النائب الأوّل للإمام الحجة عليه السلام في الغيبة الصغرى هو:
عثمان بن سعيد العمري، بفتح العين وسكون الميم أو كسرها، أوّل السفراء ومقدّمهم، يكنى أبا عمرو، وملّقب بالسمان والزيّات والعسكري، ذكره الشيخ الطوسيرحمه الله (
[1]) في عداد أصحاب الهادي عليه السلام وقال: خدمه عليه السلام وله إحدى عشر سنة وله عليه السلام إليه رحمه الله عهد معروف، وفي أصحاب الإمام العسكري: جليل القدر، ثقة، وكيله عليه السلام .
وقال العلامة المجلسيرحمه الله (
[2]): ذكر الشيخ بعض أصحاب الأئمة عليهم السلام الممدوحين: ثم قال: فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة، فأولهم من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري (الهادي) وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه عليه السلام وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو وكان أسدياً، وإنّما سميّ العمري لما رواه أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر العمري رحمه الله قال أبو نصر: كان أسديّاً ينسب إلى جدّه، فقيل: العمري، وقد قال قوم من الشيعة: إن أبا محمد الحسن بن عليّ العسكريعليه السلام قال: لا يحمع على امرئ ابن عثمان وأبو عمرو، وأمر بكسر كنيته، فقيل: العِمري (بكسر العين، أو الميم)، ويقال له: العسكري أيضاً لأنه كان من عسكر سر من رأى، ويقال له: السمان لأنه كان يتجر في السمن تغطية على الأمر.
وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو فيجعله في جراب السمن، وزقاقه، ويحمله إلى أبي محمد عليه السلام تقية وخوفاً.
قال أحمد بن إسحاق بن سعد القمي: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت، فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟
فقال لي صلى الله عليه واله : هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله، وما أدّاه إليكم فعني يؤدّيه.
قال: فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن صاحب العسكر عليه السلام ذات يوم فقلت له مثل قولي لأبيه عليه السلام ؟
فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في الحياة والممات، فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه..
قال أبو محمد هارون: قال أبو علي: قال أبو العباس الحميري: فكنا كثيراً ما نتذاكر هذا القول، ونتواصف جلالة محلّ أبي عمرو.
وقد روى جماعة، عن أبي محمد هارون، عن محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، قال: حججنا في بعض السنين بعد مضي أبو محمد عليه السلام فدخلت على أحمد بن إسحاق، بمدينة السلام ـ بغداد ـ فرأيت أبا عمرو عنده، فقلت: إن هذا الشيخ، وأشرت إلى أحمد بن إسحاق، وهو عندنا الثقة المرضي، حدّثنا فيك بكيت وكيت، واقتصصت عليه ما تقدّم ـ من فضل أبي عمرو، وجلالته ومحلّه عند أبي الحسن وأبي محمدعليه السلام ـ وقلت: أنت الآن من لا يشك في قوله وصدقّه، فأسألك بحقّ الله، وبحقّ الإمامين اللذين وثّقاك هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان؟
فبكى، ثم قال: على أن لا تخبر بذلك أحداً وأنا حي.
قلت: نعم.
قال: قد رأيته عليه السلام وعنقه هكذا ـ أي في غاية الصحّة والسلامة ـ .
قلت: فالإسم؟
قال: قد نهيتم عن هذا.
وروى أحمد بن علي بن نوح أبو العباس السيرافي، قال: أخبرنا أبو نصر عبد الله بن محمد بن أحمد المعروف بابن برينة الكاتب... عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسينان، قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن ـ العسكري ـ عليه السلام بسر من رأى، وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته، حتى دخل عليه بدر خادمه، فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر...
فقال عليه السلام لهم ـ أي للجماعة الذين بين يديه ـ: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن… ثم قال عليه السلام لبدر: فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العمري.
فما لبثنا إلاّ يسيراً حتى دخل عثمان، فقال له سيّدنا أبو محمد عليه السلام : امض يا عثمان، فإنك الوكيل والثقة والمأمون على مال الله، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال.
إلى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا والله إنّ عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وأنّه وكيلك وثقتك على مال الله.
قال عليه السلام : نعم، وأشهدوا على أنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي، وأنّ ابنه محمداً وكيل ابني مهدّيكم.
وأبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر العمري (قدس الله روحه وأرضاه عن شيوخه)(
[3]) أنّه لما مات الحسن بن عليعليه السلام حضر غسله عثمان ابن سعيد (رضي الله عنه وأرضاه) وتولّى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره مأموراً بذلك، الظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها.
وكانت توقيعات صاحب الأمر عليه السلام تخرج على يدي عثمان بن سعيد، وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمدعليه السلام بالأمر والنهي والأجوبة عما تسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام ، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن تُوفيّ عثمان بن سعيد رحمه الله وغسله ابنه أبو جعفر وتولى القيام به وحصل الأمر كلّه مردوداً إليه، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته لما تقدّم له من النص عليه بالأمانة… الخ.
وقال جعفر بن محمد بن مالك: الفزاري البزاز، عن جماعة من الشيعة، منهم علي بن بلال، وأحمد بن هلال، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح… قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن عليعليه السلام نسأله عن الحجة من بعده، وفي مجلسه أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري، فقال له: يا ابن رسول الله أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني؟
فقال له: اجلس يا عثمان؛ فقام عليه السلام ليخرج فقال: لا يخرجنّ أحد، فلم يخرج منّا أحد إلى أن كان بعد ساعة، فصاح عليه السلام بعثمان، فقام على قدميه فقال عليه السلام : أخبركم بما جئتم؟
قالوا: نعم يا ابن رسول الله.
قال عليه السلام : جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي.
قالوا: نعم.
فإذا غلام كأنّه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد عليه السلام ، فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا… ألا وإنكم لاترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه.
[4]) عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، وأبي غالب الزراري، وأبي محمد التلعكبري، كلهم عن محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن عبد الله، ومحمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال:
اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو ـ عثمان بن سعيد ـ عند أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري القمي، فغمزني أحمد بن إسحاق عن أسأله عن الخلف ـ الحجة ـ فقلت له: يا أبا عمرو إنّي أريد أن أسألك وما أنا بشاك فيما أُريد أن أسألك عنه، فإنّ اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجة، وغُلق باب التوبة، فلم يكن ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرار من خلق الله عزوجل، وهم الذين تقوم عليهم القيامة، ولكن أحببت أن أزداد يقيناً، فإنّ إبراهيم عليه السلام سأل ربّه أن يريه كيف يحيى الموتى؟ فقال: ]أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي[(
[5])، وقد أخبرني أحمد بن إسحاق أبو علي عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته، فقلت له: من أعامل؟ وعمن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال عليه السلام له: العمري ثقتي، فما أدّى إليك عني فعني يؤدّي، وما قال لك فعني يقول: فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون.
وأخبرني أبو علي ـ أحمد بن إسحاق ـ أنّه سأل أبا محمد الحسن بن علي عليه السلام مثل ذلك؟ فقال عليه السلام له: العمري وابنه ثقتان، فما آدّيا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان؟ فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان.
فهذا قول إمامين قد مضيا فيك..
قال: فخرّ أبو عمرو ساجداً، وبكى، ثم قال: سل.
فقلت له: أنت رأيت الخلف من أبي محمد عليه السلام ؟
قال: أي والله ورقبته مثل ذا… أي رآه عليه السلام وهو بكمال الصحة والسلامة.
فقلت له: فبقيت واحدة.
فقال لي: هات.
قلت: فالإسم؟
قال: محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن أُحللّ وأحرّم، ولكن عنه عليه السلام فإنّ الأمر عند السلطان أن أبا محمد عليه السلام مضى ولم يخلف ولداً وقسم ميراثه، وأخذه من لاحقّ له، وصبر على ذلك، وهو ذا عياله يجولون، وليس أحد يجسر أن يتعرّف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الإسم وقع الطلب فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك(
[6]).