احتجاجات الامام الحسن عليه السلام
احتجاجه عليه السلام على معاوية في الإمامة
، من يستحقها ومن لا يستحقها بعد مضي النبي . وقد جرى قبل ذلك إيراد كثير من الحجج لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس ، وغيرهما ، على معاوية في الإمامة وغيرها ، بمحضر من الحسن عليه السلام ، والفضل بن عباس ، وغيرهما .
روى سليم بن قيس قال : سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال : قال لي معاوية : ما أشد تعظيمك للحسن والحسين ، ما هما بخير منك ، ولا أبوهما بخير من أبيك ، ولولا أن فاطمة بنت رسول الله لقلت : ما أمك أسماء بنت عميس بدونها . قال : فغضبت من مقالته ، وأخذني ما لا أملك ، فقلت : أنت لقليل المعرفة بهما ، وبأبيهما ، وأمهما ، بلى والله أنهما خير مني ، وأبوهما خير من أبي ، وأمهما خير من أمي ، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيهما وفي أبيهما وأنا غلام فحفظته منه ، ورعيته . فقال معاوية - وليس في المجلس غير الحسن والحسين عليهما السلام ، وابن جعفر رحمه الله ، وابن عباس ، وأخيه الفضل - : هات ما سمعت ! فوالله ما أنت بكذاب . فقال إنه أعظم مما في نفسك . قال : وإن كان أعظم من أحد وحرى ، فآته ! ما لم يكن أحد من أهل الشام أما إذا قتل الله طاغيتكم ، وفرق جمعكم ، وصار الأمر في أهله ومعدنه ، فما نبالي ما قلتم ، ولا يضرنا ما ادعيتم . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ( أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن كنت أولى به من نفسه فأنت يا أخي أولى به من نفسه ) وعلي بين يديه في البيت ، والحسن ، والحسين ، وعمرو بن أم سلمة ، وأسامة بن يزيد ، وفي البيت فاطمة عليها السلام وأم أيمن ، وأبو ذر ، والمقداد ، والزبير بن العوام ، وضرب رسول الله صلى الله عليه وآله على عضده وأعاد ما قال فيه ثلاثا ، ثم نص بالإمامة على الأئمة تمام الاثني عشر عليهم السلام ثم قال صلوات الله عليه : ( لأمتي اثنا عشر إمام ضلالة ، كلهم ضال مضل عشرة من بني أمية ، ورجلان من قريش ، وزر جميع الاثنا عشر وما أضلوا في أعناقهما ، ثم سماهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسمى العشرة منهما ) . قال : فسمهم لنا . قال : فلان وفلان ، وصاحب السلسلة وابنه من آل أبي سفيان ، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص ، أولهم مروان . قال معاوية : لئن كان ما قلت حقا هلكت ، وهلكت الثلاثة قبلي ، وجميع من تولاهم من هذه الأمة ، ولقد هلك أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار والتابعين من غيركم وأهل البيت وشيعتكم . قال ابن جعفر : فإن الذي قلت والله حق سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله . قال معاوية - للحسن والحسين وابن عباس - : ما يقول ابن جعفر ؟ قال ابن عباس : ومعاوية بالمدينة أول سنة اجتمع عليه الناس بعد قتل علي عليه السلام أرسل إلى الذي سمى ، فأرسل إلى عمرو بن أم سلمة ، وأسامة ، فشهدوا جميعا أن الذي قال ابن جعفر حق ، قد سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله كما سمعه . ثم أقبل معاوية إلى الحسن ، والحسين ، وابن عباس ، والفضل ، وابن أم سلمة ، وأسامة . قال : كلكم على ما قال ابن جعفر ؟ قالوا : نعم . قال معاوية : فإنكم يا بني عبد المطلب لتدعون أمرا ، وتحتجون بحجة قوية إن كانت حقا ، وأنكم لتبصرون على أمر وتسترونه والناس في غفلة وعمى ، ولئن كان ما تقولون حقا لقد هلكت الأمة ، ورجعت عن دينها ، وكفرت بربها وجحدت نبيها ، إلا أنتم أهل البيت ومن قال بقولكم ، وأولئك قليل في الناس . فأقبل ابن عباس على معاوية فقال : قال الله تعالى : ( وقليل من عبادي الشكور ) وقال : ( وقليل ما هم ) . وما تعجب مني يا معاوية أعجب من بني إسرائيل : إن السحرة قالوا لفرعون ( إقض ما أنت قاض ) فآمنوا بموسى وصدقوه ، ثم سار بهم ومن اتبعهم من بني إسرائيل فأقطعهم البحر ، وأراهم العجائب ، وهم مصدقون بموسى وبالتوراة يقرون له بدينه ، ثم مروا بأصنام تعبد فقالوا : ( يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) وعكفوا على العجل جميعا غير هارون فقالوا : ( هذا إلهكم وإله موسى ) وقال لهم موسى - بعد ذلك - : ( ادخلوا الأرض المقدسة ) فكان من جوابهم ما قص الله عز وجل عليهم : ( فقال موسى رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) . فما اتباع هذه الأمة رجالا سودوهم وأطاعوهم ، لهم سوابق مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومنازل قريبة منها ، وأصهاره مقرين بدين محمد صلى الله عليه وآله وبالقرآن ، حملهم الكبر والحسد أن خالفوا إمامهم ووليهم ، بأعجب من قوم صاغوا من حليهم عجلا ثم عكفوا عليه يعبدونه ، ويسجدون له ، ويزعمون أنه رب العالمين ، واجتمعوا على ذلك كلهم غير هارون وحده ، وقد بقي مع صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى من أهل بيته ناس : سلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، والزبير ، ثم رجع الزبير وثبت هؤلاء الثلاثة مع إمامهم حتى لقوا الله . وتعجب يا معاوية أن سمى الله من الأئمة واحدا بعد واحد ، وقد نص عليهم رسول الله بغدير خم وفي غير موطن ، واحتج بهم عليهم ، وأمرهم بطاعتهم ، وأخبر أن أولهم علي بن أبي طالب ولي كل مؤمن ومؤمنة من بعده ، وأنه خليفته فيهم ووصيه وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وآله جيشا يوم مؤتة فقال : عليكم بجعفر ، فإن هلك فزيد ، فإن هلك فعبد الله بن رواحة ، فقتلوا جميعا ، أفترى يترك الأمة ولم يبين لهم من الخليفة بعده ، ليختاروا هم لأنفسهم الخليفة ، كأن رأيهم لأنفسهم أهدى لهم وأرشد من رأيه واختياره ، وما ركب القوم ما ركبوا إلا بعد ما بينه ، وما تركهم رسول الله صلى الله عليه وآله في عمى ولا شبهة . فأما ما قال الرهط الأربعة الذين تظاهروا على علي عليه السلام وكذبوا على رسول الله ، وزعموا أنه قال : إن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فقد شبهوا على الناس بشهادتهم ، وكذبهم ، ومكرهم . قال معاوية : ما تقول يا حسن ؟ قال : يا معاوية قد سمعت ما قلت ، وما قال ابن عباس ، العجب منك يا معاوية ومن قلة حيائك ، ومن جرأتك على الله حين قلت : ( قد قتل الله طاغيتكم ، ورد الأمر إلى معدنه ) فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا ، ويل لك يا معاوية وللثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس ، وسنوا لك هذه السنة ، لأقولن كلاما ما أنت أهله ، ولكني أقول ليسمعه بنو أبي هؤلاء حولي . إن الناس قد اجتمعوا على أمور كثيرة ليس بينهم اختلاف فيها ، ولا تنازع ولا فرقة ، على : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله عبده ، والصلوات الخمس ، والزكاة المفروضة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت ، ثم أشياء كثيرة من طاعة الله لا يحصى ولا يعدها إلا الله ، واجتمعوا على تحريم الزنا ، والسرقة والكذب ، والقطيعة ، والخيانة ، وأشياء كثيرة من معاصي الله لا يحصى ولا يعدها إلا الله ، واختلفوا في سنن اقتتلوا فيها ، وصاروا فرقا يلعن بعضهم بعضا ، وهي : ( الولاية ) ويتبرأ بعضهم عن بعض ، ويقتل بعضهم بعضا ، أيهم أحق وأولى بها ، إلا فرقة تتبع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ، فمن أخذ بما عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف ، ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله ، سلم ونجا به من النار ، ودخل الجنة ، ومن وفقه الله ومن عليه واحتج عليه بأن نور قلبه بمعرفة ولاة الأمر من أئمتهم ومعدن العلم أين هو ، فهو عند الله سعيد ، ولله ولي ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( رحم الله امرء علم حقا فقال أو سكت فسلم ) . نحن نقول أهل البيت أن الأئمة منا ، وأن الخلافة لا تصلح إلا فينا ، وأن الله جعلنا أهلها في كتابه وسنة نبيه ، وأن العلم فينا ونحن أهله ، وهو عندنا مجموع كله بحذافيره ، وأنه لا يحدث شئ إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش إلا وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وبخط علي عليه السلام بيده . وزعم قوم : أنهم أولى بذلك منا حتى أنت يا بن هند تدعي ذلك ، وتزعم : أن عمر أرسل إلى أبي أني أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إلي بما كتبت من القرآن ، فأتاه فقال : تضرب والله عنقي قبل أن يصل إليك . قال : ولم ؟ قال : لأن الله تعالى قال : ( والراسخون في العلم ) إياي عنى ، ولم يعنك ولا أصحابك ، فغضب عمر ثم قال : يا بن أبي طالب تحسب أن أحدا ليس عنده علم غيرك ، من كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتني به ، إذا جاء رجل فقرأ شيئا معه يوافقه فيه آخر كتبه وإلا لم يكتبه . ثم قالوا : قد صاغ منه قرآن كثير ، بل كذبوا والله بل هو مجموع محفوظ عند أهله ، ثم أمر عمر قضاته وولاته : اجتهدوا آرائكم واقضوا بما ترون أنه الحق فلا يزال هو وبعض ولاته قد وقعوا في عظيمة ، فيخرجهم منها أبي ليحتج عليهم بها ، فتجمع القضاة عند خليفتهم وقد حكموا في شئ واحد بقضايا مختلفة فأجازها لهم ، لأن الله تعالى لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب ، وزعم كل صنف من مخالفينا من أهل هذه القبلة : أنهم معدن الخلافة والعلم دوننا ، فنستعين بالله على من ظلمنا وجحدنا حقنا ، وركب رقابنا ، وسن للناس علينا ما يحتج به مثلك ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . إنما الناس ثلاثة : مؤمن يعرف حقنا ويسلم لنا ويأتم بنا ، فذلك ناج محب لله ولي . وناصب لنا العداوة يتبرأ منا ، ويلعننا ، ويستحل دمائنا ، ويجحد حقنا ، ويدين الله بالبراءة منا ، فهذا كافر مشرك ، وإنما كفر وأشرك من حيث لا يعلم كما يسبوا الله عدوا بغير علم ، كذلك يشرك بالله بغير علم . ورجل آخذ بما لا يختلف فيه ، ورد علم ما أشكل عليه إلى الله ، مع ولايتنا ولا يأتم بنا ، ولا يعادينا ، ولا يعرف حقنا ، فنحن نرجو أن يغفر الله له ، ويدخله الجنة ، فهذا مسلم ضعيف . فلما سمع معاوية أمر لكل منهم بمائة ألف درهم ، غير الحسن والحسين وابن جعفر ، فإنه أمر لكل واحد منهم بألف ألف درهم .
احتجاجه ( عليه السلام ) على من أنكر عليه مصالحة معاوية
ونسبه إلى التقصير في طلب حقه .
عن سليم بن قيس قال : قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر حين اجتمع مع معاوية ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن معاوية زعم : أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا وكذب معاوية ، أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله ، فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني ، لأعطتهم السماء قطرها ، والأرض بركتها ، ولما طمعتم فيها يا معاوية ، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل ) . وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أن هارون خليفة موسى ، وقد تركت الأمة عليا عليه السلام وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي ) وقد هرب رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه وهو يدعوهم إلى الله حتى فر إلى الغار ، ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم ، ولو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية . وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه ، ولم يجد عليهم أعوانا ، وقد جعل الله النبي في سعة حين فر من قومه لما لم يجد أعوانا عليهم كذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد أعوانا ، وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا . أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلا من ولد النبي غيري وغير أخي .
احتجاج اخر
وعن حنان بن سدير عن أبيه سدير عن أبيه عن أبي سعيد عقيصي قال : لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته فقال عليه السلام : ويحكم ما تدرون ما عملت ، والله الذي عملت لشيعتي خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت ، ألا تعلمون أني إمامكم ، ومفترض الطاعة عليكم ، واحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله علي ؟ قالوا : بلى . قال : أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة ، وأقام الجدار ، وقتل الغلام كان ذلك سخطا لموسى بن عمران عليه السلام إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك ، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصوابا ؟ أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم ( عجل الله تعالى فرجه ) ؟ الذي يصلي خلفه روح الله عيسى بن مريم عليه السلام ، فإن الله عز وجل يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ، ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ، ابن سيدة الإماء ، يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ، ذلك ليعلم أن الله على كل شئ قدير .
احتجاج ثالث
عن زيد بن وهب الجهني قال : لما طعن الحسن بن علي عليه السلام بالمدائن أتيته وهو متوجع ، فقلت : ما ترى يا بن رسول الله فإن الناس متحيرون ؟ فقال : أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء ، يزعمون أنهم لي شيعة ، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي ، وأخذوا مالي ، والله لئن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي ، وأومن به في أهلي ، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي ، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما ، والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ، أو يمن علي فيكون سنة على بني هاشم آخر الدهر ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه علي الحي منا والميت . ( قال ) : قلت : تترك يا بن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لها راع ؟ قال : وما أصنع يا أخا جهينة أني والله أعلم بأمر قد أدى به إلي ثقاته : أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لي - ذات يوم وقد رآني فرحا - : يا حسن أتفرح كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا ؟ ! كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية ، وأميرها الرحب البلعوم ، الواسع الإعفجاج ، يأكل ولا يشبع ، يموت وليس له في السماء ناصر ولا في الأرض عاذر ، ثم يستولي على غربها وشرقها ، يدين له العباد ويطول ملكه ، يستن بسنن أهل البدع الضلال ، ويميت الحق وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم المال في أهل ولايته ، ويمنعه من هو أحق به ، ويذل في ملكه المؤمن ، ويقوى في سلطانه الفاسق ، ويجعل المال بين أنصاره دولا ، ويتخذ عباد الله خولا يدرس في سلطانه الحق ، ويظهر الباطل ، ويقتل من ناواه على الحق ، ويدين من لاواه على الباطل ، فكذلك حتى يبعث الله رجلا في آخر الزمان ، وكلب من الدهر ، وجهل من الناس ، يؤيده الله بملائكته ، ويعصم أنصاره ، وينصره بآياته ، ويظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعا وكرها ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، ونورا وبرهانا ، يدين له عرض البلاد وطولها ، لا يبقى كافر إلا آمن به ولا صالح إلا صلح ، ويصطلح في ملكه السباع ، وتخرج الأرض نبتها ، وينزل السماء بركتها ، وتظهر له الكنوز ، يملك ما بين الخافقين أربعين عاما ، فطوبى لمن أدرك أيامه ، وسمع كلامه .
احتجاج رابع
وعن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال : حدثني رجل منا قال : أتيت الحسن بن علي عليه السلام فقلت : يا بن رسول الله أذللت رقابنا ، وجعلتنا معشر الشيعة عبيدا ، ما بقي معك رجل قال : ومم ذاك ؟ قال : قلت : بتسليمك الأمر لهذا الطاغية . قال : والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا ، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ، ولكني عرفت أهل الكوفة ، وبلوتهم ، ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا ، إنهم لا وفاء لهم . ولا ذمة في قول ولا فعل ، إنهم لمختلفون ، ويقولون لنا : أن قلوبهم معنا ، وأن سيوفهم لمشهورة علينا ، قال : وهو يكلمني إذ تنخع الدم ، فدعا بطست فحمل من بين يديه ملئ مما خرج من جوفه من الدم . فقلت له : ما هذا يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله إني لأراك وجعا ؟ قال : أجل دس إلي هذا الطاغية من سقاني سما فقد وقع على كبدي وهو يخرج قطعا كما ترى . قلت : أفلا تتداوى ؟ قال : قد سقاني مرتين وهذه الثالثة لا أجد لها دواء ، ولقد رقى إلي : أنه كتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجه إليه من السم القتال شربة ، فكتب إليه ملك الروم : أنه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا ، فكتب إليه أن هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة ، وقد خرج يطلب ملك أبيه ، وأنا أريد أن أدس إليه من يسقيه ذلك ، فأريح العباد والبلاد منه ، ووجه إليه بهدايا وألطاف فوجه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دس فيها فسقيها واشترط عليه في ذلك شروطا .
الاحتجاج ج 2 ص 8