العتبة العلوية المقدسة - خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام وقد قام إليه رجل كأنه من متهودة اليمن -
» » سيرة الإمام » بلاغة الامام علي وحكمته » خطب الامام علي عليه السلام » خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام وقد قام إليه رجل كأنه من متهودة اليمن

خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام وقد قام إليه رجل كأنه من متهودة اليمن

 

فقال له يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك و انعته لنا كأنا نراه وننظر إليه فسبح علي عليه السلام  ربه وعظمه وقال بعد الحمد : 

 

ليس بشبحٍ فيُرى ، ولا بجسمٍ فيتجَزَّ ولا بذي غاية فيتناهى ولا بمُحْدَث فيُبصَر ، ولا بمستتر فيُكشَف ، ولا بذي حجبٍ فيُحوى ، كان ولا أماكن تحمله اكنافُها ، ولا حَمَلة ترفعه بقوتها ، وما كان بعد أن لم يكن ، بل حارت الأوهام أن تكّيف المُكّيف للأشياء : من لم يزل بلا مكان ، ولا يزول باختلاف الأزمان ، ولا  ينقلب له شأن بعد شأن ، البعيد من حدث القلوب ، المتعالي عن الأشباه و الضروب ، الوِتِر ([1]) علامُ الغيوب ، معاني الخلق عنه منفية ، وسرائرهم عليه غيرُ خفية ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، ولا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأفكار ، ولا تقدّره العقول ، ولا تقع عليه الأوهام ، وكيف يوصف بالأشباح ، ويُنْعَتُ بالألسن الفصاح ، من لم يحلُل في الأشياء فيقال هو فيها كائن ، ولم يَنْأَ عنها فيقال هو عنها بائن ، لم يقرُب منها بالتصاق ، ولم يبعُد عنها بافتراق ، بل هو في الأشياء بلا كيفية ، وهو اقرب إلينا من حبل الوريد ، و ابعد من الشبه من كل بعيد . لم يخلق الأشياء من أصول أزلية ، ولا من أوائل كانت قبله أبدية ، بل خلق ما خلق و أتقن خلقه ، وصوّر ما صوّر فاحسن صورته ، فسبحان من توحَّد في علُوِّه فليس لشيء منه امتناع ، ولا بطاعة أحد من خلقه له انتفاع ، إجابَتُه للداعين سريعة ، و الملائكة له في السماوات و الأرضين مطيعة ، كلمّ موسى بلا جوارح و أدوات ، ولا شفَةٍ ولا لهوات ، سبحانه وتعالى عن الصفات ، ومن زعم أن إله الخلق محدود ، فقد جهل الخالق المعبود ( وهي طويلة أخذنا منها موضع الحاجة ) .

 



([1]) الوتر : الأحد الفرد .