كتابه عليه السلام إلى محمد بن مسلم الزهري يعظه
كَفَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنَ الْفِتَنِ وَرَحِمَكَ مِنَ النَّارِ فَقَدْ أَصْبَحْتَ بِحَالٍ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَكَ بِهَا أَنْ يَرْحَمَكَ فَقَدْ أَثْقَلَتْكَ نِعَمُ اللَّهِ بِمَا أَصَحَّ مِنْ بَدَنِكَ وَأَطَالَ مِنْ عُمُرِكَ وَقَامَتْ عَلَيْكَ حُجَجُ اللَّهِ بِمَا حَمَّلَكَ مِنْ كِتَابِهِ وَفَقَّهَكَ فِيهِ مِنْ دِينِهِ وَعَرَّفَكَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ص فَرَضِيَ لَكَ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكَ وَفِي كُلِّ حُجَّةٍ احْتَجَّ بِهَا عَلَيْكَ الْفَرْضَ بِمَا قَضَى فَمَا قَضَى إِلَّا ابْتَلَى شُكْرَكَ فِي ذَلِكَ وَأَبْدَى فِيهِ فَضْلَهُ عَلَيْكَ فَقَالَ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ. فَانْظُرْ أَيَّ رَجُلٍ تَكُونُ غَداً إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فَسَأَلَكَ عَنْ نِعَمِهِ عَلَيْكَ كَيْفَ رَعَيْتَهَا وَعَنْ حُجَجِهِ عَلَيْكَ كَيْفَ قَضَيْتَهَا وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ قَابِلًا مِنْكَ بِالتَّعْذِيرِ وَلَا رَاضِياً مِنْكَ بِالتَّقْصِيرِ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لَيْسَ كَذَلِكَ أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي كِتَابِهِ إِذْ قَالَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ أَدْنَى مَا كَتَمْتَ وَأَخَفَّ مَا احْتَمَلْتَ أَنْ آنَسْتَ وَحْشَةَ الظَّالِمِ وَسَهَّلْتَ لَهُ طَرِيقَ الْغَيِّ بِدُنُوِّكَ مِنْهُ حِينَ دَنَوْتَ وَإِجَابَتِكَ لَهُ حِينَ دُعِيتَ فَمَا أَخْوَفَنِي أَنْ تَكُونَ تَبُوءُ بِإِثْمِكَ غَداً مَعَ الْخَوَنَةِ وَأَنْ تُسْأَلَ عَمَّا أَخَذْتَ بِإِعَانَتِكَ عَلَى ظُلْمِ الظَّلَمَةِ إِنَّكَ أَخَذْتَ مَا لَيْسَ لَكَ مِمَّنْ أَعْطَاكَ وَدَنَوْتَ مِمَّنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَى أَحَدٍ حَقّاً وَلَمْ تَرُدَّ بَاطِلًا حِينَ أَدْنَاكَ وَأَحْبَبْتَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ أَ وَلَيْسَ بِدُعَائِهِ إِيَّاكَ حِينَ دَعَاكَ جَعَلُوكَ قُطْباً أَدَارُوا بِكَ رَحَى مَظَالِمِهِمْ وَجِسْراً يَعْبُرُونَ عَلَيْكَ إِلَى بَلَايَاهُمْ وَسُلَّماً إِلَى ضَلَالَتِهِمْ دَاعِياً إِلَى غَيِّهِمْ سَالِكاً سَبِيلَهُمْ يُدْخِلُونَ بِكَ الشَّكَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَيَقْتَادُونَ بِكَ قُلُوبَ الْجُهَّالِ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَبْلُغْ أَخَصُّ وُزَرَائِهِمْ وَلَا أَقْوَى أَعْوَانِهِمْ إِلَّا دُونَ مَا بَلَغْتَ مِنْ إِصْلَاحِ فَسَادِهِمْ وَاخْتِلَافِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ إِلَيْهِمْ فَمَا أَقَلَّ مَا أَعْطَوْكَ فِي قَدْرِ مَا أَخَذُوا مِنْكَ وَمَا أَيْسَرَ مَا عَمَرُوا لَكَ فَكَيْفَ مَا خَرَّبُوا عَلَيْكَ فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ فَإِنَّهُ لَا يَنْظُرُ لَهَا غَيْرُكَ وَحَاسِبْهَا حِسَابَ رَجُلٍ مَسْئُولٍ وَانْظُرْ كَيْفَ شُكْرُكَ لِمَنْ غَذَّاكَ بِنِعَمِهِ صَغِيراً وَكَبِيراً فَمَا أَخْوَفَنِي أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ- فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا إِنَّكَ لَسْتَ فِي دَارِ مُقَامٍ أَنْتَ فِي دَارٍ قَدْ آذَنَتْ بِرَحِيلٍ فَمَا بَقَاءُ الْمَرْءِ بَعْدَ قُرَنَائِهِ طُوبَى لِمَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا عَلَى وَجَلٍ يَا بُؤْسَ لِمَنْ يَمُوتُ وَتَبْقَى ذُنُوبُهُ مِنْ بَعْدِهِ احْذَرْ فَقَدْ نُبِّئْتَ وَبَادِرْ فَقَدْ أُجِّلْتَ إِنَّكَ تُعَامِلُ مَنْ لَا يَجْهَلُ وَإِنَّ الَّذِي يَحْفَظُ عَلَيْكَ لَا يَغْفُلُ تَجَهَّزْ فَقَدْ دَنَا مِنْكَ سَفَرٌ بَعِيدٌ وَدَاوِ ذَنْبَكَ فَقَدْ دَخَلَهُ سُقْمٌ شَدِيدٌ وَلَا تَحْسَبْ أَنِّي أَرَدْتُ تَوْبِيخَكَ وَتَعْنِيفَكَ وَتَعْيِيرَكَ لَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَنْعَشَ اللَّهُ مَا قَدْ فَاتَ مِنْ رَأْيِكَ وَيَرُدَّ إِلَيْكَ مَا عَزَبَ مِنْ دِينِكَ وَذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ- وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ أَ غَفَلْتَ ذِكْرَ مَنْ مَضَى مِنْ أَسْنَانِكَ وَأَقْرَانِكِ وَبَقِيتَ بَعْدَهُمْ كَقَرْنٍ أَعْضَبَ انْظُرْ هَلِ ابْتُلُوا بِمِثْلِ مَا ابْتُلِيتَ أَمْ هَلْ وَقَعُوا فِي مِثْلِ مَا وَقَعْتَ فِيهِ أَمْ هَلْ تَرَاهُمْ ذَكَرْتَ خَيْراً أَهْمَلُوهُ وَعَلِمْتَ شَيْئاً جَهِلُوهُ بَلْ حَظِيتَ بِمَا حَلَّ مِنْ حَالِكَ فِي صُدُورِ الْعَامَّةِ وَكَلَّفَهُمْ بِكَ إِذْ صَارُوا يَقْتَدُونَ بِرَأْيِكَ وَيَعْمَلُونَ بِأَمْرِكَ إِنْ أَحْلَلْتَ أَحَلُّوا وَإِنْ حَرَّمْتَ حَرَّمُوا وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَكَ وَلَكِنْ أَظْهَرَهُمْ عَلَيْكَ رَغْبَتُهُمْ فِيمَا لَدَيْكَ ذَهَابُ عُلَمَائِهِمْ وَغَلَبَةُ الْجَهْلِ عَلَيْكَ وَعَلَيْهِمْ وَحُبُّ الرِّئَاسَةِ وَطَلَبُ الدُّنْيَا مِنْكَ وَمِنْهُمْ أَ مَا تَرَى مَا أَنْتَ فِيهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالْغِرَّةِ وَمَا النَّاسُ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ قَدِ ابْتَلَيْتَهُمْ وَفَتَنْتَهُمْ بِالشُّغُلِ عَنْ مَكَاسِبِهِمْ مِمَّا رَأَوْا فَتَاقَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَى أَنْ يَبْلُغُوا مِنَ الْعِلْمِ مَا بَلَغْتَ أَوْ يُدْرِكُوا بِهِ مِثْلَ الَّذِي أَدْرَكْتَ فَوَقَعُوا مِنْكَ فِي بَحْرٍ لَا يُدْرَكُ عُمْقُهُ وَفِي بَلَاءٍ لَا يُقْدَرُ قَدْرُهُ فَاللَّهُ لَنَا وَلَكَ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ أَمَّا بَعْدُ فَأَعْرِضْ عَنْ كُلِّ مَا أَنْتَ فِيهِ حَتَّى تَلْحَقَ بِالصَّالِحِينَ الَّذِينَ دُفِنُوا فِي أَسْمَالِهِمْ لَاصِقَةً بُطُونُهُمْ بِظُهُورِهِمْ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ وَلَا تَفْتِنُهُمُ الدُّنْيَا وَلَا يُفْتَنُونَ بِهَا رَغِبُوا فَطُلِبُوا فَمَا لَبِثُوا أَنْ لَحِقُوا فَإِذَا كَانَتِ الدُّنْيَا تَبْلُغُ مِنْ مِثْلِكَ هَذَا الْمَبْلَغَ مَعَ كِبَرِ سِنِّكَ وَرُسُوخِ عِلْمِكَ وَحُضُورِ أَجَلِكَ فَكَيْفَ يَسْلَمُ الْحَدَثُ فِي سِنِّهِ الْجَاهِلُ فِي عِلْمِهِ الْمَأْفُونُ فِي رَأْيِهِ الْمَدْخُولُ فِي عَقْلِهِ- إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ عَلَى مَنِ الْمُعَوَّلُ وَعِنْدَ مَنِ الْمُسْتَعْتَبُ نَشْكُو إِلَى اللَّهِ بَثَّنَا وَمَا نَرَى فِيكَ وَنَحْتَسِبُ عِنْدَ اللَّهِ مُصِيبَتَنَا بِكَ فَانْظُرْ كَيْفَ شُكْرُكَ لِمَنْ غَذَّاكَ بِنِعَمِهِ صَغِيراً وَكَبِيراً وَكَيْفَ إِعْظَامُكَ لِمَنْ جَعَلَكَ بِدِينِهِ فِي النَّاسِ جَمِيلًا وَكَيْفَ صِيَانَتُكَ لِكِسْوَةِ مَنْ جَعَلَكَ بِكِسْوَتِهِ فِي النَّاسِ سَتِيراً وَكَيْفَ قُرْبُكَ أَوْ بُعْدُكَ مِمَّنْ أَمَرَكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُ قَرِيباً ذَلِيلًا- مَا لَكَ لَا تَنْتَبِهُ مِنْ نَعْسَتِكَ وَتَسْتَقِيلُ مِنْ عَثْرَتِكَ فَتَقُولَ وَاللَّهِ مَا قُمْتُ لِلَّهِ مَقَاماً وَاحِداً أَحْيَيْتُ بِهِ لَهُ دِيناً أَوْ أَمَتُّ لَهُ فِيهِ بَاطِلًا فَهَذَا شُكْرُكَ مَنِ اسْتَحْمَلَكَ مَا أَخْوَفَنِي أَنْ تَكُونَ كَمَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ- أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا اسْتَحْمَلَكَ كِتَابَهُ وَاسْتَوْدَعَكَ عِلْمَهُ فَأَضَعْتَهَا فَنَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي عَافَانَا مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَالسَّلَامُ