العتبة العلوية المقدسة - جهاد عثمان بن حنيف والي البصرة للناكثين -
» سيرة الإمام » » جهاد الامام علي عليه السلام » جهادة في خلافته » الامام علي والجمل » جهاد عثمان بن حنيف والي البصرة للناكثين

 

جهاد عثمان بن حنيف والي البصرة للناكثين
كتاب الإمام إلي والى البصرة
*ـالإمام علىّ   ـ فى كتابه إلي عثمانلمّا بلغه مشارفة القوم البصرة ـ : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي عثمان بنحُنيف ، أمّا بعد ; فإنّ البغاة عاهدوا الله ثمّ نكثوا وتوجّهوا إلي مصرك ، وساقهمالشيطان لطلب ما لا يرضي الله به . والله أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلا ، فإذا قدمواعليك فادعُهم إلي الطاعة والرجوع إلي الوفاء بالعهد والميثاق الذى فارقونا عليه ،فإن أجابوا فأحسِن جوارهم ما داموا عندك ، وإن أبَوْا إلاّ التمسّك بحبل النكثوالخلاف فناجزهم القتال حتي يحكم الله بينك وبينهم وهو خير الحاكمين ، وكتبت كتابىهذا إليك من الربذة ، وأنا معجّل المسير إليك إن شاء الله . وكتبه عبيد الله بن أبىرافع فى سنة ستّ وثلاثين .
رسل عثمان تفاوض الناكثين
*ـعن أبى مخنف فى إسناده : ولمّا قربت عائشة ومن معها من البصرة بعث إليهم عثمانُ بن حُنيف عمرانَ بنالحصين الخزاعى أبا نجيد ، وأبا الأسود الدئلى ، فلقياهم بحفر أبى موسيفقالا لهم : فيما قدِمتم ؟ فقالوا : نطلب بدمعثمان ، وأن نجعل الأمر شوري ; فإنّا غضبنا لكم من سوطه وعصاه ; أ فلا نغضب له منالسيف ؟ ! !
وقالا لعائشة : أمركِ الله أن تقرّى فى بيتك ; فإنّك حبيس رسولالله   وحليلتهوحرمته . فقالت لأبى الأسود : قد بلغنى عنك يا أبا الأسود ما تقول فىَّ ! !
فانصرف عمران وأبو الأسود إلي ابن حنيف ، وجعل أبو الأسود يقول :
يا بن حنيف قد أُتيتَ فانفرِ
وطاعن القوم وضاربواصبرِ
وابرز لهم مستلئماً وشمّرِ
فقال عثمان : إى وربّ الحرمين لأفعلنّ .
 
*ـ عن المدائنىوابن دأب عن مشايخهما بالأسانيد : إنّ عائشة وطلحة والزبير لمّا ساروا منمكّة إلي البصرة أغذّواالسير مع من اتّبعهم من بنى اُميّة وعمّال عثمان وغيرهم من قريش ، حتي صاروا إليالبصرة ، فنزلوا حفر أبى موسي ، فبلغ عثمان بن حنيف وهو عامل البصرة يومئذ ، وخليفةأمير المؤمنين   ،وكان عنده حُكَيم بن جَبَلة ، فقال له حُكَيم : ما الذى بلغك ؟ فقال : خُبّرت أنّالقوم قد نزلوا حفر أبى موسي ، فقال له حكيم : ائذن لى أن أسير إليهم ; فإنّى رجلفى طاعة أمير المؤمنين   ، فقال له عثمان : توقّف عن ذلك حتي اُراسلهم ، فقال له حكيم : إنّا لله ، هلكتَ والله يا عثمان !
فأعرض عنه وأرسل إلي عمران بن حصين وأبى الأسود الدؤلى ، فذكرلهما قدوم القوم البصرة وحلولهم حفر أبى موسي ، وسألهما المسير إليهم وخطابهم عليما قصدوا به ، وكفّهم عن الفتنة ، فخرجا حتي دخلا علي عائشة فقالا لها :
يا اُمّ المؤمنين ! ما حملك علي المسير ؟ فقالت : غضبت لكما منسوط عثمان وعصاه ولا أغضب أن يقتل !
فقالا لها : وما أنتِ من سوط عثمان وعصاه وإنّما أنت حبيسة رسولالله   ؟ نذكّركِالله أن تُهراق الدماء بسببك . فقالت : وهل من أحد يقاتلنى ؟ فقال لها أبو الأسود : نعم والله قتالاً أهونه شديد !
ثمّ خرجا من عندها ، فدخلا علي الزبير فقالا : يا أبا عبد الله ! ننشدك الله أن تُهراق الدماء بسببك ! فقال لهما : ارجعا من حيث جئتما ، لا تُفسِداعلينا ، فأيسا منه وخرجا حتي دخلا علي طلحة فقالا له : ننشدك الله أن تُهراق الدماءبسببك ! فقال لهما طلحة : أ يحبّ علىّ بن أبى طالب أنّه إذا غلب علي أمر المدينةأنّ الأمر له ، وأنّه لا أمر إلاّ أمره ؟ والله ليعلمنّ ، فانصرِفا من حيث جئتما . فانصرَفا من عنده إلي عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر .
ابو الاسود الدؤلي وعمران بن الحصين الخزاعى
*- وروي ابن أبى سبرة عن عيسي بن أبى عيسي عن الشعبى أنّ أبا الأسودالدؤلى وعمران لمّا دخلا علي عائشة قالا لها : ما الذى أقدمك هذا البلد وأنت حبيسةرسول الله   ، وقدأمرك أن تقرّى فى بيتك ؟ فقالت : غضبت لكم من السوط والعصا ، ولا أغضب لعثمان منالسيف ! فقالا لها : ننشدك الله أن تُهراق الدماء بسببك ، وأن تحملى الناس بعضهمعلي بعض ، فقالت لهما : إنّما جئت لاُصلح بين الناس . وقالت لعمران بن الحصين : هلأنت مبلّغ عثمان بن حنيف رسالة ؟ فقال : لا اُبلّغه عنك إلاّ خيراً . فقال لها أبوالأسود : أنا اُبلّغه عنك فهاتى ، قالت : قل له : يا طليق ابن أبى عامر بلغنى أنّكتريد لقائى لتقاتلنى ! فقال لها أبو الأسود : نعم والله ليقاتلنّك . فقالت : وأنتأيضا أيّها الدؤلى ؟ ! يبلغنى عنك ما يبلغنى ، قم فانصرف عنّى .
فخرجا من عندها إلي طلحة فقالا له : يا أبا محمّد ! أ لم يجتمعالناس إلي بيعة ابن عمّ رسول الله الذى فضّله الله تعالي كذا وكذا ؟ وجعلا يعدّانمناقبأمير المؤمنين   وفضائله وحقوقه ، فوقع طلحة بعلىّ   وسبّه ونال منه وقال : إنّه ليس أحد مثله ، أمَ والله ليعلمنّ غِبّذلك ، فخرجا من عنده وهما يقولان : غَضِب هذا الدنىء ، ثمّ دخلا علي الزبير فكلّماهمثل كلامهما لصاحبه ، فوقع أيضاً فى علىّ   وسبّه ، وقال لقوم كانوا بمحضر منه : صبّحوهم قبل أنيمسوكم ، فخرجا من عنده حتي صارا إلي عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر ، فأذن عثمانللناس بالحرب .
*ـعن أبى مخنف : أرسل [ عثمانبن حنيف ] إلي أبى الأسود الدؤلى وعمران بن الحصين الخزاعى ، فأمرهما أن يسيرا حتييأتياه بعلم القوم وما الذى أقدمهم ، فانطلقا حتي إذا أتيا حفر أبى موسي وبه معسكرالقوم ، فدخلا علي عائشة ، فنالاها ووعظاها وأذكراها وناشداها الله ، فقالت لهما : القَيا طلحة والزبير .
فقاما من عندها ولقيا الزبير فكلّماه ، فقال لهما : إنّا جئناللطلب بدم عثمان وندعوا الناس إلي أن يردّوا أمر الخلافة شوري ; ليختار الناسلأنفسهم ، فقالا له : إنّ عثمان لم يُقتل بالبصرة ليُطلب دمه فيها ، وأنت تعلم قتلةعثمان من هم وأين هم ، وإنّك وصاحبك وعائشة كنتم أشدّ الناس عليه ، وأعظمهم إغراءبدمه ، فأقيدوا من أنفسكم .
وأمّا إعادة أمر الخلافة شوري ; فكيف وقد بايعتم عليّاً طائعَينغير مكرهَين ؟ وأنت يا أبا عبد الله لم يبعد العهد بقيامك دون هذا الرجل يوم ماترسول الله   وأنت آخذ قائم سيفك تقول : ما أحد أحقّ بالخلافة منه ، ولا أوليبها منه ، وامتنعت من بيعة أبى بكر ، فأين ذلك الفعل من هذا القول ؟ !
فقال لهما : اذهبا فالقَيا طلحة ، فقاما إلي طلحة ، فوجداه أخشنالملمس ، شديد العريكة ، قوىّ العزم فى إثارة الفتنة وإضرام نار الحرب ، فانصرفاإلي عثمان بن حنيف فأخبراه ، وقال له أبو الأسود :
يابن حنيف قد اُتيتَ فانفرِ
وطاعن القوم وجالدواصبرِ
وابرز لها مستلئماً وشَمِّرِ
فقال ابن حنيف : أى والحرمين لأفعلنّ .
*ـذكروا أنّ طلحة والزبيرلمّا نزلا البصرة ، قال عثمان بن حنيف : نعذر إليهما برجلين ، فدعا عمرانَ بنالحصين صاحب رسول الله ، وأبا الأسود الدؤلى ، فأرسلهما إلي طلحة والزبير ، فذهباإليهما فنادَيا : يا طلحة ! فأجابهما .
فتكلّم أبو الأسود الدؤلى ، فقال : يا أبا محمّد ! إنّكم قتلتمعثمان غير مؤامرين لنا فى قتله ، وبايعتم عليّاً غير مؤامرين فى بيعته ، فلم نغضبلعثمان إذ قتل ، ولم نغضب لعلىّ إذ بويع ، ثمّ بدا لكم ، فأردتم خلع علىّ ، ونحنعلي الأمر الأوّل ، فعليكم المخرج ممّا دخلتم فيه .
ثمّ تكلّم عمران ، فقال : يا طلحة ! إنّكم قتلتم عثمان ولم نغضبله إذ لم تغضبوا ، ثمّ بايعتم عليّاً وبايعنا من بايعتم ; فإن كان قتل عثمان صواباًفمسيركم لماذا ؟ وإن كان خطأ فحظّكم منه الأوفر ، ونصيبكم منه الأوفي .
فقال طلحة : يا هذان ! إنّ صاحبكما لا يري أنّ معه فى هذا الأمرغيره ، وليس علي هذا بايعناه ، وايم الله ليسفكنّ دمه . فقال أبو الأسود : يا عمران ! أمّا هذا فقد صرّح أنّه إنّما غضب للملك .
ثمّ أتيا الزبير فقالا : يا أبا عبد الله ! إنّا أتينا طلحة . قالالزبير : إنّ طلحة وإيّاى كروح فى جسدين ، وإنّه والله يا هذان ، قد كانت منّا فىعثمان فلتات ، احتجنا فيها إلي المعاذير ، ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنانصرناه .
ابن حنيف يميل الى المسالمة
*ـشرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس : إنّ الزبيروطلحة أغذّا السير بعائشة حتي انتهوا إلي حفر أبى موسي الأشعرى وهو قريب من البصرة، وكتبا إلي عثمان بن حنيف الأنصارى ـ وهو عامل علىّ   علي البصرة ـ أن أخلِلنا دار الإمارة ، فلمّا وصل كتابهما إليه بعث [إلى] الأحنف بن قيس فقال له : إنّ هؤلاء القوم قدمواعلينا ومعهم زوجة رسول الله ، والناس إليها سراع كما تري .
فقال الأحنف : إنّهم جاؤوك بها للطلب بدم عثمان ، وهم الذينألّبوا علي عثمان الناسَ ، وسفكوا دمه ، وأراهم والله لا يُزايلونحتي يُلقوا العداوة بيننا ويسفكوا دماءنا ،وأظنّهم والله سيركبون منك خاصّة ما لا قِبَل لك به إن لم تتأهّب لهم بالنهوض إليهمفيمن معك من أهل البصرة ; فانّك اليوم الوالى عليهم ، وأنتفيهم مطاع ، فسِر إليهم بالناس ، وبادرهم قبل أن يكونوا معك فىدار واحدة ; فيكون الناس لهم أطوع منهم لك .
فقال عثمان بن حنيف : الرأى ما رأيت ، لكنّنى أكره الشرّ وأنأبدأهم به ، وأرجو العافية والسلامةإلي أن يأتينى كتاب أمير المؤمنين ورأيه فأعملبه .
ثمّ أتاه بعد الأحنف حكيمُ بن جبلّة العبدى من بنى عمرو بن وديعة، فأقرأه كتاب طلحة والزبير ، فقال له مثل قول الأحنف ، وأجابه عثمان بمثل جوابهللأحنف ، فقال له حكيم : فأْذن لى حتي أسير إليهم بالناس ، فإن دخلوا فى طاعة أميرالمؤمنين وإلاّ نابذتهم علي سواء ، فقال عثمان : لو كان ذلك رأيى لسرت إليهم بنفسى . قال حكيم : أما والله إن دخلوا عليك هذا المصر لينتقلنّ قلوب كثير من الناس إليهم، وليزيلنّك عن مجلسك هذا وأنت أعلم ، فأبي عليه عثمان .
القتال حول دار الامارة
*ـأنساب الأشراف : ونادي عثمان بن حنيف فىالناس فتسلّحوا ، وأقبل طلحة والزبير وعائشة حتي دخلوا المربد ممّا يلى بنى سليم ،وجاء أهل البصرة مع عثمان ركباناً ومشاة ، وخطب طلحة فقال : إنّ عثمان بن عفّان كانمن أهل السابقة والفضيلة من المهاجرين الأوّلين ، وأحدث أحداثاً نقمناها عليه ،فباينّاه ونافرناه ، ثمّ أعتب حين استعتبناه ، فعدا عليه امرؤ ابتزّ هذه الاُمّةأمرها بغير رضيً ولا مشورة ، فقتلَه ، وساعده علي ذلك رجال غير أبرار ولا أتقياء ،فقتلوه بريئاً تائباً مسلماً ، فنحن ندعوكم إلي الطلب بدمه ; فإنّه الخليفة المظلوم . وتكلّمالزبير بنحو من هذا الكلام .
فاختلف الناس فقال قائلون : نطقا بالحقّ ، وقال آخرون : كذباولَهما كانا أشدّ الناس علي عثمان ! ! وارتفعت الأصوات .
واُتى بعائشة علي جملها فى هودجها فقالت : صَهْ صَهْ، فخطبت بلسان ذلق وصوت جهورى فأسكتلها الناس فقالت : إنّ عثمان خليفتكم قُتل مظلوماًبعد أن تاب إلي ربّه ، وخرج من ذنبه ، والله ما بلغ من فعله ما يُستحلّ به دمه ; فينبغى فى الحقّ أن يؤخذ قتلته فيُقتلوا به ، ويُجعل الأمر شوري . فقال قائلون : صدقتِ . وقال آخرون : كذبتِ حتي تضاربوا بالنعال وتمايزوا ، فصاروا فرقتين : فرقةمع عائشة وأصحابها ، وفرقة مع ابن حنيف ، وكان علي خيل ابن حنيف حكيم بن جبلة ،فجعل يحمل ويقول :
خيلى إلىّ إنّها قريشُ
ليردينها نعيمها والطيشُ
وتأهّبوا للقتال ، فانتهوا إلي الزابوقة، وأصبح عثمان بن حنيف ، فزحف إليهم ، فقاتلهمأشدّ قتال ، فكثرت بينهم القتلي ، وفشت فيهم الجراح . ثمّ إنّ الناس تداعوا إليالصلح ، فكتبوا بينهم كتاباً بالموادعة إلي قدوم علىّ علي أن لا يعرض بعضهم لبعض فىسوق ولا مشرعة ، وأنّ لعثمان بن حنيف دار الإمارة وبيت المال والمسجد ، وأنّ طلحةوالزبير ينزلان ومن معهما حيث شاؤوا ، ثمّ انصرفالناس وألقَوا السلاح .
مصالحة والى البصرة والناكثين
*ـ: ثمّ إنّهم تداعوا إلي الصلح ، ودخلبينهم الناس لما رأوا من عظيم ما ابتُلوا به ، فتصالحوا علي أنّ لعثمان بن حنيف دارالإمارة والمسجد وبيت المال ، ولطلحة والزبير وعائشة ما شاؤوا من البصرة ولا يهاجونحتي يقدم أمير المؤمنين   ، فإن أحبّوا عند ذلك الدخول فى طاعته ، وإن أحبّوا أن يقاتلوا ،وكتبوا بذلك كتاباً بينهم ، وأوثقوا فيه العهود وأكّدوها ، وأشهدوا الناس علي ذلك ،ووُضع السلاح ، وأمن عثمان بن حنيف علي نفسه وتفرّق الناس عنه .
*ـعن أبى مخنفـ فى بيان نصّمعاهدة الصلح ـ : هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حنيف الأنصارى ومن معه من المؤمنين منشيعة أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ، وطلحة والزبير ومن معهما من المؤمنينوالمسلمين من شيعتهما ; أنّ لعثمان بن حنيف دار الإمارة والرحبة والمسجد وبيت المالوالمنبر ، وأنّ لطلحة والزبير ومن معهما أن ينزلوا حيث شاؤوا من البصرة ، ولا يضارّبعضهم بعضاً فى طريق ولا فُرْضةولا سوق ولا شرعة ولا مرفق حتي يقدم أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ، فإن أحبّوادخلوا فيما دخلت فيه الاُمّة ، وإن أحبّوا لحق كلّ قوم بهواهم وما أحبّوا من قتالأو سلم أو خروج أو إقامة ، وعلي الفريقين بما كتبوا عهد الله وميثاقه ، وأشدّ ماأخذه علي نبىّ من
أنبيائه من عهد وذمّة . وختم الكتاب ، ورجع عثمان بن حنيف حتي دخلدار الإمارة ، وقال لأصحابه : الحقوا رحمكم الله بأهلكم ، وضعوا سلاحكم ، وداوواجرحاكم ، فمكثوا كذلك أيّاماً .
غدر الناكثين زنقض الصلح
*ـعن أبى مخنف : ثمّ إنّ طلحةوالزبير قالا : إن قدم علىّ ونحن علي هذه الحال من القلّة والضعف ليأخذنّ بأعناقنا، فأجمَعا علي مراسلة القبائل واستمالة العرب ، فأرسلا إلي وجوه الناس وأهل الرياسةوالشرف يدعوانهم إلي الطلب بدم عثمان وخلع علىّ وإخراج ابن حنيف من البصرة ،فبايعهم علي ذلك الأزد وضبّة وقيس بن عيلان كلّها إلاّ الرجل والرجلين من القبيلةكرهوا أمرهم فتواروا عنهم ، وأرسلوا إلي هلال بن وكيع التميمى ، فلم يأتِهم ، فجاءهطلحة والزبير إلي داره ، فتواري عنهما ، فقالت له اُمّه : ما رأيت مثلك ! أتاك شيخاقريش ، فتواريت عنهما ، فلم تزل به حتي ظهر لهما ، وبايعهما ومعه بنو عمرو بن تميمكلّهم وبنو حنظلة إلاّ بنى يربوع ; فإنّ عامّتهم كانوا شيعة لعلىّ   ، وبايعهم بنو دارمكلّهم إلاّ نفراً من بنى مجاشع ذوى دين وفضل . فلمّا استوسق لطلحة والزبير أمرهماخرجا فى ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما أصحابهما قد ألبسوهم الدروع وظاهروا فوقهابالثياب ، فانتهوا إلي المسجد وقت صلاة الفجر ، وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه ،واُقيمت الصلاة ، فتقدّم عثمان ليصلّى بهم ، فأخّره أصحاب طلحة والزبير وقدّمواالزبير .
*ـقال المسعودي  فى ذكر أصحاب الجمل ـ : فأتَوا البصرة ، فخرج إليهم عثمان بن حنيف فمانعهم ، وجري بينهم قتال ، ثمّإنّهم اصطلحوا بعد ذلك علي كفّ الحرب إلي قدوم علىّ .
فلمّا كان فى بعض الليالى بيّتوا عثمان بن حنيف ، فأسروه وضربوهونتفوا لحيته ، ثمّ إنّ القوم استرجعوا وخافوا علي مخلّفيهم بالمدينة من أخيه سهلبن حنيف وغيره من الأنصار ، فخلّوا عنه .
وأرادوا بيت المال ، فمانعهم الخزّان والموكّلون به وهمالسبابِجة، فقُتل منهم سبعون رجلاً غيرمن جُرح ، وخمسون من السبعين ضُربت رقابهم صبراً من بعد الأسر ، وهؤلاء أوّل منقُتل ظلماً فى الإسلام وصبراً .
وقتلوا حُكَيم بن جَبَلة العبدى ، وكان من سادات عبد القيس ،وزهّاد ربيعة ونسّاكها .
*ـعن الزهرىـ فى ذكر أصحابالجمل ـ : فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف ، فقال لهم عثمان : ما نقمتم عليصاحبكم ؟
فقالوا : لم نره أولي بها منّا ، وقد صنع ما صنع .
قال : فإنّ الرجل أمّرنى ، فأكتب إليه فاُعلمه ما جئتم له ، عليأن اُصلّى بالناس حتي يأتينا كتابه ، فوقفوا عليه وكتب .
فلم يلبث إلاّ يومين حتي وثبوا عليه فقاتلوه بالزابوقة عند مدينةالرزق،
فظهروا وأخذوا عثمان ، فأرادوا قتله ، ثمّ خَشُوا غضب الأنصار ،فنالوه فى شعره وجسده .
*ـعن أبى مخنف : صاروا [أهلالبصرة] فرقتين : فرقة مع عائشة وأصحابها ، وفرقة مع ابن حنيف . . . وتأهّبواللقتال ، فانتهوا إلي الزابوقة ، وأصبح عثمان بن حنيف ، فزحف إليهم ، فقاتلهم أشدّقتال ، فكثرت بينهم القتلي ، وفشت فيهم الجراح .
ثمّ إنّ الناس تداعوا إلي الصلح ، فكتبوا بينهم كتاباً بالموادعةإلي قدوم علىّ ، علي أن لا يعرض بعضهم لبعض فى سوق ولا مشرعة ، وأنّ لعثمان بن حنيفدار الإمارة وبيت المال والمسجد ، وأنّ طلحة والزبير ينزلان ومن معهما حيث شاؤوا ،ثمّ انصرف الناس وألقَوا السلاح .
وتناظر طلحة والزبير ، فقال طلحة : والله لئن قدم علىٌّ البصرةليأخذنّ بأعناقنا ، فعزما علي تبييت ابن حنيف وهو لا يشعر ، وواطآ أصحابهما علي ذلك، حتي إذا كانت ليلة ريح وظلمة جاؤوا إلي ابن حنيف وهو يصلّى بالناس العشاء الآخرةفأخذوه وأمروا به فوطئ وطئاً شديداً ، ونتفوا لحيته وشاربيه ، فقال لهما : إنّسهلاً حىّ بالمدينة والله لئن شاكنى شوكة ليضعنّ السيف فى بنى أبيكما ; يخاطب بذلكطلحة والزبير ، فكفّا عنه وحبساه .
وبعثا عبد الله بن الزبير فى جماعة إلي بيت المال وعليه قوم منالسبابجة يكونون أربعين ، ويقال : أربعمائة ، فامتنعوا من تسليمه دون قدوم علىّ ،
فقتلوهم ورئيسهم أبا سلمة الزُّطّى ، وكان عبداً صالحاً .
*ـقال ابن قتيبة :ذكروا أنّه لمّا اختلفالقوم اصطلحوا علي أنّ لعثمان بن حنيف دار الإمارة ومسجدها وبيت المال ، وأن ينزلأصحابه حيث شاؤوا من البصرة ، وأن ينزل طلحة والزبير وأصحابهما حيث شاؤوا حتي يقدمعلىّ ; فإن اجتمعوا دخلوا فيما دخل فيه الناس ، وإن يتفرّقوا يلحق كلّ قوم بأهوائهم، عليهم بذلك عهد الله وميثاقه ، وذمّة نبيّه ، وأشهدوا شهوداً من الفريقين جميعاً .
فانصرف عثمان ، فدخل دار الإمارة ، وأمر أصحابه أن يلحقوابمنازلهم ، ويضعوا سلاحهم ، وافترق الناس . . . فمكث عثمان بن حنيف فى الدارأيّاماً ، ثمّ إنّ طلحة والزبير ومروان بن الحكم أتَوه نصف الليل فى جماعة معهم ـفى ليلة مظلمة سوداء مطيرة ـ وعثمان نائم ، فقتلوا أربعين رجلاً من الحرس ، فخرجعثمان بن حنيف ، فشدّ عليه مروان فأسرَه ، وقتل أصحابه .
*ـفى ذكر ما حدث بعد مصالحة عثمان بنحنيف وأصحاب الجمل ـ : طلب طلحةُ والزبير غُدْرَته ، حتي كانت ليلة مظلمة ذات رياح، فخرج طلحة والزبير وأصحابهما حتي أتَوا دار الإمارة وعثمان بن حنيف غافل عنهم ،وعلي الباب السبابجة يحرسون بيوت الأموال ـ وكانوا قوماً من الزُّطّقد استبصروا وأكل السجود جباههم ، وائتمنهم عثمانعلي بيت المال ودار الإمارة ـ فأكبّ عليهم القوم وأخذوهم من أربع جوانبهم ، ووضعوافيهم السيف ،فقتلوا منهم أربعين رجلاً صبراً ! يتولّي منهم ذلك الزبير خاصّة ،ثمّ هجموا علي عثمان فأوثقوه رباطاً ، وعمدوا إلي لحيته ـ وكان شيخاً كثّ اللحية ـفنتفوها حتي لم يبق منها شىء ولا شعرة واحدة . وقال طلحة : عذِّبوا الفاسق ،وانتفوا
أمر عائشة بقتل الصحابي عثمان بن حنيف
*ـ: قال طلحة والزبير لعائشة [بعدماأخذا عثمان بن حنيف] : ما تأمرين فى عثمان ؟ فإنّه لِما به .فقالت : اقتلوه قتله الله ! وكانت عندها امرأة من أهل البصرةفقالت لها : يا اُمّاه ! أين يُذهَب بكِ ؟ ! أ تأمرين بقتل عثمان بن حنيف ، وأخوهسهل خليفة علي المدينة ، ومكانه من الأوس والخزرج ما قد علمتِ ! والله ، لئن فعلتِذلك لتكوننّ له صولة بالمدينة يقتل فيها ذرارى قريش .
فناب إلي عائشة رأيها وقالت : لا تقتلوه ، ولكن احبسوه وضيّقواعليه حتي أري رأيى .
فحُبس أيّاماً ثمّ بدا لهم فى حبسه ، وخافوا من أخيه أن يحبسمشايخهمبالمدينة ويُوقع بهم ، فتركوا حبسه . .
*ـعن سهل بن سعد : لمّا أخذواعثمان بن حنيف ، أرسلوا أبان بن عثمان إلي عائشة يستشيرونها فى أمره ، قالت : اقتلوه . فقالت لها امرأة : نشدتك بالله يا اُمّ المؤمنين فى عثمان وصحبته لرسولالله   ! قالت : رُدّوا أباناً ، فردّوه .
فقالت : احبسوه ولا تقتلوه ، قال : لو علمت أنّك تدعينى لهذا لمأرجع . فقال لهم مجاشع بن مسعود : اضربوه وانتفوا شعر لحيته . فضربوه أربعين سوطاًونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه .
قتل سبعين رجلا من اهل البصرة
*ـعن الزهرى : قام طلحة والزبيرخطيبين فقالا : يا أهل البصرة ! توبة بحوبة ، إنّما أردنا أن يُستعتب أمير المؤمنينعثمان ، ولم نرِد قتله ، فغلب سفهاءُ الناس الحلماءَ حتي قتلوه .
فقال الناس لطلحة : يا أبا محمّد ، قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا، فقال الزبير : فهل جاءكم منّى كتاب فى شأنه ؟ ثمّ ذكر قتل عثمان وما أتي إليهوأظهر عيب علىّ . فقام إليه رجل من عبد القيس فقال : أيّها الرجل ! أنصِت حتينتكلّم ، فقال عبد الله بن الزبير : وما لك وللكلام ؟ فقال العبدى :
يا معشر المهاجرين ، أنتم أوّل من أجاب رسول الله   ، فكان لكم بذلك فضل ،ثمّ دخل الناس فى الإسلام كما دخلتم ، فلمّا توفّى رسول الله   بايعتم رجلاً منكم ،والله ما استأمرتمونا فى شىء من ذلك ، فرضينا واتّبعناكم ، فجعل الله عزّ وجلّللمسلمين فى إمارته بركة ، ثمّ مات واستخلف عليكم رجلاً منكم فلم تشاورونا فى ذلك ،فرضينا وسلّمنا ، فلمّا توفّى الأمير جعل الأمر إلي ستّة نفر ،
فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غير مشورة منّا ; ثمّ أنكرتم من ذلكالرجل شيئاً فقتلتموه عن غير مشورة منّا ، ثمّ بايعتم عليّاً عن غير مشورة منّا ،فما الذى نقمتم عليه فنقاتله ؟ هل استأثر بفَىء ؟ أو عمل بغير الحقّ ؟ أو عمل شيئاًتُنكرونه فنكون معكم عليه ؟ وإلاّ فما هذا ؟ فهمّوا بقتل ذلك الرجل ، فقام من دونهعشيرته ، فلمّا كان الغد وثبوا عليه وعلي من كان معه ، فقتلوا سبعين رجلاً .
اخبار معاوية باحداث البصرة
*ـعن محمّد وطلحةـ فى ذكر أصحابالجمل ـ : كتبوا إلي أهل الشام بما صنعوا وصاروا إليه : إنّا خرجنا لوضع الحرب ،وإقامة كتاب الله عزّ وجلّ بإقامة حدوده فى الشريف والوضيع والكثير والقليل ، حتييكون الله عزّ وجلّ هو الذى يردّنا عن ذلك .
فبايَعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم ، وخالفَنا شرارهم ونزّاعهم ،فردّونا بالسلاح وقالوا فيما قالوا : نأخذ اُمَّ المؤمنين رهينة ; أن أمرَتْهمبالحقّ وحثّتهم عليه .
فأعطاهم الله عزّ وجلّ سُنّة المسلمين مرّة بعد مرّة ، حتي إذا لميبق حجّة ولا عذر استبسل قتلة أمير المؤمنين ، فخرجوا إلي مضاجعهم ، فلم يفلت منهممخبر إلاّ حُرقوص بن زهير ، والله سبحانه مُقيده إن شاء الله . وكانوا كما وصف اللهعزّ وجلّ . وإنّا نناشدكم الله فى أنفسكم إلاّ نهضتم بمثل ما نهضنا به ، فنلقي اللهعزّ وجلّ وتلقونه ، وقد أعذرنا وقضينا الذى علينا . . .
قدوم عثمان بن حنيف
*ـتاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : لمّا نزلعلىّ الثعلبيّةأتاه الذى لقي عثمان بن حنيفوحرسه ، فقام وأخبر القوم الخبر وقال : اللهمّ عافنى ممّا ابتليت به طلحة والزبيرمن قتل المسلمين وسلّمنا منهم أجمعين . ولما انتهي إلي الإسادأتاه ما لقي حكيم بن جبلة وقتلة عثمان بن عفان ،فقال : الله أكبر ما ينجينى من طلحة والزبير إذ أصابا ثأرهما أو ينجيهما ؟ وقرأ : ³ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِيكِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا  ²   وقال :
دعا حكيم دعوة الزماع
حلّ بها منزلةالنزاع
ولمّا انتهوا إلي ذى قار انتهي إليه فيها عثمان بن حنيف وليس فىوجهه شعر ، فلمّا رآه علىّ نظر إلي أصحابه فقال : انطلق هذا من عندنا وهو شيخ فرجعإلينا وهو شاب .
*ـخرج ابن حنيف حتي أتي أمير المؤمنين   وهو بذى قار ،فلمّا نظر إليه أمير المؤمنين   ، وقد نكّل به القوم ، بكي وقال : يا عثمان بعثتك شيخاًألحي فردّوك أمرد إلى ، اللهمّ إنّك تعلم أنّهم اجترؤا عليكواستحلّوا حرماتك ، اللهمّ اقتلهم بمن قتلوا من شيعتى ، وعجّل لهم النقمة بما صنعوابخليفتى .