

    اللّهم قد طلبنا المعذرة إليك ، وقد عرّفتنا إنّك لاتصلح عمل المفسدين ، فأنت اللّهم وليّنا ، والحاكم فيما بيننا وبين قومنا بالحقّ.

 

    هذا ما نقول ، وهذا ما ندعو إليه ، فمن أجابنا إلى الحقّ فأنت تثيبه وتجازيه ، ومن أبى إلاّ عتوّاً وعناداً فأنت تعاقبه على عتوّه وعناده.

 

    فاللّه اللّه عباد اللّه أجيبوا إلى كتاب اللّه ، وسارعوا إليه ، واتخذوه حكماً فيما شجر بينكم ، وعدلاً فيما فيه اختلفنا ، وإماماً فيما فيه تنازعنا ، فإنّا به راضون ، وإليه منتهون ، ولما فيه مسلمون ، لنا وعلينا. لانريد بذلك سلطاناً في الدنيا ، إلاّ سلطانك ، ولانلتمس بذلك أثرة على موَمن ، ولا موَمنة ، ولاحر ، ولا عبد.

 

    عباد اللّه فأجيبونا إجابة حسنة تكن لكم البشرى.

    يقول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : فَبَشِّـرْ عِبَادِ  الّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ   (

 

[45]).

    ويقول : وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلاً مِـمَّن دَعَا إِلى اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقالَ إِنّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ   (

 

[46]).

 

    مكانة أهل البيت ( عليهم السلام )

 

    عباد اللّه فاسرعوا بالاِنابة وأبذلوا النصيحة ، فنحن أعلم الاَُمّة باللّه ، وأوعى الخلق للحكمة ، وعلينا نزل القرآن  ، وفينا كان يهبط جبريل  ( عليه السلام ) ، ومن عندنا اقتبس الخير. فمن علم خيراً فمنّا اقتبسه ، ومن قال خيراً فنحن أصله ، ونحن أهل المعروف ، ونحن الناهون عن المنكر ، ونحن الحافظون لحدود اللّه.

 

    عباد اللّه فأعينونا على من استعبد أُمّتنا ، وأخرب أمانتنا ، وعطّل كتابنا ، وتشرف بفضل شرفنا. وقد وثقنا من نفوسنا بالمضي على أُمورنا ، والجهاد في سبيل خالقنا ، وشريعة نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، صابرين على الحق ، لا نجزع من نائبة من ظلمنا ، ولا نرهب الموت إذا سلم لنا ديننا.

    فتعاونوا ، وانصروا ، يقول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : يَا أَيُّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُـرُوا اللّهَ يَنْصُـرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أقدامَكُمْ   (

 

[47]).

    ويقول اللّه عزّ وجلّ : وَليَنْصُرَنَّ اللّه مَنْ يَنْصُـرُهُ إنَّ اللّه لَقَويٌّ عَزيزٌ  الّذِينَ إنْ مَكّنَّاهُمْ فِي الاَرضِ أقامُوا الصّّلاةَ وآتَوُا الزّكاةَ وَأَمَرُوا بِالمعَرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وللّهِ عاقِبَةُ الاَُمورِ   (

 

[48]).

    عباد اللّه فالتمكين قد ثبت بإثبات الشريعة ، وبإكمال الدين يقول اللّه عزّ وجلّ : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أنْتَ بِمَلُوم   (

 

[49]).

    وقال اللّه عزّ وجلّ فيما احتج به عليكم : اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسلامَ دِيناً   (

 

[50]).

 

    عباد اللّه فقد أكمل اللّه تعالى الدين ، وأتم النعمة ، فلا تنقصوا دين اللّه من كماله ، ولا تبدّلوا نعمة اللّه كفراً فيحل بكم بأسه وعقابه.

    عباد اللّه إنّ الظالمين قد استحلّوا دماءنا ، وأخافونا في ديارنا ، وقد اتّخذوا خذلانكم حجة علينا فيما كرهوه من دعوتنا ، وفيما سفهوه من حقّنا ، وفيما أنكروه من فضلنا عناداً للّه ، فأنتم شركاوَهم في دمائنا ، وأعوانهم في ظلمنا ، فكل مال للّه أنفقوه ، وكل جمع جمعوه ، وكل سيف شحذوه  (

 

[51]

وكل عدل تركوه ، وكل جور ركبوه ، وكل ذمة للّه تعالى أخفروها(

 

[52])وكل مسلم أذلّوه ، وكل كتاب نبذوه ، وكل

 

حكم للّه تعالى عطّلوه ، وكل عهد للّه تعالى نقضوه ، فأنتم المعينون لهم على ذلك بالسكوت عن نهيهم عن السوء.

 

    عباد اللّه إنّ الاَحبار والرهبان من كل أُمّة مسوَولون عما استحفظوا عليه ، فأعدّوا جواباً للّه عزّ وجلّ على سوَاله.

 

    اللهم إنّي أسألك بنبيّنا محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تثبّتاً منك على الحقّ الذي ندعو إليه وأنت الشهيد فيما بيننا ، الفاصل بالحقّ فيما فيه اختلفنا ، ولاتستوي الحسنة ولا السيئة.

 

    والسلام على من أجاب الحقّ ، وكان عوناً من أعوانه الدالّين عليه.    تمّ ذلك بحمد اللّه ومنّه.

مناظراته :

 

    إنّ لزيد الشهيد مناظرات جرت بينه وبين هشام وأُناس أُخر وفيها دلالة واضحة على قوة منطقه ، ونضاجة فكره وبالاَخص على حضور بديهته نقتطف ما يلي :

 

    1 ـ روى موفق الدين عن معمر بن خيثم : قال لي زيد بن علي : كنت أُباري هشام بن عبد الملك وأُكايده في الكلام ، فدخلت عليه يوماً فذكر بني أُمية ، فقال : واللّه هم أشدّ قريش أركاناً ، وأشدّ قريش مكاناً ، وأشدّ قريش سلطاناً ، وأكثر قريش أعواناً ، كانوا روَوس قريش في جاهليّتها ، وملوكهم في إسلامها فقلت له : على من تفخر؟ أعلى بني هاشم ، أوّل من أطعم الطعامَ وضرب الهامَ وخضعت لها قريش بإرغام ، أم على بني المطلب سيد مُضر جميعاً ، وإن قلت معد كلّها صدَقت ، إذا ركب مشوا ، وإذا انتعل احتفوا ، وإذا تكلّم سكتوا ، وكان يطعم الوحوش في روَوس

الجبال والطير ، والسباع والاِنس في السهل ، حافر زمزم ، وساقي الحجيج ، أم على بنيه أشرف رجال ، أم على نبي اللّه ورسوله حمله اللّه على البراق ، وجعل الجنة عن يمينه ، والنار عن شماله فمن تبعه دخل الجنة ، ومن تأخّر عنه دخل النار ، أم على أمير الموَمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أخي رسول اللّه وابن عمه المفرِّج الكرب عنه وأوّل من قال لا إله إلاّ اللّه بعد رسول اللّه لم يبارزه فارس قط إلاّ قتله ، وقال فيه رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مالم يقله في أحد من أصحابه ولا لاَحد من أهل بيته ، قال : فاحمر وجهه  (

 

[53]).

    2 ـ دخل زيد على هشام بن عبد الملك ، وقد جمع له هشام أهل الشام وأمر أن يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول إلى قربه ، فقال له زيد : إنّه ليس من عباد اللّه أحد فوق أن يوصى بتقوى اللّه ، ولا من عباد اللّه أحد دون أن يوصى بتقوى اللّه ، وأنا أُوصيك بتقوى اللّه يا أمير الموَمنين فاتقه ، فقال له هشام : أنت الموَهل نفسك للخلافة ، الراجي لها؟ وما أنت وذاك لا أُمّ لك وإنّما أنت ابن أمة ، فقال له زيد : إنّي لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند اللّه من نبيّ بعثه وهو ابن أمة ، فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية ، لم يبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيم ( عليهما السلام ) فالنبوة أعظم منزلة عند اللّه أم الخلافة يا هشام؟ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو ابن علي بن أبي طالب ، فوثب هشام عن مجلسه (وزيد في عمدة الطالب ووثب الشاميون) ودعا قهرمانه فقال : لا يبيتن هذا في عسكري (الليلة) فخرج زيد وهو يقول : إنّه لم يكره قط أحد حد السيوف إلاّ ذلّوا  (

 

[54]).

 

    3 ـ قد وشي بزيد إلى هشام ، فسأله عن ذلك فقال : أحلف لك. قال هشام : فإذا حلفت أفأُصدقك؟! قال : إتق اللّه. قال هشام : أومثلك يا زيد يأمر مثلي بتقوى

اللّه ، قال : لا أحد فوق أن يوصى بتقوى اللّه ، ولا أحد دون أن يوصى بتقوى اللّه. قال هشام : بلغني أنّك تريد الخلافة وأنت لا تصلح لها لاَنّك ابن أمة قال : قد كان إسماعيل بن إبراهيم ابن أمة وإسحق ابن حرة ، فأخرج اللّه من صلب إسماعيل النبيّ الكريم ، فعندها قال له هشام : قم ، قال : إذاً لا تراني إلاّ حيث تكره  (

 

[55]).

    4 ـ روى خالد بن صفوان اليمامي ، قال : أتينا زيـد بن علي وهو يومئذ بالرصافة ، رصافة هشام بن عبد الملك ، فدخلنا عليه في نفر من أهل الشام وعلمائهم وجاءُوا معهم برجل انقاد له أهل الشام في البلاغة ، والبصر بالحجج ، وكلّمنا زيد بن علي في الجماعة وقلنا : إنّ اللّه مع الجماعة وأنّ أهل الجماعة حجّة اللّه على خلقه ، وأنّ أهل القلّة هم أهل البدعة والضلالة ، قال : فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّـى على محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم تكلّم بكلام ما سمعت قرشيّاً ولا عربيّاً أبلغ موعظة ، ولا أظهر حجّة ولا أفصح لهجة منه ، قال : ثم أخرج إلينا كتاباً قاله في الجماعة والقلة ، ذكر من كتاب اللّه فلم يذكر كثيراً إلاّ ذمّه ولم يذكر قليلاً إلاّ مدحه ، والقليل في الطاعة هم أهل الجماعة ، والكثير في المعصية هم أهل البدع. قال خالد بن صفوان : فيئس الشامي فما أحلى ولا أمر (كذا) وسكت الشاميون فما يجيبون بقليل ولا كثير ، ثم قاموا من عنده فخرجوا وقالوا لصاحبهم : فعل اللّه بك وفعل ، غررتنا وفعلت ، زعمت أنّك لا تدع له حجّة إلاّ كسرتها فخرست ، فلم تنطق ، فقال لهم : ويلكم كيف أكلّم رجلاً إنّما حاجّني بكتاب اللّه أفأستطيع أن أرد كلام اللّه؟! فكان خالد بن صفوان يقول بعد ذلك : ما رأيت في الدنيا رجلاً قرشياً ولا عربياً يزيد في العقل والحجج غير زيد بن علي ( عليهما السلام )  (

 

[56]).

أشعاره :

 

    هذه نتف من مناظراته وفيها غنى وكفاية ، فلنعطف عنان البحث إلى ما جادت به قريحته في مواقف مختلفة ويبدو أنّه لا ينظم الشعر إلاّ في مجالات قليلة ، يصبّ ما في نفسه من جوى وشكوى ، وحماس في قالب النظم وإليك بعض ما وقفنا عليه :

 

    1 ـ روى أبو الفرج عن زكريا قال : أردت الخروج إلى الحجّ فمررت بالمدينة ، فقلت : لو دخلت على زيد بن علي ، فدخلت فسلمت عليه فسمعته يتمثّل :

 

ومن يطلب المال الممنّع بالقنا متى تجمع القلب الذكي وصارماً وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم

 

 

 

يعش ماجداً أو تخترمه المخارم وأنفاً حمياً تجتنبك المظالم فهل أنا في ذا يالهمدان ظالم

    يقول : فخرجت من عنده وظننت أنّ في نفسه شيئاً وكان من أمره ما كان  (

 

[57]).

 

    2 ـ روى الخزاز عن ابن بكير أنّه قال لزيد : يابن رسول اللّه هل عهد إليكم رسول اللّه متى يقوم قائمكم؟ قال : يا بن بكير ، إنّك لن تلحقه ، وإن هذا الاَمر يليه ستة أوصياء بعد هذا ، ثم يجعل اللّه خروج قائمنا فيملاَها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، قلت يا بن رسول اللّه ألست صاحب هذا الاَمر؟ فقال : أنا من العترة ، فعدت فعاد إليّ ، فقلت : يا بن رسول اللّه هذا الذي قلته عنك أو عن رسول اللّه؟ فقال : لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ، لا ولكن عهد ، عهِدَه إلينا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم أنشأ يقول :

 

    

 

نحن سادات قريش

 

 نحن الاَنوار التي

 

 من نحن منّا المصطفى ال

 

 فبنا قد عرف اللّه

 

 سوف يصلاه سعيراً

 

 

 

وقوام الحقّ فينا

 

 قبل كون الخلق كنّا

 

 ـمختار والمهدي منّا

 

 وبالحق أقمنا

 من تولى اليوم عنّا  (

 

[58])

 

    3 ـ روى ابن شهر آشوب في المناقب أنّه رثى الاِمام الباقر ( عليه السلام ) بأبيات وقال :
    

 

ثوى باقر العلم في ملحد

 

 فمن لي سوى جعفر بعده

 

أبا جعفر الخير أنت الاِمام

 

 

 

إمام الورى طيب المولد

 

الورى الاَوحد الاَمجد

وأنت المرجى لبلوى غد  (

 

[59])

 

    4 ـ اجتمع مع هشام فأهانه ، فخرج عن مجلسه وهو يقول : من أحب الحياة ذل  ثم أنشأ يقول :

 

مهلاً بني عمنا عن نحت أثلتنا لاتطمعوا أن تهينونا ونكرمكم

 

واللّه يعلم أنّا لا نحبّكم كلّ امرىءٍ

 

مولعٌ في بغض صاحبه

 

 

 

سيروا رويداً كما كنتم تسيرونا وان نكفّ الاَذى عنكم وتوَذونا ولانلومكم أن لا تحبّونا

 فنحمد اللّه نقلوكم وتقلونا  (

 

[60])

 

    5 ـ روى ابن الاَثير لما أهانه هشام ، وقال : أُخرج ، قال : أخرج ثم لا أكون إلاّ حيث تكره ، فقال له سالم : يا أبا الحسين لا يظهرن هذا منك ، فخرج من عنده وسار إلى الكوفة ولمّا خرج من مجلس هشام أنشد :

 

شرّده الخـوف وأزرى به منخرق النعلين يشكو الوجى قد كان في الموت له راحة إن يحدث اللّه له دولة

 

 

 

كذاك من يكره حرّ الجلاد

 

 تنكثه أطراف مرو حداد

 

 والموت حتم في رقاب العباد

 تترك آثار العدا كالرماد(

 

[61]) 

 

    6 ـ روى السيد محسن الاَمين في أعيان الشيعة نقلاً عن الخوارزمي في مقتله : إنّ أبا الحسين لما رأى الاَرض قد طوقت جوراً ورأى قلة الاَعوان ، وتخاذل الناس ، كانت الشهادة أحب الميتات إليه فخرج وهو يتمثل بهذين البيتين :

 

إن المحكم ما لم يرتقب حسداً

 

 من عاذ بالسيف لاقى فرجة عجباً

 

 

لو لم يرهب السيف أو وخز القنا صفا موتاً على عجل أو عاش فانتصفا  (

 

[62])

 

    7 ـ روى ابن الاَثير ، قال محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب لزيد : أذكرك اللّه يا زيد ، لما لحقت بأهلك ولا تأتي أهل الكوفة ، فإنّهم لا يفون لك ، فلم يقبل ، فقال له : خُرِجَ بنا أُسراء على غير ذنب من الحجاز ، إلى الشام ثم إلى الجزيرة ثم إلى العراق ، إلى قيس ثقيف يلعب بنا ثم قال :

 

    

 

بكرت تخوّفني الحتوف كأنّني فأجبتها إنّ المنية منهل إنّ المنية لو تُمثَّل مُثّلتْ فاقني حياءك لا أبا لُكِ وأعلمي

 

 

 

أصبحت عن عرض الحياة بمعزل

 

 لا بد أن أُسقى بكأس المنهل

 

مثلي (كذا) إذا نزلوا بضيق

إنّي امروَ سأموت إن لم أُقتل  (

 

[63])

 

    8 ـ روى المرتضى في الفصول المختارة عن الحسين بن زيد ، قال : حدثني مولاي قال : كنت مع زيد بن علي ( عليه السلام ) بواسط فذكر قوم الشيخين وعلياً فقدّموهما عليه ، فلمّا قاموا قال لي زيد : قد سمعت كلام هوَلاء وقد قلت أبياتاً فادفعها إليهم وهي :

 

من شرّف الاَقوام يوماً برأيه وقول رسول اللّه والحقّ قوله بأنّك منّي ياعلي معالنا دعاه ببدر فاستجاب لاَمره فما زال يعلوهم به وكأنّه

 

 

 

فإنّ علياً شرّفته المناقبُ

 

 وإن رغمت منهم أُنوف كواذب كهارون من موسى أخ لي وصاحب

 وما زال في ذات الاِله يضارب شهاب تلقاه القوابس ثاقب  (

 

[64])

 

    9 ـ قال السيد الاَمين : وممّا نسب إليه قوله :

 

لو يعلم الناس ما في العرف من شرف وبادروا بالذي تحوي أكفهم

 

 

لشرفوا العرف في الدنيا على الشرف من الخطير ولو أشفوا على التلف  (

 

[65])

 

    10 ـ روى عن نسمة السحر أنّ هذين البيتين له :

 

يقولون زيداً لا يزكى بما له

 

إذا حال حول لم يكن في أكفنا

 

 

وكيف يزكي المال من هو باذله من المال إلاّ رسمه  وفواضله(

 

[66]) 

 

    11 ـ روى الديلمي : أنّه لما جرى بينه وبين هشام كلام خرج ( عليه السلام ) وهو يقول :

 

حكم الكتاب وطاعة الرحمن كيف النجاة لاَُمّة قد بدلت فالمسرعون إلى فرائض ربّهم والكافرون بحكمه وبفرضه لكل أُناس مقبر بفنائهم

 

 فما إن تزال دار حيٍّ قد أُخربت

 

 هم جيرة الاَحياء أمّا مزارهم

 

 

 

فرضا جهاد الجائر الخوان

 

 ما جاء في الفرقان والقرآن برئوا من الآثام والعدوان

 

 كالساجدين لصورة الاَوثان  فهم ينقصون والقبور تزيد

 

وقبرٌ بأفناء البيوت جديد

 

 فدانٍ وأمّا الملتقى فبعيد 

 

    12 ـ تمثل زيد بالاَبيات التالية وقد تمثل بها علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يوم صفين والحسين بن علي ( عليهما السلام ) يوم قتل وهي لضرار بن الخطاب الفهري :

 

مهلاً بني عمنا ظلامتن لمثلكم نحمل السيوف ولا إنّي لاَنمي إذا انتميت إلى بيض بساط كان أعينهم

 

 

إنّ بنا سورة من الفلق تغمز أحسابنا من الدقق عز عزيز ومفتر صدق تكحل يوم الهياج بالعلق  (

 

[67])

 

    لما خرج زيد بن علي كتب للكميت : اخرج عنّا يا أعيمش ألست القائل :

 

ما أُبالي إذا حفظت أبا القا

 

 

 

سم فيكم ملامة اللوام

 

    فكتب إليه الكميت :

 

تجود لكم نفسي بما دون وثبة

 

 

تظل بها الغربان حولي تحجل(

 

[68]) 

     هذا زيد ، وهذه كلمه وخطبه ، وحججه ومناظراته ، وشعره وقريضه وعند ذاك تقف على صدق ما رواه الخوارزمي في مقتله عن خالد بن صفوان قال : انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة في بني هاشم إلى زيد بن علي ـ رضي اللّه عنه ـ  (

 

[69]).

 

    أمّا الفصاحة والخطابة فقد عرفت نماذج من كلامه ، وأمّا العبادة ، فيكفي في

 

تهالكه فيها : ما رواه فرات بن إبراهيم عن رجل : قال صحبت زيداً ما بين مكّة والمدينة وكان يصلّـي الفريضة ثم يصلّي ما بين الصلاة إلى الصلاة ويصلّـي الليل كلّه ويكثر التسبيح ويكرر هذه الآية : وجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيد  ، فصلّـى ليلة معي وقرأ هذه الآية إلى قريب نصف الليل فانتبهت من نومي فإذا أنا به مادّ يديه نحو السماء وهو يقول :

    إلهي عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة ، ثم انتحب ، فقمت إليه وقلت : يا بن رسول اللّه لقد جزعت في ليلتك هذه جزعاً ما كنت أعرفه ، فقال : ويحك يا نازلي أنّي نمت هذه الليلة وأنا ساجد فرأيت جماعة عليهم لباس لم أر أحسن منه فجلسوا حولي وأنا ساجد فقال رئيسهم : هل هو هذا ؟ فقالوا : نعم. فقال : أبشر يا زيد فإنّك مقتول في اللّه ومصلوب ومحروق بالنار ولا تمسّك النار بعدها أبداً ، فانتبهت وأنا فزع  (

 

[70]).

    روى الخزاز عن يحيى بن زيد أنّه قال له في حديث : يا أبا عبد اللّه إنّي أُخبرك عن أبي ( عليه السلام ) وزهده وعبادته إنّه كان يصلّـي في نهاره ما شاء اللّه ، فإذا جنّ الليل عليه نام نومة خفيفة ثم يقوم فيصلي في جوف الليل ما شاء اللّه ، ثم يقوم قائماً على قدميه يدعو اللّه تبارك وتعالى ويتضرع له ويبكي بدموع جارية حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر سجد سجدة ثم يصلّـي الفجر ثم يجلس للتعقيب حتى يرتفع النهار ، ثم يذهب لقضاء حوائجه ، فإذا كان قريب الزوال أتى وجلس في مصلاّه واشتغل بالتسبيح والتمجيد للرب المجيد ، فإذا صار الزوال صلى الظهر وجلس ، ثم يصلي العصر ثم يشتغل بالتعقيب ساعة ثم يسجد سجدة ، فإذا غربت الشمس صلّى المغرب والعشاء ، فقلت : هل كان يصوم دائماً؟ قال : لا ولكنّه يصوم في كل سنة ثلاثة أشهر ، وفي كل شهر ثلاثة أيام ثم أخرج إليّ صحيفة كاملة فيها أدعية علي بن الحسين ـ عليه السلامـ  (

 

[71]).

    روى أبو الفرج بسند عن محمد بن الفرات : رأيت زيد بن علي وقد أثر السجود بوجهه أثّراً خفيفاً وكان في خاتمه اصبر تُوَجر وتوقّ تنج   (

 

[72]).




([1])  الصدوق : العيون : 1 ، الباب 25 ، الحديث : 4 ، طبعة قم. وسنوافيك ببقية الرواية.

([2])  سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص : 300 ، اليعقوبي : التاريخ : 2/325 الخوارزمي : مقتل الحسين : 2/119

([3])  الحدور على وزن رسول هو المكان ينحدر منه. (لسان العرب : 4/172 ، مادة حدر) .

([4])  محسن الاَمين : أعيان الشيعة : 7/123 ، نقلاً عن مقتل الحسين للخوارزمي.

([5])  الاَمير أُسامة بن مرشد ، لباب الآداب نقلاً عن المدائن كما في زيد الشهيد للسيد الاَمين العاملي :

([6])البغدادي : الفرق بين الفرق : 35 ـ 36.   

([7])  المجلسي : البحار : 44/329.

([8])  أخطب خوارزم : مقتل الحسين : 2/108.

([9])  الطبري : التاريخ : 5/492 ، ابن الاَثير : الكامل : 4/233 ، باختلاف يسير في الكلمات.

([10])  الطبري : التاريخ : 5/ 498؛ ابن الاَثير : الكامل : 5/243.

([11])  المفيد : الاِرشاد : 269.

([12])  مختصر تاريخ دمشق : 9/151.

([13])  المسعودي : مروج الذهب : 3/206 ، طبعة دار الاَندلس ، بيروت.

([14])  وفي نسخة : أنجزكم.

([15])فرات بن إبراهيم الكوفي : التفسير : 136 ـ 137 ، ط 1 ، تحقيق محمد الكاظم ، موَسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الاِرشاد ، طهران (1410 هـ ـ 1990م).  

([16])  حميد المحلي : الحدائق الوردية : 141 ، الطبعة الثانية ـ 1405هـ ق. وقد جئنا بخلاصة الخطبة ومن أراد الوقوف على الجميع فعليه الرجوع الى المصدر.

([17])  المكس : النقص والظلم.

([18])  المائدة : 63.

([19])  المداهنة : المداراة والملاينة ، وداهن على نفسه أبقى عليها.

([20])  التوبة : 34.

([21])  المصانعة : الرشوة والمداراة.

([22])  المضارعة : التقرب والمقارنة.

([23])  السحت : ما خبث من المكاسب.

([24])  الاِدهان والمداهنة بمعنى : المصانعة واللين ، وقيل : الاِدهان الغش.

([25])  المائدة : 44.

([26])  المواتاة : حسن المطاوعة والموافقة.

([27])  غضارة الدنيا : النعمة والسعة والخصب.

([28])  السمة : العلامة.

([29])  التوبة : 71.

([30])التوبة : 67.

([31])  المائدة : 2.

([32])  المائدة : 7.

([33])  يفتضح المسلمون بمعنى يفرط المسلمون. قال الزمخشري : سمعتهم يقولون : افتضحنا فيك أي فرطنا في زيارتك وتفقدك.

([34])التحفة : بضم المثناة وتسكين المهملة : البر واللطف.

([35])  الاِيثار : التقديم والتفضيل ، والمعنى هنا : فلا تكونوا غافلين عند إيثار وتقديم حقّ اللّه تعالى والدفاع عنه.

([36])  القياد كالمقود : ما يقاد به ، واستعماله هنا مجاز ، والمعنى : لا تمكّنوا الظالمين من قودكم كما تقاد البهائم.

([37])  أتمنتموه بمعنى أمنتموه ، حكاه في اللسان عن ثعلب وقال : وهي نادرة.

([38])  غافر : 75.

([39])  المصانعة : المداراة والمداهنة.

([40])  ند البعير : شرد ونفر.

([41])  في القاموس : بالضم بعده سكون ، وفي لسان العرب : بالضم بعده تحريك بالفتح : النفس بتوجع ، وفي شرح القاموس الاَوّل أصح.

([42])  مراتع : مواضع.

([43])  يكبت : يرد العدو ويغيضه.

([44])  النساء : 107. (91)

([45])  الزمر : 17 ـ 18.

([46])  فصلت : 33.

([47])  محمد : 7.

([48])  الحج : 40ـ 41.

([49])الذاريات : 54.

([50])  المائدة : 3.

([51])  شحذوه : أحدّوه.

([52])  أخفره : نقض عهده.

([53])  موفق الدين الخوارزمي : مقتل الحسين : 2 / 117.

([54])  المفيد : الاِرشاد : 268 ، طبعة النجف الاَشرف.

([55])  مختار البيان والتبيين كما في زيد الشهيد للاَمين : 48 ـ 49.

([56])  حميد المحلي : الحدائق الوردية : 142 ـ 143؛ السياغي : الروض النضير : 1/100.

([57])  أبوالفرج : مقاتل الطالبيين : 89.

([58])  الخزاز القمي : كفاية الاَثر : 296 ـ 297.

([59])  ابن شهر آشوب : المناقب : 4/197 ، طبعة دار الاَضواء ، بيروت.

([60])ابن منظور : مختصر تاريخ دمشق : 9/156.  

([61])  المسعودي : مروج الذهب : 3/206.

([62])  الاَمين : أعيان الشيعة : 7/116.

([63])  ابن الاَثير : الكامل : 5/233 ، طبعة دار صادر.

([64])  المرتضى ، الفصول المختارة من العيون والمحاسن : 25.

([65])  تاريخ ابن عساكر : 6/20.

([66])  الاَمين العاملي : زيد الشهيد : 94 ، نقلاً عن نسمة السحر فيمن تشيع وشعر.

([67])  الاَغاني : 19/191.

([68])  الاَغاني : 17/34.

([69])  الخوارزمي : المقتل : 2/119.

([70])  فرات بن إبراهيم : التفسير : 435. والآية 19 من سورة ق.

([71])  الخزاز القمي : كفاية الاَثر : 304 ـ 305.

([72])  أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 87 و 89.