الضباء تلوذ في مرقد حامي الحمى
* قال ابن طاووس أخبرني الشيخ المقتدي نجيب الدين يحيى بن سعيد ( أبقاه الله ) ، عن محمد بن عبد الله بن زهرة ، عن محمد بن علي بن شهرآشوب ، عن جده ، عن الطوسي ، عن محمد بن محمد بن النعمان المفيد ، قال : وروى محمد بن زكريا ، قال : حدثنا عبد الله بن عائشة ، قال : حدثني عبد الله بن حازم ، قال : خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة نتصيد فصرنا إلى ناحية الغريين والثوية ، فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصقور والكلاب ، فحاولتها ساعة ، ثم لجأت الظباء إلى أكمة فسقطت عليها ، فسقطت الصقور ناحية ورجعت الكلاب ! فتعجب الرشيد من ذلك ، ثم إن الظباء هبطت من الأكمة فسقطت الصقور والكلاب ، فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت عنها الكلاب والصقور ، ففعلت ذلك ثلاثا ، فقال هارون : أركضوا فمن لقيتموه فأتوني به ، فأتيناه بشيخ من بني أسد ، فقال هارون : ما هذه الأكمة ؟ قال : إن جعلت لي الأمان أخبرتك . قال : لك عهد الله وميثاقه لا أهيجك ولا أوذيك ، قال : حدثني أبي عن أبيه ، أنهم كانوا يقولون هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، جعله الله حرما لا يأوي إليه أحدا إلا أمن . فنزل هارون ودعا بمأ فتوضأ فصلى عند الأكمة ، وتمرغ عليها وجعل يبكي ثم انصرفنا . قال محمد بن عائشة : فكان قلبي لا يقبل ذلك ، فلما كان بعد ذلك حججت إلى مكة فرأيت بها ياسرا رحال الرشيد ، وكان يجلس معنا إذا طفنا ، فجرى الحديث إلى أن قال : قال لي الرشيد ليلة من الليالي وقد قدمنا من مكة فنزلنا الكوفة : يا ياسر قل لعيسى بن جعفر فليركب ، فركبا جميعا وركبت معهما ، حتى إذا صرنا إلى الغريين ، فأما عيسى فطرح نفسه فنام ، واما الرشيد فجاء إلى أكمة فصلى عندها ، فلما صلى ركعتين دعا وبكى وتمرغ على الأكمة ، ثم جعل يقول : يا بن عم أنا والله أعرف فضلك وسابقتك ، وبك والله جلست مجلسي الذي أنا فيه ، وأنت أنت ، و لكن ولدك يؤذونني ويخرجون علي ، ثم يقوم فيصلي ، ويعيد هذا الكلام ويدعوا ويبكي ، حتى إذا كان وقت السحر قال : يا ياسر أقم عيسى ، فأقمته . فقال : يا عيسى قم صل عند قبر ابن عمك ، قال : أي عمومتي هذا ؟ قال : هذا قبر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) . فتوضأ وقام يصلي ، فلم يزالا كذلك حتى الفجر فقلت : يا أمير المؤمنين قد أدركك الصبح ، فركبا ورجعا إلى الكوفة . (
[1])
وقد نظم العلامةالسماوي هذه الكرامة في الوشي قائلا :
وقال ايضا خرج الرشيد |
|
يصطاد في الغري ما يريد |
وعن لسرب فاقتفى لجؤذر |
|
وارسل الفهد وراءه ينبري |
فلاذ بين الربوات البيــــــــــــض |
|
وما انبرى الفهد مع التحريض
|
بل انثنى من دونهن واقفـــــــــــا |
|
فظنه من قد رآه خـا ئـفـــــــــــــــا
|
ثم عدا الجؤذر و الفهد عطف |
|
فعاود الجؤذر والفهد وقـــــــف
|
وهكذا فاستغـرب الرشـيـــــــــد |
|
من صنع فهد لم يزل يصيـــــد
|
ثم دعا شيوخ تلك الناحيــــــة |
|
فقال : هذه الربوات ما هــــــــي
|
فقال شيخ منهم ان اؤمن |
|
اقل بعلم الربوات البين |
فقال قد امنت من كل البشر |
|
فلا تكن في خيفة ولا حذر |
فقال هذا جدث بن عمــــــك |
|
مـن لحمه مختلط بلحمــــــــــــك
|
قبر أمير المؤمنين المرتضــــــى |
|
قد زاره جل بنيه و مـضـــــــــى
|
وافيتهم أنا ووافاهم أبــــــــــي |
|
وجملـة من قدمـاء العـــــــــرب
|
فاعتقد الرشـيـد في كلامـــــه
|
|
وزاد مـا شـاء فـي إكرامـــــــــــــــه |
ثم بنى فيـه قبة إبتـــــــــــداءا |
|
وضـم فـيهـا حبرة خـضـــــــــــراءا
|
وعـرف الناس بتلك التربة |
|
وربما صلى هنـــاك قربــــــــــــــه |
وانثالت المعاجز البوادي |
|
|
وقد اشار الى هذا المعنى الشيخ احمد قفطان وقال مستنجدا بامير المؤمنين لما اشتد الوباء في العراق والنجف :
يامن اجار الضبي عند ضريحه |
|
واتى بمدح الذكر ذكر مديحه |
انا بقبرك نستجير من الوبا |
|
اذا عم قطر الارض بل رشيحه
|
حاشاك تسلمنا اليه واننا |
|
ندعوك كف عنا صواعق ريحه |
نخشى تقول عداك لو اسلمتنا |
|
اين الذي تدعون عند ضريحه |
قسما بجرعاء الحمى وغريه |
|
وشذى خزاماه وطيب ريحه |
لولا ما غفر الاله لادم
|
|
كلا ولا نجا السفين بنوحه |
ولما تجلى الكليم بطوره |
|
نور تجلى منك ضوء جنيحه
|
ولسرك الموتى تعود حياتها
|
|
طوعا باذن الله لا لمسيحه |
وشربت من كاس الولا لك خمرة |
|
[2])
|
اقول : ونظير هذا الشعر ابيات للشاعر عبد الحسين فخر الدين (
[3]) وكان من تقواه أنه خرج للاستسقاء مع من خرج فلم يسقوا ، فقال مرتجلا :
أباري الورى شفع بغاة قواصدا |
|
نداءك يسقي من سحابك فايض |
أخاف إذا لم تسقهم قول شامت |
|
أبى الله سقيا وبلة للروافض |
فاستجاب له الله على الفور وسقاهم غيثا كأفواه القرب ([4])
([3])وهو الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ قاسم آل محيي الدين النجفي ، عالم فاضل شاعر ، ولد في النجف وتتلمذ أولا على أبيه ، وكان سريع البديهة عارفا بأصول الإنشاء مجيدا فيه . ومن طرائف سرعة بديهته أن أحدا سأله يوما : أراك ترى الواحد بإثنين . فأجابه على الفور : نعم ، ولذا أراك تمشي على أربع توفي في العام 1271 ه / 1854 م