وصيته عليه السلام لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ لِيَ الصَّادِقُ عليه السلام إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ عَيَّرَ أَقْوَاماً فِي الْقُرْآنِ بِالْإِذَاعَةِ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيْنَ قَالَ قَالَ قَوْلُهُ وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ
الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ ثُمَّ قَالَ الْمُذِيعُ عَلَيْنَا سِرَّنَا كَالشَّاهِرِ بِسَيْفِهِ عَلَيْنَا رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً سَمِعَ بِمَكْنُونِ عِلْمِنَا فَدَفَنَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ بِشِرَارِكُمْ مِنَ الْبَيْطَارِ بِالدَّوَابِّ شِرَارُكُمْ الَّذِينَ لَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ إِلَّا هَجْراً وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا دَبْراً وَلَا يَحْفَظُونَ أَلْسِنَتَهُمْ اعْلَمْ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ع لَمَّا طُعِنَ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَيْهِ سَلَّمَ الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ الشِّيعَةُ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع مَا أَنَا بِمُذِلِّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنِّي مُعِزُّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُكُمْ لَيْسَ بِكُمْ عَلَيْهِمْ قُوَّةٌ سَلَّمْتُ الْأَمْرَ لِأَبْقَى أَنَا وَأَنْتُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا عَابَ الْعَالِمُ السَّفِينَةَ لِتَبْقَى لِأَصْحَابِهَا وَكَذَلِكَ نَفْسِي وَأَنْتُمْ لِنَبْقَى بَيْنَهُمْ يَا ابْنَ النُّعْمَانِ إِنِّي لَأُحَدِّثُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ بِحَدِيثٍ فَيَتَحَدَّثُ بِهِ عَنِّي فَأَسْتَحِلُّ بِذَلِكَ لَعَنْتَهُ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ فَإِنَّ أَبِي كَانَ يَقُولُ وَأَيُّ شَيْءٍ أَقَرُّ لِلْعَيْنِ مِنَ التَّقِيَّةِ إِنَّ التَّقِيَّةَ جُنَّةُ الْمُؤْمِنِ وَلَوْ لَا التَّقِيَّةُ مَا عُبِدَ اللَّهُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً
يَا ابْنَ النُّعْمَانِ إِيَّاكَ وَالْمِرَاءَ فَإِنَّهُ يُحْبِطُ عَمَلَكَ وَإِيَّاكَ وَالْجِدَالَ فَإِنَّهُ يُوبِقُكَ وَإِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّهَا تُبْعِدُكَ مِنَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الصَّمْتَ وَأَنْتُمْ تَتَعَلَّمُونَ الْكَلَامَ كَانَ أَحَدُهُمَا إِذَا أَرَادَ التَّعَبُّدَ يَتَعَلَّمُ الصَّمْتَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَشْرِ سِنِينَ فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهِ تَعَبَّدَ وَإِلَّا قَالَ مَا أَنَا لِمَا أَرُومُ بِأَهْلٍ إِنَّمَا يَنْجُو مَنْ أَطَالَ الصَّمْتَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَصَبَرَ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ عَلَى الْأَذَى أُولَئِكَ النُّجَبَاءُ الْأَصْفِيَاءُ الْأَوْلِيَاءُ حَقّاً وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ الْمُتَرَاسُّونَ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمَائِمِ الْحَسَدَةُ لِإِخْوَانِهِمْ لَيْسُوا مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُمْ إِنَّمَا أَوْلِيَائِيَ الَّذِينَ سَلَّمُوا لِأَمْرِنَا وَاتَّبَعُوا آثَارَنَا وَاقْتَدَوْا بِنَا فِي كُلِّ أُمُورِنَا ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَوْ قَدَّمَ أَحَدُكُمْ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَباً عَلَى اللَّهِ ثُمَّ حَسَدَ مُؤْمِناً لَكَانَ ذَلِكَ الذَّهَبُ مِمَّا يُكْوَى بِهِ فِي النَّارِ
يَا ابْنَ النُّعْمَانِ إِنَّ الْمُذِيعَ لَيْسَ كَقَاتِلِنَا بِسَيْفِهِ بَلْ هُوَ أَعْظَمُ وِزْراً بَلْ هُوَ أَعْظَمُ وِزْراً بَلْ هُوَ أَعْظَمُ وِزْراً
يَا ابْنَ النُّعْمَانِ إِنَّهُ مَنْ رَوَى عَلَيْنَا حَدِيثاً فَهُوَ مِمَّنْ قَتَلَنَا عَمْداً وَلَمْ يَقْتُلْنَا خَطَأً
يَا ابْنَ النُّعْمَانِ إِذَا كَانَتْ دَوْلَةُ الظُّلْمِ فَامْشِ وَاسْتَقْبِلْ مَنْ تَتَّقِيهِ بِالتَّحِيَّةِ فَإِنَّ الْمُتَعَرِّضَ لِلدَّوْلَةِ قَاتِلُ نَفْسِهِ وَمُوبِقُهَا إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
يَا ابْنَ النُّعْمَانِ إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا يَزَالُ الشَّيْطَانُ يُدْخِلُ فِينَا مَنْ لَيْسَ مِنَّا وَلَا مِنْ
أَهْلِ دِينِنَا فَإِذَا رَفَعَهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ أَمَرَهُ الشَّيْطَانُ فَيَكْذِبُ عَلَيْنَا وَكُلَّمَا ذَهَبَ وَاحِدٌ جَاءَ آخَرُ يَا ابْنَ النُّعْمَانِ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقَدْ نَاصَفَ الْعِلْمَ وَالْمُؤْمِنُ يَحْقِدُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ فَإِذَا قَامَ ذَهَبَ عَنْهُ الْحِقْدُ
يَا ابْنَ النُّعْمَانِ إِنَّ الْعَالِمَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُخْبِرَكَ بِكُلِّ مَا يَعْلَمُ لِأَنَّهُ سِرُّ اللَّهِ الَّذِي أَسَرَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ ع وَأَسَرَّهُ جَبْرَئِيلُ ع إِلَى مُحَمَّدٍ ص وَأَسَرَّهُ مُحَمَّدٌ ص إِلَى عَلِيٍّ ع وَأَسَرَّهُ عَلِيٌّ ع إِلَى الْحَسَنِ ع وَأَسَرَّهُ الْحَسَنُ ع إِلَى الْحُسَيْنِ ع وَأَسَرَّهُ الْحُسَيْنُ ع إِلَى عَلِيٍّ ع وَأَسَرَّهُ عَلِيٌّ ع إِلَى مُحَمَّدٍ ع وَأَسَرَّهُ مُحَمَّدٌ ع إِلَى مَنْ أَسَرَّهُ فَلَا تَعْجَلُوا فَوَ اللَّهِ لَقَدْ قَرُبَ هَذَا الْأَمْرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَذَعْتُمُوهُ فَأَخَّرَهُ اللَّهُ وَاللَّهِ مَا لَكُمْ سِرٌّ إِلَّا وَعَدُوُّكُمْ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكُمْ يَا ابْنَ النُّعْمَانِ ابْقَ عَلَى نَفْسِكَ فَقَدْ عَصَيْتَنِي لَا تُذِعْ سِرِّي فَإِنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ كَذَبَ عَلَى أَبِي وَأَذَاعَ سِرَّهُ فَأَذَاقَهُ اللَّهُ حَرَّ الْحَدِيدِ وَإِنَّ أَبَا الْخَطَّابِ كَذَبَ عَلَيَّ وَأَذَاعَ سِرِّي فَأَذَاقَهُ اللَّهُ حَرَّ الْحَدِيدِ وَمَنْ كَتَمَ أَمْرَنَا زَيَّنَهُ اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعْطَاهُ حَظَّهُ وَوَقَاهُ حَرَّ الْحَدِيدِ وَضِيقَ الْمَحَابِسِ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُحِطُوا حَتَّى هَلَكَتِ الْمَوَاشِي وَالنَّسْلُ فَدَعَا اللَّهَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ع فَقَالَ يَا مُوسَى إِنَّهُمْ أَظْهَرُوا الزِّنَا وَالرِّبَا وَعَمَرُوا الْكَنَائِسَ وَأَضَاعُوا الزَّكَاةَ فَقَالَ إِلَهِي تَحَنَّنْ بِرَحْمَتِكَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِّي مُرْسِلُ قَطْرِ السَّمَاءِ وَمُخْتَبِرُهُمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً فَأَذَاعُوا ذَلِكَ وَأَفْشَوْهُ فَحُبِسَ عَنْهُمُ الْقَطْرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَنْتُمْ قَدْ قَرُبَ أَمْرُكُمْ فَأَذَعْتُمُوهُ فِي مَجَالِسِكُمْ يَا أَبَا جَعْفَرٍ مَا لَكُمْ وَلِلنَّاسِ كُفُّوا عَنِ النَّاسِ وَلَا تَدْعُوا أَحَداً إِلَى هَذَا الْأَمْرِ فَوَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُضِلُّوا عَبْداً يُرِيدُ اللَّهُ هُدَاهُ مَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يُضِلُّوهُ كُفُّوا عَنِ النَّاسِ وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَخِي وَعَمِّي وَجَارِي فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً طَيَّبَ رُوحَهُ فَلَا يَسْمَعُ مَعْرُوفاً إِلَّا عَرَفَهُ وَلَا مُنْكَراً إِلَّا أَنْكَرَهُ ثُمَّ قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ كَلِمَةً يَجْمَعُ بِهَا أَمْرَهُ
يَا ابْنَ النُّعْمَانِ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَصْفُوَ لَكَ وُدُّ أَخِيكَ فَلَا تُمَازِحَنَّهُ وَلَا تُمَارِيَنَّهُ وَلَا تُبَاهِيَنَّهُ وَلَا تُشَارَّنَّهُ وَلَا تُطْلِعْ صَدِيقَكَ مِنْ سِرِّكَ إِلَّا عَلَى مَا لَوِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ عَدُوُّكَ لَمْ يَضُرَّكَ فَإِنَّ الصَّدِيقَ قَدْ يَكُونُ عَدُوَّكَ يَوْماً
يَا ابْنَ النُّعْمَانِ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤْمِناً حَتَّى يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ سُنَنٍ سُنَّةٌ مِنَ اللَّهِ وَسُنَّةٌ مِنْ رَسُولِهِ وَسُنَّةٌ مِنَ الْإِمَامِ فَأَمَّا السُّنَّةُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَتُوماً لِلْأَسْرَارِ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً وَأَمَّا الَّتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَهُوَ أَنْ يُدَارِيَ النَّاسَ وَيُعَامِلَهُمْ بِالْأَخْلَاقِ الْحَنِيفِيَّةِ وَأَمَّا الَّتِي مِنَ الْإِمَامِ فَالصَّبْرُ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ حَتَّى يَأْتِيَهُ اللَّهُ بِالْفَرَجِ يَا ابْنَ النُّعْمَانِ لَيْسَتِ الْبَلَاغَةُ بِحِدَّةِ اللِّسَانِ وَلَا بِكَثْرَةِ الْهَذَيَانِ وَلَكِنَّهَا إِصَابَةُ الْمَعْنَى وَقَصْدُ الْحُجَّةِ
يَا ابْنَ النُّعْمَانِ مَنْ قَعَدَ إِلَى سَابِّ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ كَظَمَ غَيْظاً فِينَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِمْضَائِهِ كَانَ مَعَنَا فِي السَّنَامِ الْأَعْلَى وَمَنِ اسْتَفْتَحَ نَهَارَهُ بِإِذَاعَةِ سِرِّنَا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَرَّ الْحَدِيدِ وَضِيقَ الْمَحَابِسِ
يَا ابْنَ النُّعْمَانِ لَا تَطْلُبِ الْعِلْمَ لِثَلَاثٍ لِتُرَائِيَ بِهِ وَلَا لِتُبَاهِيَ بِهِ وَلَا لِتُمَارِيَ وَلَا تَدَعْهُ لِثَلَاثٍ رَغْبَةٍ فِي الْجَهْلِ وَزَهَادَةٍ فِي الْعِلْمِ وَاسْتِحْيَاءٍ مِنَ النَّاسِ وَالْعِلْمُ الْمَصُونُ كَالسِّرَاجِ الْمُطْبَقِ عَلَيْهِ يَا ابْنَ النُّعْمَانِ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً بَيْضَاءَ فَجَالَ الْقَلْبُ يَطْلُبُ الْحَقَّ ثُمَّ هُوَ إِلَى أَمْرِكُمْ أَسْرَعُ مِنَ الطَّيْرِ إِلَى وَكْرِهِ يَا ابْنَ النُّعْمَانِ إِنَّ حُبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ يُنْزِلُهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ خَزَائِنَ تَحْتَ الْعَرْشِ كَخَزَائِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا يُنْزِلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ وَلَا يُعْطِيهِ إِلَّا خَيْرَ الْخَلْقِ وَإِنَّ لَهُ غَمَامَةً كَغَمَامَةِ الْقَطْرِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِهِ أَذِنَ لِتِلْكَ الْغَمَامَةِ فَتَهَطَّلَتْ كَمَا تَهَطَّلَتِ السَّحَابُ فَتُصِيبُ الْجَنِينَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ