خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام في بدء الخليقة
إن الله تعالى – حين شاءَ تقديرَ الخليقة وذَرْءَ البريَّة و ابداع المُبدَعاتِ – نصبَ الخلْقَ في صُوَرٍ كالهباء قبل دَحْوِ الأرض ورفع السماء – وهو في انفرادِ ملكوته وتوحُّد جبروته – فأتاحَ نورا من نوره فلمع ، ونزع قبساً من ضيائه فسطع ، فقال له – عز من قائل : أنت المختارُ المنتخب ، عندك مستودعُ نوري وكنوزُ هدايتي ، من أجلِك أسطحُ البطحاءَ ، و أموّجُ الماء ، و ارفعُ السماء ، و أجعلُ الثوابَ و العِقاب ، و الجنةَ و النارَ، وأنِصبُ أهل بيتك أعلاماً للهداية وحجُجَاً على البرَّية ، وأدلاّءَ على القدرة و الوحدانية ، و أمنَحهُم من مكنونِ العِلم ما لا يُعييهم معه خفي ، ولا يُشِكِلُ عليهم دقيق . ثم أخفى الخليقة في غيبه ، وغَيّبها في مكنون علمه ، ثم نَصَبَ العوالم وبسطَ الرمال ، وموّج الماء ، و أثار الزَبَدَ ، و أهاج الدخان ، ثم أنشأ الله الملائكة من أنوارٍ أبدعها ، و أرواح اخترعها وقَرَن توحيده بنبّوة محمد صلى الله عليه واله فشُهرت في السماء قبل بعثته في الأرض . ولما خلق الله آدم أبان فضله للملائكة ، و أراهم ما خصّه به من سابق العلم ، ومعرفة الأسماء ، وجَعَله محراباً وكعبة ، وباباً وقبلةً ، أَسْجَدَ لها الأبرار ، و الروحانين الأنوار ، ثم نبّهه على ما استودعه لديه ، وأتَمَنه عليه ، ولم يزل الله تعالى يُخَبأ ذلك النور ، حتى وصل محمداً في ظاهر الفترات ، فدعا الناس ظاهراً وباطناً ، وندبهم سراً و إعلاناً ، و استدعى التنبيه على ذلك العهد ، الذي قدمه إلى الذّر ، فمن وافقه اهتدى إلى سيره ، و استبان واضح أمره ، ومن لبَّسته ([1]) الغفلة استحق السخط وركب الشطط ، ثم انتقل النور إلى غَرائزنا ، ولمع في أئمتنا ، فنحن أنوار السماء و أنوار الأرض ، فبنا النجاة ، ومنا مكنون العلم ، و إلينا مصير الأمور ، وبمهدّينا تنقطع الحجج . خاتم الأئمة ، ومنقِذ الأمة ، وغايةِ النور ، ومصدِر الأمور ، ونحن افضل المخلوقين ، وحجج رب العالمين ، فليهنأ بالنِّعمة من تمسّك بولايتنا .