العتبة العلوية المقدسة - خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام في التحذير من الدنيا وفتنها -
» » سيرة الإمام » بلاغة الامام علي وحكمته » خطب الامام علي عليه السلام » خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام في التحذير من الدنيا وفتنها

خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام  في التحذير من الدنيا وفتنها

الحمد لله الخافض الرافع . الضارِّ النافِع الجوادِ الواسعِ الجليل ثناؤه الصادقة أسماؤه المحيط بالغيوب ، وما يخطر على القلوب ، الذي جعل الموت بين خلقه عدلاً . و أنعم بالحياة عليهم فضلاً فأحيا و أمات . وقدّر الأقوات : احكمها بعلمه تقديراً و أتقنها بحكمته تدبيراً . هو الدائم بلا فناء و الباقي إلى غير انتهاء . أحمده بخالص حمده المخزون بما حَمِدَه به الملائكة و النبيون : حمداً لا يُحصى له عدد ، ولا يتقدمه أمد ولا يأتي بمثله أحد ، أومن به و اشهد به ، و أتوكل عليه و أستكفيه ،. و اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وإن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .

أيُّها الناسُ ! إن الدنيا ليست لكم بدار ولا محلِّ قرار . أنتم فيها كركب عرّسوا فأناخوا . ثم استقلَوا فغدوا وراحوا . لم يَجدوا عما مضى نزوعاً ولا إلى ما تركوا رجوعاً . قلَّ في الدنيا لُبثُهم وعُجل إلى الآخرة بعثُهم .فأصبحتم حلولا في ديارهم ظاعنين على آثارهم . تحلون من حالهم حالا وتحتذون من مسلكهم مثالاً . فلا يغرنكم بالله الغُرُور  فرحم الله امرأً راقب ربه ، وتنكَّب ذنبه وكابر هواه ، وكذَّب مناه ، زمَّ نفسه من التقوى بزمام و ألجمها من الخشية بلجام . فقادها إلى الطاعة بزمامها وكبحها عن المعصية بلجامها ،رافعاً إلى المعاد طرفه متوقعاً في كل آن حتفه ، دائم الفِكَر ، طويل السهَر ، عَزُوفاً عن الدنيا ، كدوحاً للأخرى ، جعل الصبر مطية نجاته ، و التقوى عدة وفاته ، قد طوى مهاده وهجر سادَه . عظمت آمالُه و ارتعدت أوصالُه لا يظهر دون ما يكتم ويكتفي بأقل مما يعلم . أولئك ودائع الله المدفوع بهم عن عباده لو اقسم أحدهم على الله لأبرّه .