قصة الاسراء برواية الامام الكاظم
*- عن تفسيرالقمي، قال: حدثنا محمد بن همام بن سهيل، عن محمد بن اسماعيل العلوي، قال: حدثنا عيسى ابن داوود بن النجار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده في قوله عزوجل: ﴿ذو مرة فاستوى﴾([1])، الى قوله: ﴿اذ يغشى السدرة ما يغشى﴾(
[2])، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لما أُسري بي الى ربي جل وعز قال: وقف بي جبرئيل عند شجرة عظيمة لم أر مثلها على كل غصن منها ملك، وعلى كل ورقة منها ملك وعلى كل ثمرة منها ملك، وقد كللها نور من نور اللّه جل وعز.
فقال جبرئيل: هذه سدرة المنتهى، كان ينتهي الانبياء من قبلك اليها، ثم لا يجاوزونها، وأنت تجوزها إن شاء اللّه ليريك من آيته الكبرى، فاطمئن أيدك اللّه بالثبات حتى تستكمل كرامات الله وتصير الى جواره.
ثم أصعدني حتى صرت تحت العرش فدلُي لي رفرف أخضر ما أحسن اصفه فرفعني الرفرف باذن اللّه الى ربي، فصرت عنده، وانقطع عني أصوات الملائكة ودويهم وذهبت عني المخاوف والروعات، وهدأت نفسي واستبشرت، وظننت أن جميع الخلق قد ماتوا أجمعين، ولم أر عندي أحداً من خلقه، فتركني ما شاء اللّه، ثم ردّ علَيَّ روحي فأفقت فكان توفيقاً من ربي عزوجل أن غمضت عيني وكلّ بصري وعشى عني النظر، فجعلت البصر بقلبي كما أبصر بعيني، بل انفذ وأبلغ فذلك قوله جل وعز: ﴿ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾(
[3])وإنّما كنت أرى في مثل خيط الابرة نوراً بين يدي ربي لا تطيقه الأبصار، فناداني ربي عزوجل وقال: يا محمد، قلت: لبيك ربي وسيدي والهي، لبيك.
قال: هل عرفت قدرك عندي، ومنـزلتك وموضعك؟
قلت: نعم يا سيدي.
قال: يا محمد، هل عرفت موقعك مني وموقع ذريتك؟
قلت: نعم ياسيدي.
قال: فهل تعلم يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى.
قلت: يارب أنت أعلم وأحكم، وأنت علاّم الغيوب.
قال: اختصموا في الدرجات والحسنات، فهل تدري ما الدرجات والحسنات؟
قلت: أنت أعلم يا سيدي وأحكم.
قال: إسباغ الوضوء في المكروهات، والمشي على الاقدام الى الجماعات معك ومع الائمة من ولدك، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وافشاء السلام، واطعام الطعام، والتهجد بالليل والناس نيام، ثم قال: ﴿آمن الرسول بما انزل إليه من ربه﴾([4]).
قلت: نعم يا رب: ﴿والمؤمنون كل آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير﴾(
[5]).
قال: صدقت يا محمد: ﴿لا يكلف اللّه نفساً الاّ وسعها لها ما كسبت وعليها من اكتسبت﴾(
[6])،واغفر لهم.
فقلت: ﴿ربنا لا تؤاخذنا أن نسينا أو أخطأنا﴾(
[7])، الى آخر السورة.
قال: ذلك لك ولذريتك يا محمد.
قلت: لبيك ربي وسيدي والهي.
قال: أسألك عمّا أنا أعلم به منك، من خلّفت في الأرض بعدك؟
قلت: خير أهل الأرض لها، أخي، وابن عمي، وناصر دينك يارب والغاضب لمحارمك اذا استحلت، ولنبيك غضب النمر اذا جدل، علي بن أبي طالب(عليه السلام).
قال: صدقت يا محمد، إنّي اصطفيتك بالنبوة، وبعثتك بالرسالة وامتحنت علياً بالبلاغ والشهادة الى أُمتك،وجعلته حجة في الأرض معك وبعدك، وهو نور أوليائي ووليّ من اطاعني وهو الكلمة التي الزمتها المتقين يامحمد: وزوجته فاطمة، وإنّه وصيك، ووارثك،ووزيرك، وغاسل عورتك وناصر دينك، والمقتول على سنتي وسنتّك، يقتله شقي هذه الأُمة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثم أمرني ربي بأُمور واشياء أمرني أن أكتمها، ولم يؤذن لي في إخبار أصحابي، ثم هوى بي الرفرف، فاذا أنا بجبرئيل فتناولني منه حتى صرت الى سدرة المنتهى، فوقف بي تحتها، ثم ادخلني الى جنة المأوى، فرأيت مسكني ومسكنك يا علي فيها، فبينما جبرئيل يكلمني، اذ تجلى لي نور من نور الله جل وعز قال: يا محمد، قلت: لبيك ربي وسيدي والهي، قال: سبقت رحمتي غضبي لك ولذريتك، أنت مقربي من خلقي، وأنت أميني وحبيبي ورسولي، وعزتي وجلالي لو لقيني جميع خلقي يشكّون فيك طرفة عين، أو يبغضوا صفوتي من ذريتك، لأدخلنهم ناري، ولا أبُالي.
يا محمد: علي أميرالمؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين الى جنات النعيم، أبو السبطين، سيدي شباب أهل جنتي، المقتولين ظلماً، ثم حرص على الصلاة وما أراد تبارك وتعالى، وقد كنت قريباً منه في المرة الأُولى مثل ما بين كبد القوس الى سيته، فذلك قوله تعالى: ﴿قاب قوسين أو أدنى﴾(
[8])، من ذلك.
ثم ذكر سدره المنتهى فقال: ﴿ولقد رآه نزلة أُخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى اذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى﴾([9]) يغشى ما يغشى السدرة من نور اللّه وعظمته(
[10]).