ملتقى الآراء حقل تلتقي فيه آراء المفكرين
حول قضايا من الفكر والعقيدة
روكس بن زائد العزيزي
ممثل الرابطة الدولية لحقوق الإنسان في الأردن
س1: هل ساهمت عوامل اجتماعية مع العامل الديني في انبثاق ثورة الحسين(عليه السلام)؟
س2: ما هي معطيات ثورة الحسين (عليه السلام) في خط التاريخ الثوري ضد الأمويين؟
ج/س1: يقول المؤرخون، إن الأمويين دخلوا الإسلام مكرهين، موتورين، ناقمين على الإمام علي نفسه لأنهم لم ينسوا وان تناسوا إن الإمام علي كرم الله وجهه صرع بسيفه :
أ:حنظلة أخا معاوية بن أبى سفيان.
ب:الوليد خال معاوية.
ج:عتبة جد معاوية لامه أو عمه شيبه.
وكثيرا من أعيان عبد شمس في سبيل الدعوة الإسلامية،ومحاربة الوثنية.وقد ورث الأمويين العداوة أباً عن جد من زمن عبد شمس وهاشم، إلى زمن علي ومعاوية ويزيد والحسن.
فلا عجب إذا كان الأمويين يتحينون الفرص للثأر من بني هاشم عامة، ومن الإمام علي كرم الله وجهه شخصياً، ومن ذريته فيما بعد فإذا كان الإسلام قد وأد العداوة وأداً،وغطى حجر الحقد الملتهب برماد الخوف والتقية مؤقتاً، فانه ما كان ليزيل من النفوس ما بها من سخيمة ولا سيما إذا كانت تلك النفوس لم يصقلها الدين، ولم يهذبها الإيمان !!
وكيف يهذب نفوساً يمثلها قول صخر أبي سفيان لقومه يوم ولي الخلافة عثمان بن عفان: ((دونكم يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنة، ولا نار)).
وقد كره المسلمون الغير على الإسلام بني أمية منذ خلافة عثمان، يوم أقطع مروان بن الحكم- طريد الرسول (صلى الله عليه واله)- (فدك) مع أنها منعت غيره حتى فاطمة الزهراء (عليها السلام) بني هاشم عامة، وان تظاهروا بغير ذلك حيناً.
((وقد ينبت المرعى على دمن الحيا وتبقى حزازات النفوس كما هيا))
فمن حقدهم على الإمام علي (عليه السلام) بكنيته وفرضوا شتمه من على المنابر كما هو مشهور، إلى أن جاء الخليفة الطيب عمر بن عبد العزيز ، فأمر بإلغاء تلك السفاهة، وفرض أن تحل محل الشتيمة الآية الكريمة )إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، لعلكم تذكرون (.
لكن محاولة هذا الخليفة الطيب أودت بحياته في غمار مؤامرة غامضة، دس له فيها السم! وقد سبق هذه الأمور إقصاء الإمام علي (عليه السلام) عن الخلافة.
واغتيال الحسن (عليه السلام)، واضطهاد الحسين (عليه السلام) نفسه ونقض معاوية العهد الذي قطعه للحسن بأن يكون خليفة من بعد معاوية، مهدت لثورة الحسين، وملأ القلوب نقمة أن البيعة أخذت ليزيد بن معاوية، الذي يقول المؤرخون أنه كان غير مرضي السيرة.
وقد انتزع له والده البيعة من العراقيين بحيث رشا بعضاً منهم وأخاف بعضاً، لأن معاوية ما كان يسمح أبداً لأي مخلوق أو أي قانون سماوي أن يتدخل في تنفيذ مشاريعه، أو يحول دون تحقيق مآربه.
ففي سنة (51) للهجرة سار معاوية إلى المدينة ومكة لكي يستوثق من أهل الحجاز، فاستطاع بتهديده وحيلته أن ينتزع البيعة منهم جميعاً ليزيد ابنه ما عدا أربعة من مشاهير المسلمين:
1-الحسين بن علي (عليه السلام).
2-عبد الله بن عمر.
3-عبد الرحمن بن أبي بكر.
4-وعبد الله بن الزبير، الذي كان معاوية يلقبه بثعلب قريش، كلهم كانوا يرون أن يزيد بن معاوية لا يستحق أن يكون خليفة للمسلمين، لأن سيرته الشخصية لا تنطبق على الإسلام الصحيح.
يضاف إلى ذلك كله أن أهل الكوفة طلبوا إلى الحسين أن يعاونهم على رفع نير بني أمية عنهم، وينقذهم من استبدادهم، فلبى الطلب في الحال، وقد حاول أصدقاؤه أن يثنوه عن عزمه لكن عبد الله بن الزبير شجعه لكي يقصيه من طريقه، فيخلو له الجو من بعده.
فوق هذا كله فان الحسين كان يرافق الإمام علي (عليه السلام) وهو يطرق أبواب الأنصار، واهل السوابق ليلاً حملاً معه فاطمة والحسنين، يدعو الانصار الى نفسه ويذكرهم عهد الرسول (صلى الله عليه واله).
وكان يسمع أباه يقول: (( لو وجدت أربعين ذوي عزم لنهضت)).
هذه العوامل أسهمت في نهضة الحسين، ولا سيما إذا أضفنا إليها أن بعض الولاة كانوا يظهرون من الجور ما لا يطاق، وبعضهم يتهتك ويخرج مخموراً ويصلي الصبح بالناس ثماني ركعات ويقول لهم أزيدكم، ثم يقيء الخمر على المنبر وبعضهم يقول إن هذا الفيء بستان قريش إلى أمثال ذلك، حتى ضج المسلمون، وطلبوا وضع حد لهذه المنكرات.
فلا عجب بعد هذا كله إذ نهض الحسين لاصلاح ما اعوج من الأمور!.
ج/س2: إن الذي يتبع المعاملة الوحشية التي عومل بها الثائر العظيم الحسين (عليه السلام) وأعوانه يشعر بأن قلبه ينسحق وليس من الضروري أن يكون مسلماً ولا شيعياً، يكفي أن يكون ذا شعور إنساني، وذا قلب بشري، لكي يتألم للفاجعة التي حلت ببيت النبي (صلى الله عليه واله)، ولا عجب إذا كانت الفاجعة قد هزت العالم الإسلامي يومذاك كله، هزاً عنيفاً، زرع الحقد في قلوب الناس على الأمويين، ولا عجب اذا كانت هذه الفاجعة المروعة قد خلقت في بلاد فارس شعوراً وطنياً ساعد احفاد العباس فيما بعد على استغلال ذلك الشعور لمصلحتهم الشخصية، فكان معولاً هدموا به عرش أمية.
ولا عجب اذا ثار أهل المدينة المنورة غضباً لابن بنت نبيهم (صلى الله عليه واله) ولم يبالوا بجيش بني أمية الذي سحق بلا رحمة، زهرة شباب الأنصار والمهاجرين وبعث (مسلم بن عقبة) برؤوس أهل المدينة إلى يزيد، فلما ألقيت بين يديه جعل يتمثل بقول ابن الزبعري:
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلـوا واستهلوا فرحاً ولقالـوا ليزيـد لا فشـل
وبعد أن أذلوا أهل المدينة أشنع اذلال، أرغموهم على مبايعة يزيد على أنهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهلهم فمن امتنع منهم وصمه بالكي على رقبته، ولم يستئن من هذا العار، الا (علي) الثاني بن الحسين و( علي حفيد العباس).
وفي تلك الواقعة هدمت بعض المنشآت العامة، ودخلت شبه جزيرة العرب في عهد مظلم، شديد الحلكة !..
الى حد أن المنصور الخليفة العباسي الثاني، لما زار المدينة اضطر أن يتخذ له دليلاً، يرشده الى آثار أبطالها الاقدمين.
كل هذا حصل، فلا تعجبن إذا كانت دماء الحسين الشهيد وثورته قد زرعت ألغاما تحت العرش الأموي، فظلت كل انتفاضة على الحكم الأموي في العالم الاسلامي تستمد جذوتها من هذا البركان، الذي انفجر بعد حين، فأطاح بالعرش الاموي، وعاملهم العباسيون بالطريقة نفسها، التي، عاملوا بها، لأن من يزرع الدماء يحصد الجماجم.
فاذا كان حقد الامويين قد تتبع الحسين (عليه السلام) في قبره فوضعوا المسالح عليه لكي لا يزار مثواه، وطوقوا قبره بالمخافر تتولى منع الناس عن زيارته فان هذا الارهاب الفكري عجل في ايقاد النقمة عليهم، وأسرع في دمارهم.
لكن قبر الحسين كان سبباً في عمران مدينة كربلاء مضفياً عليها هيبةً وجلالاً لأنه يوم أم الحسين العراق لم تكن كربلاء على شيء يذكر من العمران.
فاذا جاز لنا بعد الأعتماد على هذه الحقائق أن نسمح لخيالنا أن يمتد، فاننا نستطيع أن نقول أن ثورة الحسين كانت أملاً لكل ثورة واجهها العهد الأموي فيما بعد.
لكن لنا كلمة لا بد منها في الختام، وهي أنه يجب علينا أن نتخذ هذه الذكرى الدامية الخالدة للتسامح والإخاء، فلا نجعل أغلاط السياسة وأخطاء المصالح الشخصية تجترف عواطفنا الى الكراهية والحقد على الابناء الذين لا يد لهم في زلات الآباء والأجداد.
وسلام منا على الحسين وأبي الحسين