مع ام معبد وشاتها
* - من معجزاته صلى الله عليه وآله أنه لما كانت الليلة التي خرج فيها رسول - الله صلى الله عليه آله إلى الغار كانت قريش اختارت من كل بطن منهم رجلا ليقتلوا محمدا ، فاختارت خمسة عشر رجلا من خمسة عشر بطنا ، كان فيهم أبو لهب من بطن بني هاشم ليتفرق دمه في بطون قريش فلا يمكن بني هاشم أن يأخذوا بطنا واحدا ، فيرضون عند ذلك بالدية فيعطون عشر ديات ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لأصحابه : لا يخرج الليلة أحد من داره ، فلما نام الرسول قصدوا جميعا إلى باب عبد المطلب ، فقال لهم أبو لهب : يا قوم إن في هذه الدار نساء بني هاشم وبناتهم ، ولا نأمن أن تقع يد خاطئة إذا وقعت الصيحة عليهن فيبقى ذلك علينا مسبة وعارا إلى آخر الدهر في العرب ، ولكن اقعدوا بنا جميعا على الباب نحرس محمدا في مرقده ، فإذا طلع الفجر تواثبنا إلى الدار فضربناه ضربة رجل واحد وخرجنا ، فإلى أن تجتمع الناس ، وقد أضاء الصبح فيزول عنا العار عند ذلك فقعدوا بالباب يحرسونه ، قال علي عليه السلام : فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : إن قريشا دبرت كيت وكيت في قتلي ، فنم على فراشي حتى أخرج أنا من مكة ، فقد أمرني الله بذلك ، فقلت له : السمع والطاعة ، فنمت على فراشه ، وفتح رسول الله صلى الله عليه وآله الباب وخرج عليهم وهم جميعا جلوس ينتظرون الفجر ، وهو يقول : وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ومضى وهم لا يرونه ، فرأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسس من خبره ، وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم فأخرجه معه إلى الغار ، فلما طلع الفجر تواثبوا إلى الدار وهم يظنون أني محمد صلى الله عليه وآله ، فوثبت في وجوههم وصحت بهم ، فقالوا : علي ؟ قلت : نعم ، قالوا : وأين محمد ؟ قلت : خرج من بلدكم ، قالوا : إلى أين خرج : قلت : الله أعلم ، فتركوني وخرجوا ، فاستقبلهم أبو كرز الخزاعي وكان عالما بقصص الآثار ، فقالوا : يا أبا كرز اليوم نحب أن تساعدنا في قصص أثر محمد ، فقد خرج عن البلد ، فوقف على باب الدار فنظر إلى أثر رجل محمد صلى الله عليه وآله ، فقال : هذه أثر قدم محمد ، وهي والله أخت القدم التي في المقام ، ومضى به على أثره حتى إذا صار إلى الموضع الذي لقيه فيه أبو بكر ، قال : هنا قد صار مع محمد آخر ، وهذه قدمه ، إما أن تكون قدم أبي قحافة أو قدم ابنه ، فمضى على ذلك إلى باب الغار ، فانقطع عنه الأثر ، وقد بعث الله قبجة فباضت على باب الغار ، وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار ، فقال : ما جاز محمد هذا الموضع ، ولا من معه ، إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو نزلا في الأرض ، فإن باب هذا الغار كما ترون عليه نسج العنكبوت ، والقبجة حاضنة على بيضها بباب الغار ، فلم يدخلوا الغار ، وتفرقوا في الجبل يطلبونه . ومنها : أن أبا بكر اضطرب في الغار اضطرابا شديدا خوفا من قريش فأراد الخروج إليهم ، فقعد واحد من قريش مستقبل الغار يبول ، فقال أبو بكر : هذا قد رآنا ، قال : كلا لو رآنا ما استقبلنا بعورته ، وقال له النبي صلى الله عليه وآله : لا تخف إن الله معنا لن يصلوا إلينا فلم يسكن اضطرابه ، فلما رأى صلى الله عليه وآله ذلك منه رفس ظهر الغار فانفتح منه باب إلى بحر وسفينة ، فقال له : أسكن الآن ، فإنهم إن دخلوا من باب الغار خرجنا من هذا الباب وركبنا السفينة ، فسكن عند ذلك ، فلم يزالوا إلى أن يمسوا في الطلب فيئسوا وانصرفوا ، ووافى ابن الأريقط بأغنام يرعاها إلى باب الغار وقت الليل يريد مكة بالغنم ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : أفيك مساعدة لنا ؟ قال : إي والله ، فوالله ما جعل الله هذه القبجة على باب الغار حاضنة لبيضها ، ولا نسج العنكبوت عليه إلا وأنت صادق ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فقال : الحمد لله على هدايتك ، فصر الآن إلى علي فعرفه موضعنا ، ومر بالغنم إلى أهلها إذ نام الناس ، ومر إلى عبد أبي بكر ، فصار ابن الأريقط إلى مكة وفعل ما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأتى علي عليه السلام وعبد أبي بكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أعدلنا يا أبا الحسن زادا وراحلة ، وابعثها إلينا ، وأصلح ما نحتاج إليه ، واحمل والدتك وفاطمة وألحقنا بهما إلى يثرب ، وقال أبو بكر لعبده مثله ، ففعلا ذلك ، فأردف رسول الله صلى الله عليه وآله ابن الأريقط ، وأبو بكر عبده . ومنها : أن النبي صلى الله عليه وآله لما خرج وهؤلاء أصبحوا من تلك الليلة التي خرجوا فيها على حي سراقة بن جعشم ، فلما نظر سراقة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال : أتخذ يدا عند قريش ، وركب فرسه وقصدا محمدا صلى الله عليه وآله قال : قد لحق بنا هذا الشيطان ، فقال : إن الله سيكفينا أمره ، فلما قرب قال صلى الله عليه وآله : اللهم خذه فارتطم فرسه في الأرض فصاح : يا محمد خلص فرسي ، لا سعيت لك في مكروه . أبدا ، وعلم أن ذلك بدعاء محمد صلى الله عليه وآله ، فقال : اللهم إن كان صادقا فخلصه فوثب الفرس فقال : يا أبا القاسم ستمر برعائي وعبيدي فخذ سوطي ، فكل من تمر به فخذ ما شئت فقد حكمتك في مالي ، فقال : لا حاجة لي في مالك ، قال : فسلني حاجة ، قال : رد عنا من يطلبنا من قريش ، فانصرف سراقة فاستقبله جماعة من قريش في الطلب فقال لهم : انصرفوا عن هذا الطريق ، فلم يمر فيه أحد ، وأنا أكفيكم هذا الطريق ، فعليكم بطريق اليمن والطائف . ومنها : أن النبي صلى الله عليه وآله سار حتى نزل بخيمة أم معبد فطلبوا عندها قرى فقالت : ما يحضرني شئ ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى شاة في ناحية الخيمة قد تخلفت من الغنم لضرها ، فقال : أتأذين في حلبها ؟ قالت : نعم ولا خير فيها ، فمسح يده على ظهرها فصارت من أسمن ما يكون من الغنم ، ثم مسح يده على ظهرها فأرخت ضرعا عجيبا ، ودرت لبنا كثيرا ، فقال : يا أم معبد هاتي العس ، فشربوا جميعا حتى رووا ، فلما رأت أم معبد ذلك قالت : يا حسن الوجه إن لي ولدا له سبع سنين وهو كقطعة لحم لا يتكلم ولا يقوم فأتته به ، فأخذ تمرة وقد بقيت في الوعاء ومضغها وجعلها في فيه فنهض في الحال ومشى وتكلم ، وجعل نواها في الأرض فصارت في الحال نخلة وقد تهدل الرطب منها ، وكان كذلك صيفا وشتاء ، وأشار من الجوانب فصار ما حولها مراعي ، ورحل رسول الله صلى الله عليه وآله . ولما توفي عليه السلام لم ترطب تلك النخلة . وكانت خضراء ، فلما قتل علي عليه السلام لم تخضر بعد وكانت باقية ، فلما قتل الحسين عليه السلام سال منها الدم فيبست ، فلما انصرف أبو معبد ورأي ذلك فسأل عن سببه قالت : مربي رجل من قريش من حاله وقصته كذا وكذا ، قال : يا أم معبد إن هذا الرجل هو صاحب أهل المدينة الذي هم ينتظرونه ، ووالله ما أشك الآن أنه صادق في قوله : إني رسول الله ، فليس هذا إلا من فعل الله ، ثم قصد إلى رسول الله صلى اله عليه وآله فآمن هو وأهله .
*- عن خرام بن هشام بن جيش عن أبيه ، عن جده صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله أن النبي صلى الله عليه وآله لما خرج مهاجرا من مكة خرج هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ، ودليلهم عبد الله بن الأريقط فمروا على خيمة أم معبد الخزاعية ، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ، ثم تسقي وتطعم ، فسألوها تمرا ولحما يشترون ، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، فإذا القوم مرملون مسنتون ، فقالت : والله لو كان عندنا شئ ما أعوزناكم القرى ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى شاة في كسر الخيمة ، فقال : ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ فقالت شاة خلفها الجهد من الغنم ، قال : هل بها من لبن ؟ قالت : هي أجهد من ذلك ، قال : أتأذنين أن أحلبها ؟ قالت : نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها ، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وآله فمسح بيده ضرعها ، وسمى الله عز وجل ودعا لها في شاتها ، فتفاجت عليه ودرت واجترت ، ودعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب رسول الله صلى الله عليه وآله آخرهم ثم أراضوا ثم حلب ثانيا بعد بدء حتى امتلأ الاناء ، ثم غادره عندها ، ثم بايعها ، وارتحلوا فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا ، مخاخهن قليل ، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال : من أين لك هذا اللبن يا أم معبد ، و الشاة عازب حيال ولا حلوبة بالبيت ؟ قالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا ، قال : صفيه لي يا أم معبد ، قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه ثجلة ، وفي رواية : نحلة ، ولم يزريه صقلة وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره غطفة ، وفي صوته صهل ، وفي عنقه سطع ، و في لحيته كثافة أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما به وعلاه البهاء أكمل الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأعلاه من قريب ، حلو المنطق فصل ، لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ، ربعة لا يأس من طول ولا تقتحمه العين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظرا ، وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفون به ، إن قال نصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا مفند . قال أبو معبد : هذا والله صاحب قريش الذي ذكروا لنا من أمره ما ذكر بمكة ، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا ، فأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت ، ولا يدرون من صاحبه أبياتا منها :
فيا لقصي ما زوى الله عنكم |
|
به من فعال لا يجازى وسؤدد |
ليهن بني كعب مقام فتاتهم |
|
ومقعدها للمؤمنين بمرصد |
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها |
|
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد |
دعاها بشاة حائل فتحلبت |
|
عليه صريحا ضرة الشاة مزبد |
فغادرها رهنا لديها لحالب |
|
يرددها في مصدر ثم مورد |
فأصبح القوم قد فقدوا نبيهم |
|
وأخذوا على خيمتي أم معبد
|
، فلما سمع بذلك حسان بن ثابت نشب يجاوب الهاتف :
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم |
|
وقدس من يسري إليهم ويقتدي |
ترحل عن قوم فزالت عقولهم |
|
وحل على قوم بنور مجدد |
هداهم به بعد الضلالة ربهم |
|
وأرشدهم من يتبع الحق يرشد |
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله |
|
ويتلو كتاب الله في كل مشهد |
ليهن بني كعب مقام فتاتهم |
|
ومقعدها للمؤمنين بمرصد |
* - الفائق للزمخشري : خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة وأبو بكر و مولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط ، فمروا على خيمتي أم معبد ، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء العقبة ، ثم تسقي وتطعم ، فسألوها لحما وتمرا يشترونه منها ، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، وكان القوم مرملين مشتين - وروي مسنتين - فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى شاة في كسر الخيمة ، فقال : ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم ، فقال : هل بها من لبن ، قالت : هي أجهد من ذلك ، قال : أتأذنين أن أحلبها ؟ قالت : بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها . وروي أنه نزل هو وأبو بكر بأم معبد وذفان مخرجه إلى المدينة ، فأرسلت إليهم شاة فرأى فيها بصرة من لبن ، فنظر إلى ضرعها فقال : إن بهذه لبنا ، ولكن ابغيني شاة ليس فيها لبن ، فبعثت إليه بعناق جذعة فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وآله فمسح بيده ضرعها وسمى الله ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت واجترت . وروي أنه قال لابن أم معبد : يا غلام هات قروا ، فأتاه به فضرب ظهر الشاة فاجترت ودرت ، ودعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء وروي الثمال .
ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ، وشرب آخرهم ثم أراضوا عللا بعد نهل ، ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء حتى ملا الاناء ، ثم غادره عندها ثم بايعها ثم ارتحلوا عنها ، فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا تشاركن هزلا .
وروي تساوك وروي تساوق . مخهن قليل ، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال : من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب حيال ولا حلوب في البيت ؟ قالت : لا والله ، إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا ، قال : صفيه لي يا أم معبد ، قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه ثجلة ، ولم تزر به صقلة . وروي صعلة ، وروي لم يعبه نحلة ولم تزر به صقلة ، وسيما قسيما ، في عينيه دعج وفي أشفاره عطف ، أو قال : غطف ، وروي وطف ، وفي صوته صحل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأجمله من قريب ، حلو المنطق ، فصل لا نزر ولا هذر ، كأنما منطقة خرزات نظم يتحدرن ، ربعة لا يأس من طولا ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظرا ، و أحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفونه ، إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا معتد . قال أبو معبد : هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة لقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا ، ولقد أصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه :
جزى الله رب الناس خير جزائه |
|
رفيقين قالا خيمتي أم معبد |
هما نزلاها بالهدى واهتدت بهم |
|
فقد فاز من أمسى رفيق محمد |
فيا لقصي ما زوى الله عنكم |
|
به من فعال لا يجازى وسؤدد |
ليهنئ بني كعب مقام فتاتهم |
|
ومقعدها للمؤمنين بمرصد |
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها |
|
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد |
دعاها بشاة حائل فتحلبت |
|
له بصريح ضرة الشاة مزبد |
فغادرها رهنا لديها بحالب |
|
يرددها في مصدر ثم مورد |