الدفن في النجف الاشرف
الإمام يشتري النجف
دفن سلام الله عليه في أشرف بقعة وألطف تربة طاهرة إتخذها الخليل عليه السلام مسكنا بعد أن إشتراها من أربابها واشترى أمير المؤمنين عليه السلام ما بين الخورنق والحيرة إلى ظهر الكوفة من الدهاقين بأربعين ألف درهم وأشهد على شرائها . قال عقبة : اشترى أمير المؤمنين ما بين الخورنق إلى الحيرة إلى الكوفة من الدهاقين بأربعين ألف درهم وأشهد على شرائها . قال فقيل له : يا أمير المؤمنين تشتري هذا بهذا المال وليس ينبت حطبا ؟
قال عليه السلام : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : كوفان يرد أولها على آخرها يحشر من ظهرها سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب فاشتهيت أن يحشروا من ملكي(1)
تعيين مكان القبر
دفن سلام الله عليه بين الربوات البيض وقد ورد ذكر هذه الربوات على لسان النبي صلى الله عليه واله وأهل البيت عليهم السلام وحدد الأئمة للأصحاب ـ يوم كانت النجف صحراء ـ لمن يريد زيارة القبر الطريق والمكان بدقة لا تقبل الوهم مطلقا .
عن محمد بن مسلم قال : مضينا إلى الحيرة فاستأذنا ودخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فجلسنا إليه وسألناه عن قبر أمير المؤمنين عليه السلام فقال :
ـ إذا خرجتم فجزتم الثوية والقايم وصرتم من النجف على غلوة وغلوتين رأيتم ذكوات بيض بينهما قبر جرفه السيل فذاك قبر أمير المؤمنين عليه السلام
قال فغدونا من غد فجزنا الثوية والقائم واذا ذكوات بيض فجئناها فاذا قبر كما وصف قد جرفه السيل فنزلنا وسلمنا وصلينا عنده ثم انصرفنا له.
فقال : أصبتم أصاب الله بكم الرشاد (1)
هذا هو مكان القبر كما وصفه الأمام عليه السلام لمحمد بن مسلم وربما قبله لصفوان الجمال في الرواية المشهورة .
إختلاف الأصحاب في مكان القبر
هذا وقد ثبت لدى المسلمين عامة ان قبره هذا هو الموجود الآن والذي اليه يفزغ الملايين في مدار العام فلا يضر قول من ليس له تحرز في التأليف ولا دقة في التحقيق من الكتاب المأجورين وغيرهم حيث زعم انه عليه السلام دفن في الرحبة كيف وقد نفى امامنا الصادق عليه السلام أكثر مرة ذلك .
عن صفوان الحمال قال : كنت أنا وعامر وعبد الله بن جذاعة الأسدي عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له عامر:جعلت فداك إن الناس يزعمون إن أمير المؤمنين عليه السلام دفن في الرحبة ، قال : لا.
قال : فأين دفن ؟
قال عليه السلام : إنه لما مات احتمله الحسن فأتى به ظهر الكوفة قريبا من النجف يسره عن الغري يمنه عن الحيرة فدفنه في ذكوات بيض .
فلما كان بعد ذلك ذهبت إلى الموضع فتوهمت موضعا ثم أتيته فأخبرته فقال لي : أصبت رحمك الله ثلاث مرات (1)
أين الربوات البيض
الربوات البيض هن ثلاث جبال : شرشيفان ويقع جنوب الحرم من محلة العمارة وجبل الثور ويقع في شرق الحرم من محلة البراق وعرف الديك ويقع شمال الحرم من محلة المشراق ولكن هذه الجبال قد إندرست في الشوارع المبلطة حديثا.
أما حد الحما كما هو شائع من كل جانب من الضريح الحالي فرسخا واحدا وما بين السدير إلى الثوية عرضا ، فالقبر واقع فيما بين الربوات البيض الثلاث .
الشيعة تزور القبر
وأخذ الأصحاب يزورونه واحدا بعد الآخر ويدل بعضهم البعض على موضع القبر وتسارعت الشيعة بعد إعلان صفوان الجمال لزيارته للقبر مع أبي عبد الله عليه السلام فهذا عامر بن يزيد يستصحب جماعته لزيارته :
عن عبد الله بن سنان قال :
ـ أتاني عامر بن يزيد فقال لي : اركب فركبت معه فمضينا حتى أتينا منزل حفص الكناني فاستخرجه فركب معنا ثم مضينا حتى أتينا الغري فانتهينا إلى قبر فقال:
ـ انزلوا هذا قبر أمير المؤمنين عليه السلام .
فقلنا : من أين علمت ؟
فقال : أتيته مع أبي عبد الله عليه السلام حين كان بالحيرة غير مرة وأخبرني إنه قبره(1)
هل دفن في المسجد
وزعم بعض الناس إنه دفن في المسجد ونشأ هذا الزعم من ثلاثة أوجه :
الأول : الأخبار بأن سفينة نوح قد رست في مسجد الكوفة
الثاني : ما فعله الإمام الحسن عليه السلام من حفر أربعة قبور وهمية واحد منها في المسجد.
الثالث : أخبار أهل البيت عليهم السلام بأنه دفن عند جده نوح .
فبالنظر إلى هذه الوجوه الثلاثة بنى بعض الشيعة شبهة دفنه عليه السلام في المسجد وشدد أهل البيت عليهم السلام على نفي ذلك مطلقا :
عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام
ـ أين دفن أمير المؤمنين ؟
قال عليه السلام : دفن في قبر أبيه نوح .
قلت : وأين نوح إن الناس يقولون إنه في المسجد ؟
قال عليه السلام : لا ذاك في ظهر الكوفة(1).
وعنه عليه السلام : قال : قبر علي في الغري ما بين صدر نوح ومفرق رأسه مما يلي القبلة (2) .
إختلاف رواة الشيعة
وقد أحال الإمام الرضا عليه السلام أحد أصحابه لأنه أصوب من الجمع الذين يقولون بأنه في المسجد لأنه أخذ بقول الإمام الصادق عليه السلام .
عن الحسن بن الجهم بن بكر قال : ذكرت لأبي الحسن عليه السلام عيسى بن موسى وتعرضه لمن يأتي قبر أمير المؤمنين عليه السلام وإنه كان ينزل موضعا يقال له الثوية يتنزه إليه(3) وكان قبر أمير المؤمنين فوق ذلك قليلا وهو الموضع الذي يروي صفوان الجمال إن أبا عبد الله وصف له قال له فيما اذكر.
اذا انتهيت الى الغري ظهر الكوفة فأجعله خلف ظهرك وتوجه نحو النجف وتيامن قليلاً فإذا انتهيت الى الذكوات البيض والثنية امامه فذلك فيه قبر أمير المؤمنين عليه السلام وأنا آتيه كثيرا .ومن أصحابنا من لا يروي ذلك يقول هو في المسجد وبعضهم يقول هو في القصر ، فأرد عليهم إن الله لم يكن ليجعل قبر أمير المؤمنين عليه السلام في القصر في منازل الظالمين (1)ولم يكن يدفن في المسجد وهم يريدون ستره فأينا أصوب ؟
قال عليه السلام : أنت أصوب منهم أخذت بقول جعفر بن محمد عليه السلام .
قال ثم قال لي : يا أبا محمد ما أدري أحد من أصحابنا يقول بقولك ويذهب بمذهبك .
فقلت له : جعلت فداك أما ذلك شيء من الله .
قال عليه السلام : أجل إن الله يوفق من يشاء ويؤمن عليه فقل ذلك بتوفيق الله فاصمد عليه(2).
وعن أيوب بن نوح قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، إن أصحابنا قد إختلفوا في زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام فقال بعضهم بالرحبة وقال بعضهم بالغري فكتب : زره بالغري([1])
حقيقة قبر المغيرة
وزعم بعض من لا يخشى الحساب أن هذا القبر هو قبر المغيرة بن شعبه فيا لله من هذه الشبهات والإفتراءات [ تعاهد إعداء آل الرسول خلفا عن سلف على العمل من أجل طمس معالم النبوة والدين فقد بدأ السلف بالقتل وتلفيق الأحاديث وقام الخلف بالتمويه والتزوير حتى إنهم إدعوا بأن هذا المرقد العظيم منبع الكرامات التي لا حصر لها ولا عد قبر أمير المؤمنين عليه السلام إنه قبر المغيره بن شعبه [ لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا]([2]) . يا لله لهذه الأقاويل والمهازل وانتهاك الحرمات النبوية المقدسة .. قال بن أبي الحديد في شرح النهج ج2 ص 45 سألت بعض من أثق به من عقلاء شيوخ أهل الكوفة فيما ذكره الخطيب أبو بكر في تاريخه ج1 إن قوما يقولون إن هذا القبر الذي تزوره الشيعة إلى جانب الغري هو قبر المغيرة بن شعبة فقال :
ـ غلطوا في ذلك قبر المغيرة وقبر زياد في الثوية من أرض الكوفة ونحن نعرفها وننقل ذلك عن آبائنا وأجدادنا وأنشدني قول الشاعر يرثي زياد وقد ذكره أبو تمام في الحماسة :
صلى الإله على قبر ومطهره عند الثوية يسقي قومه المور
زفت إليه نفس سيـدهــــــــــــا فالحلم والجود فيه مقبـــــــور
أبا المغيرة والدنيا مفجعــــــــــة وإن من غره الدنـيا لمغــــرور
وقال أيضا :
سألت قطب الدين الأقساسي نقيب الطالبيين عن ذلك فقال :
ـ صدق من أخبرك نحن وأهلها كافة نعرف مقابر ثقيف إلى الثوية وهي إلى اليوم معروفة وقبر المغيرة فيها(1) إلا أنها لا تعرف قد ابتلعها السبخ وزبد الأرض وفورانها فطمست واختلط بعضها ببعض ثم قال : إن شئت أن تتحقق إن قبر المغيرة في مقابر ثقيف فانظر إلى كتاب الأغاني لأبي الفرج والمح ما قال في ترجمة المغيرة وإنه مدفون في مقابر ثقيف ويكفيك قول أبي الفرج فإنه الناقد البصير، فتصفحت ترجمة المغيرة في الكتاب المذكور فوجدت الأمر كما قال النقيب ]([3])
وزعم قوم إنه في المدينة
وكان بعض الناس يعتقد إنه دفن في الرحبة وبعضهم يعتقد إنه في المدينة المنورة وقد عرفت منشأ هذا الإختلاف .
عن الحرث بن حضيرة قال : حفر صاحب شرطة الحجاج حفيرة في الرحبة فاستخرج شيخا أبيض الرأس واللحية فكتب إلى الحجاج :
ـ إني حفرت فاستخرجت شيخا أبيض الرأس واللحية وهو علي بن أبي طالب .
فكتب إليه الحجاج : كذبت أعد الرجل من حيث استخرجته فإن الحسن بن علي حمل أباه من حيث خرج إلى المدينة([4])
وزعم قوم إنه في جبل طئ لأن البعير الذي حمل عليه جثمانه وقع في بلاد طئ فأخذوه ودفنوه .
أطرف الأقوال
وأطرف الأقوال هو قول الغلاة الذين زعموا أنه حمل إلى السماء
عن سعيد بن عبد العزيز قال :
لما قتل علي بن أبي طالب حملوه ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه واله فبينما هم في مسيرهم ليلا إذ نفر الجمل الذي هو عليه فلم يدر أين ذهب ولم يقدر عليه قال فلذلك يقول أهل العراق : هو في السحاب([5])
وفي ذلك يقول إسحق بن سويد يبرأ من المغالين وأصحاب المقالات والأهواء.
برأت من الخوارج لست منهم من الغزال منهم وأبن بــــاب
ومن قوم إذا ذكروا عليــــــــــــا يردون السلام على السحاب
وأما البكتاشية فيقولون إنه سيظهر ويقود الجمل الذي يحمل جنازته بنفسه([6]).
فسلام عليك يا أمير المؤمنين يا من اختلف في جميع أمورك جميع الناس ، في تأليهك وفي عبوديتك اختلفوا وفي عدلك اختلفوا وفي قبرك اختلفوا وصدق رسول الله صلى الله عليه واله حين قال لك :
ـ يا علي ما اختلف في الله ولا فيَّ ولكن أختلف فيك.
(1) فرحة الغري ص 29 ، مزار البحار ص وسيمر علينا أن الخليل (ع) اشترى الظهر فهو ملك الأنبياء والأوصياء
(1) أصول الكافي ج1 ص 380 ، فرحة الغري ص 63
(3) يدل هذا الخبر على أن الشيعة كانت تتعرض للأذى عند زيارة قبر أمير المؤمنين مثلما تتعرض لذلك عند زيارة الحسين u .
(1) كان أمير المؤمنين u يسمي قصر الإمارة قصر الخبال وحين جاء إلى الكوفة قال : قصر الخبال لا تسكنوني فيه واستأجر دار بن أخته جعده بن هبيرة المخزومي وهي بيته الموجود الآن وجايز أن يسكن أهل العدل في مساكن الظالمين .
عن سعد بن عمر عن غير واحد ممن حضر أبا عبد اللهورجل يقول قد بنيت دار صالح ودار عيسى بن علي ذكر دور العباسيين فقال رجل : أرانا الله عزوجل خرابا أو خربها بأيدينا فقال له أبو عبد اللهu: لا تقل هكذا بل يكون مساكن القائم وأصحابه أما سمعت الله يقول ( وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ـ سورة إبراهيم / 45 ) تفسير العياشي 2/252
(2) فرحة الغري ص 103
(1) قال العلامة محمد حرز الدين : حدثني الثقة المعاصر داود الحجار النجفي في النجف الأشرف في أوائل القرن الرابع عشر الهجري قائلا : كنت أنقب عن الحجارة الدفينة في ظهر الكوفة ، لكي أبيعها قرب الطريق العام القديم بين النجف والكوفة حوالي الثوية على بعد مائة خطوة من قبر العالم الجليل= =كميل بن زياد رضوان الله عليه فعثرت على موضع من الأرض فيه حجارة دفينة وصخرة كبيرة مكتوبة بالخط الكوفي فقلعتها محتفظا بها حتى دخلت النجف الأشرف ، وأطلعت عليها العالم الزاهد الشيخ ملا علي الخليلي النجفي المتوفي سنة 1297 هـ وحكيت له قصة وجدانها ، ولما قرأها قال لي إحملني إلى مكانها ، فأركبته دابتي والصخرة أمامه حتى أتينا إلى موضعها ، فوضعها الشيخ بمكانها وسوى عليها التراب بيده وقال لي : أنا آمرك ألا تنبش ها هنا ، فإنها مقبرة وجوه المسلمين من الكوفيين وهذه الصخرة رسم قبر المغيرة بن شعبة الكوفي كما يحكي نص كتابتها ، ثم قال لي : إن في وضع الصخرة بمكانها فوائد سيظهرها التاريخ بعد زمان . مراقد المعارف 2/324
أقول : ولعل غرض الشيخ من إعادة الصخرة هذه تكذيب لزعم بعض النواصب وافتراءهم بأن قبره هو مرقد بطل الإسلام . معارف الرجال 3/160
([3])الغدير ج5 ص 14 عبد الحسين الأميني ، انظر إلى عظيم التزوير والإختلاق على هذا الرجل العظيم فلما رأوا أن ضريحه منبع الكرامات ودليل المتحيرين وانيس المستوحشين ومحل الفيوضات ألقوا عليه شبهة قبر المغيرة ليصدون الناس عن سواء السبيل مثلما فعلوا في كتاب نهج البلاغة لما وجدوا إنه من أبلغ الكلام وأفصحه ورأوا فيه العلوم الغزيرة نسبوه مرة إلى الشريف الرضي ومرة أنه موضوع تتابع من السلف إلى الخلف في طمس آثار آل الرسول وما هي عن الظالمين ببعيد .
عن عبد الملك بن عمير إن الحجاج بن يوسف عمل في القصر بالكوفة عملا فوجد شيخا أبيض الرأس واللحية مدفونا فقال : أبو تراب والله وأراد أن يصلبه فكلمه عتبة بن سعد في ذلك وسأله أن لا يفعل فأمسك . أنساب الأشراف ص 509