قصة الولادة المباركة
قال عبد الرحمن الجامي الحنفي قال: روي عن حكيمة عمّة أبي محمد ـ الحسن الزكي ـ العسكري عليه السلام أنها قالت: كنت يوماً عند أبي محمد عليه السلام فقال: يا عمّة باتي الليلة عندنا، فإنّ الله تعالى يعطينا خلفاً.
فقلت: يا ولدي ممّن؟ فإني لا أرى في نرجس أثر حمل أبداً.
فقال: يا عمّة مثل نرجس مثل أُمّ موسى، لا يظهر حملها إلاّ في وقت الولادة.
فبتّ عنده، فلما انتصف الليل قمت فتهجدت، وقامت نرجس فتهجدت، وقلت في نفسي: قرب الفجر ولم يظهر ما قاله أبو محمد عليه السلام .
فناداني أبو محمد من مقامه: لا تعجلي يا عمّة.
فرجعت إلى بيت كانت فيه نرجس فرأيتها ترتعد، فضممتها إلى صدري وقرأت عليها ]قل هو الله أحد[، و]إنا أنزلناه[، وآية الكرسي، فسمعت صوتاً من بطنها يقرأ ما قرأت، ثم أضاء البيت، فرأيت الولد على الأرض ساجداً فأخذته..
فناداني أبو محمد من حجرته: يا عمّة ائتني بولدي.
فأتيته به، فأجلسه في حجره ووضع لسانه في فمه، وقال: تكلم يا ولدي بإذن الله تعالى.
فقال: بسم الله الرحمن الرحيم ]ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين[(
[1]).
إلى أن قال: ثم قال عليه السلام : يا عمّة ردّيه إلى أُمّه كي تقرّ عينها ولا تحزن… الخ(
[2]).
وهذا ذكره الشيخ سليمان القندوزي أيضاً نقلاً عن فصل الخطاب لمحمد ابن خواجه بارسا البخاري، وقال:
فوضعت ـ نرجس ـ المولود المبارك، فلما رأته حكيمة أتت به إلى الحسن عليه السلام فأخذه ومسح بيده على ظهره وعينيه، وأدخل لسانه في فيه، وأذن في أذنه اليمنى وأقام في الأُخرى، ثم قال: يا عمّة اذهبي به إلى أُمّه، فردّته إلى أُمه.
قالت حكيمة: ثم جئت إلى أبي محمد الحسن عليه السلام فإذا المولود بين يديه في ثياب صفر وعليه من البهاء والنور، أخذ حبّه مجامع قلبي، فقلت: يا سيّدي هل عندك من علم في هذا المولود المبارك؟.
فقال عليه السلام : يا عمّة هذا المنتظر الذي بشرنا به.
فخررت لله ساجدة، شكراً على ذلك، ثم كنت أتردد إلى الحسن عليه السلام فلا أرى المولود، فقلت: يا مولاي ما فعل سيّدنا المنتظر؟.
قال: استودعناه الله الذي استودعته أم موسى عليه السلام ابنها.
وقالوا: آتاه الله تبارك وتعالى الحكمة وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، كما قال تعالى:
]يا يحيى خذ الكتاب بقوّة وآتيناه الحكم صبيا[(
[3]).
وقال تعالى: ]قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيا[(
[4]).
وطوّل الله عمره كما طوّل عمر الخضر وإلياس (
[5]).
وذكره محمد مبين المولوي الهندي أيضاً ([6]).
الشيخ الكليني رحمه الله قال: ولد عليه السلام للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين(
[7]).
وقال: الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، قال: خرج عن أبي محمد عليه السلام حين قتل الزبيري([8]): هذا جزاء من افترى على الله في أوليائه، زعم أنه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله، وولد له عليه السلام ولد سماه محمد(
[9]).
وقال رحمه الله : علي بن محمد، حدثني محمد والحسن ابنا علي بن إبراهيم في سنة تسع وسبعين ومائتين، قالا: حدّثنا محمد بن علي بن عبد الرحمن العبدي ابن عبد قيس، عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس، سمّاه، قال: أتيت سر من رأى، ولزمت باب أبي محمد عليه السلام فدعاني من غير أن أستأذن، فلما دخلت وسلمت قال لي: أقعد يا أبا فلان، كيف حالك؟ ثم قال لي: اقعد يا فلان، ثم سألني عن جماعة من رجال ونساء من أهلي، ثم قال لي: ما الذي أقدمك؟ قلت: رغبة في خدمتك، قال: فقال: فألزم الدار، قال: فكنت في الدار مع الخدم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرجال، فدخلت عليه يوماً وفي دار الرجال، فسمعت حركة في البيت، فناداني مكاني لا تبرح، فلم أجسر أن أخرج ولا أدخل، فخرجت عليّ جارية معها شيء مغطى، ثم ناداني: ادخل فدخلت، ونادى الجارية فرجعت، فقال لها: اكشفي عما معك فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، وكشفت عن بطنه فإذا شعر نابت من ليته إلى صُرته أخضر، ليس بأسود، فقال أبو محمد عليه السلام : هذا صاحبكم… الخ(
[10]).
وقال العلامة المجلسي رحمه الله : وُلد عليه السلام للنصف من شعبان، هذا هو المشهور بين الإماميّة، وروى الصدوق رحمه الله في إكمال الدين(
[11]) بإسناده عن غياث بن أسد، أنّه عليه السلام وُلد يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين.
الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه الإرشاد(
[12]): باب ذكر الإمام بعد أبي محمد عليه السلام وتاريخ مولده ودلايل امامته، وذكر طرف من أخباره، وغيبته، وسيرته عند قيامه، ومدّة دولته.
كان الإمام بعد أبي محمد عليه السلام ابنه المسمّى بإسم رسول الله صلى الله عليه واله المكنى بكنيته، ولم يخلف أبوه ولداً ظاهراً ولا باطناً غيره، وخلّفه أبوه غائباً مستتراً.
وكان مولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وأُمّه أُمّ ولد يقال لها: نرجس، وكان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبياً وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة، كما جعل عيسى بن مريم عليه السلام في المهد نبيّاً.
وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى، جاءت بذلك الأخبار، فأما القصرى منهما فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وعدم السفراء بالوفاة، وأما الطولى فهي بعد الأولى، وفي آخرها يقوم بالسيف(
[13]).
وروى العلاّمة المجلسي رحمه الله عن الشهيد رحمه الله في الدروس، قال:
ولد عليه السلام بسرّ من رأى يوم الجمعة ليلاً خامس عشر من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وأُمه صقيل، وقيل: نرجس… وعيّن الشيخ في المصباحين والسيد بن طاووس في كتاب الاقبال وسائر مؤلفي كتب الدعوات ولادته عليه السلام في النصف من شعبان(
[14]).
[15]) وُلد عليه السلام بسُرّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين.
قال الإربلي رحمه الله في كتابه كشف الغمة:
ذكر الإمام الثاني عشر، وهو مولانا الإمام المنتظر الخلف الحجّة، صاحب الزمان، محمد بن الحسن الخالص، بن علي المتوكل، بن محمد القانع، بن علي الرضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي سيد العابدين، بن الحسين الشهيد، بن علي بن أبي طالب عليهم السلام :
إذا ما وصل الجمع إلى أخبار مولانا |
|
فما أجدرنا بالشكر لله وأولانا |
اما نتوّلاه فطوبى لو تولاّنا |
|
رآنا الله في عطل وبالمهدي حلاّنا |
وأولانا به لطفاً وتأييداً واحساناً |
|
ونرجو إننا نلقاه في الدنيا ويلقانا |
عسى يُروى به قلب به مازال ظمآنا
قال الشيخ كمال الدين بن طلحة رحمه الله الباب الثاني عشر في أبي الفاسم محمد، الحجة بن الحسن، الخالص، بن علي المتوكل، بن محمد القانع، بن علي الرضا (عليهم السلام والتحية):
فهذا الخلف الحجّة قد أيّده الله |
|
وهداه منهج الحق وأتاه سجاياه |
وقد تقدم بتمامها..
وأما نسبه أباً وأُماً، فأبوه أبو محمد الحسن الخالص، بن علي المتوكل، بن محمد القانع، بن علي الرضا بن موسى الكاظم… الخ.
وأما أُمّه: أم ولد تسمى صيقل… الخ.
وأما اسمه: محمد.
وكنيته: أبو القاسم.
ولقبه: الحجّة، والخلف الصالح، وقيل: المنتظر.
وأما ما ورد عن النبي صلى الله عليه واله في المهدي عليه السلام من الأحاديث الصحيحة، فمنها ما نقله الإمامان أبو داود والترمذي كل واحد منهما بسنده في صحيحين يرفعه إلى أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: (المهدي منا، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلأت جوراً وظلماً)(
[16]).
قال الفالي: وقد تقدم أكثر ما في الصحاح والمسانيد والجوامع لعلماء أهل السنة بهذا الشأن.