نزول الإمام الحسين ( عليه السلام ) في نينوى
* - المفيد : فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة ، ثمّ عمل الركوب وأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم ، فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّه وأصحابه ، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا ، فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتّى انتهوا إلى نينوى ([1]) ، المكان الذي نزل به الحسين ( عليه السلام ) ، فإذا راكب على نجيب له عليه السلاح متنكّب قوساً مقبل من الكوفة ، فوقفوا جميعاً ينتظرون ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ وأصحابه ولم يسلّم على الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ، ودفع إلى الحرّ كتاباً من عبيد الله بن زياد [ لعنه الله ] فإذا فيه : أمّا بعد ، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ، ولا تنزله إلاّ بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام . فلمّا قرأ الكتاب قال لهم الحرّ : هذا كتاب الأمير عبيد الله ، يأمرني أن أُجعجع بكم في المكان الذي يأتي كتابه ، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتّى أنفذ أمره فيكم . فنظر يزيد بن المهاجر الكندي - وكان مع الحسين ( عليه السلام ) - إلى رسول ابن زياد فعرفه ، فقال له يزيد : ثكلتك أُمّك ماذا جئت فيه ! ؟ قال : أطعت إمامي ، ووفيت ببيعتي . فقال له ابن المهاجر : بل عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، وكسبت العار والنار ، وبئس الإمام إمامك ، قال الله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَمَةِ لاَ يُنصَرُونَ ) ([2]) فإمامك منهم . وأخذهم الحرّ بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : دَعْنا وَيْحَكَ ، نَنْزِلْ في هذِهِ الْقَرْيَةِ ، أَوْ هذِهِ - يعني نينوى والغاضريّة - ، أَوْ هذِهِ ([3]) يعني شفيّة ، قال : والله ! ما أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث إليّ عيناً عليّ . فقال زهير بن القين : إنّي والله ! ما أراه يكون بعد الذي ترون إلاّ أشدّ ممّا ترون يا ابن رسول الله ! إنّ قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به ! فقال الحسين ( عليه السلام ) : ما كُنْتُ لأََبْدَأَهُمْ بِالْقِتالِ . ثمّ نزل وذلك يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين . ([4])
* - ابن أعثم : وأصبح الحسين ( عليه السلام ) من وراء عذيب الهجانات قال : وإذا بالحرّ بن يزيد قد ظهر له أيضاً في جيشه . فقال الحسين ( عليه السلام ) : ما وَراءَكَ يَا ابْنَ يَزيدَ ! أَلَيْس قَدْ أَمَرْتَنا أَنْ نَأْخُذَ عَلَى الطَّريقِ فَأَخَذْنا وَقَبِلْنا مَشْوَرَتَكَ ؟ فقال : صدقت ، ولكن هذا كتاب عبيد الله بن زياد قد ورد عليّ يؤنبني ، ويعنّفني في أمرك ! فقال الحسين ( عليه السلام ) : فَذَرْنا حَتّى نَنْزِلَ بِقَرْيةِ نَيْنَوى ، أَوْ الْغاضِريَّةِ . فقال الحرّ : لا والله ! ما أستطيع ذلك ، هذا رسول عبيد الله بن زياد معي ، وربّما بعثه عيناً عليّ . قال : فأقبل الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) على رجل من أصحابه يقال له : زهير بن القين البجلي ، فقال له : يا ابن بنت رسول الله ! ذرنا حتّى نقاتل هؤلاء القوم فإنّ قتالنا الساعة نحن وإيّاهم أيسر علينا وأهون من قتال من يأتينا من بعدهم . فقال الحسين ( عليه السلام ) : صَدَقْتَ يا زُهَيْرُ ! وَلكِنْ ما كُنْتُ بِالَّذي أُنْذِرُهُمْ بِقِتال حَتّى يَبْتَدِرُوني . فقال له زهير : فسر بنا حتّى نصير بكربلاء فإنّها على شاطئ الفرات ، فنكون هنالك فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا بالله عليهم . قال : فدمعت عينا الحسين ( عليه السلام ) ، ثمّ قال : أللّهُمَّ ! ثُمَّ أللّهُمَّ ! إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَرْبِ وَالْبَلاءِ . ونزل الحسين في موضعه ذلك . ([5])
* - الخوارزمي : ثمّ أقبل على أصحابه ، فقال : أَمّا بَعْدُ فَإِنَّ النّاسَ عَبيدُ الدُّنْيا وَالدّينُ لَعْقٌ عَلى أَلْسِنَتِهِمْ ، يَحُوطُونَهُ ما دَرَّتْ مَعائِشُهُمْ ، فَإِذا مُحِّصُوا بِالْبَلاءِ قَلَّ الدَّيّانُونَ . ثمّ قال لهم : أَهذِهِ كَرْبَلاء ؟ فقالوا :نعم فقال : هذِهِ مَوْضِعُ كَرْب وَبَلاء ، ههُنا مُناخُ رِكابِنا ، وَمَحَطُّ رِحالِنا ،وَمَسْفَكُ دِمائِنا . ([6])
* - ابن الأثير : وفي رواية : قال زهير : سر بنا إلى هذه القرية حتّى ننزلها فإنّها حصينة ، وهي على شاطئ الفرات ، فإن منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون علينا من قتال من يجئ بعدهم . فقال الحسين ( عليه السلام ) : ما هِيَ ؟ قال : العقر . قال : أللّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَقَرِ .([7])
* - الدينوري : فقال الحسين ( عليه السلام ) للحرّ : سر بنا قليلاً ثمّ ننزل ، فسار معه حتّى أتوا كربلاء ، فوقف الحرّ وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من المسير وقال : إنزل بهذا المكان ، فالفرات منك قريب . قال الحسين : وَمَا اسْمُ هذَا الْمَكانِ ؟ قالوا له : كربلاء . قال : ذاتُ كَرْب وَبَلاء ، وَلَقَدَ مَرَّ أبي بِهذَا الْمَكانِ عِنْدَ مَسيرِهِ إِلى صِفّينَ ، وَأَنَا مَعَهُ ، فَوَقَفَ ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَأُخْبِرَ بِاسْمِهِ ، فَقالَ : هاهنا محطّ ركابهم ، وهاهنا مهراق دمائهم ، فَسُئِلَ عَنْ ذلِكَ ، فَقالَ : ثقل لآل بيت محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، ينزلون هاهنا .([8])
* - السيّد مرتضى العسكري : وَقَبَضَ الْحُسَيْنُ ( عليه السلام ) قَبْضَةً مِنْها فَشَمَّها ، وَقالَ : هذِهِ وَاللهِ ! هِيَ الأَْرْضُ الَّتي أخْبَرَ بِها جَبْرَئيلُ رَسُولَ اللهِ أَنَّني أُقْتَلُ فيها ، أَخْبَرَتْني أُمُّ سَلْمَةَ ، قالَتْ : كان جبرئيل عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنت معي ، فبكيت ، فقال رسول الله : دعي ابني ! فتركتك ، فأخذك ووضعك في حجره ، فقال جبرئيل : أتحبّه ؟ قال : نعم . قال : فإنّ أُمّتك ستقتله ، وإن شئت أريتك تربة أرضه التي يقتل فيها ! قال : نعم . فبسط جبرئيل جناحه على أرض كربلاء ، فأراه إيّاها ! وفي رواية : لمّا أحيط بالحسين بن عليّ ، قال : مَا اسْمُ هذِهِ الأَْرْضِ ؟ قيل : كربلاء . فقال : صَدَقَ النَّبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) إِنَّها أَرْضُ كَرْب وَبَلاء . ([9])
* - البهبهاني : وفي رواية عن أبي مخنف في مقتله باسناده عن الكلبي أنّه قال : وساروا جميعاً إلى أن أتوا إلى أرض كربلاء ، وذلك في يوم الأربعاء ، فوقف فرس الحسين ( عليه السلام ) من تحته ، فنزل عنها وركب أخرى فلم ينبعث من تحته خطوة واحدة يميناً وشمالاً ، ولم يزل يركب فرساً بعد فرس حتّى ركب سبعة أفراس وهنّ على هذا الحال ، فلمّا رأى الإمام ذلك الأمر الغريب ، قال : يا قَومِ ! ما يُقالُ لِهذَهِ الأْرْضِ ؟ قالوا : أرض الغاضريّة . قال : فَهَلْ لَهَا اسْمٌ غَيْرُ هذا ؟ قالوا : تسمّى نينوى . قال : هَلْ لَهَا اسْمٌ غَيرُ هذا ؟ قالوا : تسمّى بشاطئ الفرات . قال : هَلْ لَهَا اسْمٌ غَيْرُ هذا ؟ قالوا : تسمّى كربلاء . قال : فعند ذلك تنفّس الصعداء ، وقال : أَرْضُ كَرْب وَبَلاء ثمّ قال : قِفُوا وَلا تَرْحَلُوا ، فَهاهُنا وَاللهِ ! مُناخُ رِكابِنا ، وَهاهُنا وَاللهِ ! سَفْكُ دِمائِنا ، وَهاهُنا وَاللهِ ! هَتْكُ حَريمِنا ، وهاهُنا وَاللهِ ! قَتْلُ رِجالِنا ، وَهاهُنا وَاللهِ ! ذَبْحُ أَطْفالِنا ، وَهاهُنا وَاللهِ ! تُزارُ قُبُورُنا ، وَبِهذِهِ التُّرْبَةِ وَعَدَني جَدّي رَسُولُ اللهِ وَلا خُلْفَ لِقَوْلِهِ ( صلى الله عليه وآله ) . ([10])
* - القندوزي الحنفي : فساروا جميعاً إلى أن انتهوا إلى أرض كربلاء ، إذ وقف جواد الحسين ، وكلّما حثّه على المسير لم ينبعث من تحته خطوة واحدة ، فقال الإمام : ما يُقالُ لِهذِهِ الأَْرْضِ ؟ قالوا : تسمّى كربلاء . فقال : هذِهِ وَاللهِ ! أَرْضُ كَرْب وَبَلاء ، هاهُنا تُقْتَلُ الرِّجالُ ، وَتُرَمَّلُ النِّساءُ ، وَهاهُنا مَحَلُّ قُبوُرِنا وَمَحْشَرِنا ، وَبِهذا أَخْبَرَني جَدّي ( صلى الله عليه وآله ).([11])
* - الحرّ العاملي : وروى أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتاب مقتل الحسين ( عليه السلام ) : أنّه لمّا وصل إلى كربلاء ، قال : قِفُوا وَلا تَبْرَحَوُا ، هاهُنا وَاللهِ مُناخُ رِكابِنا ، وَهاهُنا وَاللهِ ! مَحَطُّ رِحالِنا ، وَهاهُنا وَاللهِ ! تُسْفَكُ دِماؤُنا ، وَهاهُنا وَاللهِ ! يُسْتَباحُ حَريمُنا ، وَهاهُنا وَاللهِ ! مَحَلُّ قُبوُرِنا ، هَاهُنا وَاللهِ ! مَحْشَرُنا وَمَنْشَرُنا .([12])
* - ابن أعثم : وكتب عبيد الله بن زياد [ لعنه الله ] إلى الحسين ( عليه السلام ) : أمّا بعد ، يا حسين ! فقد بلغني نزولك بكربلاء ، وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير ، ولا أشبع من الخبز ، أو أُلحقك باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية ، والسلام . فلمّا ورد الكتاب قرأه الحسين ( عليه السلام ) ، ثمّ رمى به ، ثمّ قال : لا أَفْلَحَ قَوْمٌ آثَروُا مَرْضاةَ أَنْفُسِهِمْ عَلى مَرضاةِ الخالِقِ . فقال له الرسول : أبا عبد الله ! جواب الكتاب ؟ قال : ما لَهُ عِنْدي جَوابٌ ؛ لاِنَّهُ قَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ . فقال الرسول لابن زياد ذلك ، فغضب من ذلك أشدّ الغضب . ([13])
* - أبو إسحاق الإسفرايني : ثمّ إنّ الحسين ( عليه السلام ) أمر بنصب الخيام للحريم والأولاد ، وجعل يصلح سيفه وآلة حربه ، وهو يبكي ويقول هذه الأبيات :
أَهْلَ الْعِراقِ هَلْ لَكُمْ خَليل |
|
وَلَكُمْ بِالاِْشْرافِ الْفَضيلِ |
وَالأْمْرُ في ذلِكَ لِلْجَليلِ |
|
وَكُلُّ حَيٍّ سالِكُ سَبيل |
ما أَفْرُقُ النَّقْلَةَ وَالرَّحيلِ |
|
وَكُلُّ شَىْء آلَةُ دَليل . ([14]) |
([1])نينوى : وهي قرية يونس بن متى بالموصل ، وناحية بسواد الكوفة ، يقال لها : نينوى ، ومنها كربلاء ، معجم البلدان 5 : 339 .
([3])في الأخبار الطوال قال ( عليه السلام ) : تقدّم بنا قليلاً إلى هذه القرية التي هي منّا على غلوة وهي الغاضرية ، أو هذه الأُخرى التي تسمى السقبة ، فنزل في إحديهما .
([4])الإرشاد : 226 ، تأريخ الطبري 3 : 309 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 96 مع اختصار ، الكامل في التأريخ 2 : 555 ، بحار الأنوار 44 : 380 ، العوالم 17 : 230 ، الأخبار الطوال : 252 ، وفيه : ان وروده ( عليه السلام ) كان في غرّة محرم يوم الأربعاء ، وقال القندوزي في ينابيع المودّة : 406 : نزل يوم الأربعاء ثامن المحرم
([9])معالم المدرستين 3 : 96 ، تذكرة الخواصّ : 225 ، والمعجم الكبير 3 : 108 ح 2819 و 106 ح 2812 ، مجمع الزوائد 9 : 192 ، و 189 ، تاريخ ابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) : 219 ، البداية والنهاية 8 : 183 ، نفس المهموم : 205