العتبة العلوية المقدسة - ثـورة الحـسيـن عليه السلام صــــدى لصلح الحسن عليه السلام -
» سيرة الإمام » » اولاد الامام علي عليه السلام » سيرة الامام الحسين عليه السلام » الامام الحسين باقلام اعلام الامة » ثـورة الحـسيـن عليه السلام صــــدى لصلح الحسن عليه السلام

 

ثـورة الحـسيـن عليه السلام صــــدى لصلح الحسن عليه السلام

 

 

 

 

 

                          السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي

 

 

كان بنفسي من قديم أن أعني ببحث هذه المسألة بحثاً يدفع هذه الشبهة عن أبي محمد في نفوس غير المتمكنين من فهم التأريخ فهماً صحيحاً، وكثيرون من هؤلاء لا يرجعون الى مصدر علمي في وزن هؤلاء النفر من أهل البيت وإخضاع حركاتهم في حالة مدها وجزرها للمبدأ الأسمى الذي طوعهم لخدمته، وأفنى ذواتهم في ذاته، فكانوا ينقبضون حين يشاء لهم الإنقباض، وينبسطون حين يشاء لهم الإنبساط كذلك.

 

 

كان بنفسي أن أرد هذه الشبهة عن أبي محمد الحسن السبط بإقامة هذا الميزان العلمي الذي يجلو هذه الحقيقة، ويكشف خدرها، غير أن وارداً ثقيلاً من المشاغل التي لا تنتهي كان يصرفني عما بنفسي من ذلك.

 

 

فها أنا أوجز الاشارة الى هذه الشبهة ودفعها، وعسى أن تعود هذه النواة غرسها أتعهد أنا بما ينميه إن سنحت الفرصة، أولا، فينميه قلم من هذه الأقلام الضليعة المغموسة بقلوب الأحرار وعقول العلماء من خدام الحقائق.

 

 

أما الشبهة فقديمة كقدم النظر القاصر ، فيمن يأخذون من الأشياء بالظاهر، والملمون بتاريخ الحسن عليه السلام يعرفون أن قوماً من صحابته أخذوا عليه قعوده عن حرب معاوية ومناجزته إياه القتال حتى لأوشك أن يذهب يومئذ ضحية هذه الفتنة، وحتى دخل عليه خاصته بسلام غليظ يقولون فيه ( السلام عليك يا مذل المسلمين)..!

 

 

وقد يكون لهؤلاء عذر بحماستهم التي نعرفها لذوي النجدة من فتيان الأيمان الذين تغلب فيهم عاطفة الحماسة، استقرار الروية وبعد النظر.

 

 

قد يكون ذلك ولكنا لا نقصد الآن الإعتذار لهم بل نريد أن نثبت طرف هذه الشبهة عن الأول لنراها تتسلسل منه فتظهر بين حين وآخر، طوراً على لسان أوليائه، وتارة على لسان أعدائه وهي هنا وهناك لا تظهر الا لتدل على جهل هؤلاء وأولئك فنحن حين نزن صلحه ( عليه السلام) وحربه ترجح كفة الصلح من حيث اعتبرت المعايير المرعية وكن إن شئت ( مادياً) أو كن ( روحياً) تتجاوز بإيمانك وفهمك مدى المحسوسات المرئية.

 

 

كن أولاً مادياً وناقش حرب الحسن في جيش حكم نفسه بالهزيمة قبل أن يخوض المعركة، وغزاه معاوية الذي ثبت لعلي من قبل، ولعلي معنوية عسكرية ترجف الارض من خيفتها، مضافاً الى معنوياته الأخرى التي لم يكن الحسن يتمتع بمثلها في نفوس معاصريه، بحكم انضوائه الى لواء أبيه.

 

 

نعم لك أن تقول: كان على الحسن أن يستشهد فيموت عزيزاً، ولكن أعد النظر في تاريخ هذه الفترة لترى الإستشهاد فيها ينمسخ الى معنى من معاني (الخروج) فلم تكن يومئذ حقيقة وطنية ثابتة ولا روح مبدئية مستقرة لتكون التضحية تضحية مقررة القواعد وليس أتفه – في هذه الحال- من الموت لإنه يعين على صاحبه ويميته مرة أخرى في معناه.

 

 

كانت الحياة الإسلامية تنتكس حقاً وتتحول الى ملك عضوض وكانت المطامع تتجند في ركاب الملك هاربة من حواشي الخلافة ولكنها كانت ما تزال تحتفظ بوسيلة الاسلام وظاهر مبادئه في (( وصولية)) صاغها معاوية بدهائه وكان هذا وحده عذراً للحسن من ناحيتين.

 

 

1- كان عذره الصلح لأن (( الدنيا)) كانت تظاهر معاوية فتستلب منه أبن عمه وقائد عسكره.

 

 

2- ثم كان عذره في القعود عن الشهادة لأن ذلك بعينه ليس ظرف لشهادة .. ليس ظرف لشهادة لأنه كان قادراً على مسخها.

 

 

فأي ربح مادي في الموت لو إختاره الحسن كما يريد هؤلاء غير أنه يعين معاوية على نفسه حياً وميتاً.

 

 

إنني لا أرى شيئاً أدل على عظمة الحسن من هذه السياسة المادية التي حددت موقفه على هذا النحو في أخطر دور مرَّ به الإسلام، فكانت نواة لقلب الحكم الأموي وفضح معاوية كما كانت مادة ذلك البارود الجبار الذي إنفجر في مصرع الحسين ذلك الإنفجار، ولو لم يكن موقف الحسن هذا لأتيح لمعاوية سلطان لا يعرف الناس منطوياته، ولما أتيح للحسين أن يكون الفداء الخالد للمبدأ الخالد.

 

 

وبعد أن كنت مادياً فكن ( روحياً) وناقش حس الحسن لتجتمع لك الاعتبارات كلها على رجحان كفة ( الصلح).

 

 

الحسن عليه السلام في هذا الإعتبار ليس من طلاب (الإمرة) لذات (الإمرة) بل هو ممن يريدون الخلافة وسيلة للاصلاح وإقامة العدل والسلام بين الناس، وما أظن هذه العقيدة الروحية تعدم دليلها المادي فأبوه وجده أثبتا في الإسلام أنهما كذلك، وله قبل الإسلام إرث ينهض دليلاً على أنه معدن مصلح لا يطلب النفوذ إذا استغنى عن فعل الخير.

 

 

ومن هنا كان سهلاً عليه أن يتنازل عن الخلافة لأنه في فترة لا تقدر هي على أبناء الخير في ظل ذلك الجيل المكبوت المستاق الى الشهوات يصيب منها فوق كفايته على موائد معاوية.

 

 

بل لقد كان الواجب عليه أن يتنازل مع عدم القدرة على تذليل العقبة من إخضاع ( الأموية) المندفعة. لأن تنازله يأتي وفق الخطة التي رسمتها له مبادئه.

 

 

وليس عائبوا تنازله أشد إحساساً منه بآلام التنازل وهو المجروح ولكنها التضحية الضخمة فرضت عليه أن يتحمل آلام القعود التي كتبتها عليه مثله ومبادؤه الحسنى.

 

 

وهي تضحية لا تقل قدراً – إن لم تزد- عن تضحية الحسين (عليه السلام).

 

 

وكن الآن ما شئت، كن مادياً أو كن روحياً فستنتهي آخر الأمر الى نتيجة رائعة وهي إن صلح الحسن مصدراً من أكبر مصادر ثورة الحسين التحريرية، وإلى أن جوهر التضحية واحد عند الإمامين وإن اختلف مظهرهما.

 

 

والحق أن يوم الطف كان صدى ليوم المدائن. صلى الله على سيدي شباب أهل الجنة ونفع المسلمين بذكرياتها المجددة المتجددة ووفق العرب والمسلمين الى الإهتداء بهديهما في مرحلتهم الصعبة هذه