مخاطبة الكريم تعالى
اللهم إن الملوك و الامراء قد وهبوا خلعا لمماليكهم وعبيدهم وجنودهم ، ولو كان المماليك من الأغنياء ، والعبد المملوك رأسه مكشوف من عمائم المراقبة التي تليق بكم ، ومن ميازر الاخلاص التي تجب لكم ، ومن ستر الاقبال عليكم ، ومن الخلع التي تصلح للحضور بين يديكم ، وثياب العبد المملوك خلقة بيد الغفلات ، ودنسة من وسخ الشهوات ، ولباس ستر عيوبه ممزق بيد ايثاره عليكم ، ومغفر غفران ذنوبه مكسر بيد تهوينه بالاستغفار الذي يقربه إليكم ، وعوراته مكشوفة وعثراته مخوفة .
فهو متهتك في هذا العيد السعيد بسوء ملبوسه ، وخجلان خزيان من ثياب نحوسه ، فما أنتم صانعون بمملوك يقول بلسان حاله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وأنتم علمتم الملوك مكارم الأخلاق ، وعنكم ومنكم عرف ابتداء الخلع ، وإطلاق الأعناق والأرزاق .
وقد كان العبد المملوك لما ابتدأتم بانشائه عرفتم ما يقع منه من سوء إبائه ، ووسعه حلمكم ، حتى خلعتم عليه خلع البقاء ، وخلع سلامة الأعضاء ، وخلع الشفاء من الأدواء ، وكسوتموه لحما وجلدا ، وبالغتم معه أنعاما رفدا .
فيبقى العبد المملوك عريانا بحضرتكم ، فمن ذا يستره ويكسوه إذا رآه ، وقد ضاقت عنه سعة رحمتك ، ومن يأويه إذا نودي عليه : أي طريد نقمتكم ، فيامن خلع عليه ، وقد عرف يا ما ينتهي حاله إليه ، ورباه وغذاه وآواه ، فقد أحاط علما بجرأته عليه ، وما كان قد تشرف بمعرفة مولاه ، ولا ارتضاه أن يخدمه في دنياه .
إرحم استغاثته بك ، واستكانته لك ، واستجارته بظلك ، ووسيلته بفضلك إلى عدلك ، واكسر من خلع العفو والغفران ، والأمان والرضوان ، ما يكون ذكرها وشكرها ونشرها ، منسوبا إلى مجرد رحمتك وجودك .
فقد انكسر قلبه ، وخجل واستحيا من وقوفه عريانا في يوم عيدك ، مع كثرة من خلعت عليه من عبيدك ، ووفودك ، وما له باب غير بابك ، وهو عاجز عن عتابك ، فكيف يقوى على حرمانك وعقابك .(إقبال الأعمال ج 1 ص 484 )