العتبة العلوية المقدسة - نماذج من القتال في المعركة -
» سيرة الإمام » » جهاد الامام علي عليه السلام » جهادة في خلافته » واقعة صفين » نماذج من القتال في المعركة

 
 
نماذج من القتال في المعركة
بدء الحرب بعد مضي المحرم الحرام
*- عن جابر عن أبى الطفيل ، أن حابس بن سعد الطائى كان صاحب لواء طيئ مع معاوية ، فقال :
بقين من المحرم أو ثمان

 
أما بين المنايا غير سبع

عن اهل الكوفة الموت العيانى 

 
 
أما يعجبك أنا قد كففنا

ولا ينهاهم السبع المثانى

 
 
أينهانا كتاب الله عنهم

فقتل بعد ، وكان مع معاوية . فلما انسلخ المحرم واستقبل صفر ، وذلك في سنة سبع وثلاثين ، بعث على نفرا من أصحابه حتى إذا كانوا من عسكر معاوية حيث يسمعونهم الصوت قام مرثد بن الحارث الجشمى فنادى عند غروب الشمس : يا أهل الشام ، إن أمير المؤمنين على بن أبى طالب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون لكم : إنا والله ما كففنا عنكم شكا في أمركم ، ولا بقيا عليكم ، وإنما كففنا عنكم لخروج المحرم ، ثم انسلخ ، وإنا قد نبذنا إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين . قال : فتحاجز الناس وثاروا إلى أمرائهم . ([1]
عرض كتاب الله عليهم
*- عن جابر ، عن تميم ، أن عليا قال : من يذهب بهذا المصحف إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى ما فيه ؟ فأقبل فتى اسمه سعيد فقال : أنا صاحبه . ثم أعادها فسكت الناس وأقبل الفتى فقال : أنا صاحبه . فقال على دونك . فقبضه بيده ثم أتى معاوية فقرأه عليهم ودعاهم إلى ما فيه فقتلوه
 وزعم تميم ([2]) أنه سعيد بن قيس . ([3]
معاوية يطلب من عمرو تسوية الصفوف
*- عن جابر ، عن أبى جعفر وزيد بن حسن قالا : طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوى صفوف أهل الشام ، فقال له عمرو : على أن لى حكمي إن قتل الله ابن أبى طالب ، واستوسقت لك البلاد ([4]) . قال : أليس حكمك في مصر ؟ قال : وهل مصر تكون عوضا عن الجنة ، وقتل ابن أبى طالب ثمنا لعذاب النار الذى لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ؟ فقال معاوية : إن لك حكمك أبا عبد الله إن قتل ابن أبى طالب . رويدا لا يسمع الناس كلامك . فقال لهم عمرو : يا معشر أهل الشام ، سووا صفوفكم ، وأعيروا ربكم جماجمكم ، واستعينوا بالله إلهكم ، وجاهدوا عدو الله وعدوكم ، واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم ، (وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). ([5]
اصابة هاشم المرقال
*- عن عمرو بن شمر عن جابر قال : سمعت الشعبى يقول : قال الأحنف ابن قيس : والله إنى لإلى جانب عمار بن ياسر ، بينى وبينه رجل من بنى الشعيراء ([6]) ، فتقدمنا حتى إذا دنونا من هاشم بن عتبة قال له عمار : احمل فداك أبى وأمى . ونظر عمار إلى رقة في الميمنة فقال له هاشم : رحمك الله يا عمار ، إنك رجل تأخذك خفة في الحرب ، وإنى إنما أزحف باللواء زحفا ، وأرجوا أن أنال بذلك حاجتى ، وإنى إن خففت لم آمن الهلكة . وقد كان قال معاوية لعمرو : ويحك ، إن اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة ، وقد كان من قبل يرقل به إرقالا ، وإنه إن زحف به اليوم زحفا إنه لليوم الأطول لأهل الشام ، وإن زحف في عنق من أصحابه إنى لأطمع أن تقتطع . فلم يزل به عمار حتى حمل ، فبصر به معاوية فوجه إليه حماة أصحابه ومن يزن بالبأس ([7])   والنجدة منهم في ناحيته ، وكان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص ومعه يومئذ سيفان قد تقلد واحدا وهو يضرب بالآخر ، وأطافت به خيل على ، فقال عمرو : يا الله ، يا رحمن ، ابني ابني . قال : ويقول معاوية : صبرا صبرا فإنه لا بأس عليه قال عمرو : ولو كان يزيد بن معاوية إذا لصبرت ! ولم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه ([8]) حتى نجا هاربا على فرسه ومن معه ، وأصيب هاشم في المعركة . ([9]
ليلة الهرير وشتدة القتال
*- روى نصر بن مزاحم إن عليا عليه السلامغلس بالناس في صلاةالغداة يوم الثلاثاء عاشر ربيع الأولى سنة 37 وقيل عاشر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق والناس على راياتهم وزحف إليهم أهل الشام وقد كانت الحرب اكلت الفريقين ولكنها في أهل الشام أشد نكاية وأعظم وقعا فقد ملوا الحرب وكرهوا القتال وتضعضعت أركانهم فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه وبيده الرمح فجعل يضرب رؤوس أصحاب علي بالقناة وهو يقول سووا صفوفكم حتى إذا عدل الصفوف والرايات استقبلهم بوجهه وولى أهل الشام ظهره ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال الحمد لله الذي جعل فيكم ابن عم نبيكم اقدمهم هجرة وأولهم اسلاما سيف من سيوف الله صبه على أعدائه فانظروا إلي إذا حمي الوطيس وثار القتام وتكسرت المران وجالت الخيل بالابطال فلا اسمع إلا غمغمة أو همهمة ثم حمل على أهل الشام وكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر وخرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين يا أبا حسن يا علي أبرز لي فخرج إليه علي حتى اختلفت أعناق دابتيهما فقال يا علي ان لك قدما في الاسلام وهجرة فهل لك في أمر اعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتى ترى من رأيك فقال له علي وما ذاك قال ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين أهل العراق ونرجع إلى شامنا فتخلي بيننا وبين الشام فقال له علي لقد عرفت انك إنما عرضت هذا نصيحة وشفقة ولقد أهمني هذا الامر وأسهرني وضربت انفه وعينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما انزل على محمد صلى الله عليه واله ان الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه ان يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم فرجع الشامي وهو يسترجع
 ولما كان قبل ليلة الهرير بليلة قال أصحاب معاوية والله ما نبرح العرصة حتى يفتح الله لنا أو نموت وقال أصحاب علي عليه السلام مثل ذلك فباكروا القتال غدا يوما من أيام الشعرى طويلا شديد الحر
فتراموا بالنبل حتى فنيت نبالهم
 ثم تطاعنوا بالرماح حتى تقصفت واندقت
 ثم مشى بعضهم إلى بعض بالسيوف وقد كسروا جفونها وعمد الحديد فلم يسمع السامع إلا تغمغم القوم وتكادم الأفواه وصليل السيوف في الهام ووقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضا وكسفت الشمس
وثار القتام وضلت الألوية والرايات فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل ومرت مواقيت أربع صلوات لم يسجد لله فيهن سجدة ولم يصلوا لله صلاة إلا التكبير
ثم استمر القتال من نصف الليل إلى ارتفاع الضحى وافترقوا على سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة وهي ليلة الهرير والأشتر في ميمنة الناس وابن عباس في الميسرة وعلي في القلب
 والأشتر في هذا الحال يسير فيما بين الميمنة والميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالاقدام على التي تليها فلم يزل يفعل ذلك حتى أصبح والمعركة خلف ظهره ونادت المشيخة في تلك الغمرات يا معشر العرب الله الله في الحرمات من النساء والبنات
 قال جابر فبكى أبو جعفر محمد الباقر عليه السلام وهو يحدثني بهذا الحديث وجعل الأشتر يقول لأصحابه وهو يزحف بهم نحو أهل الشام ازحفوا قيد رمحي هذا فإذا فعلوا قال ازحفوا قاب هذا القوس فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس الاقدام ثم دعا بفرسه وركز رايته وكانت مع حيان بن هوذة النخعي واقبل الأشتر على فرس له كميت محذوف قد وضع مغفره على قربوس السرج وهو يقول اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمي الوطيس ورجعت الشمس من الكسوف واشتد القتال وخرج يسير في الكتائب ويقول ألا من يشري نفسه لله ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه ويقاتل معه .
 ويقول واحد في تلك الحال اي رجل هذا لو كانت له نية فيقول له صاحبه وأي نية أعظم من هذه ثكلتك أمك وهبلتك إن رجلا فيما قد ترى قد سبح في الدماء وما أضجرته الحرب وقد غلت هام الكماة من الحر وبلغت القلوب الحناجر وهو كما ترى يقول هذه المقالة اللهم لا تبقنا بعد هذا .
 ثم قام الأشتر في أصحابه فقال شدوا فدا لكم عمي وخالي شدة ترضون بها الله وتعزون بها الدين فإذا شددت فشدوا ثم نزل وضرب وجه دابته ثم قال لصاحب رايته أقدم فاقدم بها ثم شد على القوم وشد معه أصحابه يضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى عسكرهم فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا فقتل صاحب رايته واخذ علي لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال
 وخطب الأشعث بن قيس في كندة ليلة الهرير فقال ملاما ظاهره النصح لقومه وباطنه الغش لعلي عليه السلام فمما قال : قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي وما فني فيه من العرب فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله ان أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط الا فليبلغ الشاهد الغائب إنا ان نحن تواقفنا غدا انه لفناء العرب وضيعة الحرمات اما والله ما أقول هذه المقالة جزعا من الحتف ولكني رجل مسن أخاف على النساء والذراري غدا إذا فنينا .
وروى نصر عن عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري قال والله لكأني اسمع عليا يوم الهرير حين سار أهل الشام وذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بيننا وبين عك ولخم وجذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي من حين استقبلت الشمس حتى قام قائم الظهيرة
 ثم إن عليا قال حتى متى نخلي بين هذين الحيين قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون إليهم أ ما تخافون مقت الله ثم انفتل إلى القبلة ورفع يديه إلى الله ثم نادى يا الله يا رحمن يا واحد يا صمد يا الله يا اله محمد اللهم إليك نقلت الأقدام وأفضت القلوب ورفعت الأيدي وامتدت الأعناق وشخصت الابصار وطلبت الحوائج إنا نشكو إليك غيبة نبينا ص وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين سيروا على بركة الله ثم نادى لا إله إلا الله والله أكبر كلمة التقوى .
قال الراوي لا والله الذي بعث محمدا ص بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى الله واليكم من هذا لقد همت ان أفلقه ولكن حجزني عنه اني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله  يقول كثيرا :
لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي
 وانا أقاتل به دونه قال فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف فلا والله ما ليث باشد نكاية منه في عدوه وخطب علي عليه السلام الناس فقال أيها الناس قد بلغ بكم الامر وبعدوكم ما قد رأيتم ولم يبق منهم إلا آخر نفس وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم وانا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله عز وجل .
عورتهكشف عمرو بن العاص
*ـالإمامة والسياسة : ذكروا أنّ عمراً قاللمعاوية :أ تجبن عن علىّ ، وتتّهمنى فى نصيحتى إليك ؟ ! والله لاُبارزنّ عليّاً ولومتّ ألف موتة فى أوّل لقائه . فبارزه عمرو ، فطعنه علىّ فصرعه ، فاتّقاه بعورته ،فانصرف عنه علىّ ، وولّي بوجهه دونه .وكان علىّ   عليه السلام  لم ينظر قطّ إلي عورة أحد ; حياءً وتكرّماً ، وتنزّهاً عمّا لايحلّ ولا يجمل بمثله([10])
*- في  البداية والنهاية : ذكروا أنّ عليّاً حملعلي عمرو بن العاص يوماً فضربهبالرمح ، فألقاه إلي الأرض ، فبدت سَوءته ، فرجع عنه . فقال لهأصحابه : ما لك يا أمير المؤمنين رجعت عنه ؟فقال :أ تدرون ما هو ؟قالوا : لا !قال : هذا عمرو بن العاص تلقّانى بسَوءته ، فذكّرنى بالرحم ،فرجعت عنه .فلمّا رجع عمرو إلي معاوية قال له : احمد الله واحمد إستك([11])
*ـفي وقعة صفّين : حمل عمرو بن العاص معلّماً وهويقول:
شدّوا عَلَىَّ شكَّتى لا تَنكشِف

 
بَعدَ طُليح والزبير فأتلف

يَومٌ لهَمدان ويَومٌ للصدف

 
وفى تَميم نَخوةٌ لا تَنحرف

أضرِبُها بالسيف حتي تَنصرِف

 
إذا مَشيتُ مشيةَ العودِ الصَّلف

ومثلها لحِمير ، أو تنحرف

 
والربعيّون لهم يومٌعَصف

فاعترضه علىّ وهو يقول :
قد عَلِمت ذاتُ القرونِ المِيل

 
والخُصر والأنامل الطفولِ

أنّى بنَصلِ السيف خنشَليل

 
أحمى وأرمى أوّلَالرعيلِ

بِصارم ليسَ بذى فلولِ
ثمّ طعنه فصرعه ، واتّقاه عمرو برجله ، فبدت عورته ، فصرف علىّوجهه عنه وارتثّ ، فقال القوم : أفلت الرجل يا أمير المؤمنين .قال : وهل تدرون من هو ؟قالوا : لا .قال : فإنّه عمرو بن العاص تلقّانى بعورته فصرفت وجهى عنه .ورجع عمرو إلي معاوية فقال له : ما صنعت يا عمرو ؟قال : لقينى علىّ فصرعنى .قال : احمد الله وعورتك ، أما والله أن لو عرفته ما أقحمتعليه([12])
*ـعن المدائنى : رأي عمرو بنالعاص معاوية يوماً يضحك ، فقال له : ممّ تضحك يا أمير المؤمنين ، أضحك الله سنّك ؟قال : أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سَوءتك يوم ابن أبى طالب ! أما والله لقدوافقته منّاناً كريماً ، ولو شاء أن يقتلك لقتلك .قال عمرو : يا أمير المؤمنين ، أما والله إنّى لعن يمينك حين دعاكإلي البراز فاحوَلَّت عيناك ، وربا سحرك ، وبدا منك ما أكره ذكره لك ، فمن نفسكفاضحك أو دَع ! ([13])\
معاوية وقتل الاسرى
*- أسر معاويه يوم صفين رجلاً من أصحاب علي عليه السلام فلما أقيم بين يديه قال : الحمد لله الذي امكن منك ؟ قال : لاتقل ذلك فانها مصيبه . قال : واي نعمه أعظم من ان يكون الله اظفرني برجل قتل في ساعه واحده جماعه من أصحابي اضربا عنقه . فقال اللهم إشهد إن معاويه لم يقتلني فيك ولا لأنك ترضى قتلي ولكن قتلني في الغلبه على حطام هذه الدنيا ، فان فعل فافعل به ماهو أهله ، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله . فقال : قاتلك الله ، لقد سببت فاوجعت في السب ودعوت فابلغت في الدعاء ، خليا سبيله
كلام ابرهة من صحاب معاوية مع اليمانية
*- قال نصر بن مزاحم المنقري : حدثني عمرو بن شمر ، عن جابر عن عامر ، عن صعصعة بن صوحان والحارث بن أدهم ، أن أبرهة بن الصباح بن أبرهة الحميرى قام فقال : ويلكم يا معشر أهل اليمن ، والله إنى لأظن أن قد أذن بفنائكم ، ويحكم خلوا بين هذين الرجلين فليقتتلا ، فأيهما قتل صاحبه ملنا معه جميعا . وكان أبرهة من رؤساء أصحاب معاوية . فبلغ ذلك عليا فقال : صدق أبرهة بن الصباح ، والله ما سمعت بخطبة منذ وردت الشام أنا بها أشد سرورا منى بهذه . وبلغ معاوية كلام أبرهة فتأخر آخر الصفوف وقال لمن حوله : إنى لأظن أبرهة مصابا في عقله . فأقبل أهل الشام يقولون : والله إن أبرهة لأفضلنا دينا ورأيا وبأسا ، ولكن معاوية كره مبارزة على . فقال أبرهة في ذلك :
وخالفه معاوية بن حرب

 
لقد قال ابن أبرهة مقالا

ملبسة غرائضه بحقب

 
لأن الحق أوضح من غرور

وأنتم ولد قحطان بحرب

 
رمى بالفيلقين به جهارا

فإن الحق يدفع كل كذب

 
فخلوا عنهما ليثى عراك

ذوو الأرحام إنهم لصحبي

 
وما إن يعتصم يوما بقول

ومن يغشى الحروب بكل عضب
 
وكم بين المنادى من بعيد

بإسماح الطعان وصفح ضرب
 
ومن يرد البقاء ومن يلاقى

وما هجرانه سخطا لربى

 
أيهجرني معاوية بن حرب

فإن ذراعه بالغدر رحب

 
وعمرو إن يفارقنى بقول

لفى سعة إلى شرق وغرب([14])
 
 
وإنى إن أفارقهم بدينى

 
خوار عمرو بن العاص ونكوله
*- عن جابر ، عن تميم قال : والله إنى مع على حين أتاه علقمة بن زهير الأنصاري فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عمرو بن العاص ينادى ثم :
الماجد الأبلج ليث كالشطن

 
أنا الغلام القرشى المؤتمن

يا قادة الكوفة من أهل الفتن

 
يرضى به الشام إلى أرض
عدن
أضربكم ولا أرى أبا حسن

 
يأيها الأشراف من أهل اليمن


كفى بهذا حزنا من الحزن

 
أعنى عليا وابن عم المؤتمن

فضحك على ثم قال : أما والله لقد حاد عدى الله عنى ، وإنه بمكانى لعالم ، كما قال العربي : غير الوهى ترقعين وأنت مبصرة ، ويحكم ، أرونى مكانه لله أبوكم ، وخلا كم ذم . ([15]
أبو أيوب مع معاوية
*- كتب معاوية إلى أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري - صاحب منزل رسول الله صلى اللهعليه وآله وكان سيدا معظما من سادات الأنصار، وكان من شيعة علي عليه السلام - كتابا. لا تنسى الشيباء - شيباء خ ل - أبا عذرتها وقاتل بكرها فلم يدر أبو أيوبما هو؟ فأتى به عليا، وقال: يا أمير المؤمنين! إن معاوية - ابن آكلة الأكباد وكهفالمنافقين - كتب إلي بكتاب لا أدري ما هو؟
فقال له علي: وأين الكتاب؟ فدفعه إليه فقرأه وقال: نعم، هذا مثل ضربه لك، يقولما أنسى الذي لا تنسى الشيباء، لا تنسى أبا عذرتها والشيباء المرأة البكر ليلةافتضاضها، لا تنسى بعلها الذي افترعها أبدا، ولا تنسى قاتل بكرها وهو أول ولدها،كذلك لا أنسى أنا قتل عثمان.
 وروى عمر بن شمر: أن معاوية كتب في أسفل كتاب أبي أيوب.
أبلغ لديك أبا أيوب مألكة * إنا وقومك مثل الذئب والنقد
أما قتلتم أمير
المؤمنين؟ فلا * ترجو الهوادة عندي آخر الأبد
إن الذي نلتموه ظالمين له * أبقت حرارته صدعا على كبدي

إني حلفت يميناغير كاذبة * لقد قتلتم إماما غير ذي أود
لا تحسبوا أنني أنسى مصيبته * وفيالبلاد من الأنصار من أحد
أعزز علي بأمر لست نائله * واجهد علينا فلسنا بيضةالبلد
قد أبدل الله منكم خير ذي كلع * واليحصبين أهل الحق في الجند
إن العراقلنا فقع بقرقرة * أو شحمة بزها شاو ولم يكد
والشام ينزلها الأبرار بلدتها * أمنوحومتها عريسة الأسد
فلما قرأ الكتاب على علي عليه السلام قال: لشد ما شحذكم معاوية يا معشر الأنصار
! أجيبوا الرجل. فقال أبو أيوب: يا أمير المؤمنين ما أشاء أن أقول شيئا من الشعر يعبأبه الرجال إلا قلته، قال: فأنت إذا أنت.
فكتب أبو أيوب إلى معاوية: أما بعد، فإنك كتبت إلي لا تنسى الشيباء - وقالفي هذا الحديث: الشيباء: الشمطاء - ثكل ولدها ولا أبا عذرتها (لا تنسى الشيباء أباعذرها ولا قاتل بكرها خ ل) فضربتها مثلا بقتل عثمان، وما نحن وقتل عثمان؟ إن الذيتربص بعثمان وثبط يزيد بن أسد وأهل الشام في نصرته لأنت، وإن الذي قتلوه لغيرالأنصار.
وكتب في آخر كتابه:
لا توعدنا ابن حرب إننا بشر * لا نبتغي ود ذي البغضاء من أحد
فاسعواجميعا بني الأحزاب كلكم * لسنا نريد ولا كم آخر الأبد
نحن الذين ضربنا الناسكلهم * حتى استقاموا وكانوا عرضة الأود
والعام قصرك منا إن أقمت لنا * ضربا يزيلبين الروح والجسد
أما علي فإنا لن نفارقه * ما رقرق الآل في الداويةالجرد
أما تبدلت منا بعد نصرتنا * دين الرسول أناسا ساكني الجند
لا يعرفون - أضل الله سيعهم - * إلا اتباعكم يا راعي النقد
فقد بغى الحق هضما شر ذي كلع * واليحصبيون طرا بيضة البلد

ألا ندافع كفادون صاحبها * حد الشقاق ولا أم ولا ولد
جعدة بن هبيرة مع عتبة بن أبي سفيان
قال عتبة بن أبي سفيان في يوم من أيام صفين: إني لاق بالغداة جعدة بن هبيرة،فقال معاوية: بخ بخ! قومه بنو مخزوم، وأمه أم هاني بنت أبي طالب، كفؤ كريم...
بعث معاوية إلى عتبة، فقال: ما أنت صانع في جعدة؟ قال: ألقاه اليوم وأقاتله غدا. وكان لجعدة في قريش شرف عظيم، وكان له لسان، وكان من أحب الناس إلى علي عليه السلامفغدا عليه عتبة فنادى: أبا جعدة أبا جعدة!
فاستأذن عليا عليه السلام في الخروج إليه، فأذن له. واجتمع الناس، فقال عتبة: ياجعدة إنه والله ما أخرجك علينا إلا حب خالك وعمك (ابن أبي سلمة) عامل البحرين، وإناوالله! ما نزعم أن معاوية أحق بالخلافة من علي لولا أمره في عثمان، ولكن معاوية أحقبالشام لرضا أهلها به، فاعف لنا عنها، فوالله!
ما بالشام رجل به طرق إلا وهو أجد من معاوية في القتال، وليس بالعراق رجل له مثلجد علي في الحرب، ونحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبكم، وما أقبح بعلي أن يكون في قلوبالمسلمين أولى الناس حتى إذا أصاب سلطانا أفنى العرب.
فقال جعدة: أما حبي لخالي: فلو كان لك خال مثله لنسيت أباك! وأما ابن أبي سلمة: فلم يصب أعظم من قدره، والجهاد أحب إلي من العمل. وأما فضل علي على معاوية فهذا مالا يختلف فيه اثنان. وأما رضاكم اليوم بالشامفقد رضيتم بها أمس، فلم نقبل. وأما قولك: ليس بالشام أحدإلا وهو أجد من معاوية، وليس بالعراق رجل مثل جد علي، فهكذا ينبغي أن يكون، مضىبعلي يقينه وقصر بمعاوية شكه، وقصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل.وأما قولك: نحن أطوع لمعاوية منكم لعلي، فوالله ما نسأله إن سكت ولا نرد عليه إنقال. وأما قتل العرب: فإن الله كتب القتل و القتال، فمن قتله الحق فإلىالله.فغضب عتبة وفحش على جعدة، فلم يجبه وأعرض عنه. وانصرفا جميعا مغضبين
خدع معاوية
* - ونادى عبد الله بن عمر الحسن بن علي ( عليه السلام ) في أيام صفين وقال : إن لي نصيحة ، فلما برز إليه ، قال : إن أباك بغضة لعنة وقد خاض في دم عثمان فهل لك أن تخلعه نبايعك ، فأسمعه الحسن ( عليه السلام ) ما كرهه فقال معاوية : إنه ابن أبيه . ([16])
دعاء ا مير المؤمنين عليه السلام على شرار قريش
*- روى جابر عن أبى الطفيل ، قال : سمعت عليا عليه السلام ، يقول : اللهم إنى أستعديك على قريش ، فإنهم قطعوا رحمى ، وغصبوني حقى ، وأجمعوا على منازعتي أمرا كنت أولى به ، ثم قالوا : إن من الحق أن نأخذه ، ومن الحق أن تتركه ([17])
*- وروى جابر الجعفي ، عن محمد بن على عليه السلام ، قال : قال على عليه السلام : ما رأيت منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله رخاء ، لقد أخافتني قريش صغيرا ، وأنصبتني كبيرا ، حتى قبض الله رسوله ، فكانت الطامة الكبرى ، والله المستعان على ما تصفون ! ([18])
*- وروى جابر الجعفي ، عن على عليه السلام أنه قال : من أحبنا أهل البيت فليستعد عدة للبلاء . ([19])
 


([1])وقعة صفين ص 202 ، شرح نهج البلاغة ج 4   ص 25 ، بحار الأنوار ج 32   ص 457
([2])هو تميم بن حذلم - بكسر المهملة وسكون المعجمة وفتح اللام - الضبى ، أبو سلمة الكوفى ، ثقة مات سنة 100 . وقد اختلف في اسم أبيه فقيل ( خزيم ) و ( حذيم ) والصواب ( حذلم ) . انظر تقريب التهذيب ومنتهى المقال
([3])وقعة صفين ص 244 ، شرح نهج البلاغة ج 5   ص 195
([4])استوسقت البلاد : اجتمعت على الطاعة واستقر فيها الملك وفي شرح النهج : استوثقت.
([5])وقعة صفين ص 237 ، شرح نهج البلاغة ج 5   ص 189
([6]) بنو الشعيراء هم بنو بكر بن اد بن طابخة انظر المعارف لابن قتيبة 34
([7]) يقال زن به بالخير وازنه : ظنه به
([8]) في شرح النهج تذب عن عبد الله
([9])وقعة صفين ص 340 ، شرح نهج البلاغة ج 8   ص 23
الإمامة والسياسة : ١ / ١٢٧([10]) .
البداية والنهاية : ٧ / ٢٦٤ ، الأخبار الطوال : ١٧٧ ،المناقب للخوارزمى : ٢٣٦ / ٢٤٠ ، الفصول المهمّة : ٨٩ ، مروجالذهب : ٢ / ٣٩٧([11]) .
([12])وقعة صفّين : ٤٠٦ و٤٠٧ ، شرح نهج البلاغة : ٨ / ٦٠
عيون الأخبار لابن قتيبة : ١ / ١٦٩ ،العقد الفريد : ٣ / ٣٣٤ : ٦ / ١٠٧ ، المحاسن والمساوئ : ٥٣ الأمالى للطوسى : ١٣٤ / ٢١٧([13]) .
([14])وقعة صفين ص 457
 
([15])وقعة صفين ص 371
 
بحار الأنوار ج 43 ص 345
([16])
([17])شرح نهج البلاغة ج 4   ص 104
 
([18])شرح نهج البلاغة ج 4   ص 108
([19])شرح نهج البلاغة ج 4   ص 105